Menu

خاصوعد بلفور وخفاياه: الدور الإيطالي

سيدني سونينو

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

رغم أن الرواية الرسمية الصهيونية والعربية كذلك تحيل "وعد بلفور" إلى حكومة المملكة المتحدة، وإلى وزير الخارجية آرثر بلفور، الذي صاغ نص العهد المقدم للورد اليهودي روتشيلد إلا أن دراسات لاحقة، أثبتت أنه رغم الدور الريادي لحاييم وايزمان، وبريطانيا، إلا أنه فيما يتعلق بفلسطين، لم يكن بوسع بريطانيا أن تتصرف بمفردها، لأنها تنتمي إلى تحالف، وكانت قوات الحلفاء، وخاصة بريطانيا وفرنسا ولكن أيضا روسيا وإيطاليا، وأمريكا في وقت لاحق، تقاتل معا، ولا بد من تنسيق سياساتها، وبالتالي من المحق القول أنه لم يكن واردا لبريطانية أن تصدر تعهدا علنيا بشأن مستقبل الأراضي التي يتعين تقاسمها بعد الحرب بدون موافقة مسبقة من الحلفاء، خصوصا أولئك الذين لديهم مصلحة في فلسطين أيضا.

وقد عبر المؤرخ مارتين كريمر عن هذه الحقائق أفضل تعبير حين كتب أنه من الخطأ أن نعتقد أن "وعد بلفور نشأ خارج أي إطار شرعي، كمبادرة للقوة الإمبريالية التي تتعامل مع الذات". في الواقع، "لم يكن هذا فعلا معزولا لدولة واحدة، بل وافقت عليه قوات الحلفاء مقدما، التي شكَّل توافقها في ذلك الوقت المصدر الوحيد للشرعية الدولية. ولم يكن هذا الإجماع أمراً عابراً، لكنه ظل ساري المفعول بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى".

استندت في معلومات هذا المقال على أعمال المؤرخين مارتين كريمر وآلان أركوش، ونيكولاس روستو، وكولين شندلر حول وعد بلفور، وخفاياه وسياقاته.

وقد أشارت دراسة سابقة إلى الدور الذي لعبه ناحوم سوكولوف، ولم توثقه الرواية الرسمية، حيث مثلت مساعي سوكولوف المفتاح لفهم أشمل وأكثر عمقا لوعد بلفور، وفي الواقع كان اليهود في ذلك الوقت يحبونه أكثر من وايزمان ويعتبرونه أكثر شجاعة. فقد حقق ما كان الكثيرون يعتبرونه مستحيلا، خصوصا عندما تمكن خلال ربيع 1917، من الحصول على موافقة صريحة أو ضمنية من الحكومات الفرنسية والإيطالية، وحتى البابا الكاثوليكي، بأن يقيم اليهود "وطن قومي" تحت الرعاية البريطانية، وقد كان هذا الإنجاز مفاجأة للجميع بما في ذلك وايزمان.

في الشهر الماضي، احتفل العالم في باريس بمرور مائة عام على عقد مؤتمر السلام الذي توج نهاية الحرب العالمية الأولى، وأنهاها رسميا، بالإضافة إلى ذلك شهد ذلك المؤتمر، اعتراف الحلفاء المنتصرين بـ"الحقوق القومية للشعب اليهودي" بل تم إدخال وعد بلفور في الوثائق الرسمية للمؤتمر في غياب العرب وتجاهلهم أو تواطؤهم بمعنى أصح.

تشير الدراسات إلى الدور الحاسم الذي لعبته إيطاليا خصوصا في مؤتمر باريس لدعم التطلعات الصهيونية، بل وحتى قبل صدور وعد بلفور، حيث ساعدت في تأمين دعم الحلفاء المنتصرين لسياسة فعلية بخصوص فلسطين متفق عليها، وتصب في مصلحة الصهاينة.

ويشار أيضا إلى الدور البارز الذي لعبه العديد من اليهود الإيطاليين البارزين، ولكن الدور الأبرز كان لسيدني سونينو وزير الخارجية الإيطالي في حينه المتحدر من أب يهودي.

كانت عملية توحيد إيطاليا الطويلة ما بين 1870-1871 قد شهدت رفع جميع القيود السابقة على اليهود، ونتيجة لهذا كان المجتمع اليهودي الذي لم يكن يتجاوز الخمسين ألف نسمة بحلول القرن العشرين، قد حقق بالفعل مستوى من النجاح والاندماج لم يسبق أن حازه أي مجتمع يهودي آخر قبل أو بعد ذلك الزمن، حيث بالإمكان العثورعلى العديد من الشخصيات اليهودية البارزة في عالم الأعمال والفن والتعليم، ولكن الأهم من ذلك كله عدد الشخصيات العسكرية والعسكرية والدبلوماسية والسياسية العليا.

ويكفي ذكر رئيسين للوزراء: أليساندرو فورتيس، الذي كان شخصية قوية شغل العديد من المناصب الحكومية قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء في 1905-1906، والثاني هو لويجي لوزاتي، وزير الخزانة، وإلى حد بعيد الشخصية البارزة في السياسة الاقتصادية الإيطالية بين عامي 1890 و 1920، وأصبح رئيسا للوزراء في 1910-1911، ثم كان هناك سونينو، فبالإضافة إلى فترة توليه المنصبين القصيرتين كرئيس للوزراء (في عامي 1906 و 1909-1910)، فقد سيطر على السياسة الخارجية الإيطالية خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى وبعدها بصفته وزيراً للخارجية تحت رئاسة ثلاثة رؤساء متتاليين.ش

كان سونينو شخصية غير عادية في إيطاليا الكاثوليكية،فقد كان أنجيليكانيا كما يشير لقبه، ولكنه ينحدر من واحدة من أبرز العائلات اليهودية في إيطاليا. من نواحٍ عديدة، كان شخصية مشابهة إلى حد ما لبنيامين دزرائيلي في بريطانيا: محلي وأجنبي أصبح قائدًا لليمين السياسي في بلاده بينما كان يعترف أيضًا بأصوله اليهودية ويفخر بها.

قبل وفاته بفترة وجيزة في عام 1904، زار تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية، روما في محاولة، غير ناجحة، للحصول على دعم البابا بيوس العاشر، و بينما كان هناك، التقى أيضا مع جياكومو مالفانو، الأمين العام لوزارة الخارجية الإيطالية، وبالتالي الموظف الحكومي الأعلى بين عامي 1891 و 1907. كان مالفانو يهوديًا أيضا، وكان هرتسل يأمل في تجنيده لصالح القضية الصهيونية، لكن في ذلك الوقت أثبت مالفانو أيضًا أنه مقاوم للفكرة.

لكن بعد عقد من الزمن، أصبح مالفانو، الذي أصبح حينها عضوًا في لجنة المعاهدات الدولية التابعة لمجلس الشيوخ الإيطالي، حليفاً سياسياً وثيقاً لسونينو، وقد دعم على الأرجح موقف الأخير المؤيد للصهيونية مع بدء تدافع المشهد الدولي في زمن الحرب، لتحفيز الجهود الصهيونية للاستفادة من الفرص الجديدة، في إيطاليا، كانت تلك الجهود موجهة بشكل رئيسي من قبل أنجيلو سولام، سكرتير الاتحاد الصهيوني الإيطالي.

في هذه المساعي يبرز اسم إيطالي آخر هو غايتانو موسكا، الذي اتصل به في وقت مبكر من عام 1914 كل من سولام والصهيوين الروسي بنحاس روتنبرغ، وقد كان موسكا يهوديا ووكيلا للمستعمرات الإيطالية، واقترحا عليه أن تشارك إيطاليا في إنشاء وحدات عسكرية يهودية للقتال إلى جانب "الحلفاء"، بريطانيا وفرنسا وروسيا - وبالتالي تحقيق مكسب يهودي بأن يكونوا متواجدين على الطاولة الدبلوماسية لتسوية أمور ما بعد الحرب كند لجميع الأطراف، لكن المشكلة أن إيطاليا كانت لا تزال متحالفة رسميا مع ألمانيا والنمسا-المجر، وقررت في البداية أن تظل حيادية في الحرب، لذلك لم تؤد جهود سولام وروثنبرج إلى أي نتيجة.

ومع ذلك، فإن حقيقة أن المسؤولين الإيطاليين لم يتنصلوا من المبادرة عنهم أكدت تماثلهم مع الصهيونية، وانعكاس هذا الوعي الصهيوني في الأوساط الحكومية الإيطالية، وهو وعي أصبح أكثر أهمية بعد دخول إيطاليا الحرب إلى جانب قوى الحلفاء في أيار/ مايو 1915.

طبعا، القارئ المتابع لتفاصيل وعد بلفور وتقدم المسعى الصهيوني يعلم أن شيئا مشابها يحدث في بريطانية، حيث أن المسألة اليهودية كانت بعيدة عن أجندة الحكومة البريطانية وأن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيا حتى 1916 مع خروج رئيس الوزراء المناوئ للصهيونية هربرت أسكويث على يد لويد جورج، المتعاطف مع الصهيونيين منذ فترة طويلة (كان مستشار هرتزل القانوني في السابق لدى المملكة المتحدة) وكذلك وصول آرثر بلفور كوزير للخارجية كمؤيد متحمس لليهود وأطماعهم، وقد اعتقد كل من لويد جورج وبلفور أيضاً أن اتفاقية "سايكس - بيكو"، وهي الخطة البريطانية الفرنسية لتقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب، قد منحت جزءا كبيرا من الشرق الأوسط لفرنيا واعتبروا أن المشروع الصهيوني وبدعم بريطاني، سيكون رافعة للتراجع عن بعض تلك التنازلات.

ومع ذلك، ظل الالتزام الرسمي بإقامة كيان سياسي يهودي في فلسطين جسراً بعيد المنال، وكانت هناك معارضة كبيرة للفكرة بين الشخصيات القيادية في الجالية اليهودية البريطانية نفسها.، حيث لم ينجح وايزمان وسوكولوف في انتزاع السيطرة على المؤسسات اليهودية البريطانية من القيادة المناهضة للصهيونية حتى أيار / مايو 1917.

وثمة مشكلة أخرى أكثر أهمية تتمثل في وجهات النظر المختلفة والمتضاربة في بعض الأحيان داخل دول الحلفاء، وخاصة بين بريطانيا وفرنسا، حول مستقبل الأراضي العثمانية، وهكذا أصبحت القضية الحاسمة بالنسبة للصهاينة، الحصول على دعم إحدى القنوات لإضفاء الاعتراف الرسمي على جهودهم، طبعا كانت القناة المختارة من اللجنة التنفيذية الصهيونية، رغم وجود خلافات داخلها هي بريطانيا، بتأثير كل من حاييم وايزمان وديفيد بن غوريون.

وقد جاء الاختراق خلال رحلة سوكولوف إلى روما في 6 مايو 1917، حيث التقى مع البابا بنديكتوس الخامس عشر، وكان مفاجأة سارة للمبعوث الصهيوني أن يجد البابا متعاطفا وإن بحذر مع المشروع الصهيوني، لكن البابا بالطبع لم يكن قوة حليفة، ولم يكن له أي نفوذ على الإطلاق في حكومة إيطاليا المناهضة للكنيسة، ناهيك عن فرنسا أو إنجلترا.

ويضاف أيضا تبعل لتحليل المؤرخ اليهودي ألان أركوش في تفسير التعاطف الفاتيكاني أن الفاتيكان من جانبه كان يخشى من وجود الفرنسيين في فلسطين لسبب آخر مختلف عن الرأي البريطان، فهو لا يريد لأمة ملطخة بالعلمانية المتشددة برأيه كفرنسا أن تطبق قبضتها على الأماكن المقدسة ويبدو أن الحكومة الإيطالية قد اتخذت موقفها استنادا إلى ما قيل في الفاتيكان.

ولم يكن سوكولوف بحال أفضل في اجتماع بعد بضعة أيام مع رئيس الوزراء باولو بوسيلي، الذي كان غير ملتزم، ولكن في 21 أيار/ مايو، التقى هو و أنجيلو سيريني، رئيس لجنة الجاليات اليهودية الإيطالية، مع سيدني سونيينو، الذي كان حينها وزير الشؤون الخارجية الإيطالي القوي.

لم يسجل في أي وثيقة معلوم ما قاله سوكولوف وسيريني في ذلك الاجتماع بالضبط لكسب محاورهما، ولكن بعد ذلك، كان لديهما رسالة رسمية من سونينو مفادها إنه وإن لم يكن وزير الخارجية قادرا على التعبير عن نفسه بالتأكيد في قضية تخص الحلفاء مجتمعين، إلا أنه بشكل عام لم يكن معارضاً لمطالب اليهود التي طرحها سوكولوف وسيزيني وادعاءاتهم بما زعموا أنه أرض أجدادهم، و كان هذا أول اعتراف على الإطلاق بالادعاءات اليهودية القومية من قبل قوة أوروبية – وهو بالتحديد ما كان يسعى إليه الصهاينة منذ فترة طويلة.

مع رسالة سونينو في جيبه، سافر سوكولوف إلى باريس للقاء مسؤولين في الحكومة الفرنسية، وكان قد سبق أن واجه عدة لقاءات غير حاسمة مع كل من فرانسوا بيكو وجول كامبون، رئيس القسم السياسي في وزارة الخارجية الفرنسية، وفي تقاليد الدبلوماسية الفرنسية، كان الرجلان متعاطفين، غامضين ومضللين، لكن سوكولوف هذه المرة كان لديه التعهد الإيطالي كحافز للفرنسيين ليصعدوا على متن القطار الصهيوني خشية أن يفتقدوه تمامًا.

وفي 4 حزيران / يونيو، وبعد موافقة ألكسندر ريبوت، رئيس الوزراء، أصدر كامبون رسالة تعطي تأكيدات بالتعاطف الفرنسي مع القضية الصهيونية.

لم يتم الإعلان عن الوعود الإيطالية والفرنسية، وبدلا من ذلك، قدمها سوكولوف عند عودته إلى لندن إلى وزارة الخارجية البريطانية لتشجيع بريطانية وكدليل على استعداد الحلفاء للمضي قدما في المبادرة البريطانية التي يعتمدها اللورد بلفور. وهكذا جاءت هذه الجهود بنتيجة مرضية للصهاينة حيث أصدر بلفور وعده في رسالته الشهيرة، التي تعلن دعم "حكومة صاحب الجلالة" لإقامة وطن يهودي في فلسطين"، وتهافت الحلفاء الآخرون لإعلان إصداراتهم الخاصة، ليعلنوا على العموم التزامهم بالقضية الصهيونية، أولاً جاء الفرنسيون والإيطاليون، الذين أكدوا لسوكولوف أن حكوماتهم ستسعى لتسهيل إنشاء مركز قومي يهودي في فلسطين، وقد انضمت إليهم لاحقاً الولايات المتحدة وحتى اليابان، التي أبلغت وايزمان في عام 1919 أنها لديها "اهتمام متعاطف مع تحقيق" التطلعات الصهيونية لإقامة وطن قومي في فلسطين".

بالإضافة إلى مثل هذه الإعلانات، بدأت مناوشة دبلوماسية حول الشخصية المستقبلية، والحدود، لـ "الوطن" أو "المركز" القومي اليهودي الذي لم يتم تحديده بعد. ومرة أخرى كان الإيطاليون لاعباً أساسياً ففي وقت مبكر من شباط/ فبراير 1918، صاغ غايتانو مانزوني، مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الإيطالية، اقتراحا داخليا لكسب موطئ قدم للمصالح الإيطالية في فلسطين من خلال العمل مع الصهاينة الإيطاليين اليهود، بعد إقراره لهذه الفكرة، كلف سونينو بمسئولية زميل لـ "شؤون فلسطين" وعين سولام للعمل كمستشار. ونتيجة لذلك، وبعد ذلك بوقت قصير، تم إرسال اثنين من اليهود، هما الضابط البحري أنجيلو ليفي بيانشيني والطبيب العسكري جياكومو آرتوم، لدراسة إمكانات فلسطين التجارية والصناعية والزراعية، والانضمام هناك إلى لجنة وايزمان الصهيونية.

حدث الفصل الأخيرمن هذه الدراما في مؤتمر باريس للسلام عام 1919. وهناك، تم التوصل إلى الترتيبات السياسية العامة والحدود الناتجة عن الحرب (مع ملء التفاصيل، وإدخال بعض التعديلات، في مؤتمرات لاحقة) و في 25 كانون ثاني/ يناير 1919، وافق المؤتمر على إنشاء "عصبة الأمم"، التي كان يُنشأ تحت رعايتها نظام "تفويض =انتداب" أو وصاية كمقدمة للحكم الذاتي في المستقبل في أجزاء كبيرة من الإمبراطورية العثمانية السابقة.

أصبحت القضية الحاسمة بالنسبة للصهاينة الآن، هي، دورهم في التفويض البريطاني المتوقع على فلسطين، و في 3 شباط / فبراير، قدمت المنظمة الصهيونية وثيقة تحدد قضية "حق اليهود في إعادة بناء وطنهم القومي في فلسطين" من خلال الترويج للهجرة اليهودية والاستيطان والحكم الذاتي. كما اقترحت الحدود.

بعد ثلاثة أسابيع، في 27 فبراير، التقى ممثلون صهيونيون مع وفود الحلفاء المنتصرين لمناقشة الوثيقة المقترحة، وكان الصهاينة الحاضرين سوكولوف ووايزمان بالإضافة إلى منعيم أوسيشكين، عضو اللجنة التنفيذية الصهيونية الذي أثار إعجاب المندوبين من خلال مخاطبتهم باللغة العبرية، ومن بين الحضور الآخرين اللورد آرثر بلفور واللورد ألفريد ميلنر (لبريطانيا) وستيفن بيشون وأندريه تارديو (فرنسا) وروبرت لانسينغ وهنري وايت (الولايات المتحدة) وماكينو نوبواكي (اليابان) وسونينو (إيطاليا) و قبل انعقاد الاجتماع، صُدم الصهاينة عندما علموا أن الوفد الفرنسي قد أضاف أيضاً سيلفان ليفي، وهو يهودي فرنسي بارز ورئيس المنظمة التعليمية الأليانس، إلى قائمة المتحدثين المدعوين.

في الاجتماع، قام الصهاينة أولا، بتقديم وتبرير مقترحاتهم، بعد ذلك وقف ليفي، وتجلت أسوأ مخاوفهم فقد استدعي من قبل الوفد الفرنسي بقصد واضح لتقويض المسعى الصهيوني، حيث أعرب عن شكوك عميقة وجدية بشأن استصواب أو جدوى المشروع الصهيوني. وأعقبه وايزمان الذي أجاب أيضًا على أسئلة من المندوبين الآخرين.

في ملاحظاتهم الخاصة، كان البريطانيون أكثر صراحة ومباشرة في دعمهم للرأي الصهيوني، الفرنسيون، من جانبهم، كانوا متشككين بشكل عام، واستهانوا بالمقترحات الصهيونية، رغم أنهم امتنعوا عن الرفض الصريح، ثم انتقل التركيز إلى الوفود المتبقية، و سأل روبرت لانسينج، وزير الخارجية الأمريكي، الصهاينة عن معنى عبارة "الوطن القومي اليهودي" في الوثيقة. أجاب وايزمان بأن ذلك يدل على توقع أنه في نهاية المطاف، عن طريق الهجرة اليهودية والتنمية، ستصبح فلسطين يهودية مثل أمريكا أمريكية وإنجلترا، الإنجليزية.

ووفقًا لملاحظاته الأخيرة، فإن وايزمان اشتبه في أن الأمريكيين كانوا يميلون أكثر نحو وجهات نظره أكثر من اتجاههم نحو ليفي، لكن موقفهم ظل حذرًا إلى حد ما، أما بالنسبة للمندوب الياباني، فقد بدا غير مبال بالإجراءات تماماً.

ثم جاء دور سونينو، وقد ألقى خطابًا حازمًا، مما جعله واضحًا تمامًا، مثله مثل بلفور الذي تحدث نيابة عن البريطانيين، أنه كان "مسرورًا جدًا" برد وايزمان على اعتراضات ليفي، وأن إيطاليا دعمت موقف بريطانيا على أساس مزايا الصهيونية.

هذا التدخل الصريح من قبل وزير الخارجية الإيطالي، إلى جانب اتساق إيطاليا الكامل مع النظرة البريطانية، قد خلق الزخم اللازم لكسر الجمود بين القوى العظمى، تاركا للصهاينة انطباعا بأنه على الرغم من الجهود الفرنسية لوأد مسعاهم، فإن الحلفاء ككل بقيوا ملتزمين بالقراءة الصهيونية لإعلان بلفور.

وقد تأكد هذا الانطباع في الأشهر التالية، حيث أشارت المناقشات غير الرسمية إلى أنه تم التوصل إلى توافق في الآراء لإنشاء تفويض بريطاني في فلسطين يهدف إلى تنفيذ الأهداف الصهيونية، و على الرغم من أن الانهيار المفاجئ للحكومة الإيطالية في 23 حزيران/يونيو قد أنهى مشاركة سونينو النشطة في المؤتمر - غادر باريس بعد توقيع معاهدة فرساي في 28 حزيران/ يونيو - إلا أن وجوده ومشاركته كانت حاسمة، و بعد أكثر من أسبوعين بقليل، بدأت المفاوضات الرسمية بين وزارة الخارجية البريطانية والمنظمة الصهيونية.

في تموز / يوليو 1922، وبعد عدة نكسات ومشاجرات (ليس أقلها الحدود المقترحة لفلسطين الانتداب)، قررت عصبة الأمم أن تمنح بريطانيا التفويض لفلسطين، في وقت لاحق أربعة أشهر فقط، كان سونينو مات، لكنه عاش طويلا بما يكفي لرؤية تحقيق الهدف الذي أيده بقوة وأعطاه في مراحل متعددة دفعة حاسمة.