Menu

الجبهة القومية العربية ( واقع وآمال)

نجاح واكيم

الحكيم

واكبت الأمة العربية حركة تحرر عربية بقيادة جمال عبد الناصر، وكانت هناك تشكيلات لأحزاب وفصائل وطنية وقومية بكل البلاد العربية. كانت مرحلة صعود حركة تحرر عربية، كان من أبرز مظاهرها حركة القوميين العرب، والتي جاءت لترد على تحدي ضياع فلسطين، وتحدي النكبة. وطوال مرحلة جمال عبد الناصر كانت الحركة القومية فعلاً تتجسد بحركة القوميين العرب، ومن ثم أخرجت ظاهرة نبيلة مناضلة اسمها الجبهة الشعبية والتي نرى أنها حققت إنجازات كبيرة، ويمكن القول أن أفضل من طرح القضية الفلسطينية وعبّر عنها كانت حركة القوميين العرب ومن ثم الجبهة الشعبية.

بعد وفاة عبد الناصر كشفت حقيقة الضعف التي عانت منها فصائل حركة التحرر العربية، فميزة الزعيم جمال عبد الناصر أنه كان صاحب مشروع. والقوى التقدمية العربية بشكل عام عجزت بعد رحيله على أن تصوغ مشروع وتكثف هذه المرحلة من النضال.

 بدأت الانتكاسة من وقتها ونرى أن الكثيرين من الفصائل القومية والتقدمية أصابها الوهن وأحياناً الضياع، فتراجعوا، بل تراجعوا عن الهدف أيضاً من خلال مراجعتهم لأساليب النضال. مثلاً في موضوع فلسطين بدأنا بعد حين من وفاة عبد الناصر نسمع بالحل السلمي، ثم بدأ يتشوه الهدف فبدلاً من هدف التحرير أصبح هدف تحقيق دولة فلسطينية كل يوم يصيغوها بشكل مختلف. أو مشروع دولة ديمقراطية يتآخى فيها اليهودي والعربي كأن مشكلتنا مع "إسرائيل" هي مسألة الديمقراطية، بعد ذلك يتراجع الهدف، ونريد دولة ووكالة وخيمة وعليها علم، وكأن قضية فلسطين هي مسألة الدولة أو قضية فلسطين، أو قضية الأمة العربية كلها مشكلتها في تحقيق هذه الدولة. عندنا 22 مصيبة إذا أضيف دولة إليها تصير مصيبة جديدة فهل تحل المشكلة؟.

للأسف، تضييع الهدف والبوصلة أدى إلى حالة ضياع في الشارع العربي، ومن ها نقول لماذا دمُرت حركة التحرر العربي بكل فصائلها؟ لأنها استبدلت الشعار بالمشروع، ظلت في حلم الشعار ولكنها فقدت المشروع، وتحت الشعارات البراقة كان يتراجع الهدف وهو بالدرجة الأولى قضية فلسطين، ليست فلسطين فقط قضية قطعة أرض مساحتها 27 ألف كم. فمساحة الوطن العربي 13 مليون كم مربع وفيها إشكاليات كبيرة، ولو كانت مشكلة فلسطين هي قصة كيفية تعييش الفلسطينيين فهذه الأمة العربية بثرواتها وخاصة الخليج و السعودية بتعيش قضية فلسطين. ولكن قضية فلسطين هي قضية تحرر الإنسان العربي، ومن حقه بالتقدم وامتلاك إرادته وثروته.

أنا أعرف جورج حبش جيداً، لم يضيع البوصلة والهدف يوماً. والجبهة الشعبية هي التنظيم التي تآمر عليها الكثير، لأنها لم تخضع لوصاية أحد، أحياناً كانت تلمع وأحياناً تتراجع ولكنها دائماً تعّبر عن ضمير شعبنا، وإلى جانب اسم جورج حبش تبرز أسماء عظيمة ما زالت موجودة في ضمير كل واحد فلسطيني وكل إنسان عربي، اسم من هذا الأسماء وديع حداد، أبو ماهر اليماني، أبو علي مصطفى. أبو أحمد فؤاد صديقي وهو أكثر من مناضل وصديق وأخ، وهو دائماً مجروح ومهموم بقضايانا.

كما أن الجبهة الشعبية كانت دائماً تقدم نماذج في النضال النبيل والنظيف، طبعاً أسس لكل هذا رجل كبير هو جورج حبش. في أصعب الظروف لم تحيد الجبهة الشعبية عن البوصلة، وظلت دائماً سائرة في طريقها  نحو الهدف وهو تحرير فلسطين وليس قصة دولة ولا ديمقراطية ولا موضوع اللاجئين وكيفية إطعامهم. القضية هي قضية تحرر وطني، من هنا برزت في الساحة الفلسطينية معضلات كثيرة وتراجعت منظمات ولكن بقت الجبهة وحدها دون سواها تتمسك بالثوابت. مع احترامنا للكثيرين فالجبهة هي بالنسبة لي العنوان للشعب الفلسطيني والمعبرة عن ضميره. وهذا كله بفضل المناضلين الكبار وعلى رأسهم جورج حبش.

كان جورج حبش يحظى باحترام كل القوى الديمقراطية القومية، كانت علاقته قوية ليس فقط بقوى تقدمية عربية أصيلة لم تنحرف بوصلتها، بل مع قوى تقدمية عالمية تعتبر أن الجبهة الشعبية هي نموذج لها وشيء يخصها، أعرف أحزاب تقدمية في العالم  تتعامل مع الجبهة الشعبية كعملة مميزة، كما أن اسم جورج حبش عندها يحظى بكل احترام، لا شك أن الجبهة الشعبية تحظى باحترام كل التقدميين العرب الذين لم ينخرطوا بمرحلة الرخاوة، فقد كان ولا يزال ارتباط هؤلاء التقدميين بالجبهة الشعبية قوي جداً.

أنا أفتخر أنني أحد الأشخاص الذين انتموا وتتلمذوا وتربوا على مبادئ هذه الأسماء الجميلة التي ساهمت في تأسيس حركة القوميين العرب التي تأثرت بها مثل اسم جورج حبش، ووديع حداد كنت وما زالت معجباً به رغم أنني لم ألتقيه، لكنه كان من أكبر الأسماء من له مكانة خاصة عندي أبو ماهر اليماني عرفته فقد كان بالفعل قديس القضية، أيضاً الرائع أبو علي مصطفى . كل هذه الأسماء تعنيني كثيراً وتعني أي إنسان يشعر أن هؤلاء ثروة بروحه وفكره ودائماً أتذكرهم ولا أعرف، وأفتخر أن مسيرتي الفكرية تشربت بأفكار هؤلاء العظام.