Menu

قطاع غزة بين مطرقة الحصار وسندان الانقسام

صلاح عبد العاطي

مقدمة:

خلال سنوات الانقسام والحصار المريرة والمليئة بالجرائم العدوانية من الاحتلال والمليئة بالآثام والآلام تراكمت نتائج كارثية وخطيرة أدت للإضرار البليغ بمجمل حالة حقوق الإنسان في فلسطين وأثرت سلباً على مؤسسات النظام السياسي التنفيذية والقضائية والتشريعية وسيادة القانون، حيث تراجع بشكل كبير تمتع المواطنين بمنظومة الحقوق والحريات، حيث سجلت المؤسسات الحقوقية تزايداً في مستوى الانتهاكات، والتي لا يمكن لأي طرف التنصل من مسؤوليته تجاهها.

ساهمت الانتهاكات الجسمية والاجراءات الإسرائيلية الممنهجة، التي نفذتها حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة ، والتي هدفت لتدمير ممنهج لأي فرصة لوحدة ولتطوير النظام السياسي الفلسطيني، فدولة الاحتلال استمرت في معاقبة  الفلسطينيين على رغبتهم في الاستقلال السياسي والاقتصادي والتحرر من الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، ومعاقبتهم على اختياراتهم الديمقراطية، في خروج واضح عن قواعد القانون الدولي  وما اتفقت عليه الأسرة الدولية من مبادئ وقواعد وإجراءات إنسانية دولية.

كما وعلى مدار السنوات العشر الأخيرة، لم تكن وحدها العامل المؤثر في استمرار الانقسام وتداعياته الخطيرة، حيث أن  كافة الحوارات والاتفاقيات، لم تثمر عن طي صفحة الانقسام الداخلي، رغم عن استمرار المطالبات الشعبية باستعادة الوحدة ، فقد باءت بالفشل كافة المحاولات والاتفاقيات الهادفة الي استعادة الوحدة واتمام المصالحة الوطنية ، والتي كان آخرها تشكيل حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الشاطئ 2014، والتي لم تحرز أي تقدم جدي على طريق تحقيق استعادة الوحدة وتحقيق المصالحة، بل على العكس من ذلك، تعمق الانقسام في ظلها.[1]

أولاً: أثر الحصار على سكان قطاع غزة

يعيش في قطاع غزة نحو2مليون فلسطيني، ويعانون من أعراض كارثة إنسانية بسبب ما خلفه ولا يزال الحصار الإسرائيلي المفروض علي القطاع والذي تخلله ثلاث حروب عدوانية ارتكبت بها قوات الاحتلال جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضاعفت من حالة الخنق والكارثة الإنسانية في كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، الأمر الذي نجم عنه أزمة إنسانية حادة لجميع سكان القطاع وانتهاك لمعظم حقوقهم الإنسانية.

فقد أدت إجراءات الاحتلال الإسرائيلي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع، فقد أدي الحصار إلى منع وإعاقة  وصول الإمدادات الإنسانية والغذائية والطبية ومواد البناء الضرورية للمدنيين، وأودي الحصار إلى حرمان سكان القطاع من معظم حقوقهم  التي ضمَّنَها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وكافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.  عدا عن كون هذا الممارسات تشكل جرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن كونها جرائم حرب، حيث تٌميّز الجرائم ضد الإنسانية بأنها جرائم ترتكب في سياق هجمة ممنهجة ضد مدنيين، وهو شرط استوفي من قبل "إسرائيل" بعدوانها على القطاع واستمرارها بفرض الحصار على قطاع غزة وخنق مواطنيه.

أدي الحصار الإسرائيلي بصور عامة إلى حصول تدهور خطير وغير مسبوق للأوضاع الإنسانية لنحو  2 مليون نسمة من سكان غزة، باتوا يعيشون في معزل وسجن جماعي لا تتجاوز مساحته 365 كم2،  وتسببت هذه الممارسات في مزيد من تدهور حقوق السكان المدنية والسياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بالتوازي مع حصار غزة، تواصلت الانتهاكات الإسرائيلية التي تقترفها تلك القوات الحربية الإسرائيلية، بشكل يومي بحق المدنيين الفلسطينيين، وتفاقمت هذه الانتهاكات أثناء العمليات الحربية الواسعة في الاعوام (2008، 2012، 2014)، والتي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين العزل.   شمل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة يشمل إجراءات مركبة ومتعددة، لا تنحصر في صورة الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون القاطنون في المناطق مقيدة الوصول على امتداد حدود قطاع غزة الشرقية والشمالية، وبعمق يصل لحوالي 1.5 كم، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية واستغلالها، واستمرار الحصار البحري عبر تضييق مساحات تحرك الصيادين الفلسطينيين في مساحات تتراوح بين 3 إلى 6 أميال بحرية، إلى جانب تكرار الاعتداءات التي يتعرض لها الصيادون الفلسطينيون، كإطلاق النيران ومقتل وإصابة عدد منهم ومطاردتهم وتفتيشهم وإهانتهم ومصادرة مراكبهم أو إغراقها وتدميرها.

اليوم تتزايد بشكل مطرد معاناة سكان قطاع غزة وبشكل خاص أولئك الذين كانوا من بين ضحايا هذا العدوان، حيث مازالت أغلب آثار العدوان على حالها في ظل استمرار إجراءات الحصار الإسرائيلي التي تعرقل حركة إعادة أعمار القطاع . فقد عمدت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي وبشكل منظم وممنهج إلى تدمير شامل لجميع المرافق الأساسية والخدماتية في قطاع غزة، ما جعل السكان المدنيين في قطاع غزة يعيشون وسط حالة غير مسبوقة من تدهور الأوضاع الإنسانية، فإلي جانب النتائج المأساوية للعدوان الإسرائيلي، حرمهم في ذلك الوقت الحصار الإسرائيلي من إمدادات الغذاء والوقود والمحروقات، ونقص في المواد الغذائية الأساسية، كما حرم الحصار المستشفيات من إمدادات الأدوية والمستلزمات الطبية، وإمدادات الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وفاقم من ظواهر الفقر والبطالة والهجرة واليأس والإحباط والتطرف، كما واثر الحصار على كافة القطاعات الزراعية والصحية والاقتصادية والانسانية

وقد خلقت نتائج ووقائع العدوان والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة حالة من الاتفاق بين كل رجالات القانون والقضاء الدوليين وبشكل خاص أولئك الذين كانوا أعضاء في لجان وبعثات التحقيق الدولية أو الإقليمية، حيث أكدوا جميعاً على أن دولة الاحتلال وقواتها الحربية مسئولة عن ارتكاب مخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف، وانتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وذلك لوجود أدلة كافية تشير إلى ارتكاب هذه القوات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

إن التقارير الحقوقية المختلفة كشفت وبشكل واضح عن حقيقة الاحتلال الحربي الإسرائيلي، وذلك من خلال الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت أثناء العدوان على قطاع غزة، التي تعمدت قتل المدنيين واستهداف ممتلكاتهم، ولكن للأسف حتى اليوم، بقي المجتمع الدولي صامتاً تجاه ارتكاب هذه الجرائم، ومنح دولة الاحتلال الإسرائيلي الحصانة التي سمحت لها بالتصرف كدولة فوق القانون،  ونتائج منح هذه الحصانة واضحة، لقد سمح لإسرائيل لفترة طويلة جداً بأن تنتهك القانون الدولي مع تمتعها بالحصانة التي ستظل سائدة إلى أن تتم ممارسة ضغوط فعالة على دولة إسرائيل، والأشخاص المتهمين باقتراف جرائم حرب لكي يتم التحقيق معهم ومحاكمتهم وفقاً للمعايير القانونية الدولية. لكي يتم تحقيق سيادة القانون، يجب إنفاذ القانون. وطالما استمرت الحصانة، سيواصل الأفراد والدول اقتراف انتهاكات للقانون الدولي، وستتواصل معها معاناة المدنيين، وهم أشخاص يتمتعون بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، من العواقب المريعة، لأنهم يقتلون، ويشوهون، ويحرمون من كرامتهم الإنسانية الأساسية. لذا يجب أن نواصل نضالنا من أجل العدالة نيابة عن أولئك الذين حرموا منها. فلا يمكن لهذه الجرائم أن تمر دون عقاب، ويجب دعم حقوق الضحايا في الإنصاف القضائي. في ظل كل ما عانوه، لا يمكن تجاهل هذا المبدأ الأساسي لحقوق الإنسان.

ثانياً: أثر الانقسام  والحصار على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

خلال فترة الانقسام والحصار، تدهورت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بصورة غير معهودة، وخاصة في قطاع غزة، لأن بنية الاقتصاد الفلسطيني بفعل سياسات وإجراءات الاحتلال تمتاز بسمات، لا تجعله مؤهلاً للتطور، ثم جاء العدوان والحصار والانقسام للإجهاز عليه. وهنا نكتفي بالإشارة لمجموعة من الدلالات و الحقائق والمؤشرات الهامة التي تعرض أهم الانتهاكات التي تعرضت لها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي:-

  • انفصال اقتصاد قطاع غزه، كامتداد للانقسام السياسي. وقد أسهمت الإجراءات والسياسات التي اتخذها طرفا الانقسام، في تعزيز الانقسام الاقتصادي والاجتماعي.
  • من تجليات هذا الانقسام على المستوى الاقتصادي، التباين القانوني بين الضفة الغربية وقطاع غزه، ففي مجال لضريبة وضريبة الدخل استمرت الحكومة في قطاع غزه بتطبيق أحكام قانون ضريبة الدخل رقم (17 ) لسنة 2004، في حين أصدر رئيس السلطة قرار بقانون رقم(2) لسنة 2008 بشأن تعديل قانون ضريبة الدخل. ومن جانب أخر سنت كتلة الإصلاح والتغيير قانون جديد للشركات، وقانون ضريبة التكافل، وفرضت مجموعة من الضرائب خلافاً لأحكام القانون الأساسي، ومن أهم نتائجها اثقال كاهل المواطنين، الازدواج الضريبي والمتمثل في إجبار المكلفين بالضريبة من أبناء شعبنا بدفع المكلف الضريبة مرتين على نفس السلع أو الخدمات. 
  • برزت خلال الانقسام مظاهر سياسة جديدة لدى الأجهزة الأمنية في قطاع غزة وخاصة في الضفة الغربية، وفي العديد من الحالات بالاستيلاء على أموال وعقارات من أفراد تم اعتقالهم لدى هذه الأجهزة، ولقد جرت عمليات الاستيلاء بصورة مخالفة لأحكام القانون الأساسي .
  • ارتفاع معدلات البطالة، حيث بلغت في العام 2016 بلغت (26.9%) موزعة (18.2 )% في الضفة الغربية و(41.7)%. ما يدلل على ارتفاعها بصورة غير مسبوقة في قطاع غزة، التي اعتبرتها مؤسسات.
  • يعاني أكثر من 35.5 % من الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية من الفقر عام 2015، وتبلغ تلك النسبة حوالي 52 % في قطاع غزة، في حين وصلت نسبة الفلسطينيين الذين هم تحت خط الفقر في الضفة الغربية إلى 19 %. وارتفعت في قطاع غزه عام 2016 إلى (65) % وهي من أعلى النسب في المنطقة.
  • يعاني ثلث الأسر الفلسطينية أي حوالي (33% ) أي  ما يعادل 1.6 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ووفقًا للمسح السنوي للأمن الغذائي، يعتبر مستوى الأمن الغذائي في قطاع غزة أكثر انتشارًا على نطاق واسع ليصل إلى 72% في العام 2015 مقارنة مع 57% في عام 2014، وهو ما يقارب 3 أضعاف المستوى في الضفة الغربية الذي يبلغ 19%، ولم تتغير مستويات انعدام الأمن الغذائي لعام 2016 مقارنة مع مستويات 2015.
  • تدني مستويات المعيشة بسبب الفقر والبطالة، فقد بلغ متوسط إنفاق الفرد النقدي في فلسطين  حوالي (158.2) دينار أردني ، (بواقع 188.1 في الضفة الغربية مقابل 109.8 في قطاع غزه)[2] ، وهذه المبالغ غير متوفرة لدى الفقراء  والعاطلين عن العمل وأسرهم  خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بمعدلات غير مسبوقة كما أسلفنا، الأمر الذي انعكس على الحق في الصحة ، والتعليم ، والسكن ، وإمدادات الطاقة[3]
  • وبفعل الانقسام الفلسطيني و الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 10 سنوات ارتفعت معدلات الفقر و الفقر المدقع لتتجاوز 65% , وبلغ عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية وإنسانية من الاونروا و المؤسسات الإغاثية الدولية والعربية العاملة في قطاع غزة أكثر من مليون شخص بنسبة تتجاوز 60% من سكان قطاع غزة , وبلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي 72% لدى الأسر في قطاع غزة[4].
  • ارتفعت نسبة الإعالة في فلسطين من العام 2000 وحتى العام 2006 من 4.8 إلى 5.9 ، أي بمعدل ارتفاع 22.9% ، وبلغت نسبة معدلات ارتفاع الإعالة في الضفة الغربية من 4.3 إلى 4.9 بينما ارتفعت في الضفة من 5.9 إلى 8.7  في قطاع غزه[5].
  • أكد المرصد الأورو متوسطي لعام 2015 انه في نهاية عام 2013 تبعاً للحصار انعدم 27% من الادوية في المستشفيات أي 128 نوع، فأصبح المريض لا يتلقى علاجه المناسب[6]،إضافة الى تزايدت الأخطاء الطبية. كما أن أزمة الكهرباء مازالت تشكّل عائقاً أمام عمل الفرق الطبية وإبقاء الاجهزة في غرف العناية على أتم الاستعداد للعمل بشكل متواصل حيث تحتاج الى 20 ألف لتر يومياً من الوقود[7]. وواجه المرضي من أصحاب الأمراض الخطيرة في قطاع غزة، مشكلة التباطؤ ومنع الحصول على التحويلات الطبية.
  • أثر الانقسام الفلسطيني بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني، لكنه انعكس بشكل أكثر على قطاع غزة  حيث يعتبر الأكثر تضرراً، كما وفر الانقسام بيئة مناسبة للاحتلال للاستمرار في فرض الحصار على قطاع غزة  وإغلاق المعابر التجارية.
  •  الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة للانقسام الفلسطيني وما تبعة من حصار وحروب تتجاوز 15 مليار دولار.
  • أدي الوضع الاقتصادي السيئ في قطاع غزة وعدم توفر فرص العمل وعدم وجود أفق لإنهاء الانقسام إلى مغادرة العديد من أبناء القطاع، وخاصة فئة الشباب والذي أصبح الطموح الأول لديهم التفكير في الهجرة للخارج.
  • أدي الانقسام الفلسطيني إلى فصل تام بين مؤسسات السلطة الوطنية بالضفة الغربية وقطاع غزة وتعطلت العديد من المؤسسات الهامة عن العمل، وكمثال على ذلك مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية والتي تعطلت عن العمل بفعل الانقسام وكان لذلك أثار سلبية على كافة القطاعات الإنتاجية في قطاع غزة.
  • تدهور الظروف الإنسانية في قطاع غزة في مجالات الصحة والكهرباء وحرية حركة البضائع والمياه الصالحة للشرب، وتباطؤ عملية إعادة الإعمار.
  • أفرز الانقسام والحصار مجموعة من الإشكالات الاجتماعية كالعنف الأسري، وارتفاع معدلات الجريمة، وتزايد معدلات الطلاق، وتعاطي المخدرات، بالإضافة مجموعة من الضغوطات النفسية، وفقدان الثقة والشعور بالأمن الاقتصادي.
  • انتهاكات واسعة في حقوق الأطفال، وتتفشي ظواهر عمالة وتسول الأطفال، الأمر الذي ينتهك حقهم في التعليم والنماء والرعاية والحماية، فقد اعتمد عدد غير قليل من العائلات على عمل الأطفال وتسولهم في تلبية احتياجات الأسرة، وما يثير للدهشة هو سلبية السلطة وعدم اتخاذها الإجراءات اللازمة لحماية الأطفال من هذه الظواهر.
  • امتد أثر الانقسام والحصار ليشمل حقوق النساء والشباب التي تعرضت الي التغيب والتهميش والانتهاك، وخاصة ان ما صدر من تشريعات وقرارات بقوانين لم يتوافق مع طموحات الحركة النسوية في إقرار قوانين عصرية تنتصر الي حقوق المرأة وانصافها، بل ان بعض القوانين مست بمبدأ المساواة وعدم التمييز المقر في القانون الأساسي الفلسطيني والمعايير الدولية لحقوق الانسان والنساء.[8]
  • شهدت الحقوق الثقافية، شهدت تراجعات واسعة، وعجز عن المشاركات الخارجية، ورغم انتشار أدوات عصرية في مجال تقديم المعلومات، كالمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في انتشار ثقافة العنف والإقصاء والتعصب السياسي، ما تسبب في غياب الثقافة الجمعية والهوية الفلسطينية، لصالح انتماءات حلقية وفئوية عصبوية.
  • ومن جانب آخر بات يغلب على الثقافة الانسداد للقضايا الحسية، إلا أنها وبعد تفاقم الأزمات داخل قطاع غزة أصبح المواطن الفلسطيني ما بين الاهتمامات الوطنية والحاجات اليومية الملحة، التي باتت تطغى على الحوار والمؤتمرات والكتابات والأبحاث.

وتدلل الحقائق السابقة، على تدهور وتراجع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال سنوات الانقسام بصورة كارثية. فقد أسهمت بعض التشريعات الاقتصادية التي سنتها سلطة رام الله وغزه ، في الاثقال على كاهل المواطنين( كضريبة التكافل في غزة والتعديلات على التشريعات الاقتصادية في الضفة، إضافة الى عدم سن تشريعات او اتخاذ أية خطوات جدية وملموسة في التخفيف والحد من معدلات البطالة والفقر، بل على العكس غالبيتها سعي لزيادة خزينة السلطة على حساب الفقراء. فتجربة السلطة خلال فترة الانقسام ممثلة في مؤسسة الرئاسة الحكومة في رم الله، والحكومة في قطاع غزة ولاحقا حكومة التوافق واللجنة الإدارية في غزة ، قد تسببت في تحويل المواطنين الى فقراء يعيشون على تلقي المساعدات الإنسانية بالذات في قطاع غزة الذي تحمل كلفة الانقسام بشكل أساسي.

فحالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يعكس بما لا يدع مجالاً للشك، عدم وفاء السلطة بالتزاماتها المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولأحكام القانون الأساسي الفلسطيني ومنظومة التشريعات الأخرى الحامية لهذه الحقوق. وبالإضافة لذلك فشلت في تفعيل الآليات الدولية لتحميل الاحتلال مسؤولياته القانونية والاخلاقية عن هذه الحقوق.

خاتمة

تعرضت الدراسة لأخطر إفرازات الانقسام الكارثي والتي ترك تداعيات ونتائج سلبية وخطيرة على حالة الحقوق والحريات للمواطنين وعلى مبادئ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية ومنظومة العدالة وعلى القضية الفلسطينية والمشروع الوطني برمته. حيث سعت الدراسة من خلال محوريها، ما تتضمنهما من نقاط رئيسه، وبالاستفادة من توثيقات المؤسسات الحقوقية المتخصصة، لتتبع ورصد وتحليل ما خلفه الانقسام من تكلفة باهضه على الشعب الفلسطيني، من تمزيق العقد الاجتماعي بين الفلسطينيين ممثلاً في القانون الأساسي، و تفتيت وشرمة للنظام السياسي، وهدم وانقسام المؤسسات الدستورية ، وتمزيق النظام القانوني ، والإجهاز على مبدأ الفصل بين السلطات، وسيادة القانون وكل ركائز الديمقراطية ، وأحدث شرخا عميقا ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة على المستوى السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي، وادت الى تدهور غير مسبوق لحالة حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية الاقتصادية والثقافية. وقد توصلت الدراسة وبعد العرض والتحليل لمجموعة من النتائج والتوصيات وهي: أولا: النتائج: -

تركت حالة الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة وحالة الانقسام والفشل في استعادة الوحدة الوطنية والمتغيرات السياسية أثرها المباشر على منظومة الحقوق والحريات العامة وسيادة القانون، التي يمكن لنا إجمالها في عدد من النتائج التي تمثلت في التالي:

  1. أدي استمرار الاحتلال الإسرائيلي العسكري للأراضي الفلسطينية المحتلة، وسياساته العدوانية في الضفة الغربية وحصاره وعدوانه المتواصل على قطاع غزة وفصله جغرافياً عن الضفة واستمرار تهويد وعزل مدنية القدس، الى أضعاف مؤسسات السلطة الوطنية، واستمرت انتهاكات وممارسات الاحتلال لتشكل عامل أساسيا في تكريس الانقسام الداخلي، فيما بقت انتهاكات الاحتلال الجسمية تشكل العوامل الرئيسة في تدهور وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، كما ادي الانقسام الي عجز فاضح في تغيب خطة واستراتيجية نضالية فلسطينية لموجهة جرائم وانتهاكات الاحتلال.
  2. يمثل حصار قطاع غزة وإغلاق معابره خرقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، و عقوبات جماعية محظورة بموجب قواعد الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، و جملة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومنها اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين وقت الحرب للعام 1949 التي تشير للالتزامات القانونية التي تلقيها على "إسرائيل" باعتبارها دولة احتلال إزاء المدنيين، كما تحظر العقاب الجماعي وتدابير الاقتصاص من المدنيين. حيث تنص المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة على تحريم العقوبات الجماعية، والمادة (50) من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، لاهاي 18 أكتوبر للعام 1907، التي تنُص على أنه "لا ينبغي إصدار أية عقوبة جماعية، مالية أو غيرها، ضد السكان بسبب أعمال ارتكبها أفراد، ولا يمكن أن يكون هؤلاء السكان مسئولين بصفة جماعية".
  3. يعزي التدهور الرئيس لحالة حقوق الإنسان في قطاع غزة إلى حالة الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية، باعتباره حالة احتلال طويل الأمد يُخِضع الشعب الفلسطيني بالقوة الحربية والعسكرية لإرادته، ويُعرقِل قدرة الشعب الفلسطيني على ممارسة حقهم في تقرير المصير السياسي والاقتصادي.
  4.  يؤدي خطورة الوضع الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة، لاستمرار تعامل بعض من أشخاص المجتمع الدولي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي خارج إطار المحاسبة والمساءلة الدولية وخاصة الجنائية، نتيجة الدعم السياسي التي تحصل عليه دولة الاحتلال في مجلس الأمن، ما يعكس تخلي المجتمع الدولي عن التزاماته الأخلاقية تجاه ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان كونها القيمة الأمثل التي تصل بنا لتعميم أوجه السلام في جميع أنحاء العالم.
  5. يشكل الحصار عقاباً جماعياً للسكان يمس بشكل جوهري بمجمل حقوق الإنسان، كما يشكل مساساً بقواعد القانون الدولي التي تحظر العقاب الجماعي، وتسبب الحصار في تدهور الخدمات الأساسية ولاسيما خدمات الرعاية الصحية، وأضعف من قدرة المستشفيات والطواقم الطبية على العمل في ظل نقص الأدوية والمعدات والمستهلكات الطبية، الأمر الذي ضاعف من معاناة قطاع الصحة خلال الهجوم الحربي الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
  6. إن الوقائع الميدانية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة التي اعقبت تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار برعاية مصرية، تشير إلى استمرار إجراءات الحصار على قطاع غزة، وتبين كذب التصريحات الإسرائيلية المتعاقبة بشأن تخفيف الحصار عن قطاع غزة، حيث لم يطرأ أي تغيير هيكلي على إجراءات الحصار، ولم تمس التسهيلات المزعومة التي تعلنها سلطات الاحتلال جوهر القيود المفروضة على حرية الحركة للأفراد والبضائع، وتؤكد أن سياسات السلطات المحتلة ومزاعمها حول إجراءات تخفيف الحصار تجاه قطاع غزة تهدف إلى مأسسة الحصار المفروض على القطاع وجعله يحظى بموافقة دولية، ما يعني نجاحها في الالتفاف على قواعد القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي.
  7. أفرز الانقسام تفتيتاً خطيراً لوحدة التراب الفلسطيني وللمواطنة الفلسطينية، ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على المستويات السياسية والقانونية والمؤسساتية، تستقل وتتصارع كل منهما عن الأخرى. ومن آثام الانقسام الأكثر خطورة، قيام الحكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزه، باتباع سياسات تعمق الانفصال الجغرافي سياسياً وقانونياً واقتصادياً.
  8. انحرف النظام السياسي خلال سنوات الانقسام جذرياً عن الشكل المنصوص عليه في القانون الأساسي كنظام مختلط يقوم على وجود مؤسستي الرئاسة ورئاسة الوزراء، لجهة تشكيل نظام واقعي مشوه لا يوجد له مثيل في النظم الدستورية والسياسية المقارنة، يتكون من مؤسسة الرئاسة ومؤسسة حكومة تسيير الأعمال برام الله والحكومة الواقعية بغزة.
  9. شهدت السلطة التنفيذية انقساماً خطيراً، حيث تشكلت في رام الله حكومة تتتبع للرئيس، وحكومة في قطاع غزه تعارضه، ولكل حكومة منهما وزاراتها ومؤسساتها المدنية، وأجهزتها الأمنية المستقلة وجهازها الوظيفي التابع لها، وبراجها وتوجهاتها المتعارضة.  واستمر مسلسل إهانة القانون الأساسي بتشكيل حكومات في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون الحصول على ثقة المجلس التشريعي، وبما فيها حكومة الوفاق الوطني. إضافة الى تشويه مضمون الوظيفة العامة، وتحويلها لولاء للرئيس وللحكومة المقالة بغزة وليس للوطن، واتباع سياسات وظيفة في بناء السلطة التنفيذية وغيرها من السلطات، مخالفة للقانون، وذلك من خلال حرمان أبناء قطاع غزة من الوظائف على موازنة حكومة رام الله، ووقف علاوتهم، ووقف رواتبهم ، وإحالتهم للتقاعد ، فيما حكومة غزة بنت جهاز وظيفي تابع للسلطة التنفيذية معظمه من المحسوبين سياسياً وفكرياً على الحكومة.
  10. أخطر ما رتبه الانقسام من كوارث على السلطة التنفيذية، احتكار وتغول رئيس السلطة على السلطات الثلاث، حيث قام بتوسيع دائرة اختصاصاته بسن التشريعات، والسيطرة على مؤسسة رئاسة الوزراء، والتحكم في تعيين وإقالة القضاة، وتشكيل المحكمة الدستورية، ورفع الحصانة عن أعضاء في المجلس التشريعي وقطع رواتبهم، وإحالة الموظفين للتقاعد المبكر والإجباري وقطع وتخفيض رواتبهم وإصدار قرارات بقوانين تتعارض مع القانون الاساسي. ما تسبب في إفقاد النظام السياسي الفلسطيني تدريجياً عناصر الديمقراطية والتعددية، وسيادة القانون والفصل بين السلطات، وتكرس عوضاً عنه، نظام سياسي معطل لدورية الانتخابات، ويمارس الإقصاء المنظم للأخرين. وفي قطاع غزة قامت الحكومة المقالة والمؤسسات المدنية والأجهزة الأمنية التابعة لها، بمحاولات فرض توجهاتها الفكرية والأيديولوجية الخاصة، ومحاولة اسلمة المجتمع على طريقتها دون احترام للتعددية والتنوع الفكري، دون إفساح المجال أمام أية شراكات حقيقية، حيث باتت السلطة التنفيذية في الضفة وغزة، تستند على قوة الأجهزة الأمنية أكثر من اعتماده على الشرعية الشعبية والمشروعية القانونية، والانتقال من نظام سياسي يدعي الديمقراطية الى نظام سياسي استبدادي / بوليسي.
  11. طال الانقسام المجلس التشريعي، وتعطلت أعماله كلياً، وفقد قدرته كلياً على القيام باختصاصاته الدستورية، من سن تشريعات، ومساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية وإقرار الموازنات السنوية والخطط التنموية، ومنح الثقة وحجبها عن الحكومة. وانتزع كل من الرئيس وكتلة التغيير كل صلاحياته، واستثمارها لتعميق الانقسام القانوني، والإجهاز على الفصل بين السلطات. واستمر المجلس التشريعي في وجوده الشكلي مكلفاً الموازنة العامة مبالغ طائلة، رغم انتهاء ولايته الزمنية، وعدم قيامه بواجباته الدستورية.
  12. تعمق واستفحل الانقسام القانوني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث انتزع الرئيس صلاحيات المجلس التشريعي وسن خلال فترة الانقسام ما يزيد على (168) قرار بقانون، وفي المقابل ابتدعت كتلة التغيير والإصلاح اسلوب الوكالات لنوابها في السجون الإسرائيلية، وأصدرت بموجبها (58) قانوناً.
  13. دخلت السلطة القضائية طرفاً في الانقسام مبكراً، وباتت جزءًاً منه، وفقدت استقلاليتها، وتكرست تبعيتها للسلطة التنفيذية. ففي قطاع غزة بعد السيطرة على القضاء من قبل حركة حماس تم تشكيل جهاز قضائي نظامي وشرعي جديد في قطاع غزة، منفصل عن الجهاز القضائي في الضفة الغربية، ويخضع كل منهما في التعيينات والترقيات والمرجعيات القانونية مختلفة عن بعضهما البعض، وكذلك نفس الحال ينطبق على النيابة العامة. لقد عمق الانقسام تسيس القضاء وترويضه لخدمة التوجهات السياسية للرئيس في الضفة ولحكومة الأمر الواقع في قطاع غزة، وتوقف تعيين قضاة جدد بقطاع غزة على موازنة السلطة برام الله، وتعيين قضاة وأعضاء نيابة عامة في قطاع غزة خلافاً للحدود والاجراءات التي رسمها القانون من جانب، واعتماد التعيين على اعتبارات سياسية من جانب أخر.
  14. تعرضت منظومة الحقوق والحريات العامة، لانتهاكات جسمية وخطيرة وكثيرة من قبل طرفي الانقسام، أهمها عمليات الحرمان التعسفي من الحرية، وعدم سلامة الإجراءات القانونية في عمليات القبض والتفتيش والاحتجاز ومصادرة الحريات العامة والتضييق عليها، وعدم احترام أحكام المحاكم، وتعذيب الموقوفين والمحتجزين وتقديم المدنيين إلى القضاء العسكر وغيرها، وعلى الرغم من ذلك لم تقم الجهات المختصة في أراضي السلطة بواجبها في ملاحقة ومحاسبة مقترفي الانتهاكات وتقديمهم للقضاء او انصاف ضحايا الانتهاكات ، الأمر الذي أدي إلى استمرار وتزايد الانتهاكات.
  15. شهدت الحقوق السياسية والحريات العامة والشخصية انتهاكات واسعة للاتفاقيات الدولية التي انضمت لها السلطة الوطنية وللقانون الأساسي الفلسطيني على مدار سنوات الانقسام، وتكرس خلالها تهميش المشاركة الشعبية في إدارة شؤون البلاد، لجهة تكريس التفرد والإقصاء والاستبداد.
  16. تدهورت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بصورة غير معهودة، في الأراضي الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة، حيث أن بنية الاقتصاد الفلسطيني بفعل سياسات وإجراءات الاحتلال تمتاز بسمات، لا تجعله مؤهلاً للتطور، ثم جاء العدوان والحصار للإجهاز عليه. ودللت المؤشرات على أن نسبة البطالة بلغت (40)% والفقر (65)% ، وانعدام النظام الغذائي ل(72)% للأسر ، وتدهور الخدمات الصحية ، وخدمة الكهرباء، وتلوث المياه، وتباطؤ عملية الإعمار . إضافة لارتفاع معدلات الجريمة، والإدمان، والهجرة، والعنف الأسري.

ثانياً: التوصيات: -

  1. فتح حوار وطني شامل وصولاً لعقد اجتماعي جديد" ميثاق وطني “، وإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها منظمة التحرير واستراتيجية وطنية وبرنامج سياسي، والاتفاق على شكل النظام السياسي والدستوري الأكثر مناسبة للحالة الفلسطينية، بما يضمن ويعمق مبدأ الفصل المرن بين السلطات، والنظام الاقتصادي المستقل والمختلط، ويلتزم بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي انضمت لها السلطة الوطنية.
  2. ضرورة تحرك المجتمع الدولي والمؤسسات والمنظمات الدولية و على رأسها الأمم المتحدة ورعاة السلام و اللجنة الرباعية للضغط الحقيقي والجاد على دول الاحتلال من أجل فتح كافة معابر قطاع غزة أمام حركة الأفراد والبضائع و العمل على إنهاء الحصار الظالم بشكل فوري، لتجنيب قطاع غزة من كارثة اقتصادية، اجتماعية، صحية، بيئية.
  3. تؤكد على الأدوار والمسئوليات التي يتحملها المجتمع الدولي: إذ يجب أن تكون سيادة القانون في صدارة العلاقات الدولية، ويجب على الدول إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل، إذ أن العلاقات العادية لا تُنسج مع دول ارتكبت وتواصل ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.  لذلك وجب على جميع الدول أن تمارس ضغوطاً فعلية على دولة الاحتلال الحربي الاسرائيلي لضمان امتثالها للقانون الدولي.
  4. نؤكد على ضرورة بلورة استراتيجية وطنية لمحاسبة وعزل ومقاطعة دولة الاحتلال بما في ذلك احالة ملف العدوان على قطاع غزة والحصر المستمر لمحكمة الجنائيات الدولية.
  5. الإسراع في تنفيذ خطوات إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس الاتفاق على برنامج وطني يركز في جوهره على حماية القضية والأرض والشعب، وإسقاط المخطط الأميركي الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية. وهذا يحتاج إلى الاتفاق على أسس الشراكة الكاملة وتشكيل حكومة وحدة وطنية أو وفاق حقيقية، وتغيير وظيفة السلطة لتكون جنين تجسيد الدولة، وبالتالي تجاوز التزامات أوسلو، ودعوة اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني للاجتماع، أو عقد اجتماع قيادي بمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي، للتحضير لعقد المجلس الوطني التوحيدي. عقد الاطار القيادي لمنظمة التحرير، للاتفاق على كيفية مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية وتوظيف الفرص المتاحة، ووضع رؤية وخطة شاملة لتحقيق ذلك، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على توحيد المؤسسات بما يؤسس لخلق بيئة مناسبة لأجراء انتخابات تعزز حق المواطن الفلسطيني في ممارسة دوره الديمقراطي واختيار ممثليه على كافة المستويات المحلية والتشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
  6. تشكيل لجنة قانونية وقضائية تشكل بالتوافق لتعمل على تقديم الحلول والمقترحات لتوحيد منظومة التشريعات والمؤسسات العدلية، حال تعذر ذلك يتم دعوة المجلس التشريعي للانعقاد بصورة قانونية وبالتوافق ، وبعيد عن أي توظيف سياسي، ودعوته لمزاولة صلاحياته واختصاصاته، كما هو منصوص عليها في القانون الأساسي والنظام الداخلي، وعرض القوانين الانقسامية على المجلس التشريعي للبت بها مع الحفاظ على المراكز القانونية ما أمكن، وذلك لحين إجراء الانتخابات المتوافق عليها، لضمان إنهاء الانقسام القانوني ولحينها ينبغي التوقف عن سن قوانين جديدة سواء الصادرة بقرار بقانون من الرئيس أو عن كتلة التغيير والإصلاح. وتعديل منظومة التشريعات الفلسطينية، وإعادة موائمتها وتوحيدها بما ينسجم مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وبناء منظومة تشريعات توفر الحماية للفئات المهمشة من عمال ونساء وشباب وأشخاص ذوي إعاقة وأطفال.
  7. الإسراع في توحيد وإصلاح وضمان استقلالية السلطة القضائية وقطاعات العدالة، وذلك بالاستناد للمرجعيات القانونية، بعيدا عن سياسة الأمر الواقع أو المحاصصة، وإعادة النظر في تشكيل المحكمة الدستورية عبر إلغاء قرار تشكيلها والتراجع عن التعديلات القانونية التي تمت على قانونها، وترك مهمة التشكيل الي الحوار الوطني الشامل الذي يوصل الفلسطينيين الى توافق وطني شامل بشأن المحكمة الدستورية، وتشكيلها، والصيغة المثلى لقانونها، والتوقيت الملائم لذلك كله، صوناً للمبادئ الدستورية، وحفاظاً على الوحدة الوطنية، وتجسيداً لمبدأ سيادة القانون.
  8. إصلاح وتوحيد النظام الاقتصادي الفلسطيني، بما يعزز استقلاليته عن الاقتصاد الإسرائيلي، وإعادة هيكلته على أسس تنموية، وتقديم تسهيلات وحماية قانونية للقطاع الخاص وللاستثمار، وتوظيف عوائد الضريبة، لتطوير قطاعات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء.
  9. التراجع عن كافة الإجراءات العقابية بحق قطاع غزة والتصدي لسياسات التمييز الوظيفي، وإعادة رواتب الموظفين والخصومات ورواتب الأسرى وأعضاء المجلس التشريعي للذين قطعت رواتبهم، وحل اللجنة الإدارية المشكلة من قبل حركة حماس في قطاع غزة.
  10. توحيد الجهود لإعادة توحيد النظام التعليمي الفلسطيني وإزالة آثار الانقسام عليه، وربط التعليم بمشروع فلسطيني وطني واقتصادي واجتماعي وأخلاقي يعيد اللحمة ويؤسس للمواطنة والهوية الفلسطينية الموحدة والسلم الاهلي واحترام حقوق الإنسان.
  11. ادانه وتجريم الاعتداء على الحريات العامة والخاصة، وتحديد عقوبات رادعة لها ومسالة ومحاسبة القائمين على هذه الانتهاكات، عبر القيام بإجراء تحقيقات شاملة ونزيهة بخصوص كافة الادعاءات التي تشير إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان وإعلان نتائجها للعامة الامر الذي سوف يشكل نقطة فاصلة في تحسن حالة الحقوق والحريات، إضافة الى توفير اليات وطنية لأنصاف ضحايا الانتهاكات.
  12. توحيد وإعادة ترتيب عمل الأجهزة الأمنية وفق مبادي سيادة القانون وعلى أسس مهنية وطنية وتدريب وتأهيل القائمين على إنفاذ القانون، لضمان التزامهم بمبادئ سيادة القانون واحترام حقوق الانسان وحماية امن المواطنين.
  13. يجب أن لا تعلق ممارسة المواطنين لحقوقهم وحرياتهم المعتبرة على الإرادة السياسية، بحيث تؤخذ جميع العبر التي نتجت عن عملية الانقسام، ومن جانب آخر يجب أن تضمن عملية المصالحة حقوق الضحايا، وجبر الضرر الناتج عن الانتهاكات التي وقعت في السنوات السابقة، وأن يبدأ على الفور بتحقيق العدالة الانتقالية بمفهومها الشمولي لتجاوز سنوات الانقسام، وما نتج عنها من انتهاكات، ومن ثم البدء بمرحة جديدة تقدم فيها الاعتبارات القانونية والحقوقية على الاعتبارات الأخرى، وان يصار الى ضمان حقوق كل المتضررين وتعويضهم من انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة الانقسام تعويضاً عادلاً.
  14. مطلوب من كافة منظمات المجتمع المدني القوي السياسية والقطاع الخاص وكافة المعنيين بإنهاء الانقسام تكثيف حملات التوعية والتأثير والضغط بكل الوسائل السلمية والعملية من اجل تفعيل المشاركة الحقيقية للمواطنين بالمعني السياسي والاقتصادي والمجتمعي وبناء تيار وطني لضمان استعادة الوحدة الوطنية.
  15. ضرورة البحث عن بدائل للوضع الحالي للتصدي للمخططات الإسرائيلية والأمريكية من بينها التحلل التدريجي من التزامات أوسلو ومطالبة العالم بالاعتراف بدولة فلسطين القدس عاصمة لها وتدويل الصراع وتفعيل منظمة التحرير لحين ذلك مطلوب التفكير خارج الصندوق للبحث عن حلول أخرى قابلة للتنفيذ للخروج من عنق الزجاجة , في ظل المؤشرات الحالية الداخلية و الخارجية، فعلى الصعيد الداخلي مازالت حالة الانقسام الفلسطيني مسيطرة على أرض الواقع ولا يوجد مصالحة حقيقية، حتى على صعيد حكومة الوفاق الوطني لم يشعر المواطن في قطاع غزة بأي تغيرات جوهرية، وما زال المواطن يعاني ويدفع ثمن عدم الوفاق و استمرار الحصار, أما على الصعيد الخارجي لا يوجد أي حلول تلوح بالأفق فالمفاوضات مع دولة الاحتلال في ضوء القرارات الأمريكية الجديدة تعني انتهاء مسار التسوية والانتقال الي مسار التسوية المفروضة أو التصفية، الأوضاع قابلة للاشتعال مرة أخرى وفي أي لحظة في ظل التعنت الإسرائيلي , حتى على الصعيد الإقليمي فالأوضاع غير مستقرة .
  16. الاتفاق على أن عدالة القضية الفلسطينية وتفوقها الأخلاقي وكفاحية الشعب الفلسطيني ضد استعمار استيطاني عنصري احتلالي إحلالي يهدد الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم، أي يهدد البشرية جمعاء، ما يجعلها قضية جامعة - كما ظهر من خلال التأييد العربي والإقليمي والعالمي الجارف للقضية الفلسطينية بعد قرار "ترامب" - لا يجب تقزيمها بالانضمام إلى محور ضد المحاور الأخرى، وعلى أساس أن العلاقات بين الفلسطينيين وأي طرف شقيق أو صديق وغيره، يتحدد بمدى قربه ودعمه للحقوق والمصالح الفلسطينية، وأن فلسطين كانت وستبقى إلى جانب حرية واستقلال وتقدم الشعوب وتحررها الديمقراطي، وإلى جانب المساواة والعدالة والدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته.
  17. إعطاء الأولوية والتركيز على توفير مقومات الصمود والتواجد البشري الفلسطيني على أرض فلسطين، وعلى إحباط المخططات الإسرائيلية الرامية إلى مصادرة الأراضي واستيطانها وتهويدها، وطرد الفلسطينيين وضم الضفة، أو غالبيتها، وفرض السيطرة على الباقي.
  18. مواصلة المعركة الديبلوماسية الرامية إلى كسر القرار الأميركي، والعمل على استخدام كل الوسائل السياسية والقانونية للحلول دون قيام دول أخرى بنقل سفاراتها إلى القدس، ولإحباط المحاولات الأميركية الإسرائيلية لقلب مبادرة السلام العربية رأسًا على عقب، ليكون التطبيع أولاً، ومطالبة الدول العربية، وخاصة التي تقيم علاقات مع إسرائيل أو بدأت تسير في هذا الاتجاه مراجعة هذه السياسة، لأنها تفتح شهية إسرائيل على المضي قدمًا في تنفيذ مخططاتها الاستعمارية والتوسعية والعنصرية.
  19. أن تعتمد المقاربة الجديدة على السعي أكثر لنقل ملف القضية الفلسطينية بمختلف جوانبها إلى الأمم المتحدة، باعتبار التدويل إحدى ركائز استراتيجية شاملة متعددة الأبعاد والأطراف والأشكال والأدوات وليست محورها الرئيسي، لتُضع أمام مسؤولياتها على أساس أن تكون الأمم المتحدة هي الإطار الذي يجري فيه حل القضية، وليس أحد الأطراف فقط، وعلى أن تكون مرجعيةُ العملية السياسية القانونَ الدوليَ وقرارات الأمم المتحدة، من خلال عقد مؤتمر دولي مستمر بصلاحيات كاملة، يهدف إلى تطبيق القرارات وليس التفاوض حولها.
  20. يتطلبُ تغييرُ المقاربة بشكل جوهري وإيجادُ عملية سياسية مختلفة جذريًا الكفاحَ متعدد الأشكال والأطراف والأدوات والأماكن، لتغيير موازين القوى حتى تسمح بتحقيق الأهداف والحقوق الفلسطينية، والذي يتطلب تطوير وتوسيع المقاومة الشعبية والمقاطعة، والاحتفاظ بحق المقاومة المسلحة، وتفعيل الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي بشأن الجدار، والعضوية الفلسطينية في محكمة الجنائية، من خلال تقديم طلبات إحالة حول جرائم الاحتلال بشكل عام، وجريمة الاستعمار والضم الاستيطاني بشكل خاص، باعتبار كل ذلك أشكالًا أساسية من دونها لا يمكن أن يحقق العمل الديبلوماسي أهدافه.

ختاماً، إن إبقاء الأوضاع القائمة على ما هي عليه من حار وانقسام وعقوبات جماعية من السلطة ، يعني بقاء الوضع الفلسطيني في قطاع غزة في حالة موت تدريجي وانهيار اقتصادي  وانفجار بطيء، وبخاصة إن لم يترافق مع تحقيق اختراق في ملفات المصالحة ، يهدد هذا السيناريو بإمكانية انفجار الأوضاع والدخول في مجابهة عسكرية أشد عنفا من سابقتها، وبخاصة أن الاحتلال الإسرائيلي سوف يواصل التحكم بمنسوب الحصار، وحركة انتقال الأفراد والبضائع كوسيلة للضغط على حركة حماس ، لاسيما في حال عدم تسوية ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى، ودون مؤشرات على انتظام قريب لفتح معبر رفح من قبل مصر، ودون مؤشرات  حقيقية علي استعادة الوحدة ورع العقوبات الامر الذي يتطلب من الجميع القيام بمسؤولياتهم تجاه قطاع غزة منعا للأسوأ.

 

[1] - قد نجد أنفسنا مختلفين حول السبب في فشل جهود استعادة الوحدة الوطنية، ولكن الجميع يدرك تماما، أن واحد من اهم الأسباب، هو اختزال طرفي النزاع مفهوم "المصالحة الوطنية " في الجهود المبذولة من جانبهم لطي صفحة الماضي أو للعفو والنسيان، دون التفكير بإعمال نظام العدالة الانتقالية.

[2]- أحوال السكان الفلسطينيين المقيمين في فلسطين، مرجع سابق، ص26.

[3]- الحصار يفاقم أزمة حقوق الإنسان في قطاع غزه ، مرجع سابق ، ص1.

[4] تقرير عن المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني من الأونكتاد , مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية , سبتمبر 2015 , http://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/tdb62d3_ar.pdf

[5]-صالح الكفري : مرجع سابق، ، ص39.

[6]-التقرير الاورومتوسطي لعام 2015

[7]-مرجع سابق_ صلاح ابو حنيدق.

[8] لورد حبش ، تغييب المرأة عن التشريعات الفلسطينية 2007-2015 :دراسة في الهيمنة الذكورية ، التشريعات في زمن الانقسام ،  دراسات في القرارات بقوانين والتشريعات الصادرة منذ  2007، مؤسسة مواطن،  رام الله 2016 .