Menu

مشاريع مشبوهة

السفير القطري محمد العمادي

غزة _ خاص بوابة الهدف

واحدة من أغرب التقنيات النفسية التي يستخدمها البشر هي السفر إلى المُستقبل، أي التخيّل الدائم للمُستقبل والشكل الذي ستتخذه الحياة فيه، هذا الخيال ضروري لعمل العقل البشري في الحاضر، ويساعده في اتخاذ القرارات اللازمة بناء على تخيله، لتأثيرها على المستقبل.

العلم بفروعه المتعددة منحنا إمكانية لضبط هذه العملية وجعلها أكثر دقة، ليحميها من صنوف الخيال الجامح والتأثيرات النفسية، وفي العلوم الإنسانية ودراسة وقائع المجتمعات والشعوب ومُحاولة استنباط مستقبلها باتت هناك آليات مُعتبرة لاستشراف المُستقبل، وتقدير المواقف والخطوات، واحتساب تأثيرها، ولكن ما يرفضه العلم والمنطق هو تجاهل التجارب التاريخية السابقة، والتعالي على دورها الأساسي كنموذج للقياس على نتائج نوعيات معينة من الخطوات السياسية أو الاجتماعية.

إزاء الأخبار والتسريبات التي تتحدث عن احتمالية توصل فصائل فلسطينية لهدنة طويلة مع الاحتلال نقف في حالة المُستغرِب أولًا، فهل تتجاهل هذه الفصائل والقوى كل تلك التجارب المريرة لنا أو لشعوب أخرى في حالة مُهادنة المُحتل؟! وألم ترى هذه الجهات السياسية، حجم استفادة الاحتلال من مثل هذه الخطوات في هذه المرحلة بالذات؟!

حسنًا لنعيد تذكير أنفسنا جميعًا، بأن هناك مُحاولة لتصفية القضية الفلسطينية، بل نحن أمام واحدة من أخطر المُحاولات لتصفية هذه القضية، عمادها الأساسي الوصول لترتيبات جزئية تسمح بنوع من الحكم المحلي تحت وصاية دولية واستباحة صهيونية، تلتزم فيها إدارات الحكم المحلي لمناطق من فلسطين، بكبح جماح المقاومة، وبالسيطرة على الجماهير، وتدبير شؤون الحياة اليومية لهم بالفتات الذي سيُقدمه بعض المانحين، ومن بينهم مانحين عرب لا يخفي أي منهم مساندته لتصفية القضية الفلسطينية، واستعداده للعمل المُشترك مع الاحتلال والجهات الحليفة له؛ لأجل هذا الغرض.

منح الاحتلال الفرصة لتحييد أي بقعة من فلسطين من مساحة الاشتباك معه يعتبر جريمة كبرى وطنيًا، والأسوأ من ذلك جعل بقعة أو بقاع من فلسطين نموذج للحكم المحلي المنفصل عن السياق الوطني، سياق السعي لتحرير فلسطين، والبحث عن تقرير المصير لشعبها في كل نقاط وجوده.

كخلاصة لا يمكن القول إلا بضرورة مواجهة هذا المسعى، والتحذير الجاد والواضح لكل القوى الوطنية الفاعلة من مغبة التساوق مع مثل هذه الطروحات أو السماح بتمريرها، فما ينتظره شعب فلسطين من هذه القوى هو تفعيل أقصى طاقاتها في استنزاف الاحتلال، وهذا يتطلب التوجه نحو وحدة الجميع في الخندق الوطني ضد الاحتلال، وحدة تُسقط كل المشاريع المشبوهة وتُعيد لشعبنا قدرته على شق طريق الانتصار.