عقدت بوابة الهدف الإخبارية ندوة الشهيد غسان كنفاني ، التي تُنظّمها بصورة دورية، بالتزامن مع مرور عام على مسيرات العودة وكسر الحصار، التي انطلقت نهاية مارس 2018 بفعاليات شعبية متنوعة، وتظاهرات جماهيرية تنظم على طول المناطق الشرقية لقطاع غزة، للتأكيد على التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية، وفي مقدمتها حق العودة المقدس.
وحملت الندوة عنوان "مسيرات العودة وكسر الحصار، بين التقييم والتقويم، وأدارها الصحفي والكاتب السياسي هاني حبيب، واستضافت من جمهورية مصر الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية د.محمد السعيد إدريس، ومن قطاع غزة كلًا من الباحث في الشؤون السياسية وعضو اللجنة التنسيقية لمسيرات العودة محسن أبو رمضان، وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كايد الغول.
وقدّم الصحفي حبيب الندوة بالقول "إنّه من المعروف أن مسيرات العودة انطلقت قبل عامٍ، بعد جملة من النقاشات بين نشطاء ومثقفين فلسطينيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شكّلت بادرة للشروع بفعل نضالي وطني، أساسه العمل السلمي، كمرافقٍ لسائر أشكال النضال الوطني الفلسطيني، تلاه تشكل اللجنة التنسيقية لمسيرات العودة، في يناير، التي كانت مستقلة تتكون من منظمات المجتمع المدني، دعت اللاجئين الفلسطينيين للتجمهر في أقرب نقاط للسياج الشرقي بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948، وحددت يوم 30 مارس 2018 وهو ذكرى يوم الأرض، للانطلاق بالمسيرات.
في منتصف شهر مارس، صدرت عن هذه اللجنة المبادئ العامة لمسيرات العودة، والتي تضمنت مراعاة الطابع الشعبي وأن لا تتخذ المسيرات أية صفة فصائلية، وأن لا تنتمي لأجندة فصيل دون آخر، وأن لا تتخذ سوى شعارٍ واحدٍ فقط؛ "العودة". بعد يومين، انضمنت الفصائل الفلسطينية إلى المسيرات، وتم الإعلان عن هيكل جديد، بديل، تحت اسم "الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار"، ومنذ ذاك التاريخ شهدت المسيرات الكثير من التطورات، والرسم البياني الصاعد والمتراجع لهذه المسيرات ارتبط بشكل أو بآخر، بالجهود المصرية للتوصل إلى اتفاق تهدئة بين القطاع وكيان الاحتلال".
ووجّه حبيب أول أسئلته للكاتب المصري د.إدريس، عن رؤيته ورأيه بشأن مسيرات العودة، سواء من خلال انطلاقتها، أو تحقيقها الأهداف التي انطلقت لأجلها. وفي معرض إجابته، قال د.إدريس "إن يوم الأرض منذ تفجّره يكاد يكون هو الرابط بين الشعب الفلسطيني وأرضه، وأضاف أنّ "الشعب الفلسطيني بات أحوج ما يكون للتأكيد على تمسكه بأرضه وعلى حتمية عودته".
ورأى د.إدريس أنّ "انضمام الفصائل، وسيّما حركة حماس ، لمسيرات العودة كان له نتيجتان: أولاها إعطائها زخمًا وثقلًا أكبر، وثانيها أنّ المسيرات باتت تُستخدم كورقة تفاوض بين حماس والاحتلال، وجرى إضافة (كسر الحصار) إلى اسمها، وهنا إشارة لسعي حماس للتعامل وكأنها سلطة في غزة".
وقال د.إدريس إنّ الخفوت والتراجع باتا يُهددان (شعار العودة)، لأن التراجع الملحوظ حاليًا في مسيرات العودة لا يقتصر على المسيرات فحسب، بل يُصيب- شئنا أم أبيْنا- الهدف الرئيس، وهو حق العودة والتمسك به. وأضاف "إذا كانت الحركة الشعبية الفلسطينية منهكة ومُجهَدة؛ في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي والتضييق المتعمد، وفي الضفة تحت ضغط الاحتلال، فإنّه يجب أن يتم البحث عن مخارج أخرى لتفعيل مسيرات العودة". أحد هذه المخارج- وفق ما اقترحه الضيف المصري، أن تصبح مسيرات العودة شهريةً، بدلًا من أن تكون أسبوعية، أو سنوية في ذكرى يوم الأرض فقط.
وفيما يتعلّق بالمطالب الحياتية والإنسانية لسكان قطاع غزة، وهي حقوقٌ مشروعة، قال د.إدريس إنّه يُمكن أن تخرج الجماهير في تظاهرات داخل القطاع، لتُطالب بهذه الحقوق، لكن مع فصلها عن مسيرات العودة وشعارها.
وأوضح بالقول "نحن أمام معركة حادة بين الرواية الوطنية الفلسطينية حول الحق، والرواية اليهودية حول الدولة اليهودية وحقها في هذه الأرض قبل ألفيْ سنة، ومحاولات الاستيلاء على تراث وتاريخ الشعب الفلسطيني بكل ما فيه. وما فعلته مسيرة العودة هو أنّ أطفالًا، ولدوا قبل 20 سنة على أقصى تقدير، يخرجون اليوم ويُؤكدون أن هذه الأرض أرضهم، مهما طال الزمن أو قصر، أي أنّ هذا الشعب لم ولن ينسى أرضه، لذا فإنّ فصل مسيرات العودة، أدّى إلى تدعيم الرواية الفلسطينية في الحقوق، في مواجهة الرواية اليهودية".
وشدّد د.إدريس على تأييده لاستمرار مسيرات العودة بزخمٍ، وأن تمتد خارج قطاع غزة، وأن تتم معالجتها، وأن يبتعد عنها المفهوم السلطوي، لتبقى تحت سلطة الشعب فقط، وعلى الفصائل الفلسطينية أخذ خطوات إلى الخلف فيما يتعلق بالمسيرات، إذ يُمكن أن يقتصر دورها على عليها الدعم المادي والتحشيد، ولكن دون هيمنة من فصيلٍ بعينه، يستخدمها كورقة ضغط، تبرز إذا ما أراد هذا الفصيل التفاوض باسم الشعب، وتخفت إذا ما اختلف مع غيره من الفصائل.
وفي مداخلته، اتفق الباحث أبو رمضان مع د.إدريس بتأثير انضمام الفصائل لمسيرات العودة، أدى إلى استثمارها من قبل حركة حماس الفصيل المُسيطر على القطاع، إذ جرى تقديم قضية كسر الحصار الصهيوني عن غزة على قضية العودة، وهو ما وضع كل حالة المسيرات وتضحياتها في إطار المساومات السياسية".
وأشار إلى دور الانقسام السياسي في التأثير على المسيرات، موضحًا أنّ حركة حماس عملت على إخضاع هذا الشكل النضالي (المسيرات) لموضوع التهدئة، كما جرى مؤخرًا، على قاعدة تخفيف الأزمة الإنسانية وتقديم رزمة من التسهيلات، لتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور بشكل غير مسبوق بغزة.
وقال "على المستوى الوطني والوحدوي، ولأجل إعادة الصراع إلى جذوره واستعادة الرواية الفلسطينية، كان يجب أن تمتد مسيرات العودة، بعمقها الشعبي والسلمي، لتتشابك مع مسيرات بلعين ونعلين والمزرعة وكفر قدوم، ولتكون أيضًا في مواجهة سياسات الاحتلال ونظام الأبارتهايد في الأراضي المحتلة عام 49، وتمتد أكثر للشتات.
وتابع أنّ "مسيرات العودة لها بُعد إيجابي، منه عمقها السلمي الذي يستند إلى القانون الدولي، وهذه المقاومة الذكية تنتصر لها القوى المجتمعية والتضامنية والحقوقية في كل العالم، إضافة إلى زخمها الشعبي والتفاف الفصائل حولها".
لكن فيما يتعلق بالسلبيات، رأى أبو رمضان أنّ في هذا الجانب يُسجّل على مسيرات العودة وكسر الحصار العدد الكبير من الشهداء والجرحى وذوي الإعاقة، وعدم وجود درجة كافية من سياسة تجنب الخسائر في المورد البشري، مؤكدًا أنّه لا نضال بدون تضحيات لكن العنصر البشري هو الأساس في التنمية والصمود والاستقرار"، كما اعتبر أنّ إدخال التكتيكات الخشنة، التي سُميت في الإعلام (الإرباك الليلي والبالونات الحارقة ووحدات قص السلك وغيرها)، للمسيرات التي جرى الاتفاق والتأكيد على التزامها الطابع السلمي، في محاولة لزيادة الضغط على الاحتلال لنيل مزيد من التسهيلات، التي هي أصلاً حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني".
ودعا إلى "تقويم وتصحيح وإعادة صياغة مسيرات العودة ببعدها الشعبي والسلمي وضمان عدم إخضاعها بأي حالة من الأحوال للمفاوضات أو المساومات السياسية، لأنها حق للشعب الفلسطيني مكفول بالقانون الدولي".
من جهته، تطرق عضو المكتب السياسي للشعبية كايد الغول، إلى الظروف السياسية الراهنة التي انطلقت في إطارها هذه المسيرات وهي: "صفقة القرن"، والقرار الأمريكي بالاعتراف ب القدس عاصمة للكيان الصهيوني، والهجمة ضدّ الأونروا ومحاولة تصفية حقوق اللاجئين، واتساع التطبيع، إضافة إلى العامل الداخلي الخاص بقطاع غزة وهو اشتداد الأزمة نتيجة الحصار، والذي كان التخوف من أن تتطور إلى أعمال عنف أو تطورات تخرج عن السيطرة، لمواجهتها (الأزمة)، لذا كان التوجه إلى امتصاصها عبر توجيهها إلى الصراع مع العدو الصهيوني، وهذا ما تمّ، وفي إطار هذه الظروف رُفعت عناوين مسيرات العودة".
وحول أهم الأهداف التي انطلقت من أجلها تلك المسيرة، قال الغول "رفض صفقة ترامب، وتأكيد التمسك بحق اللاجئين في العودة، ورفض الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وتعطيل مسار التطبيع، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ووضعها على طاولة المجتمع الدولي".
في إطار الإيجابيات التي تحققت عبر مسيرات العودة، فإن مفهوم المواجهة الشعبية ترسّخ بأنه فعال في مواجهة الاحتلال، وهو ما انعكس إيجابًا على مفاهيم لقوى كانت لا ترى إلا المقاومة المسلحة الشكل الوحيد في مواجهة العدو، وهذا مكسب كبير في اقتراب فصائل العمل الوطني من إدارة الصراع مع الاحتلال بمختلف الأشكال. يُضاف إليه مكسبٌ آخر هام وهو إعادة تركيز التناقض على الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي باعتباره "الرئيسي" بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، سيّما وأنه سبق المسيرات تمظهر التناقض الداخلي في ظلّ حالة الانقسام وكأنه هو "الرئيسي"، وهذا إلى جانب ما ترسّخ من وحدة ميدانية في الساحة الفلسطينية، رغم الانقسام، إذ شاركت كل القوى في المسيرات، وكذلك كل فئات وأعمار الشعب الفلسطيني، وهو ما كان يُمكن البناء عليه لدفع جهود المصالحة الوطنية لإنهاء الانقسام بشكل شامل".
واستكمل الغول في إطار استعراضه ما تحقق من إيجابيات في مسيرات العودة، إذ رأى أنها ظهّرت من جديد الطابع الفاشي للعدو الصهيوني أمام المجتمع الدولي، وعليه صدرت قرارات دولية عديدة تُدين السلوك الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني، وجرى الانتصار لحق الفلسطينيين في النضال من أجل انتزاع حقوقهم، كما أعادت مسيرات العودة، وبقوّة، طرح القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، سيّما حق اللاجئين في العودة الذي جرت محاولات عديدة لطمسه. كما أنّ المسيرات أربكت إلى حدٍ ما العدو الصهيوني وأوجدت تناقصات داخله. كما أحرجت في فترة ما المُطبّعين مع الاحتلال.
أما السلبيات، فقد رأى الغول أنّ الانقسام عكس نفسه سلبًا على المسيرات، التي بدلًا من أن تكون ترجمة لبرنامجٍ وطني فلسطيني جامع، في مواجهة مخاطر تصفية قضية اللاجئين وتبديد الأرض ومخاطر التطبيع والتصدي لصفقة ترامب، صارت تتحول أحيانًا وكأنها مسيرات لفصيلٍ ما، وهذا يُفسر بشكل كبير لماذا لم تمتد المسيرات للضفة المحتلة أو مناطق التماس مع فلسطين المحتلة.
يُضاف إلى السلبيات في مسيرات العودة، استخدامها والأشكال المترافقة معها (الأساليب الخشنة)، كتكتيك لتفاهمات تُؤدّي إلى تخفيف الحصار عن غزة، وهو ما نتج عنه- عمليًا- تقديم هدف كسر الحصار على هدف العودة، وهو ما أضعف تظهير الهدف الثاني، الذي يُعد "المركزي". وارتباطًا بهذا كان التعامل مع هذه المسيرات والأساليب الخشنة هبوطًا وصعودًا، وفق تقدّم أو تراجع الجهد المصري فيما يتعلق بالتهدئة أو التوصل لتفاهمات.
وفي إطار السلبيات كذلك، اعتبر الغول أنّه في فترة من الفترات كان يجري التعامل مع الخسائر البشرية وكأنه وقود لاستمرار المسيرات، ولم تُبذَل جهود كبيرة في البداية لتقليل الخسائر، وأحيانًا كان يجري التغاضي عن اقتراب الأطفال والشباب إلى السلك، وهذا كان بسبب اعتقاد البعض بأنّ المزيد من الشهداء والجرحى سيجلب المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية لبذل محاولات لتخفيف الحصار عن غزة والتوصل لتفاهمات.
وفي مداخلته، ذكر الغول عددًا آخر من العوامل التي أثرت سلبًا على مسيرات العودة، في حين تطرّق إلى "مستقبل المسيرات" مع دخولها العام الثاني، الذي سيكون مرهونًا بعدّة عامل، أوّلها تكريس فكرة أنّ نجاح هذا الفعل الجماهيري، أي المقاومة الشعبية الممثلة بمسيرات العودة، في تحقيق أهدافه، سيكون بالعمل سريعًا على إنهاء الانقسام، وبالتالي يجب أن لا تكون المسيرات على حساب الجهود، التي يجب أن تستمر من أجل استعادة الوحدة الوطنية". وعليه يُمكن أن تتضمن برامج المسيرات فعاليات لها علاقة بهذا العنوان.
والعامل الآخر، الذي سيحكم مستقبل المسيرات، قال الغول إنّه "وجود قيادة جماعية فعلية لمسيرات العودة، وإبعادها عن أية تعبيرات فئوية". إضافة إلى "تنويع فعاليات المسيرات، وتكثيف التواصل مع فصائل حركة التحرر العربي لإعطاء دعم وإسناد جدّي للمسيرات في الشارع العربي".
تجدر الإشارة إلى أنّ ما أنِف ذكره كان بعضًا مما تحدّث به ضيوف ندوة الشهيد غسان كنفاني، في مختلف المحاور التي جرى نقاشها حول مسيرات العودة وكسر الحصار، التي أنهت يوم 30 مارس 2019 عامَها الأول، ودشّنت العام الثاني. وتُتابعون سائر النقاش في الفيديو المُرفق.