Menu

الرجعية العربية وانعطاف نوعي في العلاقة مع المعسكر الأمريكي الإمبريالي الصهيوني

محمّد جبر الريفي

الرجعية العربية هي من ساهمت في النكبة العربية في فلسطين عام 1948، وما زالت تقوم بنفس الدور في هذه المرحلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شاع لفظ الرجعية على وصف الانظمة العربية التي تدور في فلك الاستعمار الغربي، وكان ذلك بصفة خاصة في الخطاب السياسي والإعلامي المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك في مقابل الأنظمة العربية الوطنية التي قطعت أشواطًا في مسألة التحرر من الاستعمار.

الرجعية العربية كانت وما زالت تمثل تيارًا سياسيًا في الواقع العربي، وقد برز دورها السياسي خاصة الرجعية الخليجية في المرحلة التي شهدت تراجع المد القومي بعد أفول دور المراكز الحضارية التاريخي في مصر وبلاد الشام والعراق، بما تمتلكه من مال نفطي يسخر لخدمة المصالح الأمريكية الإمبريالية والغربية، وإن ما يدفعها للقيام بهذه المهمة السياسية التآمرية، هو الارتباط في المصالح السياسية والاقتصادية مع النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي؛ الأمر الذي يؤكد على وجود علاقة طبقية بين الصراع القومي والبعد الاجتماعي.

في مسألة الموقف السياسي من الكيان الصهيوني كانت الرجعية العربية تلتزم بالموقف العربي السياسي العام الذي يتمسك بحل سلمي للقضية الفلسطينية يفضي بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية، وهو الموقف الذي غلب على اتجاهات السياسة العربية بعد حرب يونيو/ حزيران 1967، غير أن هذه المرحلة التي تشهد متغيرات نوعية أهمها ظاهرة الفوضى السياسية والأمنية التي تجتاح بعض دول المنطقة؛ بسبب التدخل الخارجي كانت قد وفرت لها المناخ المناسب للارتداد عن هذا الموقف التضامني العربي وعدم الالتزام به، خاصة من قبل الرجعية الخليجية، فكانت إجراءات التطبيع مع الكيان الصهيوني تتسارع بشكل غير مسبوق وبدون إخفاء عن الجماهير العربية، ويحدث ذلك الانحطاط السياسي في وقت لم يحصل أي انفراج في ما يسمى عملية السلام، بل ويشهد بشكل رسمي صارخ تخلي الإدارة الأمريكية عن مشروع حل الدولتين التي كانت ملتزمة به الحكومات الأمريكية المتعاقبة لأعوام طويلة، والذي يحظى بإجماع دولي وطرح بدلًا منه ما أصبح يعرف بمشروع صفقة القرن التي جوهرها كتسوية سياسية نهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على الالتزام الكامل بالرواية اليهودية.

إن انعطافة نوعية تاريخية قد حدثت في علاقة الرجعية العربية مع المعسكر الإمبريالي الصهيوني، وإن هذه النقلة في دور الرجعية العربية الخطير تستدعي استبعاد عقلية شعار وحدة الصف الذي طغى على السياسة العربية الرسمية؛ لأن الأنظمة العربية جميعها ليست الآن في موقع الصف الوطني والقومي الواحد، وإن حتمية الصدام مع القوى الرجعية العربية أصبحت مطلوبة بحكم دورها السياسي الجديد الذي يتم التعبير عنه في الحياة السياسية العربية المتعددة بجملة من الفعاليات كالمشاركة في المؤتمرات الهادفة إلى تحويل القضية الفلسطينية من طابعها الوطني التحرري المقاوم للاحتلال إلى الطابع المصلحي المعيشي (مؤتمر البحرين الاقتصادي)، وأيضًا العمل على حرف بوصلة النضال في المنطقة ليصبح ضد إيران الدولة الإسلامية الجارة، بدلًا من الكيان الصهيوني الغاصب العدو الرئيسي للأمة وهذا ما عملت عليه (مؤتمرات القمة الثلاثة في مكة)؛ وكذلك استعدادها لدفع الأموال بسخاء من عائدات النفط لتمرير ما يسمى بالسلام الاقتصادي، وهو ما يحتم طرح صيغة واقعية لوحدة القوى الوطنية والديموقراطية الفلسطينية والعربية لمواجهة هذه الهجمة الرجعية الشرسة التي تأتي في وقت ينشط فيه التحالف الأمريكي الصهيوني الاستراتيجي في تحقيق خطوات ملموسة على طريق تصفية القضية الفلسطينية ومحاولة إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة العربية.