في الذكرى 47 لاستشهاد الأديب والكاتب الفلسطيني الكبير غسّان كنفاني، تعيد بوابة الهدف نشر مقالٍ له بعنوان "هل تفاجئنا التسوية السياسية في أيلول؟"، والذي نُشر يوم السبت 9 آب 1969، في العدد الثالث من مجلة الهدف التي أسسها الشهيد.
متابعة رحلة التسوية السياسية, خلال الفترة الوجيزة الماضية، تضع أيدينا على الجدول التالي:
- في 18 تموز الماضي أنهى أبا أبيان جولة أوروبية, باجتماع عقده مع "غونار يارينغ" في سويسرا, وكان الوسيط الدولي جاء إلى العاصمة السويسرية خصيصاً لمقابلة أبيان.
- في غضون ذلك كان جوزيف سيسكو يعقد محادثات مع المسؤولين السوفيات في موسكو, بصدد مسألة الشرق الأوسط.
- في طريق عودته إلى واشنطن, عرج سيسكو على أمستردام حيث عقد اجتماعاً سريعاً مع يارينغ.
- بعد ذلك اتصلت واشنطن باسرائيل, وأطلعتها على مباحثات سيسكو في موسكو, عبر اجتماع عقد بين السفير الأمريكي باربور وجدعون رافائيل, في تل أبيب.
- ما أن وصل سيسكو إلى واشنطن, حتى غادرها مرة أخرى مع نيكسون في الجولة الآسيوية التي عقد خلالها مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط محادثات حول "التسوية السلمية" مع المسؤولين في رومانيا.
- لم يمضِ على عودة سيسكو إلى واشنطن 48 ساعة, حتى غادرها مرة أخرى في زيارة سريعة إلى بلغراد, حيث عقد جولة من المحادثات مع المسؤولين اليوغوسلافيين, عاد إثرها إلى واشنطن.
- قامت وزارة الخارجية اليوغوسلافية بإبلاغ القاهرة عن طبيعة المحادثات مع سيسكو في بلغرراد, في اليوم التالي.
- ما أن وصل سيسكو إلى واشنطن حتى أعلن أن الاتصالات الرباعية ستستأنف في أوآخر أيلول القادم, وقد تقوم الدول الأربع الكبرى بمتابعة تلك الاتصالات على مستوى مؤتمر يعقده وزراء خارجياتها.
تقدم في المحادثات ؟
تقول صحيفة "الجيروزاليم بوست" الإسرئيلية المقربة من وزارة الخارجية (21/8/1968) أن سيسكو قدم في موسكو اقتراحات أمريكية جديدة, رداً على الخطة السوفياتية, وأن المحادثات التي أعقبت ذلك "شهدت تطوراً, والخلافات قد تقلصت" وأن مهمة سيسكو في موسكو تركزت على "رسم خطوط أكثر فاعلية للدكتور يارينغ", وذلك ما يفسر حرص سيسكو على الاجتماع بيارينغ إثر عودته من موسكو, ثم حرص أبا أبيان بدوره على رؤية يارينغ في سويسرا "لمراجعة الاستنتاجات التي توصلا إليها، وليُلحّ عليه باستئناف مهمته" ثم حرص سيسكو على الاتصال ببلغراد وبوخارست لمتابعة هذا الأمر.
كل ذلك لا يمكن أن يعني إلا أن الفترة التي علقت فيها محادثات الدول الأربع الكبرى, والتي شهدت اتصالات صامتة متكتمة بين موسكو وواشنطن, قد حفلت بتطورات أساسية, جعل من مسألة استئناف الدول الأربع الكبرى لمحادثاتها المعلقة, مسألة ممكنة.
نحو "صفقة كلية":
وبالرغم من المصاعب الكبيرة المحيطة بالاتفاق على أية "تسوية سياسية", فإن ذلك لا يعني أن المساعي التي تبذلها الدول الكبرى واقفة الآن أمام طريق مسدود.
إن اسرائيل تزعم بأن الصيغة الأمريكية الجديدة لا تتطابق مع وجهة نظرها تماماً, وتزعم من جهة أخرى أن الصيغة السوفياتية هي التزام كامل بالموقف العربي, وهذا بدوره ليس صحيحاً ولكنها تبدي شكوكها من النتائج المحتملة طالما أنها متأكدة من أن واشنطن "لا تريد قطع الحوار مع موسكو قبل أن تتحادث معها عن قضية نزع السلاح وغيرها" من القضايا المعلقة بين البلدين, وهذا يشير إلى احتمال خطير هو أن المحادثات الدولية حول أزمة الشرق الأوسط تتجه الآن نحو إجراء "صفقة كلية" تشمل جميع القضايا المطروحة بين البلدين.
وربّما كان ذلك هو المدخل الذي تصر عليه واشنطن للوصول إلى تسوية, عن طريق اعتبار أزمة الشرق الأوسط مظهرًا واحدًا من مظاهر صراع العملاقين, وبالتالي يمكن فرض الحل فيها كنتيجة من نتائج "صفقة كلية".
مفاجأة في أيلول؟
وذلك كله يستلزم إيلاء اهتمام متزايد للتطورات التي يمكن أن تحدث, وتأخذ شكل المفاجأة, على صعيد "الجهد الدولي" المبذول.
إنّ أوساطًا دبلوماسية عربية في الأمم المتحدة أبلغت, بصورة غير رسمية, في الأسبوعيين الماضيين, أن التحرك الدولي الراهن في نطاق إيجاد تسوية لأزمة الشرق الأوسط هو أخطر بكثير مما تقدر الأوساط الرسمية العربية, وتتوقع هذه الأوساط أن يكون أيلول القادم مسرحاً لمفاجآت كبيرة في هذا المجال.
ومن غير المتوقع– برأي هذه الأوساط– أن يكون لبرنامج حزب العمل الانتخابي في إسرائيل , الذي صدر مؤخراً وكرس رسمياً النيّات التوسعية, أيّ تأثير سلبي على الاتصالات الدولية الجارية, فالخلفية الأساسية في تلك الاتصالات ما تزال تعتمد على الأجوبة الرسمية التي قدمتها الدول العربية وإسرائيل لأسئلة يارينغ قبل ثلاث شهور, والتي ما تزال تعتبر الخطوط العريضة التي يحاول الأربعة الكبار تسيير قاطرة الحل السلمي فوقها, هي ذاتها الأسس التي يجري وفقها طرح صيغ الحل من هذا الطرف والصيغ المضادة من ذاك، في نطاق الاتصالات الثنائية, التي ستقوم باعطاء الكرة, مرة أخرى, إلى يارينغ.
مناورة إسرئيلية ابتزازية
إنّ إسرائيل تزعم في تصريح أطلقه أبا أبيان في الأسبوع الماضي أنّ تل أبيب "تفضل الوضع الراهن على أيّة تسوية سياسية لا تحقق مطالبها", ولكن هذا الإعلان ليس صحيحاً في جوهره, فالمعاناة الإسرائيلية من "الوضع الراهن" تشير إلى أنّ قدرة إسرائيل على التحمل باتت محدودة, وهي تفضل بلا ريبٍ الوصول إلى نوعٍ من الحل يضمن لها مصالحها التوسعية, وهو ضمان متوفر في الصيغ الأمريكية المطروحة.
وهذه المناورة الابتزازية– كما تسميها أوساط عربية في الأمم المتحدة– ترمي إلى إخفاء الشوط الذي قطعته رحلة الحل السياسي, وبالتالي فإن التسلح بالحذر الشديد, وبالاستعداد لإحباط أيّة محاولة من هذا النوع، تضحى من المهمات الأولية العاجلة الآن.