Menu

في ذكرى إحراق الأقصى: ما بين القومي والإسلامي

محمّد جبر الريفي

مرت خمسون عامًا على إحراق المسجد الأقصى، الذي أرق جولدا مائير وزيرة خارجية الكيان الصهيوني، حينذاك فلم تنم ليلتها تحسبًا وخوفًا من قيام الدول العربية والإسلامية بشن حربًا على الدولة العبرية؛ كرد على الفعلة الشنعاء الذي أقدم عليها اليهودي الصهيوني الاسترالي المتطرف: مايكل دينيس التي زعمت حكومة الكيان أن ما ارتكبه هو بسبب ما يعانيه من مرض عقلي، وحين أفاقت دون أن يحدث ما كانت تخشاه، بل اقتصرت الردود العربية والإسلامية الرسمية على إصدار بيانات شجب واستنكار، وعلى النطاق الشعبي ترديد عمومية الشعارات الدينية والقومية شعرت عندها بسعادة لم تشعر بها من قبل، ذلك لأنها أدركت بأن العرب والمسلمين أصبحوا يخشون "إسرائيل" وقد تحولوا على حد قولها إلى أمة ميتة. 

قبل حادثة الحرق وإلى يومنا هذا والمسجد الأقصى يتعرض لاستباحة يوميًا من قبل قطعان المستوطنين الصهاينة العنصريين، تحميهم قوات شرطة وجنود الاحتلال، يؤجج حقدهم وكراهيتهم أحزابهم اليمينية المتطرفة والحاخامات ورجال الدين اليهود الغزاة القادمين من وراء البحار.. ولم يتغير حال المسجد الأقصى منذ تم احتلال القدس الشرقية في عدوان يونيو/ حزيران 67، فما زال يمارس في باحاته كل أشكال القمع الصهيوني دون توفير أي حماية دولية، باعتباره مكانًا للعبادة الدينية.

الأسئلة الذي تثار عادة عند كل استباحة المسجد الأقصى من قبل المستوطنين هي: أين حكومات العالم العربي والإسلامي من هذه الاعتداءات العنصرية المتواصلة؟ أين قرارات المؤتمر الإسلامي التي اتخذها في انعقاده الأول على إثر ارتكاب هذه الجريمة النكراء؟ أين الوصاية الهاشمية؟ وأين لجنة القدس برئاسة العاهل المغربي "أمير المؤمنين"؟ أين المرجعيات الإسلامية كالأزهر الشريف والمجلس الشيعي الأعلى؟ هل أصاب حكام العرب والمسلمين العمى والصمم فلم يعد يروا أو يسمعوا ما يحدث فيه وعلى أبوابه من تنكيل لجموع المصلين من النساء والرجال؟

لقد هان المسجد الأقصى على حكام العرب والمسلمين، فلم تعد مكانته في العقيدة الإسلامية، حيث حادثة الإسراء و المعراج تثير مشاعرهم الدينية والقومية.     

إحراق المسجد الاقصى كان صدمة كبرى للجماهير الشعبية العربية والإسلامية، أبرزت على نحو مأساوي عجز العالم العربي والإسلامي عن الدفاع عن مقدساته، بل أيضًا عجز دوله العديدة عن تأمين متطلبات الصمود للمقدسيين في مواجهة مخططات التهويد.

بين القومي والإسلامي كان التداخل العميق في مواجهة الحدث الأليم؛ فالتخاذل الذي كان سمة الأداء الرسمي للنظام العربي والإسلامي، لم ينسحب على موقف العمال الباكستانيين الفقراء الذين طافوا في مساء ذلك اليوم الحزين في بعض شوارع عمان تنديدًا بحرق منبر صلاح الدين الأيوبي، الذي حرر القدس من براثن الصليبيين، ليكشف عن عمق التواصل التاريخي السياسي والثقافي بين شعوب المنطقة كلها؛ من باكستان في جنوب شرق آسيا إلى الشعب الكردي الذي شكل القائد الناصر صلاح الدين نموذجًا لمشاركتهم في الدفاع عن القدس، وهو ما يتطلب المراجعة من قبل الإسلام السياسي الذي يقع في خطأ جسيم حين ينظر للدولة الوطنية والفكرة القومية بأنها بعيدة عن العقيدة وجزء من العنصرية التي رفضها الإسلام.