واحدةٌ من أشد المساوئ التي ترتبط بنظم الحكم الرديئة نمطُ إدارتها للوظيفة العامة، وهو أمر يرتبط بالأساس بالنظرة للإنسان، للمواطن، وفلسفة التعامل معه، وطبيعة دور الدولة والغرض من وجودها.
وفي هذا، يبدو واضحًا أن السلطة الفلسطينية، بحكوماتها المتعاقبة، اختارت دومًا خيار التعامل مع الوظيفة العامة كبيئة تجنيدٍ سياسي، ومساحةٍ لشراء الولاءات، و الاستزلام، في تناقضٍ تام مع مفهوم المواطَنة، والحقوق بمفهومها العام والشخصي، فوفقًا لهذه المعادلة تصبح الوظيفة منحة، يشتري بها السياسي ولاء الموظف، ويخضعه لسلطته، وتسقط فكرةَ الوظيفة العامة، وحقيقة كونها نوع من التعاقد بين الموظف والحكومة كممثل عن المجتمع، عقد تنظمه الحقوق الأساسية للمواطن، وقوانين العمل والخدمة المدنية.
إن إسقاط هذه الحقوق الأساسية، ومعها مفهوم الحكم العادل، هو كارثة حقيقية تهدد كل تلك المقولات حول بناء الدولة المستقبلية، ولكن استهداف بقعة جغرافية محددة بهضم حقوق أبناء هذه البقعة، هو جريمة تمييزٍ كارثية، تؤسس لمخاطر مجتمعية وهُويّاتية، وتؤسس لتفتتٍ سياسيّ واجتماعيّ لا تحمد عواقبه.
تُصرّ السلطة الفلسطينية على تجاهل طبيعة مرحلة التحرر الوطني، وضرورات الصمود الوطني في هذه المرحلة، بل الأسوأ أنها تنضمّ لأدوات حصار قطاع غزة، سواء بخانة العقوبات، أو تحت مسمى التقاعد المالي المبكر، أو من خلال التمييز الخاص بموظفي ٢٠٠٥.
إن صمود القطاع، وإخراجه من دائرة الاستهداف بواسطة الحصار والعقوبات والتمييز، هو مهمة أساسية لتعزيز الصمود الوطني، والاستثمار الحقيقي في توسيع قاعدة المواجهة مع المشروع الصهيوني، والحواضن والحوامل الوطنية لهذه المواجهة.