ظلت الفكرة القومية العربية محل عداء من الأمم المجاورة للوطن العربي، وهي أمم معروفة تاريخيًا بحدة النزعة القومية فيها، وقد اعتبرت غالبية أوساطها السياسية والثقافية أن جوهر هذه الفكرة يكمن في سعي العرب لقيادة العالم الإسلامي بحكم ظهور العقيدة الدينية بالأراضي الحجازية. غير أن الفكرة القومية العربية أساسها كما هو معروف غير ذلك فقد تم رفع شعارها السياسي أولًا في مواجهة الهيمنة العثمانية، ثم القوى الاستعمارية الغربية، وليس على قاعدة الدين، ولهذا فإن الدعوة إليها يقوم على أساس التحول في الانتماء السياسي من الإطار ال قطر ي الذي عمقته حالة التجزئة السياسية الممنهجة إلى الإطار السياسي القومي، وذلك كشرط لنجاحها في تكوين الدولة القومية الواحدة تحقيقًا لهدف الوحدة العربية، وهو الشيء الذي عجز عن تحقيقه النضال القومي العربي حتى الآن.
إن اختلاف المصالح السياسية القومية هو عامل محفز للصراع رغم الانتماء للعقيدة الدينية الواحدة... الأتراك والإيرانيون والأكراد كلهم تسكنهم مشاعر غير ودية في علاقاتهم السياسية مع الدول العربية؛ بسبب نزعة التعصب القومي، فالرئيس التركي أردوغان رغم انتمائه لحزب العدالة والتنمية الإسلامي إلا أنه يعطي الأوامر لقواته باحتلال أجزاء من شمال سوريا الذي تسيطر عليه المليشيات الكردية وبقايا جيوب داعش والنصرة، وذلك في إعادة لسابقة تاريخية عدوانية قامت بها تركيا العلمانية باغتصاب إقليم الاسكندرونة في بداية استقلال سوريا عن الانتداب الفرنسي. والأكراد يرفعون العلم الإسرائيلي في احتفالاتهم في تحد صارخ للمشاعر القومية العربية، وذلك سعيًا وراء تحقيق طموحاتهم القومية في إقامة دولة قومية لهم في المنطقة. وإيران الدولة الإسلامية الشيعية الكبرى صحيح إنها تدعم النظام السياسي السوري الذي يغلب على طبيعته الهيمنة العلوية، والحوثيين الزيديين في اليمن وحزب الله اللبناني من خلفية طائفية، ولكن الدافع الأساسي لهذا الدعم هو العمل على تمدد النفوذ الإيراني القومي الفارسي في المنطقة.
صراع القوميات شيء طبيعي في السياسات الدولية، وقد عرف الأوربيون أيضًا هذا النوع من الصراع بين القوميات المتجاورة رغم اعتناق المسيحية الغربية، وقد وصل إلى حد اشتعال حروب طاحنة بين ألمانيا وفرنسا على إقليم الالزاس واللورين المتنازع عليه، وكذلك في الحرب العالمية الثانية بين دول المحور ودول الحلفاء وغالبيتهم دول غربية مسيحية باستثناء اليابان الآسيوية. بعد انهيار عصر الاقطاع السياسي وتراجع السلطة الدينية للكنيسة، وكذلك التفاهم الذي حدث بين الدول القومية البرجوازية على تقسيم المستعمرات، وبدافع تحقيق مصالح النظام الرأسمالي العالمي في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق والمعسكر الاشتراكي عم السلم والاستقرار في ربوع القارة الأوروبية، وبتراجع حدة النزعة القومية تشكل الاتحاد الأوروبي من قوميات لها تاريخ طويل من الصراعات العرقية والمذهبية، وبتوسعه ليضم غالبية دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وتفكك منظومة المعسكر الاشتراكي أصبح هذا الاتحاد قطبًا دوليًا رئيسيًا في العالم، له مصالحه الرأسمالية القارية الخاصة به، في مواجهة مصالح القطب الأمريكي والروسي والصيني. والسؤال الذي يبحث عن إجابة حيث يوجد هذا النوع من الصراع بين القوميات في إطار تحقيق المصالح السياسية هو: متى يرتقي الفكر السياسي لدى شعوب هذه الأمم التركية والإيرانية والكردية المجاورة للوطن العربي وصولًا باختفاء حدة النزعة القومية الشوفينية؟ وهذا دور الأحزاب السياسية في هذه البلدان في نشر الفكر العلمي التقدمي وبرؤية فكرية سياسية متقدمة ليعم الاستقرار والسلام ربوع المنطقة كلها العربية والشرق الأوسط؛ ليكون طريقًا معبدًا للتنمية والتقدم والخلاص من علاقات التبعية بمختلف أشكالها واللحاق بركب الحضارة التكنولوجية الاستهلاكية المتقدمة على ما سبقها من حضارات مادية.