طوّر الاحتلال الصهيوني خلال العقدين الماضيين أسلحة رقمية من أجل قمع الفلسطينيين، إلا أن هذه الأسلحة يتم إعادة برمجتها إلى فضاءات أوسع، وبتجاه مجتمعات غربية، ظنّت أن خصوصيتها وحريتها مضمونة ومحمية، "إسرائيل" التي كانت "دولة ناشئة" منذ عقود، أصبحت الآن من كبرى دول العالم في مجال الابتكار عالي التقنية، الذي يعتمد دائمًا على الجانب الرمادي غير الواضح، إلا أنه رغم كل ذلك من الصعب تجاهله.
قبل بضع سنوات، حذر المحلل "الإسرائيلي" جيف هالبر من أن الاحتلال حقق نجاحًا ودورًا محوريًا على مستوى العالم في دمج التقنيات الرقمية الجديدة مع صناعة الأمن الداخلي، وقال: "الخطر هو أننا سنصبح جميعًا فلسطينيين بالتدريج من ناحية الاستهداف".
وأشار إلى أن الاحتلال عامل ملايين الفلسطينيين في ظل حكمه العسكري المطلق باعتبارهم "خنازير غينيا" لكن الهواء الطلق، (المترجم: القدس أن الاحتلال مارس تجاربه وأبحاثه التقنية على خصوصية الفلسطينيين)، مضيفًا: "لقد كان ذلك ليس قاعدة اختبار لتطوير أنظمة وأسلحة جديدة، بل أيضًا لأدوات جديدة للمراقبة والتحكم الشامل".
يذكر أن تقرير حديث نشرته صحيفة "هآرتس"، بُيّن عملية المراقبة "الإسرائيلية" ضد الفلسطينيين هي "من بين الأكبر من نوعها في العالم، وتشمل مراقبة وسائل الإعلام، وسائل التواصل الاجتماعي، والسكان ككل".
"تم تجريبها في أرض المعركة!"
لطالما كان الاحتلال الصهيوني رائد على مستوى العالم في تجارة الأسلحة، حيث باع أنظمة التسلح في جميع أنحاء العالم على أنها "تم اختبارها في ساحة المعركة" على الفلسطينيين، كما أن هذه التجارة في المعدات العسكرية تطغى عليها بشكل متزايد سوق البرمجيات الحربية وهي: "أدوات لشن حرب الإنترنت".
وبمجرد خروج "الإسرائيلي" من الخدمة العسكرية، يكون قد حصل على سنوات من الخبرة المكتسبة من التجسس على الفلسطينيين، ثم يقوم بإنشاء شركات تطوّر برامج مماثلة لتطبيقات أكثر عمومية.
بعد ذلك، يتم بيع هذه البرنامج والتطبيقات إلى الدول التي ترغب في التجسس على مواطنيها أو الدول المنافسة لها، وكذلك على الشركات الخاصة التي تأمل في الحصول على ميزة على المنافسين أو استغلال عملاءهم ومعالجتهم تجاريًا بشكل أفضل.
وبمجرد دمجها في منصات التواصل الاجتماعية مع مليارات المستخدمين، فإن برامج التجسس هذه توفر لوكالات أمن الدولة إمكانية وصول شبه عالمية، وهذا ما يفسر العلاقة المشحونة في بعض الأحيان بين شركات التكنولوجيا "الإسرائيلية" ووادي السيليكون حيث تكافح الأخيرة للسيطرة على هذه البرامج الضارة أيضًا لمصلحتها.
التجسس عبر الهاتف
وبالحديث عن التوترات بين الشركات، بدأت شركة واتسآب المملوكة من فيسبوك، أول دعوى من نوعها في محكمة في كاليفورنيا الأسبوع الماضي ضد شركة NSO، وهي أكبر شركة مراقبة "إسرائيلية".
وتتهم واتسآب الشركة الإسرائيلية بتنفيذ هجمات إلكترونية طالت 1400 مستخدم في 20 دولة، وذلك خلال فترة أسبوعين فقط، إذ تم استخدام برامج التجسس التابعة لـ NSO والمعروفة باسم Pegasus ضد نشطاء حقوق الإنسان والمحامين والزعماء الدينيين والصحفيين وعمال الإغاثة.
بهذا الشأن، كشفت وكالة رويترز الأسبوع الماضي أن مسؤولين كبار من حلفاء الولايات المتحدة كانوا مستهدفين أيضًا من قبل NSO.
وتعمل برمجية Pegasus على السيطرة على الهاتف دون علم المستخدم، ثم تقوم بنسخ البيانات وتشغل الميكروفون للمراقبة، وهذا ما وصفته مجلة فوربس بأنها "أكثر مجموعة تجسس للهواتف المحمولة في العالم".
وقامت NSO ببيع البرنامج لعشرات الحكومات، بما في ذلك أنظمة انتهاك حقوق الإنسان البارزة مثل: المملكة العربية السعودية و البحرين والإمارات العربية المتحدة وكازاخستان والمكسيك والمغرب.
وقد اشتكت منظمة العفو الدولية من أن موظفيها هم من بين هؤلاء المستهدفين من قبل برامج التجسس التابعة لـ NSO، وهي تقوم حاليًا بإجراء قانوني ضد حكومة الاحتلال.
ماذا بعد؟
تستغل النخبة الأمنية لدى الاحتلال في هذا السوق الجديد والحرب الإلكترونية، مستخدمة الفلسطينيين مرة أخرى كحقل تجارب لهذه البرمجيات بعدما استخدمتم في تجربة الأسلحة التقليدية الفتاكة، ليس من المستغرب أن الاحتلال يجعل من ذلك أمرًا طبيعيًا للعالم الغربي.
وإذا استمر هذا الوضع، فإن نيويورك ولندن وبرلين وباريس ستبدو بشكل متزايد مثل نابلس و الخليل والقدس وغزة، وسنتوصل إلى فهم ما يعنيه العيش داخل دولة مراقبة تشارك في الحرب السيبرانية ضد أولئك الذين تحكمهم.
هذه المادة مترجمة عن موقع Middle East Eye، وكاتبها الصحافي البريطاني جوناثان كوك.