تستغل منظمة "داعش" المتطرفة الديناميات الجندرية بشكل أفضل بكثير مما يظنه خصومها. إنها تجند الرجال الشباب ببذل الوعود لهم بالسيطرة على النساء، وتستخدم الاغتصاب الجماعي كشكل من أشكال التماسك في صفوفها. وفي الوقت نفسه، تقوم المنظمة بإغواء النساء بنداءات تعد بتوسيع حياتهن عن طريق انضمامهن إلى قضية. وينبغي لصناع السياسة الساعين إلى تناول أدوار المرأة في مكافحة التطرف العنيف أن يتبنوا نهجاً متعدد الجوانب والطبقات مكافئاً فيما يخص الجندر، وفقاً لما يقوله الخبراء الحكوميون، والأمم المتحدة، والمجتمع المدني.
تتطلب الاستراتيجية الشاملة للتصدي للتطرف العنيف المزاوجة بين أفضل الأفكار في مجال مكافحة الإرهاب وبين عالَم بناء السلام. وقد تطورت الخبرة في موضوع النساء في حالات النزاع منذ مرر مجلس الأمن للأمم المتحدة قراره رقم 1325 قبل 15 عاماً، والذي دعا إلى فهم الكيفيات التي تصنع بها الحرب تأثيرات مختلفة على أساس الجندر، وحث على منح أدوار للمرأة في السعي إلى حل النزاعات المسلحة. وخلال نفس الفترة تقريباً، ركزت الحكومة الأميركية بقوة على مسألة دراسة الإرهاب ومكافحته.
"يجب أن تكون حماية النساء في صلب أي رد عالمي لمكافحة الإرهاب"
سوف ينتج الاتجاهان المذكوران استجابات سياسية أقوى، باعتبار أن النساء لسن ضحايا للتطرف العنيف فقط، وإنما وكيلات محتملات للتغيير، كما تقول نانسي ليندبورغ، رئيسة المعهد الأميركي للسلام.
وقالت ليندبورغ متحدثة أمام أكثر من 250 شخصاً في افتتاح ندوة "المرأة ومكافحة التطرف العنيف"، وهي مناقشة استمرت نصف يوم لمساعدة صناع السياسة على التفكير في هذه القضايا: "إننا نعرف أن النساء يمكن أن يكن في الأمام وفي المركز. ليس ثمة متسع للعمل في مناطق منفصلة".
وقال إريك بوستل، المدير المساعد للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، الراعي المشارك لهذا الحدث إلى جانب وزارة الخارجية الأميركية، أن الحكومة في حاجة إلى المساعدة حتى تتمكن من جسر الفجوة بين السياسة والممارسة. وقال تيموثي كاري، نائب مدير سياسة مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي الأميركية، أن النساء هن مورد متنوع وقيم لمكافحة التطرف العنيف بسبب أدوارهن في مجتمعاتهن وأسرهن. ودعا الأكاديميين ومؤسسات الفكر والرأي إلى إجراء المزيد من البحث حول هذا الموضوع. وأضاف: "إذا كنا نحاول شق طريقنا للخروج من دون تناول هذه المشكلة، فإننا سننتهي إلى الفشل".
في حين أن العنف الجنسي خلال الصراعات قديم قدم الحرب نفسها، فإنه أصبح ظاهرة جديدة كتكتيك إرهابي في بلاد تشمل العراق، و ليبيا ، ومالي، ونيجيريا، وسورية واليمن، كما تقول زينت حوا بانغورا، الممثل الخاص للأمم المتحدة لشؤون العنف الجنسي في الصراعات. وتنجم عن هذا العنف مشكلات متعددة الطبقات، كما تقول، مثل: تدمير العائلات والثقافات؛ بث الرعب في قلوب السكان المدنيين؛ تزويد المقاتلين بالنساء لزيادة التجنيد والاحتفاظ بالمقاتلين؛ ولادة جيل جديد طيع مستكين؛ وجمع الأموال من خلال بيع النساء في أسواق النخاسة أو من الفدى التي تدفعها عائلاتهن.
الاقتصاد السياسي للعنف السياسي
باعتباره مصدراً للتمويل، أصبح العنف الجنسي أداة رئيسية في "الاقتصاد السياسي للإرهاب"، كما قالت بانغورا. ومع ذلك، تبقى معاملة النساء "قضية جانبية أكثر من كونها مكمن قلق مركزي" في محاربة الإرهاب. وأضافت بانغورا: "ينبغي أن تكون حماية النساء في قلب أي استجابة عالمية في مكافحة الإرهاب. هذه ضرورة أمنية".
في رحلة حديثة قامت بها إلى العراق، سمعت بانغورا قصصاً مرعبة عن العنف الجنسي من النساء الأيزيديات اللواتي هربن من آسريهن في "داعش"، أو ما تسمي نفسها "الدولة الإسلامية". وقد أُجبرت إحدى المراهقات على الزواج من 15 رجلاً، بعضهم لفترة قليلة لم تتجاوز ثلاثة أيام. وتم إغراق البعض بالبنزين وحرقهن لرفضهن التعاون.
يغلب أن تباع فتاة كرقيق جنس في سوق مدينة الرقة السورية، "عاصمة" الدولة الإسلامية المعلنة ذاتياً، عدة مرات لتنتقل من يد مالك إلى آخر، كما قالت. وتباع الفتاة المسيحية أو الأيزيدية في عمر بين 10 و20 عاماً بمبلغ 120 دولاراً، وفقاً لتسعيرة رسمية أصدرها "داعش" واستشهدت بها.
يعمل مكتب بانغورا في الأمم المتحدة على وضع استراتيجية متعددة الأوجه لمعالجة العنف الجنسي في الشرق الأوسط. ويشمل المنهج تحشيد التزامات سياسية دولية، والتي تكفل للنساء دوراً مركزياً في تطوير الاستراتيجيات المناهضة للإرهاب، وتصميم أطر العمل لملاحقة المعتدين.
على الرغم من الثغرات في فهم الطريقة التي تدفع الناس للتحول إلى العنف المدفوع أيديولوجياً، تشير الأبحاث إلى أن تمكين النساء يؤتي ثماره في سياق مكافحة التطرف العنيف، كما قال روبرت بيرجنسكي، النائب المساعد لوزير الخارجية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل. ولا يذكر القرار 1325 هذه القضية، وإنما تجسدها أجندة السلام والأمن الداعية إلى حماية النساء من العنف الجنسي في النزاعات المسلحة، وإشراك النساء في السياسة وعمليات السلام التي ترتبط مباشرة بأدوار النساء كضحايا وجانيات، ومؤيدات ومثبطات للتطرف العنيف، كما قال.
وأضاف بيرجنسكي: "سواء كنا نسعى إلى صنع اتفاقيات سلام أكثر ديمومة، أو وقف عملية التطرف قبل أن تبدأ، فإن معالجة الأسباب الجذرية والمظالم المشروعة تحدث الكثير من الفرق. وأنت لن تستطيع القيام بذلك إذا استبعدت النساء، والمجتمع المدني الأوسع نطاقاً، من هذه النقاشات".
أنور تشودري، الذي قاد الحملة لاستصدار القرار 1325 كسفير لبنغلاديش في الأمم المتحدة، عندما كان ذلك البلد يتولى رئاسة مجلس الأمن، قال: "إننا ما كنا لنقلق بشأن مكافحة التطرف لو تمتعت النساء بالمساواة في صناعة القرار" حول كيفية منعه. وأكد على مسألة الدفع بمزيد من الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة للانضمام إلى 48 دولة وافقت على وضع "خطط العمل الوطنية" التي دعا إليها القرار 1325، والتي تحدد الخطوط العريضة لكيفية وفاء البلد المعني بأهداف هذا التدبير.
العسكرة من أجل فرض وجهات النظر
أخلت النشوة الوجيزة للربيع العربي مكانها لحملة مستهدفة ووحشية ضد النساء في الحياة العامة، كما قال تشودري. وتتعمق العسكرة والنزعة العسكرية في المنطقة، بينما يجعل تدفق تجارة الأسلحة العالمية من الأسهل على المتطرفين فرض وجهات نظرهم بالقوة. وأضاف: "يقول الواقع أن السياسة، وأكثر من ذلك، الأمن، هي عالم الرجال".
كارلا كوبيل، كبيرة مسؤولي الاستراتيجية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، قالت إن الذكرى السنوية الخامسة عشرة لصدور القرار 1325 هي أول فرصة لتقوم حكومة الولايات المتحدة بتحديث خطة عملها الوطنية عن طريق تقييم التقدم في جهود دمج النساء، وأهداف السلام والأمن عبر طيف كامل من البرامج ذات الصلة بالصراعات، والبناء عليها. ويوفر هذا "نقطة دخول مثالية" للتفكير في قضايا الجندر كما يتم تطبيقها لمكافحة التطرف العنيف. وتضمنت مقترحات كوبيل:
• تطوير واعتماد سبل أقوى لحماية ودعم النساء والفتيات الضعيفات، وضحايا المجموعات المتطرفة والمتمردة.
• توسيع وتمكين شبكات مكافحة التمرد في صفوف النساء والشابات الضعيفات.
• توسيع البحوث حول وضع استراتيجيات حماية أفضل للنساء وحول الكيفيات التي تجعل المرأة توفر إنذاراً مبكراً بطريقة منهجية، والمساعدة في اجتثاث التطرف من المتطرفات والمتطرفين السابقين والانضمام إلى جهود إعاقة التجنيد.
• إشراك المرأة في القطاعات الأمنية الحكومية والهيئات الدولية.
• تشجيع نشر وسائل إعلام اجتماعية أفضل، والتي تساعد في إيصال أصوات النساء.
من جهتها، تحدثت بانغورا أيضاً عن الأبعاد الإنسانية للتحدي الماثل:
"تخيلوا شابة صغيرة، متدينة جداً. والدها مهني يعمل 16 ساعة في اليوم. والدتها ربة منزل. وهي تعود من المدرسة، وتذهب إلى غرفة نومها –ليس مسموحاً لها بالذهاب إلى الأماكن التي يذهب إليها أقرانها. لديها جهاز حاسوب في غرفتها، ووصول إلى الشبكة 24 ساعة في اليوم. لقد كنا كلنا فتيات صغيرات. إنها تريد المغامرة، وتريد أن تفعل شيئاً مهماً. تريد أن تفعل شيئاً ما. في كثير من المرات، تكون هؤلاء هن الفتيات اللاتي يتم تجنيدهن. إنهن وحيدات. عالقات بين عالمين، والأسرة تريد الإبقاء عليهن في العالم القديم. عندما ننظر إلى الأسباب الجذرية -لماذا تكون الفتيات المتعلمات من خلفيات جيدة هن اللواتي يعمدن إلى الانضمام- نجد أنهن يردن المغامرة. وهذا هو ما يعدهن به "داعش"".
وواصلت بانغورا، مختتمة بتناول استجابة الغرب: "لدى داعش" سياسة لجلب النساء الذكيات من جميع أنحاء العالم. وهم مستعدون لقضاء ست ساعات في اليوم على الإنترنت من أجل تجنيد امرأة. انهم يفهمون مدى أهمية أن تكون لديهم نساء. وقد وظفوا نساءً ذكيات، ونحن ما نزال نتحدث".
المصدر: الغد الأردني