Menu

اغتيال سليماني.. بين الرد الإيراني الشامل وطرح شعارات تنقصها المصداقية وتفتقر إلى التطبيق

محمّد جبر الريفي

قاسم سليماني

اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وآخرين في العراق، ومن بينهم المهندس نائب تنظيم الحشد الشيعي العراقي، عملٌ عدواني على سيادة الدولة العراقية، ذات التكوين الطائفي، التي لم تتخلص بعد من تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، الذي أطاح بنظام حزب البعث العربي الاشتراكي وإعدام الرئيس القائد الشهيد صدام حسين، إذ دخلت البلاد بعد ذلك في حالة من التدهور بسبب التمييز الطائفي بين عنصري المجتمع الرئيسيين: السني والشيعي.

هذا العدوان على دولة عربية رئيسية ذات سيادة تشهد وضعًا داخليًا مضطربًا بسبب الحراك الشعبي ضد مظاهر الفساد يستدعي ردًا قويًا شاملاً من قبل إيران، الدولة الإقليمية القوية في المنطقة، على المصالح الأمريكية في الخليج، وذلك للرد- أولًا- على مزاعم الرجعية الخليجية التي استبدلت الخطر الصهيوني بالخطر الإيراني، وأخذت تهرول بعملية تطبيع غير مسبوق مع الكيان الإسرائيلي. وثانيًا، من أجل التطبيق الفعلي للمقولة الإيرانية التي رفعتها الثورة الإسلامية في طهران منذ انطلاقتها في عقد الثمانينات من القرن الماضي ضد نظام الإمبراطور الشاه، الحليف الأوثق للكيان الصهيوني العنصري وعميل واشنطن الأول في المنطقة، بأن "أمريكا هي الشيطان الأكبر والعدو الرئيسي للعالم الإسلامي".

في سوريا، ال قطر العربي الوحيد الذي يرتبط نظامه السياسي البعثي الذي طُبِع بصيغة طائفية عَلَوية، بعلاقة أمنية إستراتيجية بالنظام الإيراني، ضمن ما يعرف في المنطقة بمحور المقاومة، في مقابل محور الاعتدال، وقد جرت فيه اعتداءات كثيرة إسرائيلية على الحرس الثوري الإيراني، الذي جيء به للدفاع عن النظام ضد المعارضة السورية المسلحة المدعومة من أطراف عربية وإقليمية ودولية، وكانت فرصة أمام إيران أيضًا كي تُدلّل على تطبيق شعارها بعداء الكيان وتدميره وتحرير القدس، تحقيقًا لمصداقية مشروع تيار الإسلام السياسي، القائل بأن الإسلام هو الحل؛ غير أن هذه الاعتداءات الجوية المتكررة مرت بدون ردود عسكرية إيرانية تضع حدًا للعربدة الإسرائيلية في الأجواء السورية، وكان بإمكان المقدرة الإيرانية القتالية في سوريا إطلاق ولو صاروخ واحد على تل أبيب أو أي مدينة إسرائيلية، كما تفعل فصائل المقاومة الفلسطينية في كل تصعيدٍ مع الاحتلال.

السؤال الآن، هل يمر هذا العدوان على العراق باستهداف اللواء سليماني قائد فيلق القدس بدون رد شامل مزلزل على المصالح الأمريكية أو على الكيان الصهيوني؛ باعتباره هو أيضًا أداة ضاربة من أدوات العدوان في المنطقة؟ سؤالٌ، الإجابةُ عليه هي الآن في حالة الانتظار، ولكن المهمة الملقاة الآن على صانعي السياسة الإيرانية أن يقدموا الدليل على صدق شعار خيار المقاومة ضد الإمبريالية الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني، لأن تفويت هذه الفرصة- التي فتحت آفاقًا واسعة لمحور المقاومة للاشتباك مع الكيان الصهيوني، باتخاذ موقف الصمت وعدم الرد على هذه الجريمة الشنعاء، التي تحاكي جريمة الكيان قبل فترة قصيرة باغتيال أبو العطا قائد الجهاد الإسلامي في غزة الذي تربطه علاقة أمنية جهادية بفيلق القدس- تفويت الفرصة يُفرغ الشعارات السياسية والدينية، التي يرفعها الملالي القادة من رجال الدين الإيرانيين وتبثها أجهزة الإعلام الرسمية في إيران، من مضمونها الجهادي ضد أمريكا والإمبريالية وعموم دول الغرب الرأسمالية (الصليبية)، وكذلك ضد الكيان الصهيوني، لتصبح بعد ذلك هذه الشعارات مجرد شعارات طنانة رنانة لكسب عواطف ومزاجية جماهير العالم الإسلامي، للالتفاف حول الدور السياسي الإيراني في المنطقة، والذي لا يخفى على أحدٍ ارتباطُه بالمشروع الطائفي الذي يعبر عنه دائمًا في أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية بعبارة التمدد الإيراني، والذي قطع بالفعل أشواطًا في المنطقة متمثلًا بالتدخل في الصراع الداخلي ب اليمن من خلال دعمه للحوثيين الزيديين الشيعة، وكذلك في العراق وسوريا ولبنان، وهو الشيء المرفوض على المستوى القومي العربي، باعتباره توظيفًا للخلاف السني الشيعي لأغراض سياسية عنصرية لصالح النزعة القومية الشوفينية الفارسية.