Menu

في الذكرى (62) لقيام الوحدة المصرية- السورية لا بد من استخلاص دروس التجربة والبناء على انجازاتها وتجنب ثغراتها

عليان عليان

في الثاني والعشرين من شباط / فبرايرعام 1958 تم الإعلان عن قيام الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها جمال عبد الناصر، بعد سلسلة اتصالات بين الجانبين السوري والمصري، والتي لعب الضباط البعثيون والقوميون  دوراً مركزياً فيها.

في ذلك اليوم  الخالد، تم منح الرئيس شكري القوتلي وسام المواطن الأول في الجمهورية العربية المتحدة، وكان أن  زحفت الملايين من جماهير سورية العروبة ونصف مليون مواطن لبناني إلى دمشق، ليكحلوا أعينهم بلقاء جمال عبد الناصر وللاستماع لخطابه التاريخي، في حين التفت جماهير الأمة العربية حول إذاعة صوت العرب لتستمتع بالخبر السعيد... خبر  قيام الوحدة بين مصر وسورية.

في ذلك اليوم التاريخي، تحققت أول وحدة عربية في التاريخ المعاصر، وظهرت للوجود الجمهورية العربية المتحدة، وبظهورها أصبح التناقض واضحاً وكبيراً سواء في الإطار الخارجي في مواجهة الإمبريالية ومشاريعها وأدواتها، أو في الإطار المجتمعي الداخلي، وكان الرئيس عبد الناصر يعتقد بأنه لا يمكن تأجيل الثورة الاجتماعية وبذلك احتدم الصراع بين الطبقة العاملة والفلاحين من جهة وبين البرجوازية وكبار الملاك من جهة أخرى.    

لقد كان ناصر يعلم أن المعركة مع أعداء الوحدة العربية في الداخل والخارج قد بدأت، وبدأت الأنظمة العربية المعارضة للمشروع النهضوي العربي في الانهيار فسقط الحكم الشمعوني في لبنان وسقط نظام الحكم الملكي في بغداد... وبدا أن هناك اتجاهاً قوياً داخل الضباط العراقيين الذين قاموا بالثورة، يضغط باتجاه الالتحاق السريع بدولة الوحدة الناشئة، والتي كان من ردود الفعل المباشرة عليها نزول القوات الأمريكية في لبنان، والقوات البريطانية في الأردن، بعد أن اجتاحت عمان وبيروت مظاهرات عارمة يلهبها حلم الوحدة الذي فجره عبد الناصر والقوى القومية في سوريا.. مظاهرات يجمعها هتاف شعبي "بدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد الناصر".

وقدرت وكالات الأنباء "رويتر والأسوشيتد برس" أن عدد اللبنانيين الذين توجهوا إلى دمشق التي كان يزورها عبد الناصر قد وصل إلى نصف مليون، أي أن نصف لبنان قد شارك واقعياً في مواكب الرحلة إلى دمشق خلال فترة لا تزيد عن أسبوعين.

وفي ذات الوقت تأججت الثورة في الجزائر بدعم من قائد ثورة 23 يوليو وبدت الأمور آنذاك، وكأن الأمور تسير نحو النصر النهائي للمشروع القومي العربي وبدت أحلام الوحدة تداعب الخيال الشعبي.

إنجازات وثغرات

لقد حققت الوحدة إنجازات كبيرة ل سوريا عبر السير على طريق الاشتراكية ورفض منطق الاقتصاد الحر، وتبني سياسة التوجيه الاقتصادي وتحرير النشاط المالي من السيطرة الأجنبية والرأسمالية، وإنهاء احتكار القلة المالكة بقوانين الإصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية، ثم عبر قرارات يوليو/ تموز الاشتراكية عام 1961 وزيادة قدرة القطاع العام بتمليكه المصارف التي أقامتها الدولة والمصارف والشركات التي أممت، وحصص الدولة في بعض الشركات... وبإلغاء قانون العشائر وتشجيع الجمعيات التعاونية، وبتدعيم الإنفاق على التنمية؛ الأمر الذي ضاعف من عدد وطاقة الطبقة العاملة بشكل ملحوظ.    
لقد بدل عهد الوحدة من واقع البلاد ووضعها على أبواب التحول الاشتراكي، فكان الحل الوحيد الذي بدل من طبيعة علاقات الإنتاج التي كانت سائدة على مدى قرون. وحققت الوحدة في زمن قصير أشياء وإنجازات كبيرة على صعيد المشاريع الزراعية والخدمية وفي قطاع الصناعة والتعدين والبترول والكهرباء وغيرها.

وفي المقابل كانت هنالك ثغرات وإخفاقات تمثلت في عدم وجود التنظيم الشعبي في ال قطر ين، وبعدم وحدة الفكر والدولة، فكان هناك في الدولة جيشان وعملتان وميزانيتان، وبالتالي أصبحت الجمهورية العربية المتحدة تواجه تحديات معادية تصدر عن قوى موحدة الاستراتيجية والتكتيك.

لقد كشفت الوحدة بين سوريا ومصر، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بشكل فجائي وصاعق عن جوهر المشروع النهضوي العربي، الساعي لتحقيق الوحدة العربية، وكشفت في ذات الوقت عن أعداء هذا المشروع الخارجيين والمحليين.

فخلال السنة الثانية مباشرة من الوحدة، بدت الفرصة أكبر أمام البرجوازية وملاك الأراضي في الانقضاض على الوحدة ومشروعها في التأميم والإصلاح الزراعي، ووصف عبد الناصر هذا الصراع قائلاً: "إن نمو البرجوازية القومية المصرية في عهد الوحدة مع سوريا، قد ارتفع وكانت حصة أصحاب رؤوس الأموال من الدخل الوطني قبل بدء التصنيع والتطور الاقتصادي تبلغ 68 في المائة من الدخل القومي، فأصبحت خلال عملية التصنيع 72 في المائة في حين هبطت حصة العمال من 32 إلى 28 في المائة".     كان هذا في خطابه بجامعة الإسكندرية، ونشرت جريدة الأهرام بتاريخ 29/7/1961 في احتفالات عيد ثورة 23 يوليو أسماء كثير من الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى في القطرين وتقررت حصة العمال (25 في المائة) من أرباح الشركات ورفعت ضريبة الدخل وعدل قانون الإصلاح الزراعي.

وأخيراً: ورغم المؤامرة الصهيوأميركية الرجعية على الوحدة والتي أدت إلى اجهاضها، إلا أن هذه التجربة تظل راسخة في عقول وقلوب أبناء الأمة الذين يعملون على استحضار التجربة وتجاوز ثغراتها والبناء على مزاياها وايجابياتها.

المجد لذكرى التجربة ولذكرى قائدها خالد الذكر جمال عبد الناصر.. والمجد لمواطن الجمهورية العربية المتحدة الأول شكري القوتلي، الذي نحى نفسه عن رئاسة الجمهورية السورية لصالح رئاسة عبد الناصر لجمهورية الوحدة.