"أكدت مراسلة الميادين في دمشق سقوط عشرات القتلى والجرحى الأتراك بقصف جوي بالقرب من قرية البارة بجبل الزاوية جنوب إدلب، ودخول 4 مروحيات للجيش التركي الأجواء السورية من أجل نقل قتلى وجرحى الجيش التركي.
وأضافت: إن تنسيقيات المسلحين تحدثت عن ضربة كبيرة جداً تعرضت لها القوات التركية بريف إدلب، ونقلت عن مصادر عسكرية تأكيدها أن الرتل التركي المستهدف كان يستعد لتنفيذ هجوم ضد الجيش السوري.
بدوره، تحدث مراسل الميادين في تركيا عن توتر كبير عند الحدود التركية-السورية، في حين تحدثت مصادر عن مقتل نحو 35 جندياً تركياً.
من جهته، أكد "المرصد السوري المعارض" مقتل 37 جندياً تركياً على الأقل وجرح العشرات، في حين اعترفت السلطات التركية بمقتل 29 جندياً أتراك حتى الآن قتلوا في هجوم جوي في إدلب" (الميادين – 27 شباط 2020).
ألا يذكرنا هذا بحكاية القرد والنَّمِر والماسورة!؟.
قال دبشيلم الملك لبيدبا الفيلسوف، إضرب لي مثل الذي يبالغ في ذاته فتفاجئه عواقب أفعاله، قال مثل ذلك أيها الملك، كمثل القرد والنمر والماسورة، قال الملك: وكيف كان ذلك؟.
قال بيدبا الفيلسوف: زعموا أن أسدا كان يستلقي هادئا تحت شجرة عظيمة، وغير بعيد كان يتمدد نمر بكسل وعظمة، وفجأة هبط من بين أغصان الشجرة قرد شقي وقفز فوق ظهر الأسد وأخذ يشد أذنيه، ثم صفع الأسد على وجهه، ومع ذلك لم تبدر من الأسد، أيها الملك أية علامة احتجاج أو غضب، كان القرد يشد ذيله، ثم يشد شعره ثم يبصق عليه، كل هذا والأسد لا يحرك ساكنا. أثارت أفعال القرد بملك الغابة صديقه النمر، فثارت غيرته على الإهانة التي يتعرض لها ملك الوحوش الضارية، فأقترب من الأسد وسأله باستهجان: لم لا تؤدب هذا القرد بضربة مخلب أو تكشيرة عن أنيابك أو على الأقل إزأر يا أخي!.
إلا أن الأسد طأطأ رأسه و بقي صامتا. فقال النمر في نفسه أنا من سيؤدب هذا القرد الوقح، وفي لحظة ما وعندما عاد القرد ليمارس عبثه من جديد، زمجر النمر ووثب باتجاهه كالعاصفة، فحاد القرد ببراعة وأخذ يركض مبتعدا، واندفع النمر خلفه، لكن القرد وسع من قفزاته وزاد سرعته، واندفع النمر خلفه بسرعة وغضب، وفجأة انسلّ القرد في ماسورة ماء قديمة ضيقة بخفة وبراعة، وبدون تفكيراندفع النمر خلفه وفي لحظة وجد نفسه محشورا في تلك الماسورة (أعتقد أن الكثيرين منكم يعرفون بقية الحكاية ولكن لا بأس)، خرج القرد من الجهة الأخرى ودار من خلف النمر العالق (.....) وغادر المكان. بعد جهد كبير تملص النمر من الماسورة وغادر بدوره المكان، ولكن على غير ما أتى.
في اليوم التالي جاء النمر وهو يسير بهدوء وصمت وتمدد غير بعيد من الأسد، وأخذ يحملق في الأرض مفكرا في اللاشئ، بعد لحظات تدلى القرد من على الشجرة وبعدما تأرجح قليلا هبط على الأرض، وقف مليا، نظر إلى الأسد ثم إلى النمر . ثم فجأة اعتلى ظهر النمر وأخذ يشد أذنيه، ثم ذيله، ثم بصق في وجهه. في هذه الأثناء كان الأسد يراقب المشهد. بقي النمر ساكنا مطأطئ الرأس، فالتفت الأسد إليه وهو يخفي ابتسامة ماكرة وهمس في أذنه سائلا: ها... ماذا هناك... هل أخذك إلى الماسورة؟ بالطبع لم يرد النمر وبقي ينظر في البعيد بلا مبالاة.
قال بيدبا: هذا ما كان من الأسد والنمر وحكايتهما مع القرد المشاكس، وهذه ايها الملك هي حال من يبالغ في ذاته ولا يفكر في عواقب أفعاله. فقال دبشيلم الملك: صدقت يا بيدبا الفيلسوف!.
بطبيعة الحال لا الجيش العربي السوري هو القرد، ولا أردوغان هو النمر. هي فقط حكاية من حكايات التاريخ والطبيعة لا أكثر.
أما بالنسبة لأولئك الذين يطالبون أو يتخذون موقف "الحياد" و "النأي بانفس" تجاه ما يجري في بلداننا العربية وفي سورية تحديدا، فمن الواجب تذكيرهم بالبديهيات التالية على شكل أسئلة:
- ما معنى" النأي بالنفس" في مواجهة ما تتعرض له سورية وهي تكابد وتقاوم التمزيق والهيمنة وتدمير الدولة الوطنية العلمانية، والقلعة القومية الأخيرة في العالم العربي!؟ وكل ذلك بحجة أو ذريعة أن هناك ملاحظات على سياسات الدولة السورية؟، فهل هناك دولة أو نظام أو قوة سياسية عربية ليس عليها ملاحظات؟.
- وكيف يكون النأي بالنفس والوقوف على الأرصفة والهوامش التي توفرها البروباغاندا الاستعمارية وأدواتها، فيما تقوم تلك القوى بتحشيد كامل طاقتها وحلفائها لتدمير قوى المقاومة وفي القلب منها سورية وكل القوى المناضلة في المنطقة؟.
- ما معنى " النأي بالنفس" عندما تكون المواجهه بين القوى الاستعمارية التي تستهدف تمزيق وتقسيم البلدان العربية والهيمنة عليها وعلى ثرواتها، والقوى التي تتصدي بكل ما تملك لهذه السياسة؟.
- وما معنى " النأي بالنفس"، عندما تكون المواجهة بين قوى التخلف والرجعية والإرهاب الظلامي، وبين كل ما يمثل نقيضها من تقدم وحرية واستقلال وعدالة وكرامة قومية ووطنية وإنسانية وتماسك اجتماعي؟.
- وما معنى " النأي بالنفس" عندما تكون المواجهة مع السياسة والثقافة الطائفية، وتمزيق الهوية القومية والعروبة، وتحويل المجتمع العربي إلى كازينو للهبوط والإسفاف السياسي والأخلاقي والاقتصادي والسلوكي؟.
أي غباء هذا، الذي يبدأ كنوع من التذاكي السياسي الواعي ثم يتحول إلى تغابي، ثم يطبق كغباء سياسي، لا يميز الرأس من الرجلين، فيَضيع ويُضيِّع؟.