Menu

في الذكرى (62) لقيام الجمهورية العربية المتحدة

"تجربة الوحدة المصرية السورية - دروس واستخلاصات"

عليان عليان

قيام_الجمهورية_العربية_المتحدة.jpg

خاص بوابة الهدف

 أولاً: ثورة 23 يوليو وقضية الوحدة

لعبت ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر دوراً فاعلاً في المجالين العربي والدولي، وشكلت فكرة الوحدة العربية العنوان الرئيسي لتوجهاتها، وكان من الطبيعي أن تلتقي هذه القوى القومية الفاعلة في سوريا وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يدفع باتجاه قضية الوحدة مع مصر، ومع القوى القومية الفاعلة في مصر، وذلك في ضوء التوجهات الواحدة المشتركة لحسم التناقض الداخلي في مواجهة الرجعية الداخلية ولحسم التناقض الخارجي الرئيسي في مواجهة الاستعمار وأعوانه والكيان الصهيوني، خاصة عندما بدأت الولايات المتحدة في إقامة الأحلاف، وعندما طرح الرئيس الأمريكي أيزنهاور مبدأ ملء الفراغ في أعقاب فشل العدوان الثلاثي على مصر.

ثانياً: موقف القوى السياسية والطبقية من الوحدة

لقد التقت ثورة 23 يوليو مع القوى السورية الوطنية والقومية المتعطشة للوحدة، وبلغ الحماس الشعبي للوحدة أوجه، ووقف معها العمال والفلاحون وتضامنت معها البرجوازية الصغيرة أيضاً التي كانت ترى في الوحدة ما يضمن حقوقها ومصالحها، في حين اضطرت أحزاب اليمين في سوريا مسايرة فكرة الوحدة، لعدم قدرتها على مواجهة التيار الشعبي الوحدوي الجارف.

    من جانبها الرأسمالية الوطنية في سوريا، سارت مع التيار على أمل الاستفادة من السوق الكبير الذي ستحققه الوحدة، حيث اعتقد الكثيرون منهم أن اشتراكية عبد الناصر ستقف عند حدود الإصلاح الزراعي والتنمية الاقتصادية، ومحاربة رأس المال الأجنبي فقط، وفي ذلك تمكين لهم، لكن الأمور سارت في غير ما يشتهون.

   أما كبار الإقطاعيين فخشوا على إقطاعاتهم من الوحدة، وحاولوا تعطيلها تحت ذريعة محاربة التبعية لمصر، لكنهم أمام التيار الجارف للوحدة تظاهروا بتأييدهم للوحدة، على أمل عدم تطبيق الإصلاح الزراعي في سوريا، إذ راحوا يتحدثون عن ظروف سوريا الخاصة وعدم الحاجة للإصلاح الزراعي، بسبب اتساع الأراضي وقلة الفلاحين –حسب زعمهم-.

   وعلى صعيد القوى السياسية فقد قاد حزب البعث في سوريا الحراك السياسي والشعبي باتجاه الوحدة مع مصر – منذ  سقوط أديب الشيشكلي – داخل مجلس النواب وخارجه وفي إطار المجلس الثوري لكبار الضباط السوريين، ومن خلال تعبئة قواعده الحزبية ومن خلال مؤتمر الحزب في تموز 1957، الذي عقد لبحث موضوع الوحدة من زوايا الضرورة والنوع وأسلوب التحقيق.

        لقد عالج حزب البعث قضية الوحدة على أساس قطر ي في أدبياته عام 1956، رغم وجود ممثلي الأردن وهم: عبد الله الريماوي، وعبد الله نعواس، لكنه عمل على تعويض المعالجة القطرية للوحدة في مؤتمره في يوليو – تموز 1957، بحضور القيادة القومية وقيادة القطر السوري ووزراء الحزب ونوابه، وإن كان هذا المؤتمر قد غيّب قيادات الفروع في القطر السوري. كما أن أدبيات الحزب أجابت بكفاءة وتوسع على سؤال: لماذا الوحدة وضرورتها ....؟ لكنها لم تجب على السؤال المتعلق بكيفية الوحدة وشكلها، رغم موافقة الحزب بطريقة ما في النهاية على الوحدة الشاملة وليس على الاتحاد الفيدرالي.

    أما الحزب الشيوعي فرغم تأييده الشكلي لها، إلا أنه عملياً لم يبد الحماس المطلوب لها، وفي الذاكرة تغّيب الأمين للحزب خالد بكداش عن جلسة مجلس النواب في 5/2/58 التي صادقت على إعلان الوحدة، وحيث لم يصدر الحزب الشيوعي في حينه بياناً يؤيد فيه هذا الإعلان.

لقد تأخر الحزب الشيوعي السوري في تحديد موقفه من قضية الوحدة على امتداد الفترة قبل عام 1958، ولم يشارك في الحراك السياسي والشعبي بشأنها عامي 1956 ، 1957... لكنه في عام 1958 رفع شعار الاتحاد الفدرالي ومن ثم عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في سوريا ولبنان اجتماعين في 11/1/1958 و 13/1 /1958، وصدر على اثرهما بيان حددت فيه مواقف الحزب بمشروع طالب بجمهوريتين وجاء فيه " إن الاتحاد بين مصر وسوريا سيكون من شأنه أن يرفع مكانة كل من الجمهوريتين في العالم ويوطد كيانهما ويزيد من وزنهما في السياسة الدولية لمصلحة القضايا العربية وقضايا السلام العالمي" ....

 وطالبت صحيفتهم "النور" في 15/1/1958 بتأليف لجنة مشتركة لدراسة الاتحاد من جميع النواحي والزوايا، بحيث يقوم على أسس متينة يأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية في كل بلد... وقد اعتبر الحزب أن ما طرحه يصب في خانة الاتحاد الفيدرالي، في حين رأت القوى القومية أن مضمون بيان اللجنة المركزية لم يأتِ على ذكر الفيدرالية، ولم يصب في خانتها من خلال نصه على بقاء الجمهوريتين.

ثالثاً: هاجس الوحدة ..الوحدة باتت قضية ملحة لماذا؟

لقد اعتقدت بعض القوى آنذاك، أن الظروف الموضوعية غير مناسبة للوحدة وأنه يجب أن تهيأ الفرص الأكثر ملائمة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذه القوى لم تستطع مواجهة التيار الشعبي الهادر المنادي بالوحدة والملتف حول فكرتها، خاصة وأن الوحدة بين القطرين، على طريق الوحدة العربية الشاملة لم تكن قضية استراتيجية في سياق المشروع النهضوي العربي فحسب، بل هي مسألة ملحة في ضوء سعي الإمبريالية الأمريكية لوقف فعالية تأثير المد القومي الوحدوي لثورة 23 يوليو، ومحاصرة المنطقة بالأحلاف الاستعمارية كحلف بغداد وغيره.

    لقد كانت فكرة الوحدة هاجس القوى القومية في سوريا، وهاجس الجماهير الشعبية في ظل التطورات المتلاحقة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ومحاولة الولايات المتحدة تطويقها من الخارج، ودفع الدول المحيطة بها لضربها عسكرياً، الأمر الذي دفع سوريا إلى توقيع اتفاقية عسكرية مع مصر قبل أكثر من سنة من إعلان الوحدة عام 1958.

    ومما زاد من إحساس سوريا وقواها القومية بالحاجة إلى الوحدة الفورية مع مصر – آنذاك – ذلك الموقف المصري الذي انتقل مباشرة إلى خندق الدفاع عن سوريا، في مواجهة التحضير لشن عدوان عليها من قبل مجموعة دول حلف بغداد ودول عربية أخرى محيطة بها استجابة لمخططات الولايات المتحدة.

   وفي سياق الموقف الوحدوي لمصر، وتخندقها في خندق سوريا في مواجهة العدوان المحتمل عليها، بادرت مصر إلى إرسال قواتها إلى سوريا في صيف 1957 لدعم صمودها في مواجهة التهديدات التركية، حيث كانت تركيا حلقة أساسية في حلف بغداد الذي رفضته كل من مصر وسوريا... وكان لهذا الدعم العسكري المصري صداه في تدعيم المطالب الوحدوية للقوى القومية في سوريا.

رابعاً: مقدمات الوحدة

لم يُسلق موضوع الوحدة السورية المصرية سلقاً، كما حاول البعض أن يصور الأمور بعد الانفصال كتفسير لفشلها، بل طبخت على نار هادئة عبر ما يلي:

1- عقد حزب البعث مؤتمراً خاصاً لبحث قضية الوحدة عام 1957م.

2- من خلال سلسلة خطوات واتصالات في إطار الحكومة السورية ومجلس النواب السوري ودور البعثيين في الحكومة والمجلس الدافع باتجاه الوحدة.

3-  تشكيل الضباط القوميين واليساريين والمستقلين في "المجلس الثوري لمتابعة قضية الوحدة" وزياراتهم للقاهرة، ولقاء كبار الضباط السوريين والمصريين لبحث قضية الوحدة، وعدم اشتغال الجيش بالسياسة.

4- من خلال  اللقاءات المتبادلة، بين وفود من مجلسي النواب في كل من مصر وسوريا، وصولاً لاجتماع لجنتي الشؤون الخارجية في البرلمانيين المصري والسوري في دمشق، وإعداد قرار بشأن الاتحاد الفيدرالي، الذي حظي بموافقة البرلمانين، وبتأييد الرئيس جمال عبد الناصر عبر بيان بهذا الشأن.

5- زيارة الضباط السوريين لمصر ولقائهم بالرئيس عبد الناصر تطالبه بالإسراع في الوحدة.

6- الزيارة التاريخية لأركان الحكم في سوريا للقاهرة، حيث ضم الوفد السوري كلاً من رئيس الجمهورية شكري القوتلي، ورئيس الوزراء صبري العسلي ورئيس مجلس النواب الأستاذ أكرم الحوراني وصلاح البيطار وبعض الوزراء... وعقد الوفد السوري عدة اجتماعات مع الجانب المصري، ممثلاً بالرئيس جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة وهم عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي وزكريا محيي الدين، حيث انتهى الوفدان إلى بيان إعلان الوحدة، ثم صادق على ذلك البيان، مجلس الأمة المصري ومجلس النواب السوري بإجماع الأصوات.

7-ومن ثم استفتي الشعب في إقليمي الجمهورية العربية المتحدة فأيد الوحدة 99.99 في المائة من المشتركين في التصويت بمصر، ونسبتهم 98.83 في المائة من الناخبين.. كما أيدها 99.98 في المائة من المقترعين في سوريا، ونسبتهم 91.75 في المائة من الناخبين.

خامساً: ضوابط الوحدة من منظور عبد الناصر

لقد آثر الرئيس عبد الناصر المسكون بقضية الوحدة، عدم الاستعجال وطالب بإخضاع المسألة لدراسة مستفيضة، خاصة وأنه كان متردداً بشأنها ارتباطاً بمجموعة مسائل أبرزها:

- عدم وجود حدود مشتركة.

- اختلاف التجارب السياسية والاقتصادية.

- طبيعة الجيش السوري ورسوخ ظاهرة الانقلاب فيه.

 لكن عبد الناصر وافق في النهاية على البدء باتخاذ التدابير الوحدوية، التي انتهت ببيان إعلان الوحدة بعد موافقة السوريين على ضوابط وشروط محددة وهي:

  1. إجراء استفتاء شعبي في كل من سوريا ومصر حول قيام الوحدة.
  2. تخلي الجيش السوري عن النشاط السياسي بما في ذلك تحول العسكريين الذين مارسوا السياسة إلى المجال المدني.
  3. حل التنظيمات والأحزاب السياسية.

وقد قبلت هذه الشروط، وتم تشريع إعلان الوحدة في مجلس النواب المصري والسوري وكذلك تم الاستفتاء. وكان الأمين العام لحزب البعث الأستاذ ميشيل عفلق ومعه بعض أعضاء القيادة القومية قد وافقوا على حل الحزب في حين توجه الحزب الشيوعي للعمل في الإطار السري.

سادساً: إعلان الوحدة وظهور "الجمهورية العربية المتحدة"

وهكذا تم الإعلان عن قيام الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها جمال عبد الناصر، فيما تم تكريم الرئيس شكري القوتلي، من قبل جمال عبد الناصر الذي منحه وسام المواطن الأول في الجمهورية العربية المتحدة... وهكذا تحققت أول وحدة عربية في التاريخ المعاصر، وظهرت للوجود الجمهورية العربية المتحدة، وبظهورها أصبح التناقض واضحاً وكبيراً سواء في الإطار الخارجي في مواجهة الإمبريالية ومشاريعها وأدواتها، أو في الإطار المجتمعي الداخلي، وكان الرئيس عبد الناصر يعتقد بأنه لا يمكن تأجيل الثورة الاجتماعية، وبذلك احتدم الصراع بين الطبقة العاملة والفلاحين من جهة وبين البرجوازية وكبار الملاك من جهة أخرى.

  لقد كان ناصر يعلم أن المعركة مع أعداء الوحدة العربية في الداخل والخارج قد بدأت، وبدأت الأنظمة العربية المعارضة للمشروع النهضوي العربي في الانهيار، فسقط الحكم الشمعوني في لبنان وسقط نظام الحكم الملكي في بغداد... وبدا أن هناك اتجاهاً قوياً داخل الضباط العراقيين، الذين قاموا بالثورة يضغط باتجاه الالتحاق السريع بدولة الوحدة الناشئة. وكان من ردود الفعل المباشرة على الوحدة ، نزول القوات الأمريكية في لبنان والقوات البريطانية في الأردن، بعد أن اجتاحت عمان وبيروت مظاهرات عارمة يلهبها حلم الوحدة الذي فجره عبد الناصر والقوى القومية في سوريا.. مظاهرات يجمعها هتاف شعبي "بدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد الناصر".

   وقدرت وكالات الأنباء "رويتر والأسوشيتدبرس " أن عدد اللبنانيين الذين توجهوا إلى دمشق التي كان يزرروها عبد الناصر، قد وصل إلى نصف مليون، أي أن نصف لبنان قد شارك واقعياً في مواكب الرحلة إلى دمشق خلال فترة لا تزيد عن أسبوعين. وفي ذات الوقت تأججت الثورة في الجزائر بدعم من قائد ثورة 23 يوليو، وبدت الأمور آنذاك وكأنها تسير نحو النصر النهائي للمشروع القومي العربي، وبدأت أحلام الوحدة تداعب الخيال الشعبي.

سابعاً: إنجازات وثغرات

لقد حققت الوحدة إنجازات كبيرة لسوريا ، من خلال ما يلي:

  1. عبر السير على طريق الاشتراكية ورفض منطق الاقتصاد الحر، وتبني سياسة التوجيه الاقتصادي وتحرير النشاط المالي من السيطرة الأجنبية والرأسمالية.
  2. عبر إنهاء احتكار القلة المالكة للأراضي، بقوانين الإصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية.
  3. عبر قرارات يوليو/ تموز الاشتراكية عام 1961 وزيادة قدرة القطاع العام بتمليكه المصارف التي أقامتها الدولة والمصارف والشركات التي أممت وحصص الدولة في بعض الشركات...
  4. وبإلغاء قانون العشائر، وتشجيع الجمعيات التعاونية، وبتدعيم الإنفاق على التنمية الأمر الذي ضاعف من عدد وطاقة الطبقة العاملة بشكل ملحوظ.

   لقد بدل عهد الوحدة من واقع البلاد، ووضعها على أبواب التحول الاشتراكي، عبر إجراء تغييرات على طبيعة علاقات الإنتاج، التي كانت سائدة على مدى قرون، وحققت الوحدة  في زمن قصير، أشياء وإنجازات كبيرة على صعيد المشاريع الزراعية والخدمية وفي قطاع الصناعة والتعدين والبترول والكهرباء وغيرها. وفي المقابل كانت هنالك ثغرات وإخفاقات تمثلت فيما يلي:

  1. عدم وجود التنظيم الشعبي في القطرين.
  2. عدم وحدة الفكر والدولة، فكان هناك في الدولة جيشان وعملتان وميزانيتان، وبالتالي أصبحت الجمهورية العربية المتحدة، تواجه تحديات معادية تصدر عن قوى موحدة الاستراتيجية والتكتيك.

لقد كشفت الوحدة بين سوريا ومصر، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بشكل فجائي وصاعق، عن جوهر المشروع النهضوي العربي الساعي لتحقيق الوحدة العربية، وكشفت في ذات الوقت عن أعداء هذا المشروع الخارجيين والمحليين؛ فخلال السنة الثانية مباشرة من الوحدة، بدت الفرصة أكبر أمام البرجوازية وملّاك الأراضي في الانقضاض على الوحدة ومشروعها في التأميم والإصلاح الزراعي.

   لقد وصف عبد الناصر هذا الصراع قائلاً: "إن نمو البرجوازية القومية المصرية في عهد الوحدة مع سوريا قد ارتفع، وكانت حصة أصحاب رؤوس الأموال من الدخل الوطني قبل بدء التصنيع والتطور الاقتصادي تبلغ 68 في المائة من الدخل القومي، فأصبحت خلال عملية التصنيع 72 في المائة في حين هبطت حصة العمال من 32 إلى 28 في المائة ". (كان هذا في خطابه بجامعة الإسكندرية).

ونشرت جريدة الأهرام بتاريخ 29/7/1961 في احتفالات عيد ثورة 23 يوليو أسماء كثير من الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى في القطرين، وتقررت حصة العمال (25 في المائة) من أرباح الشركات ورفعت ضريبة الدخل وعدل قانون الإصلاح الزراعي.

ثامناً: الأسباب الداخلية لفشل الوحدة

ويبقى السؤال الأهم.. لماذا فشلت تجربة الوحدة السورية المصرية؟

لا يختلف اثنان في القوى القومية واليسارية على دور الإمبريالية والقوى الرجعية في إفشال تجربة الوحدة، لكن ما كان لهذا الدور الإمبريالي الرجعي أن يفعل فعله لو توفرت عوامل النجاح الداخلية لهذه التجربة.

لقد تفاوتت الآراء حول الأسباب الداخلية لتجربة الوحدة، لكن كان هنالك شبه اجماع على الأسباب التالية:-

  1. رغم أن إعلان الوحدة نص على الاندماج، إلا أن هذا الاندماج لم يتم على أرض الواقع في مختلف المفاصل الأساسية.
  2. غياب الإطار النظري ووحدة الفكر، الذي يحمي الوحدة من الارتجال والانحراف والذي يشكل مرجعية فكرية لتحديد المواقف والسياسات.
  3. عدم إنجاز التنظيم الشعبي الموحد، الذي يضمن وحدة القيادة ووحدة أدوات النضال ويضمن تحقيق التفاعل بين القيادة والجماهير، ويضبط التباينات ويحول دون تحولها إلى صراعات بين قيادات الدولة.
  4. عدم مشاركة الجماهير في صناعة القرارات، وإبقاء الأمور في إطار فوقي بيروقراطي.
  5. اختلاف التجربة بين القطرين قبل الوحدة، رغم أن الضباط في القطرين هم الذين قادوا الدولة في مصر أثر ثورة 23/يوليو-تموز / 1952، وفي سوريا بعد طرد أديب الشيشكلي عام 1954.

فقد كانت مصر تعمل وفق مبدأ التوجيه الاقتصادي للحد من سيطرة رأس المال، في حين كانت سوريا تعمل وفق مبدأ الحرية الاقتصادية... وكانت مصر تركز على الديمقراطية الاجتماعية، في حين كانت سوريا تركز على الديمقراطية الليبرالية.

  1. قرار واشتراط الرئيس جمال عبد الناصر بحل الأحزاب لقيام الوحدة... إذ أنه برغم موافقة قيادات أساسية من حزب البعث على هذا الشرط، إلا إنه لم يلقَ موافقة كاملة في صفوف الحزب، كما أن هذا الموقف لاقى اعتراض من الحزب الشيوعي السوري، وكان بالإمكان سن قانون للأحزاب في دولة الوحدة يكون مضبوطًا بإعلان الوحدة وبالثوابت القومية والاشتراكية.
  2. الخلل في دور أجهزة الإعلام في دولة الوحدة، فرغم أن هذه الأجهزة لعبت دورًا هامًا وتعبويًا، إلا أنها أغفلت الجانب التثقيفي، ولم تلقِ الضوء على ثغرات الوحدة واشكالاتها من أجل معالجتها.
  3. عدم اخضاع عمليات التأميم لشروط وضوابط محددة، مما أدى إلى استعداء فئات عديدة من البرجوازية الوطنية.
  4. عمليات التسريح للضباط سواء المحسوبين على قوى اليمين أو على الشيوعيين أو على البعثيين، مما أدى إلى حدوث حالة احتقان في صفوف قيادات الجيش ضد الأجهزة، وبالمحصلة ضد الوحدة.
  5. دور المكتب الثاني بقيادة عبد الحميد السراج، والقسوة التي مورست على العديد من قوى المعارضة الوطنية.

تاسعاً: مؤامرة الانفصال

وهكذا ازدادت مقاومة البرجوازية السورية، وكذلك الإقطاع من خلال رجاله في القوات المسلحة للوحدة. وفي ذات الوقت جن جنون قوى الرجعية والامبريالية ، اللتان سعتا لإجهاض التجربة ومنع انتشارها، وحتى لا تنضم أقطار عربية أخرى لهذه الوحدة، بحكم إدراك هذه القوى للمعنى التاريخي العميق للوحدة العربية، وإمكاناتها وتأثيراتها على توازنات القوى العالمية، وعلى مصالح الامبريالية في مجال النفط، والدور الذي يمكن أن تلعبه لتحرير فلسطين. وبالتالي جرت مؤامرة الانفصال عبر ذلك الانقلاب المشؤوم عام 1961 على أرضية استغلال الثغرات التي شابت تجربة الوحدة، والذي قاده مأمون الكزبري ليشكل ضربة في الصميم للمشروع النهضوي العربي – وذلك حسب تقدير العديد من المفكرين العرب- الذين رأوا في الهزائم العسكرية أمام العدو الصهيوني مجرد تجليات لهزيمة المشروع الوحدوي.

لقد نقل محمد حسنين هيكل عن عبد الناصر وصفه لشعوره أثر الانفصال قوله: "كان وضعي كوضع قبطان، وجد سفينته وقد انشطرت نصفين وهي في وسط البحر".. موضحاً أنه قضى أياماً طويلة يراجع نفسه، ويستذكر تفاصيل تجربة الوحدة وآمالها ومشاكلها، ومشيراً إلى أن التجربة جاءت قبل الأوان، ولم يكن لها أساس موضوعي صلب لتحقيقها، لكن الوحدة قامت وكان الحرص عليها واجباً.

لقد أوضحت الوثائق البريطانية التي جرى الكشف عنها مؤخراً، الدور الذي لعبته بريطانيا في التآمر على الوحدة المصرية- السورية، وأنها كانت المحرك الرئيسي لإثارة مخاوف كل من العراق ولبنان والأردن، من احتمال تعرضهم لهجوم عسكري من جانب الجمهورية العربية المتحدة.

وتوضح الوثائق البريطانية، تفاصيل الدور الذي قامت به بريطانيا لمنع انضمام الأردن إلى الجمهورية العربية المتحدة، من خلال نقلها معلومات مضللة إلى الملك حسين عن تقديم جمال عبد الناصر الدعم إلى مجموعة من القوات المسلحة الأردني، للقيام بانقلاب عسكري ضده في‏17‏ أغسطس‏1958.‏ وقد طلبت الحكومة البريطانية من سفيرها في الأردن، ضرورة مقابلة الملك حسين بصورة عاجلة‏،‏ وتقديم النصح له بطلب المساعدة العسكرية من بريطانيا لحماية الأردن من أي انقلاب عسكري ضده تقوم الجمهورية العربية المتحدة بتدبيره‏ وإقناعه ـ في نفس الوقت ـ بأن الوجود العسكري البريطاني في الأردن يسهم في استقرار المنطقة‏.‏

وقد أكد ذلك سلوين لويد ـ وزير الخارجية البريطانية ـ للسفير الفرنسي في لندن في‏23‏ يوليو‏1958‏ بقوله‏:‏ إن انضمام الأردن إلى الجمهورية العربية المتحدة يلحق ضرراً شديداً بالمصالح الإنجليزية والغربية في المنطقة‏،‏ كما أنه يضع الجيش المصري علي حدود إسرائيل من ثلاث جبهات‏، وهذا قد يدفع إسرائيل إلى القيام بعمل عسكري ضد الأردن أو الاستيلاء على الضفة الغربية على الأقل‏.‏

وتفضح الوثائق البريطاني أيضاً الضغوط الضخمة على لبنان، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لكي يقبل الوجود العسكري الأمريكي على أراضيه‏،‏ تحت زعم حمايته من هجوم مسلح تقوم به قوات الجمهورية العربية المتحدة‏.‏ وقد تزامن ذلك مع حملة دعائية منظمة ضد دولة الوحدة، في أوساط المسيحيين اللبنانيين كي لا يوافقوا علي اقتراح بعض الطوائف السنية بالانضمام إلى الوحدة‏. وفي نفس الوقت لعبت بريطانيا دوراً كبيراً في إثارة مخاوف العراق من دولة الوحدة‏، بدعوى احتمال قيامها بغزوها عسكرياً‏.‏

وتكشف الوثائق البريطانية عن مقابلة بين نوري السعيد ـ رئيس وزراء العراق ـ وسلوين لويد في لندن في أغسطس‏1958،‏ أيد فيها الأخير مقترحات نوري السعيد بضرورة إجهاض الوحدة بين مصر وسوريا‏، على أن يكون الانفصال ناجماً من تحرك سوري منفرد يحظى بدعم دول الجوار‏.

‏ وأضاف نوري السعيد: "أنه ينبغي إقامة اتحاد فيدرالي بديل بين كل من العراق وسوريا والأردن ولبنان‏، وأوضح أن الهدف من ذلك هو عزل مصر داخل حدودها فقط‏، وتوجيه ضربة قاضية لدور مصر العربي‏.‏

وفي واقع الأمر لقد اعتبرت الدول الكبرى، قيام الوحدة المصرية السورية انقلاباً خطيراً في منطقة الشرق الأوسط يهدد مصالحها تهديداً مباشراً‏، مما حفز هارولد ماكميلان ـ رئيس الوزراء البريطاني ـ إلى دعوة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وفرنسا لاجتماع قمة رباعي، يتم خارج نطاق الأمم المتحدة لمناقشة أزمة الشرق الأوسط‏،‏ كما كان يطلق عليها في ملفات وزارة الخارجية البريطانية،‏ ويتضح من الوثائق البريطانية كيف تلاقت مصالح كل من الكتلتين الشرقية والغربية ضد تجربة الوحدة المصرية السورية‏.‏ فقد انتقد الاتحاد السوفييتي القيود التي فرضها جمال عبد الناصر على الشيوعيين الذين قاموا بأنشطة معادية للوحدة منذ بدايتها‏، ولقد كان ذلك هو السبب الرئيسي في الخلاف الشديد الذي حدث بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفييتي‏، والذي بلغ ذروته في 1959 .

وبالطبع حظي انفصال سوريا عن مصر، وانتهاء تجربة الوحدة الأولى في التاريخ الحديث في‏28‏ سبتمبر‏1961‏ بمساحة كبيرة من الوثائق البريطانية‏، فقد أوردت رصداً دقيقاً لكل جوانب الوضع الداخلي والخارجي في كل من مصر وسوريا‏،‏ يتضح منه تبني بريطانيا مطالب بعض الفئات السورية التي أضيرت من القوانين الاشتراكية، التي صدرت في يوليو 1961‏، وتكشف هذه الوثائق أيضاً عن أن غالبية الدول الغربية ـ وبعض دول المنطقة ـ قابلت الانفصال بارتياح شديد‏، بل إن الملك حسين قرر التدخل عسكرياً إلى جانب حركة الانفصال في سوريا، إذا اتخذ جمال عبد الناصر قراراً باستخدام القوة العسكرية للحفاظ على دولة الوحدة‏، كما تعهدت لبنان بتقديم الدعم في حدود الممكن للحركة الانفصالية‏.‏

أما  بخصوص (إسرائيل) فقد حذرها السفير الأمريكي في تل أبيب بضرورة مراعاة أقصى درجات ضبط النفس تجاه الأحداث في سوريا‏، وتشير إحدى الوثائق إلى مقابلة بين السفير البريطاني في تل أبيب ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية‏، أكد فيها الجانبان أن انفصال سوريا عن مصر يمثل ضربة شديدة للفكر الثوري في منطقة الشرق الأوسط‏، مما يوفر فرصة ملائمة تماماً لكلا الدولتين للتعاون معاً لمحاصرة مصر ومنعها من مد نفوذها علي هذا النحو مرة أخرى.

عاشراً: انتقادات وطعنات

بعد مؤامرة الانفصال وجهت السهام إلى جمال عبد الناصر.. طعنات الأعداء والنقد المرير من الأصدقاء، والحسرة والحيرة من الأنصار.. والخشية والتردد من الأعوان فماذا بقي لجمال عبد الناصر؟ فالوحدويون بالعاطفة قالوا إنه كان على عبد الناصر أن يستخدم القوة لإفشال الانفصال والحفاظ على الوحدة التي تحققت. وأنصار الوحدة قالوا أن عبد الناصر أخطأ في ترك الأمور في سورية لعبد الحكيم عامر والمكتب الثاني برئاسة عبد الحميد السراج. والبعض الآخر قال أن الوحدة كانت مرتجلة، وأن الشعبين لم يكونا على استعداد لها، وما طبق في مصر ما كان يجب أن يطبق في سوريا، وأن التأميم وقانون الإصلاح الزراعي كان خطأ ارتكب في سوريا.

إحدى عشرة: ناصر يتجاوز نكسة الانفصال

لكن جمال عبد الناصر لم يأخذ بهذا أو ذاك، ولم يستخدم القوة لأن الوحدة لا تقام على جماجم الناس، ولم يكفر بالنهج الاقتصادي الذي اتبعه، ولا تحول من الإيمان بالطبقة العاملة ولا عن الدفاع عن المستغَلين، لكنه بدأ يراجع خطوات تطبيق الوحدة وتنفيذ الإجراءات والقوانين التي اتخذت خدمة للوحدة في عهد الوحدة، وتأكد لعبد الناصر أن ما حصل لن يؤثر طويلاً في تطور الأمة المستمر إلى الأمام.

لقد أريد لعبد الناصر أن يحجم بعد الانفصال وأن ينتهي إلى الأبد بعد هزيمة 1967، لكن عبد الناصر رد على الانفصال بمساندة ثورة اليمن التي قامت عام 1962، ودخل في صراع ومواجهة مع الرجعية العربية التي تساند الرجعية اليمنية ومع بريطانيا التي تستعمر الجزء الجنوبي من اليمن. وقد انتصرت ثورة اليمن في الشمال والجنوب رغم كل الصعاب... ثم رد على الانفصال أيضاً بتعميق الإجراءات الاشتراكية والتحولات الاجتماعية، فأمم التجارة الخارجية كلياً و 85 في المائة من الصناعة، وقلص نفوذ ملاك الأراضي نهائياً.

اثنا عشرة: ضرورة الوحدة

ما أحوج أمتنا هذه الأيام للوحدة والخطاب الوحدوي، بعد أن تعمقت التبعية والتجزئة، وبعد أن بدأت العواصف والأنواء والحصارات الظالمة تعصف بهذا القطر أو ذاك، وبعد أن جرى احتلال العراق  وضرب هويته العربية وتقسيمه على أسس اثنية  وعرقية، وبعد المؤامرة الظلامية الصهيوأميركية الرجعية على سورية، وبعد أن وضعت قضية فلسطين على مذبح التصفية عبر المشاريع الامبريالية، وآخرها صفقة القرن الصهيو سعودية الأمريكية... وحيث بدأ المرتدون يروجون للخطاب الإقليمي، ويتحدثون عن عبثية الوحدة وعدم توفر مقوماتها، وبعد أن بدأت القوى الطبقية المحاربة للوحدة تضع 99 في المائة من أوراق الحل للصراع العربي – الصهيوني في السلة الأمريكية.

ما أحوجنا للوحدة للتصدي للعربدة الأمريكية، ولدعم المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق لهزيمة المشروع الشرق أوسطي في المنطقة.

 ثلاثة عشرة: دروس واستخلاصات

وحتى لا تظل الأمور محصورة في إطار التمني والبكاء على الماضي لا بد من استخلاص الدروس من تجربة الوحدة السورية المصرية، لتجنب الثغرات والأخطاء التي وقعت وأبرز هذه الدروس:

  1. ضرورة اختيار الظرف الموضوعي الملائم للوحدة.
  2. عدم إغفال وحدة الفكر والإطار النظري للوحدة، وعدم إغفال وحدة التنظيم الشعبي.
  3. عدم حرق المراحل في الإجراءات الاشتراكية.
  4. إشراك الجماهير الشعبية في الشؤون العامة في إطار مؤسسي.
  5. عدم الاستهانة بالرجعية العربية والمحلية.
  6. ضرورة رفع الوعي القومي للجماهير، حتى لا تقع فريسة لمخططات الرجعية والإمبريالية.
  7. خلق المقومات الاقتصادية كالتكامل والسوق المشتركة... الخ.

 وأخيراً، وحتى لا تقع الجماهير فريسة للطروحات القطرية، لا بد من التأكيد على أن الوحدة العربية مسألة نضالية قابلة للتحقيق في ظل التطور الاقتصادي والاجتماعي المتكافئ في البلدان العربية... وفي ظل تجانس في التطور الفكري والثقافي في كافة هذه البلدان، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المتغيرة والآليات التنظيمية، والجماهيرية اللازمة لإنجازها.

 فالخطاب الوحدوي الآن يختلف بالضرورة عن خطاب الخمسينيات والستينيات، حيث كنا أمام نظام إقليمي عربي توأمه الفكري الإيمان بالوحدة العربية، وتوأمه السياسي مواجهة الاستعمار وسياسة الأحلاف، وتوأمه الاجتماعي التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، وتوأمه الطبقي الفئات الكادحة والمسحوقة من الجماهير العربية... وتوأمه الثوري تحرير فلسطين من القبضة الصهيونية.

لا بد من إجراء مراجعة نظرية ونقدية لتجربة الوحدة وثغراتها وأخطائها من قبل القوى القومية واليسارية العربية، ولا بد لهذه القوى أن تجري هي الأخرى مراجعة نقدية جريئة لمواقفها من قضية الوحدة وغيرها من القضايا، من أجل خلق الأساس النظري المتماسك لأي عمل وحدوي أو جبهوي قومي، وتجاوز الثغرات السابقة من أجل مواجهة التحديات الإمبريالية والصهيونية التي تعمل على تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ عبر مشروع  الشرق الأوسط الجديد أو الكبير.

ويجب أن لا تنطلي على الأمة وطلائعها القومية، مقولة أن الوحدة لا تتم في ظل العولمة التي تعمل على إضعاف دور الدول في العالم الثالث... فدور الدولة في دول المركز الإمبريالي لم يتراجع  كثيراً، كما أن الوحدة في دول ذلك المركز تتعزز في ظل العولمة، فالاتحاد الأوروبي جرى تعزيزه في ظل العولمة، وألمانيا توحدت في ظل العولمة.

ويجب أن تدرك جماهير الأمة وطلائعها، أن لا حل لمشاكل التخلف والتبعية والتجزئة، ولا حل للأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلا بالوحدة والتكامل.

المراجـع

 

  1. الوحدة في التجربة  ( دراسة تحليلية لوحدة 1958)، المفكر القومي عوني عبد المحسن فرسخ، دار المسيرة
  2. محاضر مباحثات الوحدة : الجزء الاول – دار المسيرة "المقدمة "، عبد الوهاب الزيناتي.
  3. مراجعة للوثائق البريطانية – د. هدى عبد الناصر www.arabgate.com  27/2/2007

 

  1. مقال: الوحدة في مواجهة الامبريالية وأدواتها، عليان عليان، صحيفة البديل الاسبوعية، عدد  23، 1/3/2003.
  2. مقال : قراءة في تجربة الوحدة، عليان عليان، صحيفة الوحدة الأسبوعية، 15/3/2005.