Menu

أخبار كورونا: عن انتقائية الاكتراث

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

تراجعت التغطيات الإعلامية لأخبار انتشار فيروس كورونا، رغم أن تفشي المرض لم يتراجع بل ازداد، بل وباتت هناك معلومات متزايدة عن آثار يُحدثها المرض في أجساد المصابين تبقى حتى بعد التعافي منه.

نقطة الفارق فيما يتعلق بالاهتمام الإعلامي بأخبار المرض يمكن فهمها بيسر وسهولة إذا عدنا للخط الزمني والمكاني لانتشاره، فلقد كان التجاهلُ أو التغطية الهامشية مسارَ العمل الإعلامي في هذا الملف حين كان الفيروس يتهدد أرواح الصينيين، لينطلق الهوس الإعلامي بعد أن وصل المرض لأوروبا وخصوصًا لدول غرب ومركز أوروبا، إذ عاشت إيطاليا ثم إسبانيا أسابيع من الجحيم قبل أن يتحول الفيروس إلى موضع اهتمامٍ أوروبيّ أساسيّ، ومع وصول الوباء إلى عاصمة الإمبريالية الولايات المتحدة، تحول الفايروس إلى عنصرٍ مهيمنٍ في أخبار السياسة والاقتصاد وغيرهما.

هذه ببساطة يمكن تسميتها بـ"الانتقائية"، والإشارة إليها كجزءٍ من عدم احترام الضحايا والمعاناة، إلّا لو كانت من لون معين، لكن الحقيقة أن أحدًا في مؤسسات الإعلام لم يجلس ليقرر تجاهل ضحايا دون غيرهم على هذا النحو، لكن العملية تتم ببرمجة مسبقة للوعي البشري، وخصوصًا لوعي المنخرطين في اللعبة الإعلامية، تتمحور حول فكرة الخبر المهم ومصدر أهميته، فالحدث في حد ذاته لا يكتسب أهمية في البرمجة العقلية للمحرر الصحفي العربي أو الياباني أو الافريقي، إلا ارتباطًا بموقعه، وباستثناء الأخبار المحلية لبلد الصحفي أو موضع عيشه، فإنّ الأخبار والأحداث المهمّة هي تلك التي تقع في العالم الغربي، بل وتلك التي تنخرط فيها الحكومات وتهتم بها.

خضوعُ الملايين حول العالم لحصار منذ سنوات طويلة لا يكتسب الأهمية الإعلامية ذاتها التي يكتسبها قرار حكومة غربية بشأن الأحوال المدنية وقوانين الزواج. وأخبار نجوم الفن والرياضة تحتل ملايين الصفحات ورقيًا وإلكترونيًا، وبذلك يخبر العالم الفقراء والمحاصرين والمتمردين، والفلسطينيين، أن شؤونهم ومعاناتهم وحتى حياتهم ليس موضع للاهتمام.

من يواجه خطر الفيروس الآن صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، هي دول مهمشة وفقيرة ومكتظة بالسكان، تكاد تستحيل فيها إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي، ناهيك عن رثاثة نظامها الصحي وعجز حكوماتها ونظمها عن توفير الدعم الاقتصادي والاجتماعي لمن يتعطلون عن العمل ولا يملكون قوت يومهم. في حالة هؤلاء- وهم مليارات حول الكوكب- فإن الخطر ليس المرض فحسب، بل والموت فقرًا وجوعًا، وانهيارات محتملة وقائمة للنظم الصحية، ستمنع الخدمة الصحية عن ملايين المرضى بأمراض خطرة ومزمنة، نتحدث عن مرضى يحتاجون غسيل الكلى على نحو منتظم، ومصابون بأمراض القلب والرئتين والسرطانات المتعددة، كل هؤلاء اليوم يحدق بهم الموت، فيما ينشغل العالم والإعلام فيه بالقلق حول إمكانيات تعافي الاقتصاد الرأسمالي الغربي.

لا يوجد ما هو أشد امتهانًا للذات العامّة والشخصية، ودونيةً في النظر للهوية، ممّن يسيطر على دفّة الإعلام في دول الهامش، حين ينساقُ مع الريح الغربية، ويتجاهل هؤلاء الذين يشبهونه، وتصبح معاناتهم بالنسبة إليه هامشًا خبريًا، وهامشًا في جدول الأولوية وأهمية الوجود. هذا التحالف الطبيعي المؤكد بين غالبية سكان هذا الكوكب من الفقراء والمعرّضين للاستعمار والاستغلال، تخلقه الضرورة الوجودية وليس الترف التنظيري، فيما يزداد تأكيد انحياز النخب المهيمنة في العالم الثالث لمن ترتبط بهم هذه النخب في المركز الرأسمالي الغربي، وإدارتها الظهر سلوكيًا وقيميًا للشعوب، للأغلبية البشرية، و للإنسانية وقيمها.