Menu

سيناريوهات عقد المجلس الوطني الفلسطيني

هاني المصري

منذ حوالي عشرين عامًا لم يعقد المجلس الوطني أي جلسة عادية، بالرغم من كونه أعلى سلطة في منظمة التحرير.  وينص النظام الأساسي على أن دورة المجلس ثلاث سنوات، وعلى ضرورة عقده كل سنة.  والجلسة اليتيمة التي عقدها المجلس في آب/أغسطس 2009 هي جلسة غير عادية لملء الشواغر الناجمة عن وفاة ثلث أعضاء اللجنة التنفيذية.

أثار عدم عقد المجلس الوطني، بالرغم من كل التطورات والتغييرات والعواصف والمخاطر التي تعرضت لها القضية الفلسطينية، تساؤلات حول مدى تمثيله وشرعيته، في حين نصّ "اتفاق القاهرة" للمصالحة الوطنية الموقع في 4 أيار 2011 على "أن المصلحة الوطنية تقتضي تشكيل مجلس وطني جديد بما يضمن تمثيل القوى والفصائل والأحزاب الوطنية والإسلامية جميعها، وتجمعات شعبنا في كل مكان، والقطاعات والمؤسسات والفعاليات والشخصيات كافة، بالانتخاب حيثما أمكن، وفقًا لمبدأ التمثيل النسبي، وبالتوافق حيث يتعذر إجراء الانتخابات وفق آليات تضعها اللجنة المنبثقة عن اتفاق القاهرة آذار/مارس 2006، والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية إطارًا جبهويًا عريضًا وائتلافًا وطنيًا شاملًا وإطارًا جامعًا ومرجعية عليا للفلسطينيين في الوطن والمنافي".

ودعا الاتفاق لجنة تفعيل المنظمة (الإطار القيادي المؤقت - الذي سيمارس عمله إلى حين انتخاب المجلس الوطني الجديد من دون المساس بصلاحيات اللجنة التنفيذية) إلى "تشكيل لجنة متخصصة لإعداد قانون الانتخابات للمجلس الوطني ورفعه إليها، ووضع الأسس والآليات للمجلس الوطني الفلسطيني".

إن عدم عقد المجلس لا يرجع إلى وقوع الانقسام الذي حصل منتصف العام 2007، وإنما مستمر منذ عقدين من الزمن، ويعود إلى أسباب عدة، منها:

إن هناك تعارضًا جوهريًا بين تأسيس السلطة على أساس "اتفاق أوسلو" وبين تفعيل المنظمة، وقد لا أبالغ إذا قلت وفق ما أخبرني به عدد من القيادات - داخل حركة فتح والمنظمة و حركة حماس - إن هناك قرارًا أميركيًا إسرائيليًا خضع له العرب يقضي بتجميد المنظمة والاحتفاظ بها للقيام بمهمة أخيرة، وهي إنهاء الصراع من خلال توقيع الاتفاق النهائي باسم الشعب الفلسطيني كله، لأن عقد المجلس الوطني بعد توقيع "اتفاق أوسلو" الذي قزّم القضية الفلسطينية يستدعي بقوة الحقوق الوطنية الفلسطينية، ويعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية التي تجمع الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وبالتالي يعرقل الجهود الرامية إلى التوصل إلى "تسوية" بصورة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تنتقص من هذه الحقوق.

إن الاتجاه المركزي في القيادة الفلسطينية انطلق من تقديرات خاطئة بأن الدولة الفلسطينية على مرمى حجر، وأن تهميش منظمة التحربر يفتح الطريق لجعل "اتفاق أوسلو" مرحلة على طريق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967.  وفي هذا السياق، تضخم دور السلطة المنبثقة عن "اتفاق أوسلو" على حساب منظمة التحرير التي أوجدتها وأعطتها الشرعية الفلسطينية.

ساهم الانقسام في عدم عقد المجلس الوطني، لأن عقده في ظل الخلاف سيكرس الانقسام، وبحاجة إلى توافق وطني، لذا لم تنجح كل الحوارات والاتفاقات والجهود التي بذلت في تحقيقه، مع أن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة ضرورة وطنية وليس مجرد خيار من الخيارات، وعنوانه الأبرز عقد مجلس وطني يمثل إرادة الشعب الفلسطيني بمختلف تجمعاته وأطيافه وتياراته وأجياله.

المفارقة أن الانقسام دبّ نوعًا من الحياة في بعض مؤسسات منظمة التحرير (اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي)، لأن حصول "حماس" على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي في الانتخابات الأخيرة، والحسم العسكري/الانقلاب الذي نفذته في قطاع غزة استدعى بعض الاهتمام بمنظمة التحرير، كون "حماس" غير منضمة إليها.

 الدعوة إلى جلسة غير عادية

طلبت اللجنة التنفيذية في البيان الصادر عن اجتماعها الأخير يوم السبت الموافق 22/8/2015 من رئيس المجلس الوطني عقد جلسة غير عادية للمجلس الوطني في أسرع وقت ممكن، بحجة استقالة عدد كبير من أعضاء اللجنة التنفيذية تباينت الأخبار حول ما إذا كانوا عشرة أو تسعة أو أكثر، من ضمنهم الرئيس.  وبعد أن رفض رئيس المجلس في البداية الاستجابة لطلب الدعوة لعقد جلسة غير عادية تقوم بانتخاب جميع أعضاء اللجنة التنفيذية؛ توصل إلى تسوية مع الرئيس عباس بالدعوة إلى جلسة عادية في رام الله، يتلوها مباشرة دعوة لجلسة غير عادية بمن حضر في حالة عدم توفر النصاب (النصاب لن يتوفر بحكم مكان عقد المجلس وسرعة الدعوة)، على أن يتم انتخاب جميع أعضاء اللجنة التنفيذية في كلتا الحالتين.

ويذكر أن الفقرة (ج) من المادة 14 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير تتحدث عن إمكانية عقد اجتماع غير عادي في حالة "القوة القاهرة".  وفي هذه الحالة يعقد المجلس بمن حضر دون نصاب الثلثين المطلوب عند عقد أي جلسة عادية، ويكون جدول أعماله منحصرًا بملء الشواغر وليس انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، لأن الجلسة العادية هي صاحبة الصلاحيات بتغيير اللجنة التنفيذية، ولا يوجد أي نص في النظام الأساسي يشير إلى أن استقالة أي عدد من الأعضاء، بمن فيهم الرئيس، يجعل اللجنة بكامل أعضائها بحكم المستقيلة.  (وللمزيد حول هذا الأمر، راجع المقال المهم للدكتور أنيس مصطفى قاسم "الشرعية الفلسطينية في خطر"، المنشور بتاريخ 24/8/2009).

دوافع الدعوة إلى عقد المجلس الوطني

الدافع الرئيسي وراء الاستقالة هندسة اللجنة التنفيذية للمنظمة، لتصبح منسجمة أكثر مع سياسات الرئيس، والخوف من ما يزعم أنه تكتل لبعض الأشخاص المعارضين للرئيس بتعاون مع أطراف خارجية، والتخلص من بعض أعضائها المختلفين معه تحت راية "التجديد".

وهناك دوافع أخرى ساهمت في اتخاذ هذا القرار:

حالة الإحباط لدى الرئيس والقيادة الفلسطينية الناجم عن فشل كل الجهود والمبادرات الرامية إلى استئناف المفاوضات.

انتخاب حكومة أكثر تطرفًا في إسرائيل، والحديث عن قيامها بإجراء مفاوضات غير مباشرة مع "حماس" للتوصل إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد، من شأنه تعميق الانقسام، ويزيد من مخاطر تحوله إلى انفصال.

تخلي الإدارة الأميركية عن جهودها لاستئناف المفاوضات، وعدم استعداد أطراف دولية أخرى، خاصة أوروبا والأمم المتحدة، للقيام بعمل حقيقي لسد الفراغ الناجم عن تراجع اهتمام الإدارة الأميركية بـما يسمى "عملية السلام"، وترجيح أن إدارة أوباما ستقوم بمراضاة إسرائيل.

إجراء مفاوضات توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ما يعني أن الضغوط ستمارس من أطراف أوروبية، وربما عربية، على الجانب الفلسطيني للقبول بحلول جزئية، أو التساوق مع مبادرات تنتقص من الحقوق الفلسطينية غير قادرة مع ذلك على أكثر من إدارة الصراع.

تراجع أولوية القضية الفلسطينية عربيًا جراء التطورات العاصفة في العديد من البلدان العربية.

عدم استعداد القيادة الفلسطينية لشق الطريق لرؤية جديدة وخارطة طريق قادرة على التعامل مع التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية، وتفضيلها انتظار التطورات على صعيد إحياء "عملية السلام"، واستخدام المقاومة الشعبية والمقاطعة والتوجه إلى المؤسسات الدولية ومحكمة الجنايات في سبيل الضغط من أجل تحقيق هذا الهدف.

فشل كل الجهود والمبادرات الرامية إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وتذبذب الرئيس وأوساط قيادية نافذة بين الخوف من تقدم "حماس" من خلال اعتراف إسرائيلي وعربي ودولي بها، وبين الأمل بانهيارها تحت وطأة أزمة علاقتها مع مصر وسوريا وإيران، وعدم نجاحها في تصحيح علاقتها مع السعودية حتى الآن، واحتمالات تغير الحكم في تركيا.

قرب المؤتمر السابع لحركة فتح، وتصاعد الخلافات بين الأجنحة المختلفة والرئيس حول كيفية عقده ونتائجه.

بدء معركة الخلافة في مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس ، وتفاقم الصراع على مواقع القوة والنفوذ، وتحوّل الرئيس إلى لاعب رئيسي في السعي لحسم نتائج هذا الصراع مسبقا.

تآكل شرعية مؤسسات المنظمة بسبب عدم تجديدها لا بالانتخابات ولا بالتوافق.

كل ما سبق أدى إلى اتخاذ خطوة الدعوة إلى عقد جلسة المجلس الوطني، من أجل تجديد المنظمة وتفعيل اللجنة التنفيذية، ومواجهة المخاطر الداخلية والخارجية، وتثبيت برنامج الرئيس وسلطته الانفرادية من خلال جعلها أكثر انسجامًا وطواعية للرئيس وسياساته.

موقف "حماس" من اجتماع المجلس الوطني

اعتبرت "حماس" أن الدعوة إلى عقد جلسة غير عادية للمجلس الوطني انقلابًا على اتفاق المصالحة، وتكريسًا لنهج التفرد والإقصاء الذي ينتهجه الرئيس "أبو مازن" وحركة فتح، وذلك من دون أن تبذل أي جهد حقيقي للدفاع عن وجهة نظرها، ولم تبد استعدادًا جديًّا للمشاركة، فلم تدع "حماس" مثلًا إلى عقد جلسة المجلس في قطاع غزة، أو في أي مكان يتمكن جميع أعضاء المجلس من الوصول إليه، أو استعدادًا للمشاركة في التحضير لعقد المجلس الوطني القديم، بل تمترست وراء الدعوة إلى تطبيق ما جاء في اتفاق المصالحة، مع أن بمقدورها أن تدعو إلى تشكيل لجنة تحضيرية للمجلس الوطني القديم، أو أن يقوم الإطار القيادي المؤقت للمنظمة بالتحضير؛ لأن الأولوية لدى "حماس" تكريس سلطتها الانفرادية في قطاع غزة، والاعتراف بشرعيتها إسرائيليًا وعربيًا ودوليًا، خصوصًا بعد المؤشرات على وجود تقدير خاطئ لدى الحركة بشأن حدوث تغيير في المواقف الإسرائيلية والأوروبية والدولية إزاء التعامل مع "حماس"، إذ تتوهم "حماس" بأن هناك تغيرًا كبيرًا واختراقًا على وشك الحدوث من دون أن تقوم بالاعتراف ووقف المقاومة والاستعداد لتوفير الأمن للاحتلال.

إن مصدر الأوهام ينبع من التسهيلات التي قدمتها إسرائيل عن طريق تخفيف الحصار وزيادة حركة انتقال الأفراد والبضائع عبر المعابر، وتلويح الوسطاء من دون تأكيد إسرائيلي بإمكانية إقامة ميناء عائم كخطوة أولى يمكن أن يتلوها ميناء بحري إذا قدمت "حماس" نموذجًا، من خلال عدم حفر الأنفاق الهجومية وعدم تطوير السلاح ومهاجمة إسرائيل، وذلك في سياق اتفاق هدنة طويلة الأمد بين "حماس" وإسرائيل، على أساس معادلة حفظ أمن إسرائيل مقابل تخفيف الحصار وتسهيلات، إضافة إلى تكريس سلطة "حماس" في غزة وتعميق الانقسام، إذ تكون "حماس" قادرة على فرض الأمن ومنع سيطرة تنظيمات تكفيرية ومتطرفة على القطاع، على أن تبقى ضعيفة وغير قادرة على مواجهة إسرائيل.

إن الفجوة ما بين ما تريده إسرائيل وما يمكن أن تقبل به "حماس" كبيرة، وهي تعطي الفرصة لبذل جهود فلسطينية من أجل وضع التفاوض حول الوضع في قطاع غزة في سياق التمثيل الفلسطيني كله وإعادة إحياء الوفد المفاوض الموحد الذي شكل أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.

السيناريوهات المحتملة لعقد المجلس الوطني

السيناريو الأول: عقد جلسة عادية بنصاب الثلثين من دون أي تحضير حقيقي تحتاجه الجلسة العادية، بما في ذلك تقديم تقارير شاملة من اللجنة التنفيذية عن عملها خلال الفترة بين الجلستين، تشمل الجوانب السياسية والقانونية والمالية.

السيناريو الثاني: عدم توفر النصاب في الجلسة العادية، والدعوة فورًا إلى جلسة غير عادية بمن حضر، وتجاوز النظام الأساسي من خلال انتخاب جميع أعضاء اللجنة التنفيذية المستقيلين وغير المستقيلين.

تحويل المنظمة إلى فريق

إن عقد المجلس على هذه الشاكلة الانفرادية يوجه ضربة قوية للمنظمة، ويحولها إلى منظمة على مقاس شخص، أو في أحسن الأحوال تمثل فريقًا واحدًا ولا تحافظ على كونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا سيساهم في تعميق الانقسام وزيادة احتمالات تحوله إلى انفصال.  فالمجلس الوطني الذي يستجيب للمصلحة الوطنية لا بد أن يستند إلى الاحتكام إلى انتخابات حيث أمكن، وإلى توافق وطني حيثما يتعذر إجراء الانتخابات، ولا بد أن يشهد في جلساته مراجعة عميقة وجريئة  للتجارب الماضية، إضافة إلى تقييم ومحاسبة اللجنة التنفيذية على أعمالها السابقة، على كل المستويات والأصعدة السياسية والقانونية والإدارية والمالية.

كما من الأهمية بمكان أن يقر أي مجلس وطني برنامجًا سياسيًا مختلفًا كليًا عن برنامج "اتفاق أوسلو" والمفاوضات الثنائية والرهان على ما يسمى "عملية السلام"، لأن الجلسة غير العادية ليس من صلاحيتها تغيير البرنامج السياسي.  برنامج متطور عن برنامج المقاومة المسلحة كخيار أحادي وغير مرتبط بإستراتيجية واحدة، إذ يكون قادرًا على حماية القضية والمكتسبات المتبقية، وتوفير مقومات الصمود والتواجد البشري وتقليل الأخطار والخسائر وتوظيف الفرص.

التوصيات واستشراف المستقبل

تأجيل الدعوة لعقد المجلس الوطني منتصف شهر أيلول الجاري، والعمل على عقد دورة عادية للمجلس الوطني، يتم التوافق على التحضير الجيد لها من قبل الإطار القيادي المؤقت، مع الالتزام بما ورد في النظام الأساسي لمنظمة التحرير، باعتماد القاعدة التي تنص على أن المجلس الوطني بأغلبية ثلثي أعضائه هو الجهة الوحيدة المخولة بإعادة انتخاب اللجنة التنفيذية للمنظمة بكامل أعضائها، أو ملء الشواغر في عضويتها، والعمل على توفير فرص المشاركة المتساوية لجميع أعضاء المجلس عن طريق إجراء الاتصالات اللازمة لعقد دورة عادية في أحد البلدان العربية، وبذل كل الجهود من أجل تذليل العقبات التي تحول دون مشاركة الأعضاء من مختلف التجمعات والفصائل والاتجاهات.

تشكيل مجلس وطني جديد تُكلف في التحضير له لجنة تحضيرية تضم ممثلين عن مختلف القوى ومن الشخصيات الاعتبارية، أو لجنة من الحكماء التي يتم التوافق عليها، إذ تضم أشخاصًا اعتباريين مشهودًا لهم، وليس لهم مطامح شخصية، ولا يريدون تسلم أي مناصب في السلطة والمنظمة.  وتقوم اللجنة باختيار أعضاء المجلس الوطني على أساس معايير موضوعية يتفق عليها، من ضمنها تحقيق مبدأ إجراء الانتخابات حيثما أمكن وبالتوافق الوطني عندما يتعذر إجراء الانتخابات.

إذا لم يتم التوافق على مثل هذه الخطوة بمبادرة من القيادة والقوى كما هو متوقع، يمكن أن تصبح قضية نضالية تُفرض بالكفاح السياسي والشعبي المتعاظم.  أو يحضر للمجلس الوطني الجديد من قبل الإطار القيادي المؤقت بتركيبته المتفق عليها في "اتفاق القاهرة"، مع إضافة ممثلين عن المرأة والشباب والشتات، على أن يعقد في القاهرة أو الجزائر أو أي عاصمة عربية يتم التوافق عليها، أو بصورة تضمن مشاركة جميع أعضاء المجلس الوطني.

فالمنظمة تمثل الشعب الفلسطيني بمختلف تجمعاته ومكوناته وتياراته وقواه داخل المنظمة وخارجها وليس الفصائل فقط، ومؤسساتها تآكلت شرعيتها بسبب طول المدة وفشلها في تحقيق برنامجها ونمو الكثير من الظواهر السلبية على بنيتها السياسية والإدارية والتنظيمية.

جدول أعمال هذا المجلس الاتفاق على ميثاق وطني يجسد القيم والقواسم المشتركة، وعلى برنامج سياسي وأسس تمثيل الشعب الفلسطيني في المجلس، بما يتناسب مع الخبرات والمستجدات والتطورات التي حصلت منذ تأسيس منظمة التحرير وحتى الآن.  (للمزيد حول هذا الأمر، راجع وثيقة إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، التي أصدرها مركز مسارات العام 2013 ضمن مشروع دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنية).

*******

إن بنية منظمة التحرير ومؤسساتها وقواها وأشخاصها ليست مؤهلة للنهوض بأوضاع الشعب الفلسطيني، وما يتطلبه ذلك من تجديد وتغيير وإصلاح شامل في كل مكونات ومؤسسات منظمة التحرير السياسية والقانونية والإدارية والتنظيمية؛ لذا لا بد لتحقيق هذا الهدف العمل على استنهاض ومشاركة الشعب الفلسطيني، صاحب المصلحة في التغيير، بحيث لا يبقى متلقيًا للنتائج السلبية لما تقرره القيادة والقوى التي لم تستطع نظرًا للمصالح المتولدة وتقاليد العمل المتحكمة إدراك ضرورة تغيير الرؤى والإستراتيجيات المعتمدة، لأنها وصلت جميعها إلى الطريق المسدود، وإلى أن تعيش القضية واحدة من أسوأ اللحظات التي مرت عليها منذ تأسيسها.

إن الكفاح من أجل تغيير المنظمة لا بد أن يكون من خارجها أساسًا، أي أن يتركز من "تحت لفوق" من دون تبني موقف عدمي من القوى القائمة، والانفتاح عليها إذا ما أبدت أي استعداد للتغيير، مع ضرورة التمسك بمراجعة شاملة وعميقة للتجارب والأفكار والسياسات المعتمدة سابقًا، على أساس نهج نقدي علمي يكون هاجسه الوحيد البناء على الإنجازات والمكاسب ونقاط القوة، والتخلص من الأخطاء والثغرات والنواقص والفساد.

الشعب بحاجة إلى تيار وطني ثالث يحمل قضايا الشعب الفلسطيني أينما كانوا، ويكون ديموقراطيًا يؤمن بالمساواة وتكافؤ الفرص والمشاركة والعدالة الاجتماعية، ويدافع عن حقوق الإنسان وحرياته العامة، وإخلاصه مثلما يدافع عن القضية الوطنية.

وقد يقتضي ما سبق تشكيل جبهة للإنقاذ الوطني تتسع لكل العناصر والقوى والمجموعات والائتلافات التي تعمل من أجل استعادة ألق القضية الفلسطينية، وتوفير مقومات وروافع انتصارها.

المصدر: مسارات