Menu

(قراءة نقديّة لكتاب التّاريخ المدرسيّ)

الرّواية الفلسطينيّة للتّاريخ: تاريخ منسيٌّ ومكوّنات مشطوبة

وسام رفيدي

فلسطين.jpg

خاص بوابة الهدف

مُقدّمة

من البداهة بمكانٍ أنّ المنهاج يعكس رؤية واضعهِ، وهو هُنا المؤسّسة/ الدّولة، إذ لم يعُد مقبولاً، على الأقلّ من وجهة النّظر المنطقيّة، لا العلميّة فحسب، دراسة مكوّنات ومحتوى المنهاج انطلاقاً من وجهة نظرٍ تقنيّة تربويّة محضة. فالدّولة، بتعريفها العلميّ، تحتكر مُمارسة إعادة صياغة الوعي بما يتماشى مع رؤيتها الأيديولوجيّة والسّياسيّة الّتي ترى أنّها، أي تلك الرّؤية، تؤهِّل الإنسان، بانتهاء تحصيلهِ العلميّ، لأن يكون عنصراً اجتماعيّاً فاعلاً حسب المواصفات الّتي تراها الدّولة في فعاليّة الإنسان الاجتماعيّة. وبالتتالي المنطقيّ تنطرح الأسئلة: فاعلٌ تجاه ماذا، ولمصلحة مَنْ، وبأيِّ أُفق، ووفقَ أيّة رؤية تمّ تشكيلها عبر سنوات التّعليم؟ بطبيعة الحال فإن الدّولة لا يمكنها أن تسمح، لكونها، وكيلاً سياسيّاً، يُعبّر عن مصالح مجموعات وتكتّلات طبقيّة ونخبويّة لها مصالحها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة، نقول لا يمكنها أن تسمح بتشكّل رؤىً مُتناقضة مع مصالح تلك المجموعات والتّكتّلات الّتي تُعبّرُ عنها وتُمثّلها الدّولة.

ما سبق يفتح النّقاش بطبيعة الحال حول رؤيتين للدّولة تشكّلتا تاريخيّاً، الأولى جسّدها المُفكر الاجتماعيّ والتّاريخيّ العربيّ ابن خلدون، عندما اعتبر أنّ الإنسان بطبيعته يملك "طبيعة عدوانيّة" ينبغي ضبطها عبر ما أسماه "الوازع" أو "الملك" أي الدّولة بالمفهوم المُعاصر[1]. وليس بعيداً عن ذلك كان فلاسفة التنوير الليبراليين قد اشتقّوا مفهوم "العقد الاجتماعيّ" الذي أنشأ الدّولة الحديثة، دون أن يتطرّقوا، بطبيعة الحال، لموازين القوى الطّبقيّة الّتي فرضت عقداً، من هذا النوع، على عموم الدّولة الحديثة، فيما طورت، النّظرية الحديثة في العلوم السّياسيّة، هذا المفهوم للدّولة باعتبارها المؤسّسة الّتي تحتكر ممارسة العنف، عبر القانون، ومجموعة أدوات مؤسّساتية عنيفة كالجيش والشّرطة والقضاء، وأيضاً دون أن تقول لمصلحة مَنْ وضد مَنْ.

أمّا الرّؤية الثّانية فهي الرّؤية الماركسيّة، الّتي اعتبرت الدولة جهازاً للقمع بيد الطّبقة الحاكمة، بغض النّظر كانت الرّأسماليّة أم الاشتراكيّة، وهي تنشأ، أي الدّولة، ليس بسبب عقدٍ اجتماعيّ بين مواطنين أحرار، بل عندما تستعصي التّناقضات الطّبقيّة على الحلّ، وبالتّالي تنشأ الحاجة لدولة/ أداة قامعة لضبط التّناقضات تلك عبر قمع مَنْ هم "تحت" لصالح مَنْ هم "فوق"[2]، ليطوّر لوي ألتوسير هذا الفهم لاحقاً مؤكّداً أنّ البناء الفوقيّ، كمقولةٍ ماركسيّة، لا يشمل طبقة فقط، بل طبقتين: جهاز الدولة القمعيّ وهو وظيفة الدّولة الرّئيسة، وأجهزة الدّولة الأيديولوجيّة، مدارس وعائلة ومؤسّسات إعلاميّة وثقافيّة وكنائس...، ووظيفتها القمع الخفيّ غير المُباشر، لإعادة إنتاج الإنسان ذاته[3].

ليس من وظيفة تلك الدّراسة إفراد النقاش حول الرّؤيتين، بل التّأكيد أنّه وبغضّ النّظر عن أيّة رؤية فإن الدّولة، أيّة دولة، ستحتكر، بالضّرورة، صلاحيّة "وضع النّص"، سواء كان قانوناً أم مراسيماً أم منهاجاً أم كتاباً مدرسيّاً. وفي هذا الصدد، يُعلّق المُحاضر في التّاريخ عطا الله "التّاريخ يتبع سياسة السّلطة ويفرض رؤيتها للحفاظ على وجودها، وبالتّالي يُناقش التّاريخ على ضوء مَنْ في السلطة"[4].

وفي الحالة الملموسة، نعني الفلسطينيّة، وهي حالة تتّسم بالخضوع للاستعمار الصّهيونيّ الاستيطانيّ التّرحيليّ، فإن انتفاء وجود الدولة، وبالتّالي السّيادة، مُضافة إليه حقيقة تَشكُّل النّظام السّياسيّ الفلسطينيّ الحاليّ وفق اتّفاقات سياسيّة مع دولة الاحتلال مُكبلة للإرادة الوطنيّة، يطرح حدود الاستقلاليّة، الّتي يُمكن للسّلطة، كمؤسّسة رسميّة تُشرف على المنهاج، أنْ تتمتّع بها، كما يطرح حقيقة الخلفيّة المنهجيّة/ النّظريّة الّتي يتوجّب على المنهاج أن يستند لها اعتباراً لتلك الخصوصيّة.

وللتّاريخ أهميّة استثنائيّة في المنهاج، أيّة منهاج في أيّة دولة، لذلك درجت المؤسّسات التّعليميّة، سواء كانت الدّنيا أم المتوسّطة أم العُليا، على إفراد حيّزٍ مُناسبٍ له في المُقرّرات. إنّ أهميّته الاستثنائيّة تكمن في العديد من المفاصل، لعلّ أهمها بالنّسبة لنا، لاعتبار الخصوصيّة تلك، هو دوره في بناء الشّخصيّة والهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة في مواجهة المشروع الصّهيونيّ، الّذي لا يُخفي رغبته[5]، وتؤكّدها ممارسته، في طمس الهويّة والشّخصية على طريق دثرها النّهائيّ. لذلك، كان منهاج التّاريخ، والكتاب ركنٌ أساس فيه، يحتلّ تلك الأهميّة الاستثنائيّة. ومن هُنا بالذّات، تكمن أهميّة تلك الدراسة الّتي تسعى لمراجعة نقديّة لكتاب التّاريخ للمرحلة الإعداديّة والثّانويّة، بغية فحص مدى موائمتهِ كمحتوى للخصوصيّة الّتي أشرنا إليها، ارتباطاً بتأثيرهِ على نوعيّة الإنسان الذي أنهى المرحلة المدرسيّة[6]. هذا من جهة، ومن جهة ثانية تأكيداً لحقّ كل مكوّنات المُجتمع بمساءلةِ المنهاج وكتبهِ والسّياسات التّربويّة، وعدم اقتصار وضع النّص على صاحب السّلطة السّياسيّة. وعلى هذا الصّعيد، يؤكّد الشّيخ على ما يعتبره إنجازاً أخلاقيّاً في نقاش ونقد المناهج والسّياسات التّربويّة قوامه "رفض الامتثال لسلطويّة "الاختصاص" الّتي ترغب في تنصيب المؤسّسة التّربويّة الرّسمية مصدراً وحيداً لاحتكار تحديد الخطوط العريضة للسّياسات التّربويّة، وصياغتها، وترويجها، ومراقبة إنفاذها"[7].

إنّ تركيز دراستنا سيكون على عيّنة مكوّنة من كُتب التّاريخ المدرسيّة، ومسمّاه الدّراسات التّاريخيّة، للصّفوف من 6-12، وهذا انتقاء لعيّنة لم يكن صدفةً. ذلك أنّ تلك المرحلة العمريّة من 12-17 عاماً، الّتي تشغل تلك الصفوف، تتميّز بميزتين أساسيّتين: الأولى أنّه يبدأ فيها تشكّل وعي الطّالب السّياسيّ الوطنيّ بشكلٍ مُحدّد، والثّانية أنّها المرحلة الّتي يبدأ فيها الطّفل واليافع بالمُشاركة المُجتمعيّة والوطنيّة، وبالتّالي التّعبير الواعي عن كونه فلسطينيّاً عبر تلك المُمارسة، الأمر الّذي يقتضي فحص مدى موائمة محتوى الكتاب بما يجب أنْ تتشكّل عليه شخصيّة الطّالب الذي من المُؤمل أن يلعبَ الدّور المنوط به في خدمة وطنه. أمّا الصّفوف ما دون السّادس فهي أقرب للاجتماعيّات والمدنيّات منها للتّاريخ بالمفهوم الحصريّ، ولذا لم تتناولها الدّراسة في عيّنتها.

ولتحقيق ذلك الهدف، تستند الدّراسة لمفهوم التّعليم التّحرري لباولو فريري النّقيض للتعليم البنكيّ القائم على الحشو والتلقين، وكذا لتعليمٍ ينحاز للمضطّهدين بغضّ النّظر عن خلفياتهم الإثنيّة أو الدّينية أو العرقية أو الجنّسيّة أو القوميّة[8].

وقد أولى التربوي باولو فريري، في تأصيل هذا المفهوم، أهميّةً لتحليل العلاقة بين المضطّهَدين والمضطّهِدين، وربط تلك العلاقة بالعمل التربويّ مُستنتجاً أنّ التعليم، لكي يكتسب صفته التّحريريّة، وجب أنْ يرتبط بالنّضال المشروع للمضطّهَدين ضدّ المضطّهِدين، بل اعتبره، أي هذا النّضال، جوهر العملية التّربوية. كما يُمكن الاستناد لهذا المفهوم للرّبط بين المدخلين المفصّلين السّابقين، فنضال الشّعب الفلسطينيّ، باعتباره نضالاً تحرّريّاً، يستوجب بناء شخصيّة فاعلة اجتماعيّاً، مُقاومة سياسيّاً، تتمتّع بمؤهلاتٍ وقدراتٍ نقديّة، تنقد الواقع للعمل على تغييره. لذلك، فإنّ معيار تقييم أيّة عمليّة تربويّة ينبغي، بتصوّرنا، أن تنطلق من هُنا بالذّات: هل تستند تلك العمليّة لمفهوم التّعليم التّحرّري؟[9]

وبالاستناد لكلّ ما سبق فلا معنى لمنهاجٍ، بكل تفرّعاته، في مقدّمتها الكتّاب المدرسيّ، إن لم يُعزّز مفاهيم المُقاومة لدى الإنسان الفلسطينيّ في مواجهة المشروع الصّهيونيّ. فشعب كالشّعب الفلسطينيّ تحت نير الاستعمار، ينبغي أن تكون وجهته الأساسيّة تحقيق متطلّبين أساسيّين: تعزيز الصمود، وبثّ روح المقاومة.

وبغيّة القراءة النّقديّة التي تتبنّاها دراستنا هذه، سنلجأ لمنهجيّة تحليل النّصوص المبثوثة في كتب التّاريخ في الصّفوف المُحدّدة، بغيّة فحص موائمتها للمفاصل الثّلاثة: الخصوصيّة، العقلانيّة، التّحرريّة، كما أثبتنا فهمنا لها في إطار الدّراسة. كما، ولتدعيم التّحليل، قام الباحث بعمل مقابلات مُعمّقة وجاهية، وعبر الإجابات المكتوبة على أسئلة مُعدَّة، مع مدرسيْن من المستويين، المدرسيّ، واحد من المدارس الخاصّة وآخر من المدارس الحكوميّة، والجامعيّ، واحد من جامعة بيت لحم، للوقوف على وجهة نظر المدرّسين كمُمارسين لتدريس مقرّرات التّاريخ، ارتباطاً بمدى تفاعل المدرسين أنفسهم نقديّاً مع تلك المقررات، وكذا للعلاقة بين أساليب التّدريس وتصحيح الامتحانات من جهة، وبين طبيعة المحتوى المبثوث بالمادّة.

أولاً: مدخل نظري- مفاصل رئيسة

1-1 روايتان متصارعتان

تجدر الإشارة هنا إلى ما ورد في التّقديم الذي وضعته وزارة التّربية والتّعليم/ مركز المناهج للكتاب المدرسيّ، حيث يُشير إلى أنّ الإصلاح التّربوي "انعكس على الرّؤية الوطنيّة المُطوّرة للنّظام التّعليميّ الفلسطينيّ في محاكاة الخصوصية الفلسطينيّة"، أما كيف تُقدّم الوزارة فهمها للخصوصيّة فهو "تعزيز مفهوم المواطنة والمُشاركة في بناء دولة القانون... "[10]. أمّا أنّ هناك خصوصيّة في بناء المؤسّسات الفلسطينيّة، فهذا أكيد، خاصّةً أنّها مؤسّسات تحت الاستعمار الصّهيونيّ، ولكنّ الخصوصيّة الأهم، الّتي تجعل العمل على مراعاة الخصوصيّة في بناء المؤسّسات، مسألة تفرض توجّهات معيّنة، فهي خصوصيّة الخضوع للاستعمار الصّهيوني والّتي تعني فقدان السّيادة، وبالتّالي محدوديّة العمل على خصوصيّة بناء المؤسّسات. تسقط من التّقديم، بشكلٍ غريبٍ، الخصوصيّة الأهم أعلاه، علماً أنّ المنهاج وللحقّ تنتشر في ثنايا كتبه المدرسيّة موضوعات عديدة، وعديدة جداً تتطرّق لتلك الخصوصيّة من زاوية طبيعة المشروع الصّهيونيّ ومقاومة شعبنا له وإجراءاته ضد الأرض والإنسان، وهذا بقدر ما يثلج الصدر إلا أنّه، لعدم ذكر تلك الخصوصيّة الأهم في التّقديم، يدفعنا للاعتقاد أنّ واضع المنهاج يفتقد البوصلة التي تؤسّس لكلّ عملية الإصلاح التّربويّ ووضع المنهاج.

أما الحديث عن "المواطنة وبناء دولة القانون" فهو يغدو نافلاً، وليس أكثر من ذرّ للرّماد في العيون، ومجرّد اجترار للخطاب السّائد المُتأثّر بالخطاب الليبراليّ المُعولم حول المواطنة. بكل بساطة، ولاعتبار الخصوصيّة الأهم، فلا معنى للحديث عن المواطنة في ظلّ انتفاء سيادة الدّولة على الأرض والإنسان وموارد الطّبيعة والخيرات، وهو ما ينتفي تماماً في الحالة الفلسطينيّة، وكان الباحث في دراسة سابقة حول المنهاج المدرسيّ، قد اقترح استبدال مفهوم المواطنة بمفهوم "المواطنة الموحدة"، الّتي تجمع كل الشّعب الفلسطينيّ في مختلف أماكن تواجده على هدف تحرير الأرض[11].

وبالتّوازي مع ما سبق يجب فحص مدى عقلانيّة المحتوى وموائمة تلك العقلانيّة الّتي تُسائل المسلّمات في الثّقافة المُجتمعيّة السّائدة، وتضعها على طاولة التّشريح، بهدف خلق نزعة نقديّة لدى الطّالب تؤهله للعب دورٍ نقديٍ في حياته الاجتماعيّة بعد إنهاء تحصيله العلميّ، وبالتّالي تحقق مكوّنات شخصيّة علميّة نقديّة تفترق، بالضّرورة، عن شخصيّة "المطيع والخاضع" لكلّ ما يأتي من "فوق". وفي ذات الاتّجاه يؤكّد الشّيخ "إصلاح هذه الهندسة السّلطوية، يعني الّتي تفرض نفسها حصراً كجهة وضع السّياسات، بدل التلهّي بتداعياتها التّطبيقيّة الّتي أحالت المؤسّسة التّربويّة إلى مختبر لليقين، ومصنع الموثوقيّة، بدلاً من أن تكون فضاءً للسّجال وحيزاً للاختلاف"[12]. وفي معرض نقده، مثلاً، للمادّة التّاريخيّة المقدّمة يُعلّق أستاذ التّاريخ العزّة "ما يُقدَّم في المنهاج يُقدَّم كمادة مُسلمٌ بها، حدث لا يحتمل النّقاش، رغم وجود بعض الأسئلة المُثيرة للنقاش، إلّا أنّه، بشكلٍ عام، يُقدَّم كمادةٍ مُسلمٌ بها لا تحض على التّفكير والاختلاف"[13].

إنّ الرّواية الفلسطينيّة وجب أن تنطلق من تلك المفاصل الرّئيسة الّتي باتت تُشكّل محور الرّواية: الحقّ في الوطن فلسطين؛ رفض المشروع الصّهيوني على أرض فلسطين؛ حقّ العودة؛ الانتماء للتّاريخ العربيّ الإسلامي؛ فلسطين كجزء من الأمّة العربيّة والوطن العربيّ، وغيرها الكثير من مفاصل تلك الرّواية.

وعلى المقلب الآخر، ربما يكون التّاريخ، أكثرَ ما تعرّض للتّشويه الممنهج من قِبل الرّواية والدّراسات الصّهيونيّة. طبيعة الصّراع، كصراعٍ وجوديّ، فرضت ذلك التشويه حدّ إنكار وجود الشّعب الفلسطينيّ ذاته. إنّ المشروع الصّهيونيّ، باعتباره مشروعاً استيطانيّاً ترحيليّاً، يفترض ضرورة شطب الوجود الفلسطينيّ من التّاريخ حتى تستقيم الرّواية الصّهيونيّة نفسها، الّتي استندت للمقولة العنصريّة البغيضة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، علماً أنّ انتفاء وجود الشّعب هُنا لا يعني، بالضّرورة، عدم الوجود الفيسيولوجي والبيولوجي للشّعب، فهم بالتّأكيد كانوا "يعرفون" أنّ الشّعب الفلسطينيّ موجود، ولكنّه يعني رفض وجود الشّعب كمقولةٍ سياسيّة، ككيانيّة سياسيّة، بالضّرورة سيسعى للتّعبير عن نفسه بكيانيّة دولانيّة شأن شعوب العالم قاطبة. وهذا الرفض كان يتوازى مع صياغة الرّواية الصّهيونيّة التي أحدثت تلاقُحاً بين القوميّة المُتخيّلة للمجموعات اليهوديّة المُشتتّة وبين النّصّ التّوراتيّ[14]، مُخترعةً شعباً وفق المقولة التي اشتقّها "شلومو ساند" عبر تتبّعه لنشأة الحركة الصّهيونيّة. هذا التلاقح استند لأسطورة من جهة، ولعمليّة ثقافيّة من جهةٍ ثانية. أمّا الأسطورة فهي أنّ الله منح اليهود، شعب الله المُختار، أرض الميعاد، أرض الميعاد باعتبارها الثّيمة الأهم، بالإضافة لثيمة شعب الله المختار، في الفكر الصّهيونيّ، وقد حُددت بفلسطين[15] باعتبارها أرض الميعاد في المؤتمر الصّهيونيّ في روسيا في العام 1905، فيما العمليّة الثّقافيّة استندت لجهد مجموعة من المنظّرين اليهود التي، وعبر تأثّرها بالفكر القوميّ الأوروبيّ، عملت على تحقيق التّزاوج، تباعاً وبشكلٍ متدرّجٍ، بين القوميّة والفكرة الأسطوريّة، شعب الله المختار وأرض الميعاد[16]. العمليّة والأسطورة معاً صاغتا الرّواية الصّهيونيّة كروايةٍ استعماريّةٍ استيطانيّة هي النّقيض اللّاحق للرّواية الفلسطينيّة في أهم مفاصلها: الوجود والهويّة، وبالتّالي ركّزت الصهيونية عدوانها، مع جهودها الثّقافيّة والإعلاميّة والدّعاويّة على نقض ذلك الثّنائيّ: الوجود والهويّة. استعمار الأرض وتهجير 85% من الشّعب الفلسطينيّ كان يعني السّعي لشطب الوجود، فيما تعرضت الهويّة، وما زالت، لمحاولات الطمس. يكفي الإشارة هنا لمعطيين أساسيّين مُتعلّقين بشطب الهويّة، من جملة معطيات: الأول لجنة الأسماء التي شكّلتها الحكومة الصّهيونيّة مع الوكالة اليهوديّة مطلع الخمسينيّات لتغيير أسماء كلّ المواقع الفلسطينيّة بأسماء عبريّة: المدن والقرى والأنهر والجبال والوديان والبحار والوهاد والصّحراء والأماكن الدّينيّة والتّراثيّة والمقامات والمزارات، أما الثّاني فهو عبرنة بعض من الرّموز الفلسطينيّة الّتي تُعدّ رموزاً ودلالات للهويّة من نوع المأكولات وأنواع الرقص والغناء والملابس الشعبية[17].

وفي الحالتين، المواقع والرّموز، كان المستهدف الأساسي هو الوجود الوطنيّ، باعتبار تلك المواقع والرّموز لها أبعاد تاريخيّة وطنيّة تؤكّد الوجود الفلسطينيّ الّذي يسعى الصّهاينة لشطبه. من هنا، تبرز الأهمية القصوى للتّاريخ، وتقديمه للطلبة ارتباطاً بذلك الصّراع بين الرّوايتين الصّهيونيّة والفلسطينيّة. ومن هُنا بالذّات، تنشأ الخصوصيّة التّاريخية الفلسطينيّة باعتبار الوطن تحت الاستعمار الاستعماريّ الاستيطانيّ.

1-2 عقلانيّة التّفكير في المادّة التّاريخيّة

لما كانت الهويّة تصنع صناعة بالاستناد لمقوّمات وجوديّة واقعيّة، فيما بات يعرف في العلوم الإنسانيّة "بسياسات الهويّة"، يكون لزاماً، بالتّالي، على "صانع الهوية"، أيّ المؤسّسات على مختلف تراتبها، ابتداء من الدّولة وصولاً للعائلة وما بينهما من مؤسّسات مُجتمعيّة، بل وأفراد أيضاً، بات عليها لزاماً فحص سياساتها في صناعة الهويّة. ولعلّ الحقل الأهم هُنا هو كيفيّة تقديم التّاريخ تقدمةً تُساهم في تشكيل هويّة الطالب. هل نكتفي مثلاً بالتّأكيد على أبرز رموز الهويّة في التّاريخ الفلسطينيّ من نوع الكوفية مثلاً، أم ينبغي فحص منشأ هذا الرّمز ومآلاته في التّاريخ الفلسطينيّ الحديث ارتباطاً بالعمل السياسيّ، وانتقالهِ ليغدو رمزاً للثّوار والمُناضلين في بقاع الأرض ضدّ الإمبرياليّين والمضطّهِدين، وأخيراً، التّعرض لمحاولات تشويهه من قِبَل الصّهاينة؟ وما يُقال عن الكوفيّة يقال أيضاً عن الثّوب الفلاحيّ الفلسطينيّ. أبعد من ذلك: هُناك فرق مثلاً بين اعتبار الصّراع بين علي بن أبي طالب ومُعاوية بن أبي سفيان فتنة أو محنة أوقعت المسلمين في الصّراع والانقسام منذ 15 قرناً، وبين أن يقدّم للطالب على أنّه حدثٌ طبيعيّ، لطبيعة الصّراعات والتّناقضات في المُجتمع، أيّ مجتمع، قوامه الصّراع على السّلطة تبدو في خلفيته السّياسة والطّبقة والقبيلة وتأويل الأحاديث؟[18]

إنّ العقلانيّة في العمل التّربويّ تقتضي ضرورة تطوير مَلَكَة النّقد المُستندة لنقد الثّقافة السّائدة الغارقة في لا علميّتها، بل وخرافتها أحياناً كثيرة، وهذا سيفتح المجال، شئنا أم أبينا، على التّناقض القائم بين الدّين والعلم، باعتبار الأوّل يستند للإيمان بالغيبيّات، فيما الثّاني يستند للتّجربة العلميّة والاستدلال المنطقيّ، فيما تبدو في مناحي كُتب التّاريخ وفلسفتها، كما سنتطرّق لاحقاً، أنّ أيّة محاولة توفيقيّة بين الدّين والعلم ستبدو في أفضل الأحوال دون جدوى، إنْ لم نقل عبثيّة تماماً[19].

الفرق بيِّن بين تقديم الحدث التّاريخي كنصٍّ للحفظ، وأحياناً كثيرة بإضفاء طابع القداسة والرّومانسية عليه، وبين تقديمه كنصٍّ يفتح الأفق للنّقاش والنّقد العلميّ دون الخشية من المسّ ممّا يبدو وكأنّها محرمات، أي يفتح النّقاش للرّوايات المُتعدّدة. وحول تعدّد الرّوايات يُشير عطا الله أنّ واضعي المنهاج "يقتلون الأساسيّات المُعاصرة لدراسة التّاريخ من خلال التّركيز على رواية واحدة"[20] ما سيظهر معنا لاحقاً. وفي هذا الصدد يشير العزّة "إنّ التاريخ قائم على الحفظ ويقدّم بشكلٍ مثاليّ، نموذجيّ، حتّى الأنشطة أحياناً لا صلة لها بتحفيز التفكير".

وللدّلالة على ذلك، أذكر تماماً أنّنا في المرحلة الابتدائيّة تمّ تعريفنا على قصّة الخليفة الرّاشدي عمر بن الخطّاب مع المرأة الفقيرة التي توْهمْ أطفالها بأنّها تُعدُّ لهم المرق فيما هي، لفقرها، تغلي الحجارة لا أكثر. قُدّمت القصّة لنا باعتبارها دلالة على عدل الخطّاب وتعاطفه الإنساني مع فقرها. لا شك أنّ تعامل الخطّاب مع الحالة يعكس تعاطفه إذ أمر، حسب القصّة، بفتح بيت المال وصرف الأموال اللّازمة لها لإطعام أطفالها. ومع ذلك، هُناك ما لم يقل في القصّة التي قُدمت لنا؛ إنّ حقيقة إعداد المرأة "للمرق الموهوم"، بغلي الحجارة، تعكس حالة الفقر الشّديد في فترة عمر بن الخطّاب، وبالتّالي تؤشّر للباحث الاجتماعيّ والتّاريخيّ الموضوعيّ على حقيقة النظام الاجتماعيّ الّذي تميّز بالفروقات الطّبقيّة الحادّة فترة الحكم الرّاشدي. إنّ عقلانيّة التفكير في المادّة التّاريخية المُقدَّمة، تقتضي ليس تقديمها فقط كما هي، بل وفَتح الآفاق لما خلف تلك المادّة، لقراءة ما بين السّطور، وهذا ما يفتح الأُفق على ضرورة دراسة التّاريخ ليس كمحضِ سردٍ، بل كمادّةٍ لإعمال العقل ونقدها.

وعلى الجانب الآخر، تقتضي العقلانية أيضاً فحص بعض المعلومات التّاريخيّة الّتي يتم تقديمها للطلبة. فالرّواية المنسوبة عن عمر بن عبد العزيز الّتي تؤشّر لعهد من الخيرات أنهى ظاهرة الفقر لدرجة أنّهُ لم يجد عمّاله فقيراً ولا عابر سبيل ليوزّعوا عليه القمح، فيأمر بإلقائه على رؤوس الجبال "كي لا يقال جاع طير في عهد عمر"، هذه حادثة ينبغي فحصها، لأنّ طبيعة النّص المروى تاريخيّاً تجعله أقرب لسيناريو موضوع منه لحقيقةٍ تاريخيّة، خاصّة أن ليس من مجتمعٍ، حتى الآن، قد حلّ مسألة الفقر حلّاً نهائيّاً، وإنْ تميّزت بعضها عن بعض في المعالجات ومستويات الفقر وتوفّر الخيرات، ناهيك عن أنّه من العلميّة والعقلانيّة بمكانٍ أن يقف الطّالب على الفرق بين الهبة أو الإحسان كسلوكٍ أخلاقيّ، وبين الحقّ كمستندٍ قانونيّ.

من الواضح أنّ ليس كل ما ورد في الكتب التّاريخيّة القديمة، ككتب الطّبري والمسعودي والبلاذري واليعقوبي، كان يستند لتسجيلٍ علميّ وموثوق، بل بعضها غالى في "الفتاوى التّاريخيّة" حدّ الغرابة، لدرجة أنّ الطبري وجد الجرأة في نفسه ليعلن أنّ آدم نزل على الأرض يوم الجمعة، وأنّه أُخرج من الجنة "السّاعة التّاسعة أو العاشرة، فقال لي: نعم، لخمسة أيّام مضين من نيسان!"[21] مُستنداً بذلك لسلسلة من المرويّات والأحاديث. فيما رفض المفكر ابن خلدون لما أورده المسعودي عن بناء الاسكندر المقدوني لمدينة من النّحاس، لعدم مطابقة الواقعة للعقل ولمنطق الواقعة ذاتها، كمنهجيّة علميّة استخدمها هذا المفكر اللّامع للتمييز بين الكذب والصدق في الرّواية التّاريخيّة[22].

ومع ذلك قلنا، ليس كل ما ورد، لتأكيد حقيقة أنّ الكتب التّاريخيّة القديمة فيها الكثير الكثير من الحقائق التّاريخيّة الّتي يُمكن الاستناد لها. وبالرجوع لساطع الحصري في مقولته حول الانتقائيّة في الرّواية القوميّة، ولنقل في مكوّنات الهويّة، فإنّ تسجيل التّاريخ يتعرّض للانتقائيّة: ماذا نذكر منه وماذا نُخفي، تِبعاً للموقف من الحدث التّاريخي ومدى مواءمتهِ مع فلسفة المنهاج والرؤية السّياسيّة والأيديولوجيّة لواضعيه المستندة لهذه الفلسفة. وهذا ما سنعود له في قادم الدراسة.

1-3 كيف نتناول التّاريخ؟

لا تقف مسألة تناول التّاريخ، بتقديرنا، عند حدود ذلك الخط الفاصل بين سرد الحدث كما وقع وتفسيره أو تأويله[23]. من الصحيح أنّ تفسير الحدث التّاريخيّ، ولنقل تحليله، والوقوف على رواياته المُتعدّدة، يفتح المجال لتدخّل الاعتبارات السّياسيّة والأيديولوجيّة، وحتّى الأهواء الشّخصيّة لمن ينهض بمهمّة التّحليل، وكان ابن خلدون قد أفرد حيزاً معقولاً في مُقدّمته حول الدّوافع للكذب في نقل الخبر، وهي بتقديرنا، دوافع ما زالت قائمة، وزدّ عليها دوافع عديدة بفعل تعقّد الحياة الاجتماعيّة المُعاصرة وتنوّع المجموعات والنُخب والانتماءات. لقد أنشأ كار يقول "إن هذه الحقائق المُسمّاة بالحقائق الأساسيّة، يعني الحدث التّاريخيّ، والّتي تكون متماثلة لجميع المؤرّخين تنتمي بصورةٍ عامّة إلى فئة المواد الخام للمؤرّخ لا إلى التاريخ ذاته"[24]، ويشبّهها تشبيهاً جميلاً باعتبارها الأخشاب والإسمنت الّتي يحتاجها المعماريّ. أمّا كيف سيتعامل المعماريّ مع تلك المواد فهذا هو التّاريخ، أي أنّ التّاريخ ليس الحدث بحدِّ ذاته بل كيف يتم التّعامل معه. ويتّفق عطا الله مع ما جاء بهِ كار ولو من جهةٍ ثانية إذ يقول "يغيب في المنهاج الرّبط بين مادّة التّاريخ، يعني الحدث المؤكّد، وعلم التّاريخ المُعاصر، وهذا يعكس نفسه على المنهاج، فتقدّم المادّة والتّاريخ معاً كأنه مقدّس خارج النقاش"[25] أي أنّ الكتاب المدرسيّ يتعامل مع المادّة دون إعمال العقل بكل ملابسات الحدث ورواياته وخلفيّات الرّوايات، أي بفصلهِ عن منهج علم التاريخ. لذلك يعود كار للتّأكيد "إن عنصر التّفسير والتّأويل هذا يدخل في صلب كل حقيقة من حقائق التاريخ"[26] ومنطقيّاً وبالتّتالي، المؤرخ انتقائيّ بالضّرورة، وتظهر عملية الانتقاء فيما أسماه كروشيه التّقويم، فينقل كار عن بروشيه قوله "إنّ العمل الأساسيّ للمؤرّخ هو ليس التّدوين وإنما التّقويم، ذلك أنّه إذا لم يُجرِ تقويمه، أي المؤرّخ، فكيف لهُ أن يعرف قيمة الأشياء التي تستحقّ التّدوين"[27] مع أنّ كار لا يُشير للخلفيّة الأيديولوجيّة والسّياسيّة الكامنة في عمليّة التّقويم ذاتها.

واستتباعاً، فالحدث التّاريخيّ، أو الحقيقة حسب تعبير كار، لا تتم بمعزلٍ عن السّياق الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ، أي لا تتم بمعزلٍ عن الّلحظة التّاريخيّة كتعبيرٍ مُكثّف عن السّياق، لذلك، كان الذين يدرس المؤرخ أعمالهم "لم يكونوا أفراداً منعزلين يعملون في فراغ، فهم عملوا في سياق مجتمع الماضي وباندفاعاته"[28]، وبهذا الصّدد يشرح إسماعيل عن المفكر العربي عبد الله العروي تفريقه بين المؤرّخ المُحدّث والمؤرخ الفقيه في عمل المؤرّخين العرب القدماء، فيقول "المؤرّخ المُحدّث يمثّل مفهوم "الثبات" والمؤرّخ الفقيه يعمد إلى "التحوّل". الأوّل غايته التّوثيق والثّاني يهتم بالمتن، فينطلق من الواقع وينظر للأحداث من خلال ظروفها وملابساتها، فيُقدّم، بذلك، شهادة دنيويّة للأحداث تستند إلى المُشاهدة والعيان. الأوّل مُهتم بالسّند والثّاني يهتم بالواقع وينصب جهده على معرفة القواعد والنّواميس الّتي تُقنّن حركة هذا الواقع"[29]، أمّا حول أعمال المؤرّخ والفقيه الأندلسي ابن حزم فيؤكّد إسماعيل أنّ تحقيق الأخبار عنده "لم يحل دون اهتمامه بالتّفسير والتّأويل" فالتّاريخ "في مخيال ابن حزم نتيجة "فعاليات بشريّة" ومن ثم رفض مفهوم "العناية الإلهيّة" وطرح بديلاً عنه "الطّبيعة الممكنة في التّصرف". بمعنى أنّ الفعل التّاريخي لا يخضع للجبر وللقسر، بل رهين "مشيئة واختيار""[30]. ويلخّص إسماعيل فهمه للتّفسير والتّأويل بأنّ رواية الحدث أو تأريخه ينبغي له أن يُجيب على "أسئلة ثلاثة أساسيّة هي: ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا حدث؟" مُضيفاً أنّ السّؤالين الأولين لا يُثيران الخلاف فيما "يشجر الخلاف أصلاً في الإجابة على السّؤال الثّالث، لا لشيء إلّا لأنّها تعكس منظور أو "مخيال" المؤرّخ الذي هو نتاج ثقافته وأيديولوجيته"[31] وهو ما يُعبّر عنه عطا الله بالقول "توضع كل المعلومات دون القول لماذا"[32] إذاً في النّهاية، للمؤرّخ روايته.

لذلك، وانطلاقاً من كل ذلك، فإن مسألة الدّافع وراء تحليل الحدث تنطرح بقوة، ويمكن ملاحظتها ببعضٍ من تمحيص أخذاً بعين الاعتبار اللّحظة التّاريخيّة بسياقاتها. فمنهجيّاً لا يجوز قراءة الحدث التّاريخيّ خارج سياق لحظته التّاريخيّة بل ضمنها وبتأثيراتها. يكفي، مثلاً، ملاحظة الفرق بين رواية المؤرّخين العرب لسقوط الأندلس ورواية الكُتّاب الغربيين أنفسهم، لملاحظة أنّ هذا الحدث لا ينفصل عن تفسيره، فنكون بالتّالي أمام "حدثين" لا حدث واحد، أو لنقل أمام "أحداث" بعدد التّفسيرات والتّحليلات المُتعدّدة.

وأيضاً، لا تقف المسألة عند حدود السّرد ذاته، بل بارتباط وجود الحدث في سرده تحديداً، فكأنّ الحدث غير المسرود غير موجود، ناهيك عن أنّ الحدث ذاته يُمكن أن يُسرد بطريقةٍ خاطئةٍ، إمّا بالمبالغة أو التّهميش أو حتّى عدم سردهِ نهائياً، وهو ما يعرف بالتّاريخ المنسي، وهو ما سنأتي على ذكره لاحقاً إذ لاحظناه مُتفشّياً عند واضع كتب التاريخ. ولقد لاحظنا أعلاه فيما نقلناه عن كار حقيقة أن لا فصل بين الحدث وسرده، وبالتّالي تفسيره وتأويله، أو تقويمه حسب كروشيه، الأمر الذي يجعل من العلمية بمكان القول أن وجود الحدث مرتبط بروايته، "فالتّاريخ رواية"[33] هكذا يلخّص عطا الله متفقاً مع كار.

وارتباط وجود الحدث بروايته يقود للتّاريخ المنسي "بفعل فاعل" عندما يسعى المؤرخ لشطب أحداث كاملة ظنّاً منه أنّها لا تتّسق ورؤيته الّتي يعبر عنها، وذات الشيء يُقال عن واضع المنهاج كمؤسّسة، الأمر الذي يُحيل بالتّتالي المنطقي لقضية الذّاكرة وتشكّل الهويّة.

الذّاكرة الجمعيّة مكوّن من صميم الهويّة باعتبارها، أي الذاكرة، مكون رئيس من الرّواية، وما هويّة شعب إلا روايته ولو ببعض من مبالغة بغيّة التّأكيد. لذلك، وجب عند تناول التّاريخ ككتابٍ مدرسيّ ربطهُ، بالضّرورة، بالذّاكرة الجمعيّة والرّواية اللّصيقتين بالهويّة، محور الصّراع الرّئيس مع المشروع الصّهيونيّ.

1-4 وحدة القطع والاستمراريّة في الحدث التّاريخيّ

يعود الفضل للمفكّر الرّاحل حسين مروّة في استخدامه منهجيّة "وحدة القطع والاستمراريّة" في دراسة التّاريخ العربيّ الإسلاميّ، وهو إذ فعل ذلك اتّكأ على المنهج الهيغلي الجدليّ الّذي يرى لعلاقة التّرابط الجدليّ بين القديم والجديد، إذ لا يولد الجديد إلا من رحم القديم، ولن يتشكل الجديد إلّا وعلائم القديم بارزة فيه، بل أكثر من ذلك، إنّ علاقة التّداخل بين القديم والجديد تتطلّب، موضوعيّاً، جاهزيّة بُنية الجديد لاستيعاب التّداخل، أيْ لهضم القديم فيهِ لتكون النّتيجة، وفق مقولة نفي النّفي الهيغلية، جوهر جديد من نتاج التّداخل. هذا، مثلاً، حال الإسلام مع كل ما سبقه من الثّقافات والحضارات القديمة، كما هو حال كل منتوج ثقافيّ وحضاريّ في التّاريخ. لذلك، من الغريب أن يتمّ تناول تاريخ "الجديد" دون أيّة إشارة لعلاقته بالقديم من زاوية التّداخل الثّقافيّ والحضاريّ والمعرفيّ، وهذا ما سنلاحظه، لاحقاً، عند حديث المنهاج عن الدّعوة الإسلاميّة، والمرحلة ما قبلها الموصوفة بالجاهليّة. باختصار، إنّها عمليّة قطعٍ بين القديم والجديد، ولكن على قاعدة استمراريّة موضوعيّة بينهما[34].

ثانياً: قضايا جوهريّة في التّاريخ

للوقوف على محتوى منهاج التّاريخ يُمكن الإشارة لسلسلة من القضايا الجوهريّة اللّصيقة الّتي يُمكننا معاينتها باستعراضنا لكتب التّاريخ المدرسيّة.

2-1 المصطلح الدّيني في المبحث التّاريخي

من نافلة القول أنّ الثّقافة السّائدة هي الثّقافة الدّينيّة الإسلاميّة، وبغضّ النّظر عن تعريف محتواها، أكان النّص القرآني والحديث النبوي، كما يحصرها الإسلاميّون التقليديّون باعتبارهما مرجعاً وحيداً للثقافة لا ينازعه منازع، أو الثّقافة النّاتجة عن عمليّة التّأويل للنّصين الأوّل والثّاني، تأويلاً يستهدف مواءمة النّصّ "الثّابت" مع المُتغيّر "الواقع"، وهذا على العموم خارج نطاق البحث الحاليّ. أضف لذلك أنّ الإسلام بوتقة لصهر كل مكونات الحضارة العربيّة الإسلاميّة، السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. لذلك، يغدو الإسلام، كثقافة وحضارة، عاملاً هامّاً في تشكّل الذّاكرة والهويّة، وهو بالتّأكيد سيجد انعكاسه في المبحث التّاريخيّ. ولكن يبقى السّؤال: كيف يتم تقديم الحدث في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ، أي انطلاقاً من أيّة رؤية يتم تقديمه؟ وهل يتمّ تقديمه باعتباره سرديّة مفروغ من نقاشها بالاستناد للمصطلح الدّينيّ المُحمّل بقدسيّة لا تقبل النقد؟ أم كأحداث وحقائق مفتوحة على القراءات والروايات بعضها بالتّأكيد أكثر علميّة من غيرها؟ فالتّاريخ بالنّهاية رواية حسبما تأكَّد لنا. وهل يتمّ تقديمه كحالة مقطوعة الجذور أم استمراراً جدليّاً لما سبق، يحمل في داخله "القديم" بعدما استوعبه ليقدم "الجديد"؟

واسترسالاً، فإنّ تداخل الحقول المعرفيّة بات أمراً مفهوماً، بل ومطلوباً في السّعي للمعرفة العلميّة، فسور الصّين العظيم بين حقل معرفي وآخر، الأمر المُنتشر حتّى الآن في بلادنا بمستويات التّعليم المختلفة، بات لا يُلبّي طموحات الباحث العلميّ، ولا يؤدّي لبناء معرفة علميّة رصينة. ومع ذلك، فحتّى مع عمليّة التّداخل تلك، ينبغي التّعامل بحرصٍ مع المفاهيم المُختلفة للحقول المُختلفة، فلكلّ حقلٍ مفاهيمه. هذا من جهة، أمّا من جهة ثانية، وعودٌ على ما سجّلناه في المدخل النّظريّ في دراستنا، فإنّ حقل العلم شيء بمفاهيمه وحقله المعرفيّ، والدّين شيء مختلف تماماً بمفاهيمه وحقله أيضاً، فالأوّل ينتمي للملاحظة والمنطق العقليّ والتّجريب والنّقض والاستكشاف والبُرهان، فيما الثّاني ينتمي للإيمان الغيبي الخّارج عن إطار البرهنة العقليّة والتّجريب والمنطق العقلي، فبين المنطق العقلي والإيمان الغيبي بون شاسع لا يسع أي محاولة للجمع بينهما إلّا أن تحصد الفشل. لذلك مثلاً، كان من الغريب فعلاً كيف أنّ واضع خطة المنهاج الأولى تمكّن من الجمع في الأُسس الفكريّة والوطنيّة بين "تعزيز الإيمان بالله" و"تعزز مكانة العقل" وفي الأساس المعرفيّ "يستخدم التّفكير النّاقد ويتبع الأسلوب العلمي في المشاهدة والبحث والاستكشاف والاستقصاء وحل المشكلات"[35] خاصّة أنّ القانون الفلسطينيّ ووثيقة الاستقلال وكل الأعراف الدّوليّة الخاصّة بالحقوق تُجمع على "حُريّة المُعتقد والضّمير". إنّنا أمام انتقائيّة لصياغات وأهداف يصعب الجمع بينها علميّاً، إنّنا أمام "كوكتيل" أُسس ومنطلقات.

وإذا كان على ثقافتنا وتربيتنا وهويّتنا، وتالياً كتبنا المدرسيّة، أن تستند للمكوّن التّاريخيّ الحضاريّ العربيّ الإسلاميّ، فهنا ينتصب سؤال: كيف يتمّ التّعامل مع مقاطع هذا التّاريخ علميّاً انطلاقاً من المفاهيم والمصطلحات العلميّة بالتّأكيد؟

والمفاهيم، وتجاوزاً مُخلّاً ندعوها هُنا بالمصطلحات، مفردات لغويّة مُحمّلة بدلالات معرفيّة كنتاج لسياق الاستخدام، بحيث تغدو ممتلكة لقوّة سلطة المعرفة في فرض دلالاتها. وقبل ذلك، وعلى المستوى النّظريّ، هي بالأساس أدوات للتّحليل، وهُنا تكمن أهميّتها لأنّها كأدوات تحليليّة فهي مُحمّلة بموقفٍ نظريّ وثقافيّ تلزم صاحبه إن صدق في إعلان منهجيّته العلميّة، وتعكس قبل ذلك رؤيته وتوجّهه، وهي بالذّات الّتي تُحقّق الاتّساق الدّاخلي في معمار النّظريّة، أيّة نظريّة.

والكتب على هذا الصّعيد تحفل بمصطلحات دينيّة راسخة في الثّقافة الدينيّة يجري استحضارها لتقديم السّرديّة التّاريخيّة، وبالتّالي كان لزاماً على مَنْ يقف على نصوص الكتب أن يربط بين استخدام هذه المصطلحات والخلفيّة النّظريّة والثّقافيّة لواضعه، لأنّه باستخدامه هذا إنّما يسرد التّاريخ بأحداثه وتحليلاته، المحدودة على أيّة حال كما سنرى، من وجهة نظر دينيّة لا علميّة تاريخيّة.

إنّ المفاهيم التّالية طاغية عند تناول الفترات الأولى من التّاريخ العربيّ الإسلاميّ ونشوء الدّولة الإسلاميّة وصولاً للمرحلة العثمانيّة: الجاهليّة، الجهالة الدّينيّة، الفتوحات، المشركين، الكفار، ولاحقاً استخدام مصطلح فطرة التّديّن في الحديث عن انهيار الاتّحاد السّوفييتي. ليست المشكلة في إيرادها إذا كانت جزءاً من وثيقة تاريخيّة قديمة، فالأمانة العلميّة تقتضي ذلك، المُشكلة في اعتمادها كمفاهيمٍ في الكتابة التّاريخيّة المُعاصرة اليوم، كما يتجلّى في وضع كتاب تعليمي.

في كتاب الصّف السّادس الجزء الثّاني يُطلق مفهوم الجاهليّة على كل المرحلة السّابقة على الإسلام، ونحن، وإذ كنا سنقف عند هذا المفهوم لاحقاً، إلّا أنّنا نكتفي بالتّعليق الآن أنّه مصطلح ديني استخدم تاريخيّاً في الثّقافة والنّصّ الدّينيّين، وتسلّل للكتب القديمة والحديثة لتمييز الإسلام عما قبله، وبات محمّلاً بدلالات سلبيّة كنتاج لهيمنة وسلطويّة الثّقافة السّائدة، وسلطة المفهوم، أي مفهوم، الأمر الّذي يُعيد واضع الكتاب، باستخدامه إيّاه، تأكيد ذات الدّلالة السّلبية. والأخطر في هذا المفهوم/ المُصطلح أنه يُوضع مقابل الإسلام، وبالتّالي يُحمّل بمحتوى نقيض، بالمُطلق، لما جاء به الإسلام، وبالتّالي، يجري إهالة التراب على مرحلة تاريخيّة كاملة سبقت الإسلام.

ورغم أنّ الكتاب يُقدّم تعريفاً محايداً إذ ينصّ أنّ "الجاهلية لفظ يُطلق على حالة العرب قبل الإسلام تمييزاً وتفريقاً لها عن الحالة التي صار عليها العرب بظهور الإسلام"[36] إلّا أنّه يعود للقول "اتّسمت مرحلة ما قبل الإسلام أو ما يُعرف بالعصر الجاهليّ، بالجهالة الدينيّة، وبالعادات والتّقاليد المُختلفة، كالشّجاعة والكرم والنخوة، ووأد البنات والرّبا، كما اتّسمت بالحروب والغزوات والغارات بين قبائلها الكبيرة والصغيرة، ومع الأقوام المجاورة"[37] ليدمج السّمات السلبية كالجهالة الدّينيّة وسنعالجها لاحقاً، مع سمات الكرم والشّجاعة، والغزوات والغارات. وطالما أنّ الكتاب يُقدّم لمرحلة قبل الإسلام ما لها وما عليها، فما الدّاعي لاستخدام مصطلح، كالجاهليّة، مُحمّل بكل تلك الحمولة السّلبية؟

أما مُصطلح الجهالة الدّينيّة، الوارد أعلاه، فهذا جديد جدّاً ولم يسبق للباحث، على قدر معرفتهِ، أن اطلع عليه. ليس من مبرر بتقديرنا في اشتقاق هذا المُصطلح سوى التمييز عما يستدعيه المصطلح كنقيض، أي العقلانيّة الدّينيّة، لنكون أمام إشكاليّة إضافيّة، فما معنى العقلانيّة الدّينيّة، وكيف سيستقيم ربط العقل والعقلانيّة، مع الدّين القائم أساساً على الإيمان الغيبيّ؟

أما مصطلح الفتوحات فيرد في درس منفصل بعنوان "الفتوحات الإسلاميّة" في كتاب الصّف الثّاني عشر. يشرح الكتاب مفهوم الفتح "أما اصطلاحاً، فيُقصد بهِ: سلسلة الحروب والمعارك الجهاديّة الّتي خاضها المسلمون بعد وفاة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عام 11ه/632م، ضدّ الدّول الواقعة خارج الجزيرة العربيّة، بهدف نشر الإسلام، وتخليص النّاس، وتحريرهم، وإنقاذهم من الضّلال إلى النّور"[38]. كيف يمكن التّوفيق بين المصطلحات المُحمّلة بثقلٍ دينيّ واضح "الجهاديّة، نشر الإسلام، تخليص وتحرير النّاس، الضّلال والنّور"، ومع ما يُفترض أنّه منهج علميّ في الدّراسة التّاريخيّة؟

هذا المُصطلح، نعني الفتح، يحوز على هيمنة ساحقة حتّى لا يكاد يُطرح للنّقاش، خاصّةً أنّه مُشتقّ من لفظة "الفتح" الواردة في النّص القرآني، لذلك هو مصطلح دينيّ، وبهذه الصّفة فإنّه يكتسب "الحصانة" أمام أي نقاش علمي رصين. سنعالج لاحقاً ما يذكره المنهاج عن أسباب الفتوحات حيث يُشير لأسباب اقتصاديّة، وحتّى لاعتبارها آخر الهجرات العربيّة من الجزيرة باتّجاه الأراضي الخصبة، وليس محض "انقاذ النّاس من الضّلال إلى النّور"، ولكن هذا المدخل يجعلنا نتساءل: هل يمكن تبرير الاستيلاء على أراضي الغير ومقدراتهم وإخضاعهم بدعوى الحقّ الإلهي، أي بالاستناد لسند دينيّ؟ خاصّة أنّ المنهج لا يوافق على مقولة الحقّ الإلهيّ، الاعتبارات الدّينيّة، مثلاً، عندما يطرح مبرّرات الحملات الفرنجيّة على الوطن العربيّ حين يقول في كتاب الصّف الثّاني عشر "ادّعت الكنيسة الغربيّة أنّها حروب عادلة، بهدف تحرير المقدّسات المسيحيّة في الأراضي المُقدّسة، وضمها لسلطتها"[39]. تلك إشكالية لا يواجهها الكتاب فقط، بل كل مَنْ يبرر حملاته العسكرية باسم الدّين، والصّهاينة في مشروعهم الاستيطاني الاستعماري لفلسطين استخدموا ذات المُنطلق، لنغدو أمام حروب دينيّة لا تعكس حقيقة ما جرى تاريخياً. حريٌّ بالكتاب، التزاماً بإشارته للأسباب الاقتصاديّة للفتوحات أن يؤكد أنّ ما ندعوه بالفتوحات، كمُصطلح دينيّ، هو في الحقيقة حملات عسكريّة، شأن الحملات العسكريّة في القرون الوسطى، استندت لغطاء دينيّ، بينما في حقيقتها توسّع في امتلاك الأراضي والسّعي للمناطق الأكثر خصوبة، وهذا ما يقوله المنهاج عندما يُشير للفتوحات باعتبارها هجرات، مؤكّداً "تُعَدّ الفتوحات الإسلاميّة آخر الهجرات من الجزيرة العربيّة نحو مناطق الخصوبة"[40]. أو كخطوات استباقية لمنع العدوان مثلاً، وهذا ما يقوله كتاب الصف السّادس الجزء الثّاني بوضوح "من الأسباب التي دفعت المسلمين للقيام بالفتوحات الإسلاميّة، الدّفاع عن الدّولة الإسلاميّة الّتي كانت مُهدّدة من الامبراطوريّة الفارسيّة من جهة الشّرق، والامبراطوريّة الرومانيّة من جهة الغرب، فاندفع المسلمون شرقاً وغرباً لإزاحة هذين الخطرين" [41]، فطالما أنّ المنهاج يؤكد بما لا يدع مجالاً للشّك أنّ الهدف كان "الدّفاع عن الدّولة" لا يبقى من مجال لاستخدام المُصطلح الدّيني "نشر الإسلام/ إنقاذ الناس من الضّلال إلى النّور"، وكأن الهدف حصراً نشر الدّعوة. يبدو لنا أنّ واضع الكتاب يتأرجح بين ما نراه منطقاً علميّاً "الأسباب الاقتصاديّة والهجرات والدّفاع عن الدولة"، وبين الالتزام بمصطلح دينيّ لم يتجرأ على هجرانه، بفعل سلطته كمُصطلحٍ دينيّ، وظاهرة التأرجح هذه سنواجهها مراراً في دراستنا هذه، وهي ذاتها ما وصفناها "بالكوكتيليّة" سابقاً.

أمّا مُصطلحيّ المُشركين والكُفّار، فواضح أنّ لها سندها الدّيني في النّص القرآنيّ والحديث النبويّ، وعوضاً عن أنّها مُصطلحات دينيّة تستخدم في حقل علمي، فإنّها تخلق إشكالية في تحديد مَنْ هم المُشركين مثلاً، بافتراض أنّ الكُفّار هم مَنْ رفضوا الدّعوة الإسلامية وكفروا بها، أو كفروا بوجود خالق على الجملة، فالثّقافة الدّينيّة السّائدة تُحيل لفظ المُشركين لليهود والمسيحيين، وخاصّة الأخيرين، باعتبار عقيدة الثّالوث التي "تُشرك" غير الله في العبادة، مستندين إلى نصّ الآية 1 من سورة البيّنة، وهذا ما يثير حساسية لا نعتقد أن واضع الكتاب يقصدها أو يريدها[42].

ونعتقد أنّ واضع الكتب المدرسيّة كان يجب أن يربأ بنفسه عن استخدام المصطلح الدّينيّ بامتياز، فطرة التّديّن، وهو يتحدّث عن انهيار الاتّحاد السّوفيتي. يذكر الكتاب أسباب عديدة لانهيار الاتّحاد السّوفيتي بعضها بات معروفاً وموثقاً، وبعضها يأتي كأحكام لا سند لها، علماً أن الفقرة لا تحلل وصولاً للأسباب، بل تقررها فحسب، جرياً على عادة السّرد بلا تحليل. ليس من وظيفة الدّراسة التّطرق لأسباب الانهيار، ولكن زجّ مصطلح "فطرة التدين" غريب فعلاً. يقول النّصّ من جملة الأسباب "والصدام الذي خلقته النّظريّة الشّيوعيّة مع فطرة التّديّن"[43]. أولاً لم يُسجّل في كل ما كُتب حول أسباب الانهيار، سواء من أصدقاء تجربة السّوفييت أو أعدائها أنّ هذا كان سبباً للحركة التي انطلقت وأدّت للانهيار، وثانياً لماذا يفترض واضع النص أن هناك فطرة تّديّن أصلاً؟ الفطرة تُحيل على الغريزة، وفي علميّ النّفس والأحياء تتحدّد الغرائز علميّاً، وليس من بينها التّديّن، وإلا ماذا نقول مثلاً عن مئات ملايين البشر الذين يعتبرون أنفسهم لا دينيين أو ببساطة ملحدين؟ هل نحكم عليهم أنّهم يعيشون خارج الفطرة، وبالتّالي هناك نقص ما في تركيبهم؟ هذا منطق غريب لا يليق بالمنطق العلمي الذي يبغي أنْ يتحرّى الدّقة العلميّة.

وأخيراً، فإنّ الإشكاليّة الإضافيّة في استخدام النّصّ والثّقافة الدّينيين لاشتقاق أو استخدام مفاهيم ومصطلحات دينيّة تستخدم في النّصّ التّاريخيّ، في أنّ ذلك سيُحيل مباشرة على ثنائيّة إطلاقيّة لا تستقيم لا وحقائق الأمور ولا المنهج العلمي. الإسلام و"العقلانية الدينيّة" مُقابل الجاهليّة والجهالة الدّينيّة، المُسلم مقابل الكافر والمُشرك، الصّفويين مُقابل المُماليك، الفتوحات مقابل الحملات الفرنجيّة. مثلاً، لقد ورد في المنهاج حول الصّفويين، وهم شيعة فرس، أن "ملكهم مُستبدّ، يتصرّف بالنّاس وأموالهم، وهو فوق القوانين، حكومته عسكريّة مُستبدّة"[44]، أمّا عن المماليك، وهم سُنّة، فيرد الوصف التّالي في الحواريّة بين الأب وابنه "هؤلاء حاربوا الأعداء، وحموا البلاد، فقد انتصروا على المغول، وكانوا فرساناً أشدّاء يهابهم الأعداء" [45]، وما يُطلقه الكتاب على المماليك صحيح، ولكن أيضاً هم كانوا مستبدّين وفوق القانون وانتهكوا أعراض النّاس وروّعوهم، وقصصهم كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى. أمّا في كتاب الثاني عشر فيرسم الكتاب صورة لسلوك الفرنجة الذين طبّقوا "قانون الفتح" حسب وصف الكتاب، فسجل كل الفظاعات التي ارتكبوها، وهي حقيقيّة ومعروفة. بالمقابل يُسجّل الكتاب صورةً رومانسيّة وإنسانيّة للغاية عن سلوك المُسلمين أثناء المعارك وفتح البلاد. والغريب أنّ الكتاب يُصنّف كل بشاعات الفرنجة تحت مُسمّى "قانون الفتح"، فيما الفتح مُصطلح إسلاميّ، فهل ينطبق ما يلازمه من سلوكيات على الفرنجة ولا ينطبق على المسلمين؟[46]

إنّ تلك الثنائية التي أسميناها بالإطلاقيّة، ولأنها إطلاقية، فهي تفترض إقصائيّة الأوّل للثّاني، لأنّ الأوّل مُطلق الخير فيما الثّاني مُطلق الشّر، وهذه إقصائيّة صريحةـ تُحيلنا إلى كل كتابات الفكر الإسلاميّ الإقصائيّ بدءاً من ابن حنبل مروراً بابن تيمية وأبو العلى المودودي والوهابيّة السّعوديّة وصولاً لسيّد قُطب وأحفاده من الدّواعش والقاعدة. الثّنائيّة الإطلاقيّة مقتل للفكر والانفتاح على الآخر والتّفاعل الحضاريّ والثّقافيّ، وهذا ما يجب أن يُركّز عليه الكتاب، ليكون جزءاً من مكوّنات ديمقراطيّة للهويّة والذّاكرة الجمعيّة. على هذا الصّعيد، يُعلّق عطا الله "التّاريخ المُقدّم غير موضوعي، يُمجّد الذّات ويُشيطن الآخر عبر الثّنائيات" مُعتبراً أنّ تلك الثّنائيات "مُحمّلة بلغة أيديولوجيّة واضحة"[47]، والّلغة الأيديولوجيّة، كما يذهب عطا الله، تبدو واضحة بثقل المُصطلح الأيديولوجيّ الدّينيّ المبثوث في ثنايا الكتب. إنّ ثِقَل المُصطلح حسبما يفسّره عطا الله يُعبّر عن "حاجة واضع المنهاج لشرعيّة إسلاميّة دينيّة أيديولوجيّة، شرعيّة باتت موضع التّنافس الفصائليّ في العقود الأخيرة بين حركة فتح والإسلاميين في السّاحة الفلسطينيّة"[48].

2-2 الرّواية الفلسطينيّة للتّاريخ المُعاصر: جيّد ولكن...

قلنا فيما سبق أنّ التّاريخ رواية، وتلك ركن أساس من بناء الهويّة، لأنّها تُشكّل ذاكرةً جمعيّة لدى الطلبة، وتالياً لدى أجيال بأكملها. فيما يتعلق بخصوصيّة وضع الشّعب الفلسطينيّ تحت الاستعمار الصّهيونيّ فإنّ كُتب التّاريخ، وللحقّ، تُلامس تلك الخصوصيّة في مفاصل عديدة، ففي مقرّرات الصّف العاشر، وبجزأيه، يفرد الكتاب المدرسيّ حيّزاً وفيراً لاستعراض القضايا الرّئيسة في الرّواية الفلسطينيّة لتاريخ شعبنا تحت الاستعمار الصّهيوني ومقاومته له، وبعض تلك القضايا تحولت "لثيمات" بارزة في الرّواية الفلسطينيّة من نوع: حقّ العودة؛ المقاومة؛ عزّ الدّين القسّام؛ الشّهداء الثّلاث في العام 1929 محمد جمجوم، عطا الزّير، فؤاد حجازي؛ النكبة[49]، ويمكن باستعراض أسماء بعض الوحدات، إضافةً لمحتواها قطعاً، التّدليل على ذلك: النّفوذ الأجنبي في فلسطين في القرن التّاسع عشر؛ الاستعمار والصّهيونيّة؛ الهجرة والاستيطان الصّهيونيّ؛ المُقاومة الفلسطينيّة للانتداب البريطانيّ؛ الثّورة الفلسطينيّة الكبرى؛ قرار تقسيم فلسطين... وعليه يُمكن القول، وقياساً بالكتب السّابقة فقد حقق الكتاب المدرسيّ في حقل التّاريخ على هذا الصّعيد تطوّراً ملموساً. ومع ذلك هُناك ما يقال.

لقد جانب الكتاب الصواب في مسألتين أساسيّين نعتقدهما نتاج خلفيتين سَبَق وأنْ تطرّقنا لهما: الأولى أنّ المنهاج، والكتاب منه، يعكس الرؤية السّياسيّة والأيديولوجيّة لواضعه، وهو هنا الوزارة ومن خلفها السّلطة السياسيّة، والثّانية أنّ الكتاب المدرسي يحفل بموضوعات جرى وضعها في إطار "التاريخ المنسيّ" فشُطبت من المنهاج وكأنّها غير موجودة، ارتباطاً بالرّغبة في موائمة المنهاج مع رؤية واضعيه.

2-2-1 منهاج على مقاس السّلطة السّياسيّة- أوسلو كحدث

في الحديث عن إنجازات منظّمة التّحرير، تُسجل الوحدة جملة فيها من الغرابة ما فيها حيث تُسجّل أنّ المُنظّمة نجحت في "إجبار الاحتلال الصّهيونيّ على الاعتراف بمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة بعد الانتفاضة الأولى عام 1987"[50]، علماً أنّ هناك وجهة نظر أقرب للحقيقة المعروفة لأنّها مسنودة بالحدث التّاريخيّ، وهي أنّ اعتراف الكيان الصّهيوني جاء بمنظّمة التّحرير، وليس بحقّ الشّعب الفلسطينيّ بدولته، وهذا ما لم يذكره الكتاب، إنّما جاء بعد رسالة الرّاحل ياسر عرفات لرابين الّتي يثبّتها الكتاب في صفحة 76، والّتي قدّم فيها عرفات قضايا ثلاثة كانت اشتراطات الكيان الصّهيونيّ للاعتراف بالمنظمة: الاعتراف بحقّ إسرائيل بالوجود، علماً أنّ الاعتراف بدولة شيء والاعتراف بحقها بالوجود شيء آخر، فالثانية اعتراف بشرعيّتها؛ إدانة استخدام الإرهاب؛ وأعمال العنف الأخرى، وفي هذا، كما يظهر بلا مواربة، إدانة الكفاح المُسلّح الفلسطينيّ، وأخيراً شطب الميثاق الوطنيّ الفلسطينيّ. بالمقابل فرسالة رابين تتضمّن فقط "الاعتراف بمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة باعتبارها المُمثل للشّعب الفلسطينيّ"[51]، أي ليس المنظمة بصفتها ممثل شرعي ووحيد، وليس اعترافاً بحقّ الشّعب في دولة فلسطينيّة. ويسجّل للكتاب أنّه يطلب من الطّالب "مقارنة بين خطابيّ الاعتراف المُتبادل من حيث الالتزامات الواردة فيهما"[52]، فيما يبدو لنا أنّ واضع الكتاب يريد من الطالب الوقوف على مستوى التّوازن بين كفّيّ الميزان في الالتزامات، ولصالح مَنْ كانت الكَفّة تميل، وهذا جيّد، ويفتح أمام الطلبة باب النقاش والتّأمل، ولكنه لا يتّسق مع التّأكيد أنّ "إسرائيل" اعترفت مُجبرة بمنظّمة التّحرير، ولا يتّسق أيضاً مع حجب المعلومة عن الطّالب من نوع عدم ذكر ما تم شطبه من الميثاق الوطنيّ مثلاً، وبالتّالي عدم تزويد الطالب بمعطيات ضروريّة للنّقاش وتبنّي رأي مُستقلّ.

لذلك فإن اعتراف الكيان الصّهيوني لم يكن إجباراً له بقدر ما كان "المقابل" الذي دفعه الكيان، وهو "مقابل" ضئيل برأينا على أيّة حال، مقابل ما قدّمته المنظّمة، علماً أنّ شطب الميثاق وإدانة الكفاح المُسلّح والاعتراف بحقّ إسرائيل بالوجود، يضرب في الصّميم قضايا جوهريّة في الرّواية والحقّ الفلسطينيّة. على الأقل كان يمكن للكتاب، إن رغب ألّا يكون ناطقاً باسم واضعيه فقط، بطريقة فيها الكثير من السّذاجة، أنّ يُنوّه للمعارضة الّتي ظهرت ضدّ "اتّفاقيّة أوسلو"، بتسجيل مبرّرات القبول والمعارضة، كما كان عليه الحال في كتاب التّاريخ السّابق للكتاب الحاليّ، وليترك الطالب يُعمل ذهنه في المُبررات كافّة، لا أنّ يُقدّم "قصة أوسلو" وكأنّها لم تُثر أيّة خلافات وصراعات ما زالت تداعياتها ممتدّة لليوم على المستويين الشّعبيّ والرّسميّ.

واستتباعاً، فإنّ الكتاب، ورغم التّفاصيل الكثيرة التي يوردها لتلك المرحلة لا ينبس ببنت شفّة عن آليات توقيع الاتفاق وعن مدى ديمقراطيّة القرار الفلسطينيّ باتّخاذه. جاء في الكتاب "وبعد مؤتمر مدريد، دارت المفاوضات بين منظمة التّحرير الفلسطينيّة، و"إسرائيل" أسفرت عن الاعتراف المُتبادل، وتوقيع اتّفاقية أوسلو عام 1993"[53] وفي الصّفحة التّالية يُقرّ الكتاب أنّها كانت "مُفاوضات سرية". ولأنّها كانت سريّة فهي تمت، كما بات معروفاً كمعلومة تاريخيّة، من خلف ظهر الّلجنة المركزيّة لحركة فتح، والّلجنة التّنفيذيّة للمنظّمة بكافّة فصائلها، وأخيراً دون الموافقة من المجلس الوطنيّ، وهذا ما لا يذكره الكتاب، فقد غدا معروفاً أنّ الفريق الذي فاوض واتّفق هم خمسة فحسب: ياسر عرفات؛ محمود عبّاس؛ أحمد قريع؛ نبيل شعث؛ حسن عصفور، وبعد التّوقيع عُرضت على الّلجنة التنفيذيّة والّلجنة المركزيّة والمجلس الوطنيّ. مرّة أُخرى فعلى الأقلّ ليُسجّل الحدث التّاريخي والمعلومة كما هما، لا بطريقةٍ تعكس وجهة نظر السّلطة السّياسيّة بطريقةٍ نافرة. ماذا سيقول الأُستاذ مثلاً للطّالب داخل الحصّة الدّراسيّة إن سأله أنّه "سمع" أنّ هناك قوى عديدة، هي أغلبية القوى للحقّ، رفضت "اتّفاقية أوسلو"، ما أحدث انشقاقاً بين صفوف الشّعب الفلسطينيّ ما زلنا نعيش تداعياته حتّى اليوم؟

وغير ذلك، فإنّ الكتاب عندما يستعرض الزّراعة والصّناعة والسّياحة والتّجارة والثّروات الطّبيعية لا ينبس ببنت شفة لا حول اتّفاقيّة باريس الموقّعة بين المُنظّمة والكيان الصّهيونيّ وتأثيراتها على هذه القطاعات الاقتصاديّة، ولا لتأثيراتها المُدمرة على حياتنا الاقتصاديّة. ففي معرض حديثه عن مشكلات الزّراعة مثلاً يذكر "السّيطرة، قطعاً يعني سيطرة الاحتلال، على مصادر المياه، والسّيطرة على المعابر"[54] أمّا في صفحات لاحقة فيذكر من الإجراءات الإسرائيليّة "التّحكم، يعني تحكم الاحتلال، في حركة البضائع الواردة والصادرة"[55] ويتابع "السّيطرة، أيضاً سيطرة الاحتلال، على الأحواض المائيّة الجوفيّة، وحرمان الشّعب الفلسطينيّ من حقّه العادل والمُنصف فيها، ومنع، منع من قِبَل الاحتلال، حفر الآبار الارتوازية"[56].

وللأسف، فكل ما ذكر من إجراءات وممارسات تتم بموافقة الطّرف الفلسطينيّ الّذي وقّع ملحق باريس الاقتصاديّ، أحد ملاحق "اتّفاقية أوسلو". وإذا كان من الضّروري والصّحيح، وهذا ما يفعله الكتاب، التّحريض على المُمارسات المُجرمة للصّهاينة بحقّ شعبنا، غير أنّه من حق شعبنا وطلّابه على واضع الكتاب ألّا يلوي عنق الحقيقة نهائيّاً، بل يُقدّمها كما هي، ولا ينتقي ما يشاء، وأنْ لا يُقدّم "اتفاقية أوسلو" وملحقاتها وكأنّها نصّ مقدّس خارج المعارضة والنّقد. حتّى الّذين وقّعوا على أوسلو لا يجدون في أنفسهم الجرأة اليوم ليقولوا ما يقول الكتاب للطلبة.

إنّ توقيع اتّفاق أوسلو قد أحدث شرخاً ما زال تأثيره ماثلاً حتّى اليوم، سواء كان على المستوى الرّسمي، المنظّمة والسُّلطة، أو على المستوى الشّعبي. إنّ من تأثيرات أوسلو مضاعفة عدد المستوطنات والمستوطنين وانفلات الصّهاينة في تهويد الأرض وحملات التّنكيل والقمع، الأمر الذي جعل من مطلب إلغاء اتّفاق أوسلو مطلباً مطروحاً في كلّ المؤسّسات المحليّة والفعاليّات الشّعبيّة، من مجلس وطنيّ ومركزيّ وأحزاب ومسيرات ومظاهرات وبيانات، ومع ذلك يمرّ الكتاب على هذه الاتّفاقيات دون ذكر كلمة واحدة تربط بين تلك الاتّفاقيات، وتداعياتها الكارثية على الوضع الاقتصاديّ والسّياسيّ الذي نعيشه، الأمر الذي لا يمكن اعتباره إلّا أنّه تعبير عن رؤية واضع المنهاج السّياسيّة باعتباره صاحب التوقيع. وختاماً لهذا المقطع ينبغي الإشارة أنّ وصف الاحتلال بأنه "أرخص احتلال في التّاريخ" هو وصف الرّئيس محمود عباس الّذي وقّع "اتفاقية أوسلو"، وما كان من المُمكن أن يُصبح رخيصاً لولا تلك الاتّفاقيّة.

وغير ذلك، الكتاب وإذ يتطرّق لبرنامج النّقاط العشرة لمنظمة التحرير "البرنامج السّياسيّ المرحليّ" فهو يطنب بمديحه "أوجد مجالاً للتّحرك السّياسيّ، أعطى انطباعاً أنّ منظمة التّحرير أصبحت أكثر إيجابيّة وواقعيّة، وكان من نتائج ذلك اعتراف الجامعة العربيّة، والأمم المُتّحدة عام 1974 بمنظمة التّحرير المُمثل الشّرعي والوحيد للشّعب الفلسطينيّ"[57]، علماً أنّ هناك روايةً ثانيةً لهذا الحديث كان من تداعياتها انشقاق السّاحة الفلسطينية رفضاً للبرنامج المرحلي، وجد تعبيره تشكيل جبهة الرفض من أربعة من الفصائل الممثلة في منظمة التحرير.

2-2-2 المقاومة في قطاع غزة ولبنان- شطب نهائيّ

ولعل عدم ذكر معارك المُقاومة في قطاع غزّة، وتصدّيها للعدوان الصّهيونيّ المُتكرّر في 2006 و2008 و2012 و2014 و2017 و2018 أصدق دليل على أنّ واضع الكتاب يعكس موقف سياسي للسّلطة والقيادة المُتنفّذة في المُنظمة، لا الحقيقة والمعلومة التّاريخيّتين. لم يترك الكتاب ظاهرة مقاومة في تاريخ شعبنا قبل الانتفاضة الثّانية إلا وذكرها: ثورة البراق 1929 وثورة العام 1936 والعمليّات العسكريّة قبل العام 1967 ومعركة الكرامة في الأردن، والمقاومة فترة السّبعينيّات، وصولاً إلى معركة بيروت والخروج من بيروت، والانتفاضتين في العامين 1987 و2000، وكل هذا من العلائم الإيجابيّة الفارقة للكتاب الجديد، ويستحق واضعه الإشارة لذلك والإشادة به. ومع ذلك لا يوجد كلمة واحدة عن المُقاومة في غزّة وتصدّيها للعدوان. وإذا كان واضع الكتاب قد وضعه قبل 2016 فمن غير المعقول شطب أربعة حروب شنّها الاستعمار الصّهيوني على القطاع، وكذا شطب المقاومة البطوليّة هناك.

أمّا ما يسوقه الأستاذ ع في معرض تعليقه على هذه النّقطة بالذّات فلا يمكن قبوله. يقول العبد "في المغالطات السّياسيّة إذا قلت مقاومة غزّة قُصرت المُقاومة في حزب، وهكذا الثّورات العالميّة سواء أكانت عربية أم غيرها، لم نسمع بأنّها ثورة أقليّة بل الكلّ يثور ويقاوم"[58]، أما إنّها مقتصرة على حزب فهذا افتئات على الحقيقة، فالقوى والفصائل في قطاع غزة برمّتها قاتلت وتُقاتل، وإلّا لما تشكّلت، غرفة عمليّات مُشتركة، في العام 2018 للتّصدّي للعدوان، وكذا بالنّسبة لوصفها "ثورة أقليّة" فيما قطاع غزّة برمّته يلتحم بالمقاومة، ناهيك عن أنّ العبد يُشير للخلفيّة السّياسيّة لشطب مقاومة بطريقة ما إذ يؤكد على ما أسماه "المغالطات السّياسيّة".

باعتراف جنرالات وسياسيّي الكيان الصّهيونيّ والخبراء العسكريين، فإنّ المُقاومة في القطاع أعادت رسم معادلة الرّدع، بحيث لم يَعُدّ العدوان على غزّة "نزهة حربيّة" كما اعتادَ الجيش الصّهيوني مع الأنظمة العربيّة، باستثناء حرب أكتوبر في العام 1973. وقد غدت المُقاومة المسلّحة في قطاع غزّة مكوناً رئيساً من ذاكرة كل فلسطينيّ، ولكنها على ما يبدو لم تعد كذلك لدى واضعي الكتاب. وبتقديري فإنّ السّياسة الرّسميّة المُعلنة للرئيس محمود عباس، ومعه قيادة المنظمة بالخيار السّلميّ التّفاوضيّ، استمراراً لنهج أوسلو، هي ما أهالت التّراب على المُقاومة في قطاع غزة، كما لو أنّها غير موجودة، وبالتّالي، يُعيد واضع الكتاب صياغة التّاريخ بانتقائيّة، وفقاً لرؤيتهِ السّياسيّة والأيديولوجيّة، بحيث يوظّف الكتاب المدرسيّ، هُنا، لخدمة التّنافس السّياسيّ بين فتح وحماس، أو ما أسماه العبد "مغالطات سياسيّة"، وبالنّتيجة يتمّ شطب المقاومة في القطاع، على مذبح التّنافس هذا، من ذاكرة الطلبة.

واسترسالاً، فكتاب الصف التّاسع في جزئه الأوّل يفرد ثلاثة دروس في الوحدة الثّانية بعناوين: ظهور حركات التحرر؛ أشكال مقاومة الاستعمار؛ ونماذج من حركات التحرر في الوطن العربي. لقد عرّج الكتاب على نماذج حركات التّحرر في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان، طبعاً لبنان قبل الاستقلال، علماً أنّ اعتبار استقلال لبنان حركة تحرّر أمرٌ فيه وجهة نظر خاصّة عندما ندرك أن الاستعمار الفرنسي هو مَنْ وضع دستور الدولة! أما الثّورة الجزائرية فحازت على حقّها من التّفصيل كثورة عظيمة عظمة شعب الجزائر الشقيق، وتأثير ثورته على حركات التّحرر في العالم.

وكل هذا يستحقّ التّقدير، فمن الرّائع أن يتعرّف الطّلبة على نضالات الشعوب وثوراتها، فتلك تتجاوز حدود الهويّة الفلسطينيّة لتطال الهويّة القوميّة العربيّة، وهنا نُسجّل التّقدير لواضع الكتاب.

أمّا أن يتم شطب المُقاومة المُسلّحة البطولية للشّعب اللبناني من خانة المقاومة والثّورات وحركات التّحرر فهذا مُستهجن، ولعله يُنبئ بموقفٍ شبيه من شطب حركة المُقاومة في قطاع غزّة، وربما ينبئ، ونرجو لا، بموقفٍ طائفيّ سنّيّ ضدّ حزب الله في لبنان.

والشطب يطال أيضاً دور القوى الفلسطينيّة واللبنانيّة بعيد خروج الثّورة الفلسطينيّة من لبنان في العام 1982. منذ لحظة الخروج تشكّلت في لبنان جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانية من أربعة فصائل لبنانيّة وفلسطينيّة: الحزب الشّيوعيّ اللبنانيّ، منظّمة العمل الشّيوعيّ، الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الدّيمقراطيّة لتحرير فلسطين، وخاضت معارك عصابية ضدّ الاحتلال الصّهيوني في لبنان من بيروت وحتى الجنوب وبعض من عملياتها، عمليّة مركز القيادة والمخابرات في صور، معروفة تماماً.

ولاحقاً قاد حزب الله المُقاومة في الجنوب فترة التّسعينيّات بعمليّات عسكريّة عصابيّة مكّنته من تحرير الجنوب في العام 2000، ولاحقاً تصدّى للعدوان الصّهيوني في العام 2006، حتى باتت معادلة الرّدع واضحة تماماً، كما شأن قطاع غزّة. إنّ تحرير الجنوب اللبناني، وانسحاب الجيش الصهيوني منه بطريقة مُذلّة ودون ترتيبات عسكريّة للانسحاب معروفة في العلوم العسكريّة، لم يلحق فقط الهزيمة المعنويّة بالجيش، بل واعتبر التّحرير أول تحرير لأرض عربيّة عبر المقاومة المُسلّحة، الأمر الذي حوّل حسن نصر الله لرمزٍ تاريخيّ للمقاومة العربيّة للكيان الصّهيوني.

كل هذه التّجارب والدّروس والعبر لم تجد لها مكاناً في الحديث لدى واضع الكتاب عن أشكال المقاومةـ ونماذج حركات التّحرر. إن الأمر يشي، كما في حالة المقاومة في قطاع غزّة، بتوجّه سياسيّ يُهيل التّراب على النّماذج المُعاصرة للمقاومة الّتي تُشكّل بديلاً لنهج التّفاوض السّياسيّ الّذي تعتمده قيادة المُنظّمة، وبالتّالي مرة أُخرى تنبز الانتقائيّة والانحياز للحظة السّياسيّة بحساباتها لدى واضع الكتاب: نُسجّل ثورة الجزائر كحدث تاريخيّ وهذا جيّد بالتّأكيد، ونشطب المُقاومة اللبنانيّة كحدثٍ تاريخيّ مُعاصر.

وفي ذات السّياق، ومع أنّ الكتاب يطرح قضية الأسرى من زاوية الإجراءات الاحتلاليّة ضدهم ونضالاتهم، كما وقضية الاعتقال الإداري، وكل هذا يستحق التّثمين، إلّا أنّه لا ينبس بكلمة حول صفقات تبادل الأسرى، الّتي غدت مكوناً رئيساً من تاريخ الصّراع العربيّ الفلسطينيّ الصّهيونيّ. العديد من صفقات التّبادل تمّت رُغماً عن إرادة الكيان الصّهيوني وبفعل المقاومة المسلحة عبر أسر جنود صهاينة. أولها كانت صفقة العام 1979 حيث تم تحرير 76 أسيراً فلسطينيّاً؛ صفقة العام 1983 تم تحرير 4700 من معتقل أنصار في الجنوب اللبناني و65 من السّجون الصّهيونيّة؛ صفقة العام 1985 تحرر 1150 أسيراً؛ وفي العامين 1996 و98 استعاد حزب الله رفات عدة جثامين لمقاتلين وأسرى لبنانيين من مقاتلي الحزب[59]؛ أما حديثاً فصفقة وفاء الأحرار، أو ما تعرف بصفقة "شاليط"، فقد حررت 1002 أسيراً وأسيرة مقابل "الجندي شاليط"[60]، وبعض المواقع تشير إلى ما مجموعه 36 عملية تبادل بين الكيان الصّهيونيّ والعرب منذ العام 1949[61]، فيما موقع القسّام المذكور سابقاً يتحدّث عن 25 عملية منذ العام 1984.

نحن إذاً أمام تاريخ وحقائق ومعلومات، ومع ذلك يجري طمسها وإهمالها من كل كتب منهاج التّاريخ لمختلف الصفوف، علماً أنّ للحركة الأسيرة الفلسطينيّة ونضالاتها وتضحياتها مكانةً هامّة ومؤثّرة على المستويين الشّعبي والرّسمي، وتحرريهم بمثابته مطلب شعبيّ عارم، فكيف يجري والحال هذا شطب "صفقات التبادل" من ذاكرة الطّلبة، علماً أنّ مئات المُناضلين المحكومين بالمؤبّدات ومدى الحياة لا يمكن تحريرهم إلّا بصفقات التّبادل؟ ناهيك عن أنّ كُتب التّاريخ المدرسيّة لم تُقصّر، للحقّ، في ذكر الأسرى الفلسطينيين ومعاناتهم وتعذيبهم.

واضع المنهاج هنا يمارس انتقائيّته، فيُحيل مقاطع أساسيّة من التّاريخ إلى خانة "التّاريخ المنسي" ليشطبه، بالتّالي من الذّاكرة الجمعيّة، وكأنّه غير موجود، انتقائيّة تقود للشطب، ربما لاعتبارات موقف سياسيّ يتدخّل ليعيد رواية التّاريخ وفقاً لمنظورهِ لا وفقاً لحقيقة وقوع الحدث، وربما لاعتبارات المنافسة الفصائليّة. وتلك قضية، الانتقائيّة والشطب، تلحق الضرر ببناء الهويّة الوطنيّة طالما تمسس الذّاكرة الجمعيّة، وكأنّ بواضع المنهاج، وعلى منهج السّلطة الفلسطينيّة والقيادة المُتنفّذة في المُنظّمة، يعتقد أنّ زمن المقاومة انتهى مع أوسلو، وبالتّالي لا حاجة لذكره، بلّ كل الحاجة لإخراجه من التّاريخ. وقد ربط عطا الله الشّطب بالإقصائيّة التي سنجدها تطل برأسها في قادم المقاطع بشكل مثرٍ[62].

2-2-3 الكتاب بين المجاملة والخضوع

من نافلة القول إنه لا يجوز إخضاع الرّواية التّاريخيّة لشعب ما لاعتبارات الدّبلوماسيّة السّياسيّة، أو اللحظة السّياسيّة الرّاهنة، خاصّة عندما تكون المعلومة التّاريخيّة واضحة تماماً. إنّ إخضاع التّاريخ لموقف اللحظة السّياسيّة الرّاهنة أو لاعتبارات الدّبلوماسيّة والمجاملة السّياسيّة، لا يُشوّه التّاريخ فحسب، بل يجعل من الرّواية التّاريخية رهن بالتّقلبات السّياسيّة باعتبار اللحظة، لحظة لا أكثر، ويمكن أن تنتهي وتتغير في أي لحظة.

العديد من المقاطع في كتاب الصفّ الثّاني عشر تتميّز بإسقاط الخطاب السياسي الرّاهن للسّلطة السّياسيّة على وقائع التّاريخ، وأكثرها وضوحاً استخدام مصطلح "السلميّة"[63] إمّا لوصف الانتفاضة أو لتصنيف بعض أنواع الثّورات. يُعتبر الكتاب أنّ الانتفاضة الشّعبية "اتّخذت من المقاومة الشّعبيّة السلميّة أسلوباً رئيساً لأنشطتها"[64] ومَنْ عايش يوميّات الانتفاضة من موقع الفاعل فيها، مثل كاتب هذه السّطور، يُلاحظ أن الحاق لفظ "السلميّة" بها لا يقصد منه إلّا التّرويج لموقف السّلطة الحاليّ بمناهضة مظاهر العمل المُسلّح، تسويقاً لخطابٍ دبلوماسيّ ينسجم مع "رأي عام عالمي" يُناهض العمل المُسلح. كلّ مقاومة طالما حصدت تأييداً شعبياً هي مقاومة شعبيّة، وعليه، فالثّورة الفلسطينيّة المُعاصرة ثورة شعبيّة، وكذا الانتفاضة والمُقاومة في قطاع غزّة، أمّا إلحاق لفظة سلميّة فهذا مصطلح حديث سيق لاعتبارات سياسيّة في الخطاب السّياسيّ المُعاصر للسّلطة، ولم يُميّز الانتفاضة بأي حال من الأحوال.

أي عمل خارج القانون هو عمل عنيف، بغض النظر أتمّيز باستخدام السّلاح أم لا، إلّا أنّه، ولرفضه الانصياع للقانون فهو يتميّز بالعنف، تماماً كما أنّ إنفاذ القانون يتميّز بالعنف. العكس صحيح: فالنّضال الاحتجاجيّ، مثلاً، الّذي ينتظم وفقاً لمحدّدات قانونيّة هو نضال سلمي بطبيعة الحال، من مثال النّضال ضد قانون الضّمان الاجتماعيّ كما حدث في عاميّ 2017 و2018، فحسب القانون الفلسطينيّ تبلّغ الشّرطة بالتّحشد أو الاعتصام أو المسيرة، لتنظيم حركة السّير، هذا يصنف نضال سلمي، أما رفض "قانون" الأمر الواقع الاستعماري، والتمرّد عليه، بالخروج بالتّظاهرات، وإلقاء الحجارة والزّجاجات الحارقة، وحرق إطارات السّيارات، والإضراب التّجاري، ومقاطعة دفع الضّريبة ومكاتب العمل والتّراخيص، إلى كل ذلك من مظاهر المقاومة الشّعبيّة في الانتفاضة الشّعبية في العام 1987، فهي مقاومة شعبيّة عنيفة، وليست سلميّة بأيّ حال من الأحوال. والكتاب يعود ليؤكّد أنّ الانتفاضة استخدمت "الأسلوب العسكري فيما عُرف بعسكرة الانتفاضة... للردّ على جرائم الاحتلال بحقّ المدنيّين العُزّل"[65]. صحيح أنّ الانتفاضة شهدت استخدام للسلاح النّاري بشكل محدود تماماً، خشية المس بطابعها الشّعبي لصالح الطابع النّخبوي للعمل المُسلّح، ولكن واضع الكتاب جانب الصّواب عندما استخدم وصف "عسكرة الانتفاضة" لوصف "الأسلوب العسكريّ"، فعسكرة الانتفاضة لم تكن يوماً دعوة من الفصائل أو القيادة الوطنيّة الموحدة للانتفاضة، بل هو مصطلح تم استخدامه من قبل المعارضين لاستخدام السّلاح في الفعل الانتفاضيّ. وفوق ذلك يعتبر الكتاب أنّ الانتفاضة حققت إنجازات سياسيّة تتمثل في "عقد دورة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ التّاسعة عشرة في الجزائر وإعلان وثيقة الاستقلال بتاريخ 15/11/1988 8"[66]، وهذا بلا شك إنجاز احتفلت به جماهير الانتفاضة بالزغاريد والرقص وإطلاق الألعاب النّارية ليلاً، فالدّولة كانت هدف الانتفاضة الشّعبي حسب بياناتها وشعاراتها. أما اعتبار "المُشاركة في مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991 وتوقيع اتّفاق أوسلو، وإنشاء السّلطة الفلسطينية"[67] من إنجازات الانتفاضة، فتلك رواية واضع الكتاب، علماً أنّ هناك رواية أخرى تؤكّد أنّ المفاوضات المُباشرة السّرية لم تكن، كما جرى في أوسلو، مطلباً انتفاضيّاً، ولا توقيع اتّفاق ينصّ على إقامة حكم إداري ذاتي كما نصّ أيضاً اتّفاق أوسلو. على الأقلّ هناك وجهة نظر في هذا التّاريخ تقول إنّ التوجّه لمدريد وأوسلو كان مقبرة الانتفاضة لا من إنجازاتها، فعلى الأقلّ لتوضع الرّوايتان وليتناقش الطلبة. مرة أُخرى التّاريخ تصوّغه السّلطة وفق روايتها لا وفق الحدث والمعلومة فعلاً، ولا مراعاة لتعدد الرّوايات.

2-2-4 موقع العثمانيين من الكتاب المدرسيّ؟

يُمكن القول أنّ "التّغزّل" سمة الموقف من الدولة العثمانية، "لم تفرض الامبراطورية العثمانية على الشعوب والقوميات الّتي خضعت لها لغتها، أو دينها الإسلاميّ، أو مذهبها الحنفي، أو عاداتها وتقاليدها، بل سمحت لهم بالاحتفاظ بلغاتهم القوميّة، وديانتهم المحلّيّة، تطبيقاً لمبدأ الإسلام "لا إكراه في الدّين""[68]. يبدو أنّ ليس أمام الشّعوب الّتي خضعت لسلطة العثمانيين سوى شكرهم على اجتياح أوطانهم! أولاً، ينبغي التّأكيد أنّ رؤية حدث تاريخي تتم من زاويتين: متطلبات التّقييم وفق منطق اللحظة التّاريخيّة التي وقع فيها الحدث، وثانياً متطلّبات التّقييم وفق المنطق العصريّ، لتحديد مدى صلاحية "الماضي" لتطبيقه على "الحاضر"، خاصّةً أنّ كتب منهاج التّاريخ تحفل بمقاربات وربط بين سلوك "ماضٍ" وسلوك "حاضر"، أي وفق المنطق العصريّ، خاصّةً عند المقارنة بين وثيقة المدينة، ووصيّة أبو بكر الصّديق للمُحاربين، والعهدة العمريّة، وبين وثائق دوليّة عصريّة حول الحقوق. من هذا المنطلق نقول: وفقاً للحظة التّاريخية في حينها، نحن أمام دولة دينيّة، وبالتّالي، فأهل الذّمّة، التّصنيف الذي يشمل غير المسلمين، "مواطنون" من الدّرجة الثّانية، إذ لا مكان حينها لمفهوم المواطنة. ودفع الجزية والسّيطرة على الأراضي وتحويل المساجد لكنائس أو العكس، كما جرى، مثلاً، مع كنيسة آيا صوفيا في تركيا ، سلوك "طبيعي" وفق منطق اللحظة التّاريخية آنذاك. ولكن، بالمقاربة مع منطق التّقييم العصريّ، فدولة الخلافة العثمانيّة كانت باعتبارها دينيّة، شأن أيّ دولة دينيّة، تعني التّمييز ضدّ غير المسلمين، أقلّه في تسلّم الوظائف العامّة المُصنّفة على أنّها أساسيّة، ودفع الجزية صاغرين، يعني ببساطة الإكراه في الدّين، وبالتّالي، لا يجوز سحب "الماضي" على سياسات مطلوب تطبيقها في "الحاضر"، فكم من فقير من غير المسلمين يمكن أن يسلّم لأنّه لا يملك دفع الجزية؟ إنّ تقديم العثمانيين وفق هذه الصورة المثالية ووفق ما كان عليه حينها، مبرراً وبشرعيّة دينيّة، سيعني ببساطة الانحياز، مثلاً، لكل المتباكين على سقوط الخلافة، من تيّارات دينيّة، خاصّة حزب التّحرير والإخوان المسلمين والدّواعش والقاعدة، والإيحاء بأنّ "عودة الخلافة" مشروع للحاضر.

أمّا في كتاب الصّف العاشر الجزء الأول فيكتب ما يُعاكس تماماً ما كتب أعلاه في كتاب الثّاني عشر. يسرد الكتاب ما يعرف باسم "خط شريف همايون عام 1856، ومن الإصلاحات الواردة فيه: السّماح للطوائف في الدولة العثمانية، بما فيها فلسطين بممارسة شعائرها الدينية"[69]، إنّ هذا "السّماح" يعني ببساطة أنّ "السّماح" لم يكن موجوداً ببساطة، وبالتّالي كيف يجمع واضع المنهاج بين النّصّين: نصّ العاشر ونصّ الثّاني عشر؟

ولعبد الحميد الثّاني، آخر الخلفاء العثمانيين، نصيبه من الإشادة، فقد رفض عرض ثيودور هرتزل ببيع فلسطين مقابل تسديد ديون الدولة العثمانية. ويُثبت الكتاب نصّاً عن عبد الحميد عن فلسطين "فهم قد يحصلون على فلسطين دون مقابل، إنّما لن تقسّم إلّا على جثتنا، أنا لن أقبل بتشريحنا، ونحن أحياء"[70]. موقف يُحسب له بالتأكيد، ولكن ماذا عن قانون تمليك الأجانب في العام 1867 الّذي فتح الباب على مصراعيه للغزو الصّهيونيّ لفلسطين منذ إعلان هذا القانون، واستمرّت مفاعيله في عهد عبد الحميد؟ ولكن يعود الكتاب "لينصف" السّلطان بنشر قانون 1900 للحد من هجرة اليهود، وفيه يبدو يبرئ نفسه من تزايد المهاجرين اليهود إذ يقول "كنا شدّدنا على منع دخول اليهود إلى أرض فلسطين، الموظّفون تراخوا في تطبيق الأمر، وأساءوا إلى تأويله، واليهود يأتون بحجة الزيارة ويستوطنون..." [71]. واضع الكتاب كأنّه هُنا، بتثبيته للنّصّ السّابق، يسعى لتبرئة عبد الحميد من تحمّل المسؤولية عن الاستيطان في عهده، ولكن وحسب المثل اليوناني: "هنا الوردة فلترقص، وهنا القلعة فلتقز"، ففي عهده، وبغضّ النّظر عن نواياه وتبريراته وتحميل المسؤولية للموظفين، فهو المسؤول، فالهجرة بدأت في عهد من قبله وتوسّعت في عهده.

واسترسالاً لنفس الموضوع فكتاب الثّامن، مثلاً، يُبرّر توسّع الدّولة العثمانية على حساب الصّفويين والمماليك والمغرب العربي، أي عمليّاً معظم أجزاء الوطن العربيّ، بدعوى مواجهة التّهديدات وللحفاظ على الأماكن المُقدّسة وحماية العالم الإسلاميّ[72]، ليعود في نفس الكتاب فيشير إلى نظام الإقطاع والالتزام الذي أدّى إلى "إفقار الرّيف، وهجران قرى بأكملها، وصراع بين العائلات الإقطاعية على مناطق النّفوذ، وقد أوجد النّظام طبقة إقطاعيّة غنيّة، وطبقة فلّاحين، ومزارعين معدمين"[73] وهذا وصفٌ دقيقٌ تاريخيّاً يوضّح طبيعة نظام الخلافة العثمانيّ، وعليه، ينبغي التّخفيف من صيغ مديحٍ وردت في كتاب الثّاني عشر الّذي مررنا عليه سابقاً.

ويبدو أنّ "السّلميّة" كمصطلح بات يتسلّلّ لتصنيف الثّورات أيضاً. يُعرّف الكتاب ذاته الثّورة بأنّها "محاولة لإحداث تغيير جذري في حياة المجتمع". أما كيف يمكن إحداث هذا التّغيير الجذري بوسائل سلميّة كما تقول نفس الفقرة "باستخدام القوّة تارة، أو باستخدام الوسائل السّلميّة تارة أخرى"[74]، فلم يتأكّد ذلك في التّاريخ، وحتّى نموذج جنوب إفريقيا الّذي يُساق باعتباره نموذجاً للمقاومة السّلميّة، عبر المقاطعة، فقد كانت المقاطعة تتويجاً لنضالٍ مُسلّحٍ مرير طوال أكثر من 30 عاماً دفع نيلسون مانديلّا، الّذي شارك في قيادته، 26 عاماً من حياته في الأسر ثمناً له.

بالنتيجةِ، يبدو أنّ واضع الكتاب يلتزم بمفردات الخطاب السّياسيّ المُراد تسويقه أكثرَ من التزامه بحقائق ومعلومات التّاريخ.

وارتباطاً بما يبدو مجاملة سياسيّة لاعتبارات العلاقات السّياسيّة، يسرد كتاب العاشر الآليّة الّتي استخدمها الأردن لضمّ الضّفة الغربيّة، وكـأنّ الحدث لا يعني ذاكرتنا الجماعية وهويتنا بشيء[75]. إنّ ضمّ الضّفة الغربيّة للأردن يعني شطب الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة لصالح "الأردنة"، هذا أقلّ ما يُفهم من قول الكتاب "ومُنح الفلسطينيون جوازات سفر أردنيّة"[76]، لكنّ واضع الكتاب لا يُشير لمعنى منح الجنسيّة: شطب الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة، علماً، مثلاً، أنّ المصريين لم يمنحوا الجنسيّة لفلسطينيّي قطاع غزّة واعتبروا القطاع "تحت الإدارة المصريّة" لا جزءاً من مصر، كما لم يعتبروا الفلسطينيين مصريين[77]. أمّا في استعراضه لمجريات حرب العام 48 ودخول الجيوش العربيّة لفلسطين، فلا كلمة حول حقيقة هذا الدخول. صحيحٌ أنّ ضُبّاطاً وجنوداً عرب قاتلوا واستشهدوا دفاعاً عن فلسطين، على الضّدّ من توجهات أنظمتهم، ولكن الصّحيح أيضاً الإشارة، ودون مجاملة على حساب الرّواية الفلسطينيّة، أنّ قرار الحرب كان عمليّاً غير قائم، وقصّة الأسلحة المصريّة المعطوبة معروفة، كما القول العراقي المشهور لوصف "جدية القرار بالحرب": "ماكو أوامر".

وغير قليل التّشويش، وربما تعمّد إخفاء الحقيقة، في العديد من مواقع كتب منهاج التّاريخ. ما معنى الحديث عن انسحاب "جيش الاحتلال الإسرائيليّ من أريحا وغزّة عام 1994، وحلّت مكانه قوات الشّرطة الفلسطينية"[78] والكُلّ يعلم أنّ ما جرى، عسكريّاً، يُسمّى إعادة انتشار لا انسحاب، وحتّى ضمن "اتفاقية أوسلو" يحق لجيش الاحتلال المرور به بما يُعرف بشارع 60 وقتما يشاء، وضمن مفهوم "المطاردة السّاخنة" يُمكن للاحتلال عبور أيّ موقع في الضّفة الغربيّة. أمّا قطاع غزّة فمن الغريب، في ظِلّ الحصار والعدوان والاجتياحات والسّيطرة على المعابر والجو، الحديث عن انسحاب الاحتلال منه.

واستتباعاً لعنق الحقائق، يستعرض الكتاب المسؤوليّات الّتي باتت السّلطة الفلسطينيّة تتمتّع بها وتُشرف عليها: "التّعليم، الثّقافة، الصّحّة، التّنمية الاجتماعيّة، وقطاعات الاقتصاد الفلسطينيّ، كالزّراعة، والتّجارة، والعمل، والحكم المحلي..."[79] وكأننا نعيش حالة من السّيادة لا تشوبها شائبة، الأمر الذي يتناقض مع ما ذكره المنهاج في غير موضع، وقد مررنا عليه، حول الإجراءات الصّهيونيّة الّتي تمسس بكلّ تلك القطاعات والقدرة على التّحكّم بها.

وفي الحديث عن "الثّورات العربيّة" ليس قليل التشويش. يبدو الكتاب حائراً في تصنيفاته فتأتي خبط عشواء. يقول الكتاب "وهناك الثّورات التي يشترك فيها أغلبية الشعب، كالانتفاضة الفلسطينيّة سنة 1987م"[80] فيحار الطالب مثلما حار الباحث: أهي ثورة أم انتفاضة؟! خاصّةً أنّ واضع الكتاب يوجّه جهد الطالب في ذيل ذات الصفحة بدعوته "نبحث عن الفرق بين مفهومي الثّورة والانتفاضة"! علماً أنّ واضع الكتاب يُقدّم للطلبة تعريفاً دقيقاً للثّورة "التّغيير الجذريّ للنظم السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة، عن طريق تغيير أنماط الحياة السائدة... والتّخلّص من الفقر والبؤس والتّحرر من الاستعمار والاحتلال والتّبعية بأشكالها المُختلفة"[81]. بالضّبط أصاب واضع الكتاب في تعريفه، ولكن إن كان هذا التعريف يصدق على ثورات كالثّورة الصّينيّة والثّورة الكوبيّة، والثّورة الجزائريّة، وكلها يذكرها الكتاب، فهل يصدق التّعريف على توصيف ثورة الياسمين في تونس 2010 بأنّها ثورة؟[82] واستمراراً لذات التّشويش، لا يُميّز واضع الكتاب بين إسقاط النّظام وإسقاط الرّئيس، عندما يجري الحديث عن إسقاط نظام الرّئيس حسني مبارك، علماً أنّ ما تغيّر بالواقع هو الرّئيس لا النّظام نهائياً[83]. أمّا ما يمكن اعتباره قمة التّشويش فهو الحديث عن حراك عربيّ يشمل السّعوديّة والكويت! جنباً لجنب مع تونس و مصر وليبيا! من أين أتى واضع الكتاب بربيع سعوديّ أو كويتيّ؟[84]

واضح ممّا سبق أنّ هناك سلسلة من التّناقضات الّتي تقع فيها الكتّب المدرسيّة سواء داخل نفس الكتاب أو بين كتب التاريخ المختلفة، وتلك سمة يشير لها العزّة "كأنّهم لا يدقّقون بالتّناقضات داخل المنهاج، بل يترنّحون بين موقف ونقيضهِ"[85].

أمّا ما يستحقّ الوقوف عنده فهو عدم ذكر التّيارات التّكفيريّة الدّينيّة، الّتي تمكّنت في غير موضعٍ من تجيير حركة الجماهير، فيما سُمّي بالرّبيع العربيّ، لصالح برامج تكفيريّة تدميريّة ألحقت الدّمار في العديد من الدول كسوريا والعراق وليبيا، وارتكبت المجازر الفظيعة بحقّ البشر. والغريب، فوق ذلك، أنّ الصّياغة حول سوريا، كمثال، جاء "مُحايداً" بطريقةٍ لا يُمكن فهمها.

في سرد ما يجري في سوريا يُثبت النّصّ أنّ الحركة تحولت "إلى حرب حقيقيّة بين الحكومة الرّسميّة والمعارضة، أو بين المعارضة نفسها، وشاركت فيها عسكريّاً قوى خارجية"[86]. حسب كلّ التّقارير الصّحفيّة والاستخباريّة فحوالي 75 ألف مقاتل تكفيريّ وصلوا لسوريا من أكثر من 50 دولة، وباتوا يُشكّلون مشكلةً لمجتمعاتهم بعد اندحارهم واحتمال عودتهم، وهذا لا يشير له التّقرير نهائيّاً. وتحالف 85 دولة ضدّ سوريا أيضاً لا مكان له في النّصّ، أمّا الأبرز فهو أن يضع كل القوات الأجنبية بنفس المستوى: الدّواعش الأتراك والإيجور والفرنسيين والأوزبك والأفغان والبريطانيين والتّونسيين مثلاً، مع السّوريين والإيرانيين وحزب الله، علماً أنّ الأخيرين طلبت الدولة تواجدهم! ليست هذه "محايدة"، بل إخفاء لحقيقة: حقيقة أنّ تحالف عالمي استهدف سوريا، وأنّ وثائق الخارجيّة الأمريكيّة تنصُّ على مخطّط تقسيم سوريا لأربعة دول مذهبيّة، وأنّ عشرات الآلاف من التّكفيريين، وبتسهيلات استخباريّة غربيّة دخلوا سوريا. كلّ ذلك لا ينبغي للطّالب أنّ يعرفه حسب واضع الكتاب. لماذا لا يجري تعبئة الطّلبة بموقفٍ قطعيّ ضد الاتّجاهات التّكفيريّة في الوطن العربيّ. نقول هذا وفي الذّهن حقيقة المُمارسات القمعيّة والأوضاع المعيشيّة الّتي كانت الحافز للحركة الشّعبيّة المُعارضة في بدايات الأزمة.

 

ثالثاً: تاريخٌ منسيّ ومكونات مشطوبة: فأيّ "تهيئة حافزة"

3-1 هل هي فعلاً "حافزة"؟

حاول واضع الكتاب للصّف الثّاني عشر أن يخلق حالةً من الجدل لدى الطلّاب بعرض وجهتي نظر من كلّ محور يتناوله الدّرس، بتخصيص كادر بعنوان "التّهيئة الحافزة"، في مفتتح الدّرس لوجهتي النّظر طالباً من الطّلبة إبداء الرّأي والردّ على وجهتيّ النّظر. هكذا يبدو على الأقل، وكأنّه دعوة لإعمال العقل نقديّاً لتحديد موقف مستقلّ من الموضوعات المطروحة. ولكن بقليلٍ من التّمحيص، يتّضح أنّ صياغة وجهتيّ النّظر من النّاحية اللغويّةـ تدفع الطّالب باتّجاه الأخذ بوجهة نظر واضع الكتاب من جهة، وبتأكيد ترنّحه المُربك بين وجهتيّ النّظر العلميّة والدّينية من جهةٍ ثانية. من المفهوم أنّ المنهاج، والكتاب منه، ينبغي أن يوجّه، فهو بالنّهاية يُريد إيصال موقف ما، رسالة، رؤية ما، ولكن طريقة صياغة "التهيئات الحافزة" كانت موحية أنّ فتح النّقاش سيغدو شكليّاً جدّاً، خاصّةً إذا أخذنا الصّياغة بعين الاعتبار، وكذا المُفردات المُستخدمة.

في الدّرس الثّاني من كتاب الصّفّ الثّاني عشر، "الفتوحات الإسلاميّة" تتم صياغة وجهة النّظر الأولى كالتّالي: "تُعدّ الفتوحات الإسلاميّة أكبر حركة هداية للنّاس في التّاريخ، وأكبر حركة إخراج للنّاس من الظّلمات إلى النّور، وليست مجرد حرب، أو توسّعاً في الأرض"[87]، أما وجهة النّظر الثّانية فقد جاءت على النّحو التّالي "يدّعي بعض المُستشرقين أنّ حركة الفتوحات الإسلاميّة لم يكن هدفها الأساس دينيّاً، أو نشر دعوة ربانيّة، وإنّما قامت بدوافع مادّيّة واقتصاديّة بحتة، ولا تختلف عن الحروب التّوسعيّة الأُخرى"[88]. لسنا بحاجة لكثيرٍ من العناء لنكتشف أنّ وجهة النّظر الأولى تستند للمشاعر الدينيّة للطلّاب، وبلغة هي حصراً لغة الخطاب الدّيني لا اللغة العلميّة التّاريخيّة: حركة هداية، من الظّلمات إلى النّور، وكأنّنا أمام نصّ في الثّقافة الإسلامية لا في علم التّاريخ، وهذا ما يعني تلاعب النّصّ في مشاعر ونفسيّات الطلّاب الدّينيّة "لدفعهم" لتحديد رأي "مُستقلّ"، رَغِبَهُ واضع الكتاب شكلاً. ناهيك عن نزعة الأنا المُتعالية المبثوثة في النّصّ "أكبر حركة هداية في التّاريخ"، وهذا ما يطرح قضية سنأتي على ذكرها لاحقاً قوامها النّزعة الرّومانية في تقديس "الأنا"، والطّعن في الآخر على الضّدّ من منطق التّاريخ ذاته وحقائقه.

وعلى المقلب الآخر فإنّ استخدام مصطلح المستشرقين بما يحمله من دلالات سلبيّة في الثّقافة العربيّة، يدفع للنّفور من تبنّي وجهة نظرهم مبدئيّاً، فمَنْ من الطلّاب سيترك وجهة النّظر الأولى "حركة الهداية، إخراج الناس من الظّلمات إلى النّور"، ليأخذ بوجهة نظر المستشرقين؟ علماً أنّ من النّاحية العلميّة البحتة، لا ينبغي وضع كل المستشرقين في سلّة واحدة، فما تناوله مكسيم رودنسون، مثلاً، عن الإسلام، بإنصاف وموضوعية، لا يُقارن، مثلاً، مع برنارد لويس وهاتنغتون العنصريين بامتياز في عدائيّتهم للإسلام.

ومع ذلك، فالنّصّ المبثوث في الدّرس يعود في الصّفحة التّالية ليُشير لحقيقتين تاريخيتين عندما يثبت "وظهر العامل الاقتصادي كعنصر فاعل"[89] يعني في الفتوحات، مُستشهداً بواقعتين: تشجيع أبو بكر للمسلمين على الجهاد بترغيبهم "بالمغانم العظيمة الّتي يمكنهم الحصول عليها"[90]، وتصوّر خالد بن الوليد "أنّ قتال الفرس للحصول على منطقة السّواد "المنطقة الزّراعيّة جنوب العراق" يستحقّ المُخاطرة والمجازفة"[91]. إذاً فعوضاً عن تأرجح النّصّ بين الخلفيّة الدّينيّة البحتة في "التّهيئة الحافزة" بتدعيمها بالطّعن بالمستشرقين، وبين التّفسير الأقرب للعلميّة، علماً أنّه عاد في مثاليّ أبو بكر وخالد بن الوليد ليكرّر ما قاله المستشرقون. لقد كان الأجدى بالنّصّ أن يكتفي بما طرحه للنّقاش "برأيك، هل الفتح الإسلاميّ لفلسطين كان لدوافع دينيّة أم اقتصاديّة"[92]. والأنكى من ذلك، أنّ النّصّ يعود للتّأكيد بما لا يدع مجالاً للشّك "تُعدّ الفتوحات الإسلاميّة آخر حركات الهجرة من الجزيرة العربيّة نحو مناطق الخصب"[93]. هي إذاً دوافع اقتصاديّة وهجرات نحو مناطق الخصب بشكلٍ صريحٍ. إنّنا أمام سلسلة من المتناقضات. كان يمكن للكتاب أن ينطلق من سؤال النّقاش، مثلاً، ليترك للطالب مساحة للتّفكير والاختلاف وإعمال العقل.

إنّ النّصّ، وهذا ما سنواجهه كثيراً، يتأرجح بين ثقل الموقف الدّينيّ في رؤيته للتّاريخ، والموقف العلمي، ولا يجد مخرجاً إلّا بصياغات "كوكتيليّة" تُربك الطّالب لا أكثر.

أمّا ما يلفت النّظر، ويتكرّر تقريباً في كل الدّروس الّتي تحوي "التهيئة الحافزة"، فهو ورود كلمة "يدّعي البعض" في وجهة النّظر الّتي يُراد الطّعن بها. لقد وردت المُفردة في الدّروس الثّاني والثّالث في الوحدة الأولى، والدّروس الأول والثّاني والثّالث من الوحدة الثّانية، والدّرس الثّالث من الوحدة الثّالثة، والدّرس الأوّل من الوحدة الرّابعة، وكلّها لمنهاج الصّفّ الثّاني عشر. لقد وردت المفردة بشكلٍ خاصّ في الدّروس الّتي تتطلّب موقفا دينيّاً إسلاميّاً "الفتوحات الإسلاميّة، الحروب الفرنجيّة، الامبراطوريّة العثمانيّة"، أو الّتي تتطلّب موقفاً وطنيّاً "الثّورة، الثّورة الجزائريّة، الانتفاضة الفلسطينيّة، القوميّة والهويّة".

وعودٌ على بدء، بداهة أنّ المنهاج ينشر رؤية وموقف، وعندما يتعلّق الموضوع بموقف وطنيّ من نوع الردّ على التّشكيك بجدوى الثّورة، أو الطعن بالانتفاضة، او النّيل من الثّورة الجزائريّة، فمن الطّبيعي أن يستعرض المنهاج الموقف المُعادي، ويفنّده لتحصين الطّلبة في قضايا تتعلّق بالهويّة، ولكن في القضايا الّتي تتعلّق بالتّاريخ، فهناك رؤى مُتعدّدة وجب على الطّالب امتلاكها وفتح المجال أمامه لتحديد موقف، دون اللعب على وتر المشاعر الدّينية الغريبة عن منطق علم التّاريخ، خاصّة أنّنا لا نتحدث هنا عن "طرف مُعادٍ" ينبغي التّعبئة ضدّه شأن الاستعمار الفرنسيّ في الجزائر أو الاستعمار الصّهيونيّ في فلسطين، بل نتحدّث عن قراءات واجتهادات في رواية التّاريخ، ولن يُعيب العرب والمسلمين القول أنّ دوافع الفتوحات، كانت اقتصاديّة ودينيّة، مع التّأكيد أنّ هناك من حارب في صفوف المسلمين لدوافع دينيّة، مثلما التّأكيد على الرّغبة بالانتقال لأراضٍ أكثرَ خصوبة مثلما هي أسباب الهجرات العربيّة قديماً.

وما يُقال عن "التّهيئة الحافزة" في تفسير الفتوحات الإسلاميّة، يقال عن الحملات الفرنجيّة، وجيّد أنّها لا تسمّى بالمسمّى الطّائفي، الصّليبيّة: يرى البعض أنّ أسبابها اقتصاديّة بينما تدّعي الكنيسة أنّ أسبابها دينيّة! ونفس الشيء يقال عن "التّهيئة الحافزة" حول تعريف الامبراطوريّة العثمانيّة: يرى البعض أنّها استمرار للخلافة الإسلاميّة حركة يوسعها الجهاد في سبيل الله، فيما يدّعي آخرون أنّها توجّهات توسعيّة ما استخدمت الجهاد إلا لتغطية توسّعها!

3-2 تقديس التّاريخ ورمنسته

التّقديس يُحيل على الغيبية، والرمنسة (من الرّومانسيّة) تُحيل على تّمجيد المفارق للعلميّة. في تاريخ الشّعوب كثير ما تلجأ الذّاكرة للتقديس، إذ أنّ الهويّة تحتاج لرموز ومُعطيات، حتّى لو موهومة، لتشكيل تلك اللحمة الّتي تعود بتاريخ شعب وذاكرته وهويّته للتّاريخ السّحيق، فتجري بالتّالي عمليّات النّظر للتّاريخ بقداسةٍ ورومانسيّة لتشكيل تلك الهويّة، عمليات تصل إلى حد الأسطرة الّتي تُلازم تشكّل الهويّات.

نزعة التّقديس والرّمسنة في التّعامل مع التّاريخ العربيّ الإسلاميّ عالية، وتتجلّى بتقديم التّاريخ بصورة مطلقة المثاليّة. تختفي التّناقضات الموضوعيّة من مفاصل عديدة من هذا التّاريخ، وباختفائها إنّما تشطب مقاطع هامّة من جهة، ولا تُظهر الصّراعات السّياسيّة والاجتماعيّة والقبليّة الّتي طبعت ذلك التّاريخ من جهةٍ ثالثة، وأخيراً يبدو التّاريخ سرديّاً بطريقة مكرورة كما اعتادت الثّقافة السّائدة أن تُقدّمه، بحيث لا يتفارق الموقف العلميّ المُفترض مع الموقف التّقليديّ الذي لا يقول شيئاً من جهة رابعة. إنّ التّاريخ المُقدّم بهذه الطريقة يشي بمواقف ثلاثة، الأول الانحياز للموقف المثالي في فهم التّاريخ ذلك الموقف الذي يُعيد الأفكار والتّصورات، والدّين منها، القول الفصل في تطور وتغير التّاريخ، بديلاً للموقف المادّيّ في فهم التّاريخ الّذي يُعطي الأولويّة للصّراعات والعلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة. أمّا الموقف الثّاني فهو التّمسّك بالموروث التّقليديّ في رؤية التّاريخ، ذلك الموروث الذي صيغ من قبل السّلطة المهيمنة كخطاب/ رؤية لها في فهم التّاريخ. والثّالث، وربما قناعة لدى واضع الكتب المدرسيّة بأنّ تقديم التّاريخ كما هو فعلاً، بأحداثه حتّى لا نقول بروايّة مُحدّدة حتّى الآن، إنّما فيه إساءة لا تُغتفر للعرب والمسلمين!

في كتب التّاريخ للصّفوف السّادس والسّابع والثّامن والعاشر بجزئه الأوّل، تمّ التّعرض من خلال الدّروس لمقاطع عديدة من التّاريخ العربيّ الإسلاميّ لتبدو وكأنّها لم تترك شيئاً إلّا وتناولته، ومع ذلك هناك الكثير لم يقل، والكثير ممّا قيل ويجب التّوقف عنده.

بالحديث عن الحياة الدّينيّة قبل الإسلام في كتاب الصّف السّادس تقدم المرحلة "ألما قبل" والمعروفة في الثّقافة الدّينية السّائدة باسم "الجاهليّة" حسب الموقف التقليدي باعتبار "الجهل عكس العلم، والجاهليّة لفظ يُطلق على حالة العرب قبل الإسلام تمييزاً وتفريقاً لها عن الحالة التي صار عليها العرب بظهور الإسلام"[94]. في هذا التّعريف تغيب حقيقة أنّ إطلاق لفظ الجاهليّة جاء ليس من العرب أنفسهم قبل الإسلام، بل من الإسلام، بهدف التمييز بينه وبين مَنْ سبقه، وبتحميل ما قبل الإسلام صفة السّلبيّة "عكس العلم". وهذا المدخل لنقاش ما قبل الإسلام غير علمي بتاتاً لأنّه، وحسب التّعريف، يطعن بالتّراث الحضاريّ والإنجازات ما قبل الإسلام، والّذي، بالضّرورة، استند لمقومات علميّة لتحقيق إنجازاته، وهنا تتأكد مقولة "القطع" المفارقة لمقولة "الاستمراريّة"، وكأنّ التّاريخ يبدأ حصراً من عُمر الدّعوة الإسلاميّة.

يكفي ذكر حضارات اليمن وأنظمة الرّيّ وسدّ مأرب، للتّأكد من أنّ كل المنجزات هذه إنّما بُنيت على تصورات علميّة ولّدتها التّجربة البشريّة. والمُفكر العربيّ السّوريّ، الموسوعيّ بحق، طيب تيزيني، يرجع بالأصول العربيّة إلى خارج حدود الجزيرة العربيّة ليضمّ حضارات ما بين النّهرين، البابليّة والسّومريّة والأكاديّة[95]، فمن الصعب إذاً، اعتبار تلك الحضارات "جاهليّة" بالمعنى الوارد في التّعريف، ناهيك أنّ التّعريف ذاته، وقد أثبت ابن منظور في لسان العرب التّعريف، باعتباره عكس العلم[96]، فيه إشكاليّة يُمكن تلمّسها من بيت الشّعر المعروف لعمرو بن أبي ربيعة الشّاعر الجاهليّ: "ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا/ فنجهلُ فوق جهل الجاهلينا"، وقد فُسّر الجهل هنا بمعنى التّسفيه حسب الزوزني فقال: "لا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا، أي لا يسفهنّ أحد علينا فنسفه عليهم فوق سفههم، أي نجازيهم بسفههم جزاء يربي عليه"[97]. إذاً وبالحدّ الأدنى فلفظ الجاهليّة يخلق إشكاليّة تجاوزها واضع الكتاب التزاماً بالموروث: الطّعن فيما قبل الإسلام لتمييز الثّاني عن الأوّل.

وفي نفس الكتاب، أي السّادس، ص5 وبالحديث عن الحياة الدّينية يوصف الصابئة بأنّهم من عبدة الكواكب والنجوم والقمر والشّمس. في هذا المقطع، تمّ إغفال حقيقة أنّ الصّابئة، وهم يعرفون باسم المندائيين، وموجودون حتّى اليوم في جنوب العراق، كمكوّن ديني، يصومون رمضان، ويصلّون خمس مراتٍ في اليوم ويتوضؤون، وربما لذلك اتّهمت قريش صاحب الدّعوة الإسلاميّة بأنّه صبأ عندما تلى عليهم أحكام الصّيام والوضوء والصّلوات الخمس[98]. وهناك مَنْ يربط الصّابئة/ المندائيين بيوحنا المعمدان إذ أنهم يمارسون طقوس التّعميد في المياه المقدّسة[99]. وفي موقع آخر من الكتاب، الدّرس الرّابع، يُقدّم الكتاب مصطلحاً جديداً "الجاهليّة الدّينيّة" ص25، أيضاً للتمييز بين المرحلتين، علماً أنّ هذا المصطلح إشكاليّاً، فليس بمصطلح مُشتقّ من علم الأديان المُقارن مثلاً، وهو مصطلح يتطلّب مقابله مباشرة "عقلانيّة دينيّة"، ناهيك أن الكتاب، مثلاً، ص6 يورد أنّ الدّيانتين المسيحيّة واليهوديّة انتشرتا في بعض مناطق الجزيرة، وبالتّالي، فأقسام من العرب الجاهليين، لم يكونوا على "جهالة دينيّة" مقابل "عقلانيّة دينيّة" تميز الديانتين المسيحيّة واليهوديّة، إلّا إذا تمّ الاعتبار بأنّ الدّيانتين الأخيرتين تتميزان بــ "الجهالة الدينيّة".

يتضح ممّا سبق مدى الإشكاليّة الّتي يعاني منها المُصطلح والموقف الدينيّ الموروث عند اقتحامه حقل التّاريخ.

ومع الانتقال بالدّروس لمرحلة "نشأة الدّولة الإسلاميّة" نبدأ بالوقوف على حقيقة القطع الّذي يُمارسه المنهاج بين المرحلتين: ما قبل الإسلام وما بعده. تبدو المرحلتين وكأن لا صلة بينهما، اللهم بالتّفريق بين ما كان وما استجدّ، علماً أنّه ومن النّاحيتين المنهجيّة والمنطقيّة، لا يمكن القطع بين مرحلتين تاريخيّتين، بل إنّ التّلازم الجدليّ بينهما واقع وحقيقيّ، فالجديد يولد من رحم القديم، ويحمل معه الكثير من جوانبه عبر تفاعل يتجاوز حدود الرّغبات الذّاتية ليكتسب السّمة الموضوعيّة.

لن ينفع الإسلام في شيء اعتباره مقطوع الجذور عمّا سبقه، بل نجزم أنّ في هذا إساءة له بإحالته إلى حالة غريبة عمّا سبقه، لم يتفاعل مع السّابق تفاعلاً جدليّاً. ومن نافلة القول إنّ الإسلام شكّل نقلة تاريخيّة نوعيّة على مستوى التّطور الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ، ومع ذلك، فلا يقللن من قيمة تلك النقلة اعتباره تطويراً خلّاقاً لما سبقه.

نجزم أن واضع الكتاب المدرسيّ يتّفق تماماً مع ما ذهبنا إليه، فالشّواهد المبثوثة في الكتّب التّاريخيّة والتّفسيريّة، للقرآن والحديث والدّراسات الدينيّة الفقهيّة، في حقول الأحكام والشّرائع والطّقوس الدّينيّة، تزخر بعشرات الأمثلة على ما ذهبنا إليه، وحتماً يعرفها واضع الكتاب جيداً، ولكنه آثر إغفالها التزاماً بالموقف الدّينيّ التّقليديّ القائم على القطع المُطلق، بغية التّمييز بين "جاهليّة دينيّة"، كان الإسلام على النّقيض منها حسب هذا الموقف. هل نحن بحاجة مثلاً للتّذكير بمناسك الحج، والتّداخل النّصّيّ بين القرآن والإنجيل والتّوراة، واستمرار النّزعة القبليّة من لحظة تشكيل الجيوش الإسلاميّة على أساس الانتماء القبلي برايات كل قبيلة، مروراً بالصّراعات السّياسيّة المغلّفة بغلاف قبلي/ عائلي، وصولاً إلى اعتبار القبيلة، وهي هنا قريش، عماد النّظام السّياسيّ النّاشئ؟ بدل ذلك، يُسجّل كتاب الصّف السّادس أنّ الإسلام "أحلّ رابطة الإخاء والدين محل رابطة العصبيّة القبليّة"[100].

واستمراراً لنزعة التّقديس والرّمسنة يتمّ الحديث بطريق غريبة وغير واقعيّة في انتقال السّلطة في النّظام الإسلاميّ الناشئ، بما يتضمّن إنكاراً غير مفهوم لحقيقة الصّراعات الّتي رافقت ذلك الانتقال.

إنّ اجتماع سقيفة بني ساعدة شهد أول صراع حول السّلطة/ الخلافة، فالأنصار لم ينصاعوا إلّا بقوّة وحسم عمر بن الخطّاب، ومقولتهم مشهورة لتقاسم السّلطة: "منّا أمير ومنكم أمير! والتّصور الشّيعيّ لخلافة أبو بكر يتمسّك بحق علي في الخلافة منذ اليوم الأول. إنّ من يقرأ فقرة "نحن تعلّمنا" من كتاب السّادس الجزء الثّاني ص54 لا يمكنه إلّا أن يُلاحظ مدى الغرابة وغير الواقعيّة الّتي يوصف بها تعيين أوّل خليفة راشدي.

مرةً أُخرى يعتقد واضع الحديث أنّ الحديث عن الصّراع داخل بنية المجتمع الجديد الناشئ، يُعدّ إساءة له وللقائمين عليه، علماً أنّ ما من لحظة في تاريخ أي مجتمع كان، ومنه الإسلاميّ بمختلف مراحله، لم يشهد صراعاً على السّلطة لمختلف الاعتبارات، السّياسيّة والقبليّة والطّبقيّة. لذلك يتم شطب الصّراع الذي أودى بحياة الخليفة الراشديّ الثّالث عثمان بن عفان، وكذا الصّراع بين علي بن أبي طالب وعائشة، أمّا معركة صفّين الّتي شقّت العالم الإسلامي منذ أكثر من أربعة عشر قرناً فلا تحضر إلّا باعتبارها واقعة صراع حول الخلافة، دون قول كلمة واحدة حول دوافع الصّراع، وتأثيراته على انقسام العالم الإسلاميّ عموديّاً من أكثر من أربعة عشر قرناً ويزيد[101].

كما وتتجلّى المثالية، الّتي تقع في الإرباك والتّناقض الغريب، في الحديث عن موقف الإسلام من العبوديّة. ينبغي بداية الإقرار بشموليّة العبوديّة لكل العالم القديم والوسيط، والعالم الإسلاميّ لا يشذّ عن هذه القاعدة، فالنّظام العبوديّ، ووفق اللحظة التّاريخيّة يبدو "طبيعيّاً" تماماً. أمّا كيف تعامل الإسلام مع العبوديّة فهو ببساطة لم يلغِ العبودية، ولكنه حضّ على عتق العبيد. كيف عالج المنهاج هذه القضيّة؟ من جهة يقرر واضع المنهاج من ذاته "حقيقة تاريخيّة" فيثبت في النّصّ "فجاء الإسلام ليلغي هذه الظاهرة" يعني العبودية، وليس من آية واحدة أو حديث يُثبت ذلك، بل ليس من خليفة واحد ألغى العبوديّة، بل أكثر، لم تخلو بيوت الخلفاء قاطبة من العبيد، وأسواقهم كانت معروفة في كل حواضر العالم الإسلاميّ! ما يوجد حقيقة هو ما قرره الكتاب، وفي السّطر اللّاحق "لذا حثّ الإسلام على تحرير العبيد وجعل كفارة بعض الذنوب كالقتل الخطأ، والإفطار في رمضان، عتق الرقاب"[102] مستشهداً بالآية 92 من سورة النّساء. إذاً الحثّ على العتق لا يعني التّحريم ولا الإلغاء، وكيف لواضع المنهاج أن يقع في التّناقض بين سطرين متتاليين؟ بقي القول أنّه وحتّى العتق كان يحوّل العبد المعتوق لمولى لعاتقه أي لتابع له كما هو حال الموالي في مختلف العصور.

3-3 رواية تشطب من التّاريخ مكوّنات رئيسة

أين الشّيعة؟ أين الخوارج؟ أين الثّورات الطّبقيّة؟ أين الأعراق والقوميّات والأديان؟

فعلاً أين الشّيعة في كتب المنهاج؟ قد يبدو السّؤال غريباً عندما ينطرح ارتباطاً بسلسلة من كتب التّاريخ العربيّ الإسلاميّ الّتي يتم فيها القفز عن حقيقة أنّ العالم الإسلاميّ، ومنذ معركة الجمل بين علي بن أبي طالب وعائشة، ولاحقاً معركة صفّين بين علي بن أبي طالب ومعاوية. هذا العالم من زاوية الثّقافة والمذهب والتّأويل والتّفسير والأنظمة السّياسيّة ومنتجات الثّقافة الدّينيّة والطّقوس العبادية، انقسم واقعيّاً عموديّاً لعالمين: السّنّيّ والشّيعيّ. إننا أمام مكونٍ رئيس اسمه الشّيعة وفرقهم العديدة، وعمره أكثر من 1400 عام وعددهم الآن يربو على 200 مليون مسلم، لا يظهر في كتب التّاريخ!

لقد تجمّعت عوامل كثيرة لتفجّر الصّراع في عهد علي بن أبي طالب بين جموع الصّحابة، عوامل اجتماعيّة وسياسيّة وقبليّة ودستوريّة/ تأويليّة، تجمّعت لتبرز الصّراع كما هو دون رتوش: صراع على السّلطة السّياسيّة[103]، وهي عوامل مبثوثة في كتب التّاريخ القديم ككتب الطّبري والمسعودي واليعقوبي والبغدادي، والعديد العديد من الدّراسات المُعاصرة. فهل اعتقد واضع الكتاب أنّه بشطب هذا التّاريخ يُعيد تشكيله واقعيّاً مثلاً؟ فقط بثلاث جمل سرديّة لا تقول شيئاً في الواقع يتطرّق المنهاج لمعركة صفّين "الصّراع الذي نشب بين علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان على الخلافة، واندلاع معركة صفّين بين الطّرفين"[104]. صراع أودى بحياة عشرات الآلاف من الصّحابة والتّابعين. إنّ الحديث يجري عن مئات الملايين من المسلمين الشّيعة مبثوثين في العديد من دول العالم، أهمها إيران والعراق وسوريا واليمن وافغانستان والباكستان، فهل يمكن، هكذا وببساطة، التّعبير عنه بالجملة أعلاه دون الوقوف عنده تحليلاً وشرحاً، خاصّةً أنّ النّصّ يُشير إلى أنّه صراع على الخلافة؟ وبالتّالي، فهكذا معالجة تعني شطب هذا التّراث التّاريخي بجرّة قلم. إنّ الباحث على هذا الصّعيد لا يمكنه إلّا أن يصف هذا الموقف بأنّه ببساطة تعبير عن نزعة سنيّة طائفيّة، استمراراً للنزعة السنّيّة السّلطويّة في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ، ضدّ الشّيعة، باعتبارهم خارج الإسلام والتّاريخ العربيّ الإسلاميّ، وهل سنتساءل بعد ذلك: كيف تنمو في أوساط طلابنا نزعات الإقصاء وشطب الآخر؟

واستمراراً للشطب، وإن بصيغة أخرى، فعندما يعرّج على ذكر الشّيعة في مواضع قليلة جداً فلا يذكرون بمسماهم هذا "الشّيعة" ولا حتّى كمسلمين، بل كصفويين أي بمساهم القومي كفرس، علماً أنّ هناك ملايين العرب الشّيعة، لا باعتبارهم مسلمين، إذ لم يذكرهم مرّة بهذا الاسم! وكأنّهم خارج الملّة! ومرة واحدة يرد ذكر "العلويين"، ليس بصفتهم مسلمين، وهم أكثر ميلاً للمذهب الشّيعيّ منه للسّنّيّ. أما الفاطميون فهم كغيرهم من الشّيعة لا ذكر لا لهم ولا لدولتهم في مصر، ناهيك عن الدّروز أصلاً.

في كتاب الصّف الثّامن الجزء الأول وفي درس القوى السّياسيّة المسيطرة على الوطن العربيّ قبيل الحكم العثمانيّ، يرد ذكر الصّفويين بصفتهم من القوى المسيطرة، ونسبهم إلى إسماعيل الصّفويّ، وقد توسّعوا، حسب النّصّ، باتّجاه خراسان، وأفغانستان، وأذربيجان، والعراق، وديار بكر، أمّا عن نظام حكمهم فحدّث ولا حرج، فلم يبخل واضع النص: "الملك يلقب بالشّاه، وهو سيّد البلاد، والمُتصرّف في حياة الناس، وأموالهم كما يشاء، وهو فوق القوانين كلها، وعلى الشّعب أن يطيعه في كل شيء، وقد كانت حكومته عسكرية مستبدة"[105]، أمّا في درس الحكم العثمانيّ في الوطن العربيّ من نفس الكتاب فيرد ذكرهم عند الحديث عن "محاولتهم التّحالف مع البرتغاليين"[106]، ويصنّفون في فقرة "أنا تعلّمت" باعتبارهم من القوى المعادية المُحيطة بالعالم الإسلاميّ.

أمّا أنّ حكّام الصّفويين كانوا مستبدين، فتلك سمة تلازم العديد من الخلفاء، وهي سمة أنظمة القرون الوسطى، المسيحيّة والإسلاميّة على السّواء، بل وسمة حكام عرب ومسلمين اليوم، فلا يشعرن أحد بالمفاجأة من تلك الحقيقة المرة! وهل بحاجة للتذكير باستبداد العباسيين السّنّة في سعيهم لتصفية الأمويين السّنّة لدرجة نبش قبورهم والتّنكيل بجثثهم؟ هل نغضّ النّظر عن التنكيل الدّمويّ برموز الصّوفية أمثال الحلّاج وابن عربي؟ وأخيراً، هل نغضّ النّظر عن الخليفة الأمويّ الأندلسيّ عبد النّاصر لدين الله الذي قتل ابنه عبد الله وعمه العاصي؟ [107] أم نغضّ النّظر عن عبد الله بن محمّد بن عبد الرّحمن الخليفة الأندلسيّ الذي " اتّهم بقتل أخيه المنذر لينتزع الإمارة. كما قتل أخويه القاسم وهشام بن محمّد لاتّهامه إيّاهما بالسّعي للانقلاب عليه، إضافةً إلى قتله ابنه المطرف لقتله أخيه محمد بن عبد الله والوزير عبد الملك بن أمية"[108]. هذا غيض من فيض، وفقط للتّذكير أنّ تاريخنا، بشقّيه السّنّيّ والشّيعيّ، ليس خارج التّاريخ: تاريخ استبداد يرافقه، وللحقّ، إنجازات.

أين الخوارج؟

أين الخوارج في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ؟ أيضاً يتم شطبهم من التّاريخ رغم المعارك الّتي خاضوها طوال قرنين ضدّ الأمويين والعباسيين، لا بل وبسطوا نفوذهم على مناطق واسعة من شمال المغرب العربيّ لعشرات السنين. ولكونهم قتلوا علي بن أبي طالب رفضاً للتحكيم، الخديعة التي دبرها معاوية مع عمرو بن العاص للإيقاع بعلي وفريقه، والأهم لكونهم أصحاب أول تصوّر ديمقراطي للخلافة يضعها خارج الصّراع القبليّ/ العائليّ، فقد حصدوا الحقد الأيديولوجي من مختلف تلاوين الثّقافة الإسلاميّة، بسنييها وشيعيّيها، حتّى بات اسمهم لصيق بالشّتيمة!

نقول أول تصوّر ديمقراطي، لا لأنّهم "خرجوا على الجماعة" كما تمّ اتّهامهم ولذلك سُمّوا بالخوارج، بل بالأساس لأنّهم أصحاب المقولة الفقهيّة: يحقُّ لكلّ مسلم أن يكون خليفةً حتّى لو كان رأسه أسود كالزّبيبة، يعني عبد أسود. إنّ أهميّة هذا الموقف من النّظام السّياسيّ آنذاك في أنّه من ناحية اقترح فريقاً ثالثاً خارج التّركيب القبليّ العائليّ الذي تنازع السّلطة: البيت الأمويّ والبيت العلويّ، وهو فريق يفتح المجال لتولّي السّلطة لكل مسلم حتّى لو من أصول عبوديّة في الردّ على احتكار السّلطة من قبل الأرستقراطيّة القرشيّة، من ناحيةٍ ثانية، فإنّ في موقفهم هذا انحيازٌ طبقيّ صريح للعبيد والفقراء وإعلاء لحقّهم في الخلافة، فلّا غرو أن يُعتبر طرحهم أوّل تصوّرٍ ديمقراطيّ للخلافة.

أليس من حقّ الطّلبة أن يتعرّفوا على هذا الخطاب الديمقراطيّ المُبكّر في تاريخنا العربيّ الإسلاميّ بما يُعزّز من بناء مقوّمات هويّة تستند لتراثٍ ديمقراطيّ تقدّميّ؟ إنّها عمليّة تأصيل لا تتوافق مع ما يبدو عليه تصوّر واضع الكتاب: تصوّر الرّواية التقليديّة المُعادية للاتّجاهات المُعارضة المذهبيّة والسّياسيّة في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ.

وعلى المقلب الآخر فمثلما تجري عمليات تأصيل ومقاربة بين نصوص قديمة شأن وصية أبو بكر للمحاربين والعهدة العمرية للتّعامل مع الآخر ووثيقة المدينة، رغم ما يقال حول لي عنق المحتوى لتحقيق التّواصل والمقاربة، مع نصوص حديثة تتعلّق بالمواثيق الدّوليّة لحقوق الأسرى والإنسان، فمن باب أولى أن يُضاف لعمليّة التّأصيل تلك موقف الخوارج من طبيعة النّظام السّياسيّ النّاشئ ومقاربته مع نظريّات عصريّة حول المشاركة السّياسيّة والحكم الديمقراطي.

أين الثّورات الطّبقيّة في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ؟

ولا ينتهي مسلسل الشّطب. ففي التّاريخ العربيّ الإسلاميّ يُمكن الحديث عن ثلاث ثورات طبقيّة أشغلت العالم الإسلامي في الفترة العبّاسية لعشرات السنين، وهي ثورات القرامطة والزّنج والبابكيّة الخرميّة.

جميع هذه الثّورات كانت ذات طابع طبقي صريح، وإن تلوّن بعضها بمعتقدات دينيّة خارجة عن النّصّ الإسلاميّ، كالثّورة البابكيّة الخرميّة[109]، فالقرامطة وحسب الرّوايات التّاريخية أشاعوا الأرض ملكيّة عامّة على الضّدّ من الشّرع الإسلاميّ باعتبارها مُلكاً للخليفة، يوزّعها على الملتزمين وعمّاله وحاشيته، وأوقفوا التّعامل بالنّقود، ووفّروا الاحتياجات لمن يحتاجها للاستهلاك، وأنشأوا دولتهم في البحرين لعشرات السنين، سادَ فيها شكل من المساواة الاجتماعيّة الأوليّة، وهاجموا مكّة واختطفوا الحجر الأسود.

أمّا ثورة الزّنج فهي ثورة عمال الأرض العبيد في سبخات الجنوب في العراق، الذين ثاروا ضد عبوديّة العمل بالسخرة، والمعاناة ضدّهم كعبيد، فيما البابكيّة تلوّنت بلونين، دينيّ مأخوذ من المانوية، واجتماعيّ بالدّعوة للمساواة الاجتماعيّة، وانّتشرت في بلاد فارس وشمال العراق.

الحديث يدور عن ثورات طبعت بطابعها الصّراع الاجتماعيّ لعشرات السّنين في المرحلة العبّاسيّة، ومع ذلك يجري شطبها بجرة قلم التزاماً بمنطق تصوير التّاريخ وكأنّه خالٍ من المتناقضات والصّراعات، أي بمثاليّة تدّعي "نقاوة" التّاريخ من دون "شوائب"، هذا دون التّعريج على الصّراع الدّمويّ، الّذي لا يذكر أيضاً، بين العبّاسيين والأمويين، وبين الشّيعة من جهة، والعبّاسيين والأمويين منفردين من جهةٍ أُخرى.

وفي ختام هذا المقطع يبدو أنّ إسقاط كلّ الحركات والثّورات الاجتماعيّة في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ، خاصّة في العصر الوسيط، يُحيل على قضية أساس وهو كيف يتم فهم التّاريخ وتطوّره، فباستثناء الإسلام كحركة جماعيّة للمؤمنين، تقدم باقي المراحل دون ذكر دور الجماهير والشّعوب بل ويتم تقديم التّطور التّاريخيّ وكأنّه محضُ إنجازات وحروب تُحرّكها قيم وأفكار في غياب واضح لدور الشّعوب، والأهم أنّ التّاريخ يُقدَّم لا كتغيّرات اجتماعيّة واقتصاديّة في بُنى اجتماعيّة ينتج عنها قيم وأفكار، بل كسردٍ يُركّز على الخلفاء والقادة والحكّام. في هذا الصّدد يُعلّق عطا الله "إنّه المنهج الذي يعتقد أنّ القيم تغير التّاريخ لا التّغيرات في البُنى هي الّتي تغيّره وتحركه"[110]، فالفرق والحال هذا بيّن بين اعتبار انتشار الإسلام باعتباره كعقيدة، وهذا بالتأكيد هام، وبين اعتبار الإسلام بانتشاره تعبير عن مرحلة الانتقال من مجتمع رعويّ إلى مجتمع تجاريّ/ اقطاعيّ يُلبّي مصالح الأرستقراطيّة القرشيّة تحديداً. ففي الحالة الثّانية تحضر البُنية لا فقط الفكر والقيم والعقيدة.

أين الأعراق والقوميّات والأديان؟

وأخيراً، أين الأعراق والقوميّات والأديان في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ؟ لا كلمة واحدة، بل يُقدّم التّاريخ وكأنه نتاج عربيّ إسلاميّ فقط، لا عناصر غير عربيّة ولا انتماءات غير إسلاميّة، علماً أنّ شعوب بأكملها وأعراق وقوميّات وأديان عديدة دخلت العروبة كإطار لغويّ/ ثقافيّ جامع، كما ودخلت الإسلام كإطار حضاريّ جامع لمختلف التّشكيلات القوميّة والعرقيّة. أي مفخرة لنا أكثر من أن نكون قد تمكّنّا عبر التّاريخ من تحقيق تعدّديّة فريدة من نوعها، يسعى الفكر التّكفيريّ الإقصائيّ إلى إهالة التّراب عليها اليوم، وهذا للأسف ما يقع به واضع كتب منهاج.

الكرد، والسّريان، والأمازيغ، والتّرك، والتّركمان، والأوزبك، والطّاجيك، والفرس، واليهود والمسيحيين والآشوريين، والزّرادشتيّين... وربّما عشرات القوميّات والأعراق والمذاهب والأديان الّتي تشكّلت منها تاريخيّاً ما يعرف اليوم بالحضارة العربيّة الإسلاميّة، فلماذا يجري ببساطة القفز عن هذا المكوّن الهام في التّاريخ لصالح واحدية موهومة قوامها العرب المسلمين حصراً؟ ولا حجّة للقول أنّ مُصطلح "المسلمين" يضمّ كلّ المكوّنات السّابقة، فمن الصّحيح أنّ المُصطلح يشملهم، ولكن عدم ذكرهم وذكر مساهماتهم ودورهم في التّاريخ، وما قدّموه للحضارة العربيّة الإسلاميّة بكلّ تفرّعاتها، أمرٌ يُشير لإقصائيّة، مقصودة. وغير مقنع ما يذهب إليه "جميع هذه المكوّنات التّاريخيّة لأي جهة سياسيّة أو اجتماعيّة موجودة داخل الدّولة الواحدة من حقّها أن تكون مدمجة كاملة في النّظام السّياسيّ ويمنع أنْ يُطلق عليها مُسمّى بذاتها ذات عمل مميّز لها، فجميع القوميات يجب أن تذوب في الدّولة الواحدة فلا وجود لهذه التّسميات "شيعة، خوارج..." في ظل وجود دينيّ حتّى لو اختلفت المنهجيّات وبعض الاتجاهات..."[111]. واضحٌ أنّ الأستاذ "يُقرّر" منع أن يُطلق اسمها عليها، هكذا وببساطة! بل وحسب وجهة نظره "ينبغي" بصيغة القصر، "أن تذوب في الدّولة الواحدة"! أمّا إنّها ذابت فهي لم تذب، وإلّا لما اصطبغ تاريخنا بالصّراع الدّموي بين كل هذه المكوّنات. أضف لذلك أنّ الأستاذ يعتقد، وربما هذا اعتقاد واضع الكتاب، أنّ "الذّوبان" هو المآل المطلوب لكلّ المكوّنات لا عبر التّفاعل الخلّاق بين كل المكوّنات لينتج مكون حضاريّ مُشترك، بل عبر "ذوبان" هو أقرب للشطب والإقصائيّة.

هل نذكّر واضع كتب المنهاج بما يعرفه: الفرس قدّموا للعرب والمسلمين كل نظام الإدارة الحكوميّة بتنظيماتها وتفرّعاتها وأصول التّعامل بها، علماً أنّ كتاب الصفّ السّابع يذكر معرفة الفرس للوزارة، لكنّه يقفز عن حقيقة أنّنا أخذنا الوزارة عنهم! إذ يقول "عرفت الأمم القديمة، كالفرس، وغيرهم، منصب الوزارة... وتذكر المصادر التّاريخية أنّ أبا مسلمة الخلال هو أول مَنْ حمل منصب الوزارة في الدولة العباسية"[112]. كان العرب القادمين من الجزيرة لم يملكوا كل ذلك، وما مصطلح الدّولة الإسلاميّة في العهدين النّبويّ والرّاشديّ سوى مصطلح، كما نراه، مجازيّاً لا أكثر، فلم يكن لديهم "دولة"، لا بالمفهوم الذي أرسى دعائمه الأمويين فيما بعد، ولا بالمفهوم الحديث للدّولة بطبيعة الحال. كان لديهم جماعة مؤمنة مقاتلة نظّمت أمرين فحسب: توزيع المال وتنظيم المقاتلين، والملكة الأخيرة كانت تمتلكها القبائل العربيّة ما قبل الإسلام أصلاً، وظهر هذا في توحيد القبائل في المعارك ضدّ أبرهة الحبشي والفرس. كل ذلك ناهيك عن دورهم في انتصار الدعوة العبّاسيّة، وتأسيس دولة العبّاسيين كمرحلةٍ أساسيّة في التّاريخ السّياسيّ للعالم العربيّ الإسلاميّ.

أما الكرد فيكفي القول أنّهم حكموا لعشرات السّنين عبر سلالة الأيوبيّين الكرديّة في بلاد الشّام ومصر، ومنها صلاح الدّين الأيوبي الّذي حرّر القدس ، فتركوا بصمات في التّاريخ العربيّ كما في مواجهة الغزوات الخارجيّة. والأمازيغ، أي البربر، هم عماد الفاتحين في الأندلس، ولاحقاً بعد نشوء الدّولة الأمويّة في الأندلس كان يتم الاستعانة بقبائلهم في تحشيد جند الخلافة ضدّ ملوك أوروبا.

أمّا على صعيد المنتمين للسّريان بديانتهم المسيحيّة فيكفي الإشارة إلى دور السّريان المسيحيّين في العراق وسوريا في تشكيلهم حلقة الوصل في التّفاعل الحضاريّ الثّقافيّ بين الثقافة العربيّة الإسلاميّة والثّقافة اليونانيّة، عبر قيامهم بعمليّات التّرجمة لأُمّهات كتب الفلسفة تحديداً، والّتي يظهر أثرها في أعمال ابن سينا والكندي والفارابي. والنّصّ في كتاب السّابع ص64 وما بعد، يذكر التّرجمة وبيت الحكمة في بغداد كما اسم حنين بن إسحاق وعبد الله بن المقفّع واسم محمد بن إسماعيل البخاري وأبو علي بن سينا والخوارزمي دون التّطرّق لخلفيّاتهم الأثنيّة والقوميّة والدّينيّة علماً أنهم جميعاً ليسوا بعرب[113].

والأمثلة لا تعدّ ولا تحصى، أمّا المثل البارز على الإقصاء غير المعقول لكل تلك المكوّنات فهو أنّ الكتاب السّابع في جزئه الأوّل يُخصّص الوحدة الثّانية بعنوان "إنجازات الدّولة الإسلاميّة" ليُقدّم خمسة دروس: الإنجازات الإداريّة، الإنجازات المعماريّة، نماذج من الإنجازات المعماريّة، الإنجازات العلميّة، الإنجازات الاقتصاديّة، ومع ذلك، لا يتطرّق لتأثير الأعراق والقوميّات والإثنيّات والأديان المختلفة في كل ذلك، باستثناء المرور السّريع على بعض أعلام تلك الإنجازات دون ذكر أصولها العرقيّة.

فيما يتعلّق بفلسطين، والمنهاج وكتبه موجه للطّالب الفلسطينيّ، فالتّاريخ الفلسطينيّ ما قبل الدعوة الإسلاميّة غائب تماماً، وكأننا، كالعادة، أمام "حقيقة" أنّ التاريخ يبدأ في فلسطين لحظة انتشار الإسلام فيها. فلسطين وعلى مدى 6 قرون كانت المسيحيّة منتشرة فيها، ناهيك أنّها مهد المسيح والدّيانة المسيحيّة، وتركت حتماً تأثيرات حضاريّة، ثقافيّة وعمرانيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وإداريّة وسياسيّة، كمجتمعٍ زراعيّ مُتقدّم، على العصور اللّاحقة في فلسطين، ومنها عصر الإسلام، وبالتّالي، حتماً تركت تلك المرحلة تأثيراتها على العصر اللّاحق. كل هذه الفترة تغيب عن واضع كتاب التّاريخ المدرسيّ.

كأنّنا بواضع المنهاج الاعتقاد أنّ الطّلبة لا يمكنهم التّعرّف على حقيقة التّاريخ إلّا من الكتاب فقط، وبالتّالي لا يجد حرجاً في إخفاء مقاطع رئيسة من هذا التّاريخ. لسنا اليوم في عصر يمكن فيه إخفاء الحقيقة كما يقال عن النّعامة التي تدفن رأسها في الرّمال! عبر بعض الأعمال الدّراميّة الرّصينة ومئات الدّراسات وعشرات آلاف المواقع، يمكن ببساطة الوقوف على تفاصيل التّفاصيل في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ، وبالتّالي فهدف الإخفاء والإقصاء والشّطب لن ينفع واضع كاتب المنهاج في شيء، اللهم إظهاره كإقصائيّ مُلتحم بالرّواية السّلطويّة الرّسميّة الّتي تروي التّاريخ بليّ عنقه.

وقبل كلّ المنتجات الثّقافيّة المُتاحة اليوم يكفي الطالب أن يعود لأمهات كتب التّاريخ القديم عبر مؤلّفيها الأبرز: البغدادي والمسعودي والطبري وابن خلدون واليعقوبي ليتعرّف على كلّ تلك المكوّنات، كما يمكنه مثلاً أن يشاهد الثّلاثيّة التلفزيونيّة الدّراميّة النّوعية للكاتب وليد سيف، صقر قريش، ربيع قرطبة، وملوك الطوائف، ليقف على رؤية أخرى للتّاريخ الأندلسي غير المبثوثة في المنهاج الرّسميّ.

لقد عدّد الزّمخشريّ في كتابه الملل والنحل مائة وتسعة عشر ملّة ومذهب وطريقة سادت في الفترة العبّاسيّة، كلّها تعكس حقيقة التّنوّع الهائل في المُنتج الثّقافيّ والمعرفيّ والفلسفيّ العربيّ الإسلاميّ، كمظهر ناصع ينبغي ذكره، بما يؤسّس لبناء مقوّمات تراث حضاريّ خارج الرّواية التّقليديّة الإقصائيّة، رواية سلطة الخلفاء آنذاك، الّتي تتكرر في منهاج اليوم. وأخيراً أين ذهب الحديث النّبويّ: اختلاف أُمّتي رحمة؟ وللعلم فالحديث مطعون فيه بشكلٍ قاطع من العديد من الفقهاء التقليديين، وكأنّهم لا يحتملون مجرد الخلاف![114] فهل يتبع واضع كتب المنهاج هؤلاء الفقهاء؟

التّعليم والمُعلّم والمنهاج

هناك بطبيعة الحال صلة وثيقة تربط بين ثلاثيّ العمليّة التّعليميّة: التّعليم كآليّات وأساليب، والمعلّم ومحتوى المنهاج، لذلك وجب فحص هذه العلاقة بين الثّلاثيّ. بالاستناد لما تقدّم فكيف يرى المعلّم العلاقة بين المكونات الثّلاثة؟

يرى العزة أنّ "مشكلتنا في المنهاج، وحديثه عن كتاب الثّاني عشر، أنّ الطّالب ينبغي أن يحفظ ليجتاز التّوجيهي، فدورنا تحفيظه، ولذلك نقوم بتجزئة الفقرة لجمل للحفظ، وبالتّالي تضيع الفكرة الرئيسة"[115]، وبذات السّياق، أي امتحان إنجاز للصفّ الثّاني عشر، يقول "ع" "الوزارة تسعى لقولبة الإجابات في نموذج واحد يسير عليه المُصّحح لتساوي الإجابات والعلامات وهي تُعتبر معيار أو مقياس للإجابة. الإجابة لم تُوضع للمُصّحح أن يقيس تحليل ونقد أو رأي الطالب بل يجب أن تكون الإجابة مقولبة، وما على المُصّحح إلّا أن يرى مدى توافق الإجابة مع النّموذج التّصحيحي وهذه الظّاهرة تحدّ من نقد وتحليل الطالب"[116]، علماً أنّ الأستاذ "ع" هو من مُصّححي امتحانات الإنجاز منذ سنوات طويلة.

لقد وضع الأستاذ "ع" يده على جرح يجب الوقوف عنده، وهو النمذجة والقولبة الّتي يجب على الطالب أن يقولب نفسه معها. إنّ فكرة أنّ هناك قالب ما، نموذج ما، على الطالب أن ينسجم معه وإلا خرج عن "الصّراط القويم"، هي فكرة باتت موضع النّقد من مناهج التّربية العصريّة، فالطّالب ينبغي أن يتم تحفيزه لا على القولبة بلّ على العكس: أن يفكر خارج القالب، خارج الصندوق. إنّ مفهوم القولبة يحيل على سلطة المعرفة: هناك مَنْ يقرر أنّ الإجابة كذا هي الصّحيحة، ولا يجوز الخروج عن ذلك القرار/ السّلطة. وبالتّالي يغدو بلا قيمة ما ساقه منهاج الثّاني عشر كقضايا للنّقاش أو التّفكير، فلا قيمة والحال هكذا طالما على الطّالب أن يحفظ إجابة مُحدّدة مطلوبة في امتحان إنجاز.

ويعمّق العزّة الفكرة السّابقة بالإشارة لمعضلة إضافيّة "نحن مرتبطون بالعلامة ووظيفتنا تجهيز الطّالب للعلامة. وقتنا محدود قبل موعد التجريبيّ ولاحقاً الوزاريّ. هذا لا يمنحنا فرصة لخلق حالة نقاش أو جدل"[117]. ويُقارن العزّة بين المساحة المُتاحة للمدرس في الصّفوف الأخرى من غير الثّاني عشر "في الحادي عشر مثلاً أنا المدرس أناقش الطلبة وأسألهم الأسئلة الّتي اعتقدها تفتح المجال للتفكير وأنا الذي يُصّحح. هذا يمنحني مساحة بينما الثّاني عشر لا يمكن"[118]، وبالتّالي، تُصبح مساحة التّفكير وخلق النقاش وتعزيز ملكة النّقد رهن بموقف المدرس، ومدى وعيه لدوره التّربويّ لا لطبيعة المادّة المُقدّمة في الكتاب.

لذلك لا تقف عند هذا الحدّ، أي المساحة الممنوحة للمُدرّس لخلق حالة النقاش والتّفكير النّقديّ لدى الطّالب، بل تطرح قضية موقف المُدرّس من القضايا المثيرة للنقاش أو الّتي يطلب المنهاج مثلاً نقاشها. مررنا في دراستنا هذه على قضايا عديدة تستحق النّقاش، ومنها ما يدعو المنهاج الطلبة لمناقشتها، ولكن هل بلغ مدرّس مادّة التاريخ تلك الدرجة من الانفتاح على الاختلاف لإدارة النّقاش حول قضايا خلافة أو لنقل فيها روايات لا رواية؟ مثلاً في الثّاني عشر أثبتنا طلب الكتاب من الطلبة إدارة النقاش حول الدّوافع للفتوحات أهي دينيّة أو اقتصاديّة، ولكن ما الضّامن أن يقوم المُدرّس بتوجيه النّقاش حسب رؤيته دون أن يترك الخيار للنّقاش والاجتهاد والاختلاف. تلك قضية يطرحها عطا الله بوضوح عندما يُشير بحكم تجربته في العمل مع المعلمين والمدراء "مَنْ يدرّس مادة التّاريخ؟ من تجربتي فإنّ توجهات معظم مُدرّسي مادّة التّاريخ والمدراء الذين تعاملت معهم، ذوي توجهات إسلاميّة تقليديّة" ويتّفق مع العزّة من أن "هناك مساحة ما في المنهاج لخلق النقاش والجدل وتطوير ملكة النقد ولكن المشكلة في الإدارة والمدرس"[119]، ومع أنّ عطا الله يتّفق مع ما توصّلنا إليه من أنّ كتب المنهاج باتت تطرح قضايا وأسئلة وموضوعات تثير النقاش، إلّا أنّه يؤكّد من جديد على ما سبق أكده أعلاه: مسؤوليّة المًدرّس.

الاستنتاجات

  1. يمكن القول أنّ منهاج التّاريخ في نسخته الجديدة، عالج قضايا هي في الجوهر من الهويّة الوطنيّة والذّاكرة الجمعيّة، خاصّةً في الصّفوف، العاشر بجزئيه والحادي عشر في جزئه الثّاني والثّاني عشر، الأمر الذي شكّل معلماً واضحاً في المنهاج.
  2. ومع ذلك، شابت هذا التّطوّر إشكاليّات جدّيّة تطال الرّواية الفلسطينيّة المُعاصرة، اتّفاقيات أوسلو وحركة المقاومة في قطاع غزّة والمقاومة اللبنانيّة والانتفاضة الشّعبيّة، فيما يبدو لنا لهاث واضع كتب المنهاج وراء الموقف السّياسيّ للسّلطة السّياسيّة، لا وراء الحدث التّاريخيّ ورواياته العديدة. هذا الأمر قاد إلى شطب الرّواية المُناقضة لرواية السّلطة السّياسيّة ما حوّل ذلك المقطع في المنهج "لبيانٍ سياسيّ" للسلطة.
  3. أما ما يبدو نافراً بكلّ حدّة فهو شطب مكوّنات عرقيّة وقوميّة وإثنيّة ودينيّة لعبت دوراً هاماً في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، وكذا شطب كل المقاطع التي تطال الثّورات والحركات الاحتجاجيّة في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ.
  4. لقد لاحظنا في المنهاج ثقل المصطلح الدّينيّ في رواية التاريخ جنباً إلى جنب مع السّعي لاستخدام المصطلح التّاريخي العلمي، خاصة فيما يتعلق بالفتوحات، الأمر الي يؤشّر بتقديرنا لهيمنة الثّقافة الدّينيّة لدى واضع كتب المنهاج على حساب الثّقافة العلميّة، وربما كما ذهب المحاضر عطا الله، سعيٌ وراء شرعيّة دينيّة إسلاميّة.
  5. لذلك بدت كتب المنهاج في مواقع عديدة تترنّح وتقع في التّناقض بين الثّقافتين: التّقليديّة الدّينيّة والعلميّة التّاريخيّة وهو سمةٌ بارزة في الفكر العربيّ المعاصر على أيّة حال لم يُغادرها واضع كتب المنهاج.
  6. وارتباطاً بعلاقة المنهاج بالتّعليم والمُعلّم سجّلت الدّراسة بناءً على المُقابلات إشكاليّة تتعلّق بالمساحة المُعطاة للمدرسة لتفعيل قدرات النّقد والتّحليل، وكذا بالخلفيّة الأيدولوجيّة للمدرس ذاته.

ويمكننا بالتّالي التّقدّم ببعض المقترحات لتجاوز بعض ممّا سجلناه في استنتاجاتنا أعلاه، لعل أهمّها:

  1. يبدو التّغيير المأمول في كتب المنهاج عمليّة صعبة وطويلة بفعل عوامل كثيرة، لعلّ أهمّها يقع في فلسفة المنهاج ذاتها الّتي تسعى للتوفيق بين ما هو تقليديّ وما هو علميّ، لذا وجب البحث عن آليّات تأثير بديلة، ربما بالعمل من قبل الباحثين والمؤسّسات التّربويّة مع الطلّاب والمعلّمين أنفسهم.
  2. ربما ينفع في هذا النّطاق اعتماد أوسع في التّواصل مع الطّلبة والمدرّسين على آليّات تدريس متنوّعة: مسلسلات وأفلام وفيديوهات ثقافيّة لفتح آفاق جديدة أمام الطّلبة والمدرّسين، خاصّة تلك المنتجات الثّقافيّة الّتي تُقدّم رواية أكثر علميّة ومنطقيّة ممّا يقدّمه الكتاب المدرسيّ.
  3. ربما يجدر بمؤسّسات المُجتمع المدنيّ التّربويّة الاستفادة من تجارب عديدة في العالم، كأمريكا اللّاتينيّة، بتأسيس "جامعة شعبيّة" تُقدّم "معرفة بديلة"، بديلة لمنهجيّة التّلقين والحفظ المُعتمدة، والرّواية الواحدة "الإطلاقيّة"، وتؤسّس لعقليّة النّقد والتّفكير خارج الصّندوق.
  4. ينبغي، كما لاحظنا، التّركيز في الفعاليّات السّابقة المقترحة على تقديم الرّوايات التّاريخيّة المُتعدّدة خاصّة لمراحل التّاريخ العربيّ الإسلاميّ، وللتّاريخ المُعاصر للقضية الوطنيّة. إنّ تقديم الروايات المُتعدّدة القراءات يُتيح للطّالب والمُدرّس إعمال العقل في تفسير الحدث التّاريخيّ وتمليكه القدرة على تكوين رأي مُستقلّ.

المراجع

ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد. مقدمة أبن خلدون. دار العلم والمعرفة ودار التقوى. 2017. مصر

ابن منظور. لسان العرب. الجزء 11 كتاب اللام مدادة جهل. دار صادر. بيروت- لبنان. ص129

إسماعيل، د. محمود. إشكاليات المنهج في دراسة التراث. رؤية للنشر والتوزيع- القاهرة. 4004. ص17

توما، إميل. تاريخ الحركات الاجتماعية في الإسلام. منشورات صلاح الدين. القدس. 1979.

تيزيني، الطيب. مشروع رؤية جديدة للفكر الإسلامي في العصر الوسيط. خمسة مجلدات. دار دمشق للطباعة والنشر. د. ت

دي خويه، ميكال يان. القرامطة- نشأتهم- دولتهم-وعلاقاتهم بالفاطميين. ترجمة وتحقيق حسني زينة. دار ابن خلدون. بيروت. 1978.

رفيدي، وسام. العنف والقومية المتخيلة- التلاقح البنيوي بين النص الديني اليهودي والأيديولوجيا الصهيونية. في العنف والعدوانية الصهيونية- الإسرائيلية: مظاهرها، أسبابها، جذورها. بحوث المؤتمر الوطني الخامس الذي عقده مركز دراسات التراث والمجتمع الفلسطيني في جمعية إنعاش الأسرة. 23025/4/2010. تحرير شريف كناعنة. جمعية إنعاش الأسرة- مركز دراسات التراث والمجتمع الفلسطيني. 2011.

رفيدي، وسام. المناهج الفلسطينية – الاحتلال ومفهوم المواطنة الموحدة. في المنهاج الفلسطيني- إشكاليات الهوية والمواطنة. عبد الرحيم الشيخ محرراً. مواطن- المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديموقراطية. رام الله-فلسطين 2008 رفيدي، وسام. منهاج التربية المدنية في فلسطين. المحتوى/ الخصوصية/ المفاهيم/ مدخل نظري. في وقائع مؤتمر: نحو إطار مفاهيمي فلسطيني واضح للتربية المدنية. مركز إبداع المعلم. رام الله- فلسطين. 2003.

ساند، شلومو. اختراع الشعب اليهودي. ترجمة سعيد عيّاش. مدار- المركز الفلسطيني مركز للدراسات الإسرائيلية. رام الله. 2010.

الشيخ، عبد الرحيم. "متلازمة كولومبوس وتنقيب فلسطين: جينيالوجيا سياسات التسمية الإسرائيلية للمشهد الفلسطيني." مجلة الدراسات الفلسطينية. مجلد 21 عدد 83 .2010 ص 78-.109. كما ولذات المؤلف. الهندسة اللغوية وعبرنة إسرائيل للمشهد الفلسطيني. دراسة في الخطاب الفلسطيني المقاوم (1997-2010). الأبحاث. العدد 58-59. ص61-108.

الشيخ، عبد الرحيم. مفتتح: سياسات العمى والبصيرة. نحو بيان تنويري للتربية الفلسطينية. في المنهاج الفلسطيني- إشكالات الهوية والمواطنة. عبد الرحيم الشيخ محرراً. مواطن- المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديموقراطية.. رام الله- فلسطين. 2006. ص20

الطبري، أبو جعفر بن محمد بن جرير. تاريخ الأمم والملوك. تاريخ ما بعد الهجرة النبوية الشريفة. تحقيق مصطفى السيد وطارق سالم. المكتبة التوفيقية. د. ت. ص73

عبد الحميد، مهند (المناهج المدرسية بين استثمار رأس المال البشري وهدره) دراسة غير منشورة حتى اللحظة.

القش، د. سهيل. دراسات لا إنسانوية- من لويس ألتوسير وجورج كانغيليم. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت. الطبعة الأولى. 1981.

كار، إدوارد. ما هو التاريخ. ترجمة ماهي الكيالي وبيار عقل. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. 1986. ص10

لينين ، فلاديمير. الدولة والثورة. في المختارات في عشرة مجلدات- المجلد السابع. دار التقدم- موسكو. الاتحاد السوفيتي 1977.

مروة، حسين. النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية. الجزء الأول. دار الفارابي – بيروت. لبنان.

 

 

مواقع إلكترونيّة على الشّبكة العنكبوتيّة

D9%86_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86#%D9%88%D8%B5%D9%81%D9%87_%D9%88%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%AA%D9%87

المقابلات

1. وليد عطا الله، محاضر في التّاريخ ورئيس دائرة العلوم الإنسانيّة في جامعة بيت لحم. تمّت المقابلة بتاريخ 20/3/2019.

2. عزّة العزّة، أستاذ التّاريخ في مدرسة تراسنطة في بيت لحم. تمّت المقابلة بتاريخ 22/3/2019.

3. الأستاذ "ع"، أستاذ التّاريخ في مدرسة حكوميّة في محافظة رام الله والبيرة.


[1] عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون. مقدمة ابن خلدون. دار العلم والمعرفة ودار التقوى. 2017. مصر

[2] - فلاديمير لينين. الدولة والثورة. في المختارات في عشرة مجلدات- المجلد السابع. دار التقدم- موسكو. الاتحاد السوفيتي 1977.

[3] د. سهيل القش. دراسات لا إنسانوية- من لويس ألتوسير وجورج كانغيليم. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت. الطبعة الأولى. 1981

[4] مقابلة مع أستاذ وليد عطالله. ماجستير تاريخ من الجامعة الأمريكية في القاهرة. محاضر في التاريخ في جامعة بيت لحم. تمت المقابلة بتاريخ 20/3/2019.

[5] يمكن ببعض المجازفة التمييز هنا بين العلوم الإنسانية، والدراسات التاريخية منها، والعلوم التطبيقية البحتة، حيث الأولى أكثر التصاقاً، ولو من حيث المظهر البارز، بمكونات الهوية والشخصية الوطنية والذاكرة الجماعية.

[6] للوقوف على تحليل للعلاقة بين خصوصية الاستعمار الصهيوني لفلسطين ومحتوى المنهاج يمكن مراجعة: وسام رفيدي. منهاج التربية المدنية في فلسطين. المحتوى/ الخصوصية/ المفاهيم/ مدخل نظري. في وقائع مؤتمر: نحو إطار مفاهيمي فلسطيني واضح للتربية المدنية. مركز إبداع المعلم. رام الله- فلسطين. 2003

[7]عبد الرحيم الشيخ. مفتتح: سياسات العمى والبصيرة. نحو بيان تنويري للتربية الفلسطينية. في المنهاج الفلسطيني- إشكالات الهوية والمواطنة. عبد الرحيم الشيخ محرراً. مواطن- المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديموقراطية... رام الله- فلسطين. 2006. ص20

[8] باولو فريري. نظرات في تربية المعذبين في الأرض. ترجمة مازن الحسيني. دار التنوير للنشر والتوزيع والمركز الفلسطيني لقضايا السلام والديموقراطية. رام الله- فلسطين. 2003. وايضاً باولو فريري. العمل الثقافي من أجل الحرية. ترجمة خليفة العزابي. المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر. طرابلس- الجماهيرية. د. ت

[9] باولو فريري. المصدر السابق.

[10] تقديم المنهاج الفلسطيني. وزارة التربية والتعليم/ مركز تطوير المناهج. كتب منهاج العلوم الاجتماعية للصفوف المختلفة. وزارة التربية والتعليم. فلسطين. 2018. ومن الآن وصاعداً ولتثبيت الاقتباسات من كتب الدراسات التاريخية، سنكتفي بالإشارة إلى كتاب الصف المعني وهي جميعها تثبت كمراجع وفق الإثبات أعلاه.

[11] وسام رفيدي. المناهج الفلسطينية – الاحتلال ومفهوم المواطنة الموحدة. في المنهاج الفلسطيني- إشكاليات الهوية والمواطنة. عبد الرحيم الشيخ محرراً. مواطن- المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديموقراطية. رام الله-فلسطين 2008

[12] عبد الرحيم الشيخ. مصدر سابق. ص23

[13] مقابلة مع الاستاذ عزة العزة. بكالوريوس تاريخ. مدرس تاريخ للصف الثاني عشر. مدرسة تراسنطا بيت لحم. يمارس التدريس منذ 20 عاماً.

[14] للوقوف على حقيقة هذا التلاقح يمكن مراجعة وسام رفيدي. العنف والقومية المتخيلة- التلاقح البنيوي بين النص الديني اليهودي والأيديولوجيا الصهيونية. في العنف والعدوانية الصهيونية- الإسرائيلية: مظاهرها، أسبابها، جذورها. بحوث المؤتمر الوطني الخامس الذي عقده مركز دراسات التراث والمجتمع الفلسطيني في جمعية إنعاش الأسرة. 23025/4/2010. تحرير شريف كناعنة. جمعية إنعاش الأسرة- مركز دراسات التراث والمجتمع الفلسطيني. 2011.

[15] لكل مستوطنين ارض ميعادهم فبتأثير الفكر البروتستانتي تم استخدام الثيمة التوراتية "أرض الميعاد" في كل حركة الاستيطان الاستعماري للرجل الأبيض منذ الشروع بتلك الحركة منذ القرن السادس عشر، وكانت أوغندا والأرجنتين وصحراء سيناء في وقت ما “أرض ميعادهم" للصهاينة، ولكن لاعتبارات سياسية مرتبطة بحاجات الإمبريالية البريطانية، وكذا للتأويل الحديث للنص التوراتي الذي يعتبر أرض الميعاد التوراتية هي فلسطين، جرى اختيار فلسطين.

[16] لمزيد من التفصيل الممنهج أنظر شلومو ساند. اختراع الشعب اليهودي. ترجمة سعيد عيّاش. مدار- المركز الفلسطيني مركز للدراسات الإسرائيلية. رام الله. 2010.

[17] لمزيد من التفصيل حول جينولوجيا التسميات يمكن مراجعة عبد الرحيم الشيخ. "متلازمة كولومبوس وتنقيب فلسطين: جينيالوجيا سياسات التسمية الإسرائيلية للمشهد الفلسطيني." مجلة الدراسات الفلسطينية. مجلد 21 عدد 83 .2010 ص 78-.109. كما ولذات المؤلف. الهندسة اللغوية وعبرنة إسرائيل للمشهد الفلسطيني. دراسة في الخطاب الفلسطيني المقاوم (1997-2010). الأبحاث. العدد 58-59. ص61-108.

[18] والرواية الدارجة كالهشيم في النار تستند إلى "قدرات خارقة" يملكها يهودي أسلم اسمه عبد الله بن سبأ تمكن من الإيقاع بين المسلمين، وهم عشرات آلاف الصحابة في صفوف الفريقين دون فحص مدى عقلانية هذه الرواية من جهة، ومدى الإساءة التي تلحق بالصحابة من "وقوعهم" في فخ هذا الفاتن للطرفين بآلافهم المؤلفة.

[19] يفيد هما الإشارة إلى الدراسة التي أعدها الكاتب مهند عبد الحميد (المناهج المدرسية بين استثمار رأس المال البشري وهدره) وهي دراسة غير منشورة حتى اللحظة يحلل فيها النصوص الدينية المبثوثة في المنهاج وتتناقض مع المنهج العلمي ومع الوثائق المعتمدة في وضع المنهاج خاصة وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني ووثيقة المنهاج الوطني الاول.

[20] مقابلة وليد عطا لله.

[21] أبو جعفر بن محمد بن جرير الطبري. تاريخ الأمم والملوك. تاريخ ما بعد الهجرة النبوية الشريفة. تحقيق مصطفى السيد وطارق سالم. المكتبة التوفيقية. د. ت. ص 73

[22] عبد الرحمن ابن خلدون. المقدمة. مصدر سابق

[23] قطعاً هناك فرق بين التفسير والتأويل، خاصة عندما يتعلق الأمر بشرح الآيات القرآنية، فقد أشار نصر حامد أو زيد إلى أن التفسير يعني معرفة اسباب النزول بينما التأويل يعني السعي لمواءمة النص مع الواقع المتغير بتأوي النص. هنا نستخدم اللفظين على ذات المعنى أي توضيح لماذا حدث، وكيف حدث، ومن وراءه أي بمعنى تقويمه حسب كروشيه.

[24] إدوارد كار. ما هو التاريخ. ترجمة ماهي الكيالي وبيار عقل. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. 1986. ص 10

[25] مقابلة وليد عطالله.

[26] إدوارد كار. المصدر السابق ص 11

[27] المصدر السابق ص 22

[28] المصدر السابق ص 37

[29] محمود اسماعيل. إشكاليات المنهج في دراسة التراث. رؤية للنشر والتوزيع- القاهرة. 4004. ص 17

[30] المصدر السابق ص27

[31] المصدر السابق ص 70

[32] مقابلة وليد عطا الله

[33] مقابلة وليد عطا الله

[34] للوقوف على مفهوم وحدة القطع والاستمرارية وتطبيقه على دراسة التاريخ العربي الإسلامي يمكن مراجعة حسين مروة. النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية. الجزء الأول. دار الفارابي – بيروت. لبنان.

[35] كما وردت لدى مهند عبد الحميد- مصدر سابق عن موقع https:ll www.mohe.ps

[36] كتاب الصف السادس الجزء الثاني ص 5

[37] المصدر السابق ص 24

[38] كتاب الصف الثاني عشر ص11

[39] كتاب الثاني عشر ص18

[40] كتاب الصف الثاني عشر ص 16

[41] كتاب الصف السادس الجزء الثاني ص65

[42]https://islamqa.info/ar/answers/67626/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%82-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1%D9%89

[43] كتاب الصف الثاني عشر ص 124

[44] كتاب الصف الثامن الجزء الأول ص75

[45] المصدر السابق ص76

[46] كتاب الثاني عشر ص24

[47] مقابلة ولدي عطا االله.

[48] مقابلة وليد عط الله

[49] كتاب التاريخ للصف العاشر بجزأيه الأول والثاني.

[50] كتاب التاريخ للصف العاشر الجزء الثاني ص29

[51] المصدر السابق ص76

[52] المصدر السابق ص 76

[53] المصدر السابق ص76

[54] المصدر السابق ص100

[55] المصدر السابق ص 119

[56] المصدر السابق ص 126

[57] المصدر السابق ص62

[58] مقابلة مع الاستاذ ع. مدرس لمنهاج التاريخ للصف الثاني عشر في المدارس الحكومية في محافظة رام الله.

[59] https://www.alqassam.net/arabic/news/newsline_details/833

[60]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9_%D8%B4%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B7

[61] alaqsavoice.ps/news/details/20317

[62] مقابلة وليد عطا الله

[63] لتحليل دلالات هذا المصطلح في الحاقه بالمقاومة او الثورة انظر مقالة وسام رفيدي (من تجربة الحركات الاجتماعية: المقاومة الشعبية والتنظيم الشعبي) على موقع http://www.badil.org/ar/publications-ar/periodicals-ar/haqelawda-ar/item/2249-article3.html

[64] كتاب الصف الثاني عشر ص60

[65] المصدر السابق ص 61

[66] المصدر السابق ص 62

[67] المصدر السابق ص 62

[68] كتاب الصف الثاني عشر ص 87

[69] كتاب العاشر الجزء الأول ص68

[70] كتاب الصف العاشر الجزء الأول ص 81

[71] المصدر السابق ص 85

[72] كتاب الثامن الجزء الأول ص 82

[73] المصدر السابق ص 88

[74] كتاب الثامن عشر ص 45

[75] أنظر التفصيل في كتاب الصف العاشر الجزء الثاني ص 16-17

[76] المصدر السابق ص 7

[77] المصدر السابق ص 9

[78] المصدر السابق الجزء الثاني ص 78

[79] المصدر السابق ص 79

[80] كتاب الصف الثاني عشر ص 46

[81] المصدر السابق ص 47

[82] المصدر السابق ص 46

[83] المصدر السابق ص 66

[84] المصدر السابق ص 67

[85] مقابلة عزة العزة

[86] المصدر السابق ص67

[87] كتاب الثاني عشر ص 10

[88] المصدر السابق نفس الصفحة

[89] المصدر السابق ص 11

[90] المصدر السابق نفس الصفحة

[91] المصدر السابق نفس الصفحة

[92] المصدر السابق ص 12

[93] المصدر السابق ص 16

[94] كتاب الصف السادس الجزء الثاني ص 5

[95] تيزيني، الطيب. مشروع رؤية جديدة للفكر الإسلامي في العصر الوسيط. خمسة مجلدات. دار دمشق للطباعة والنشر. د.ت

[96] ابن منظور. لسان العرب. الجزء 11 كتاب اللام مدادة جهل. دار صادر. بيروت- لبنان. ص 129

[97]https://www.fehrestcom.com/KotarApp/Index/Page.aspx?nBookID=99288064&nTocEntryID=99289872&nPageID=99289482

[98] وللأمانة العلمية نشير أن هناك تفسير شائع للفظ صبأ بمعنى خرج عن دين آبائه. أما ما اوردناه أعلاه فهو محاولة ايجاد تفسير آخر.

[99] الصابئة

[100] المصدر السابق ص 44

[101] كتاب الثاني عشر ص 15

[102] كتاب الصف السادس الجزء الثاني ص 77

[103] من الدراسات المعمقة كتاب حسين مروة. النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية. مصدر سابق. حيث يظهر الانقسام القبلي بين معسكر علي "قبائل اليمن" ومعسكر معاوية "قبائل الشمال"، وكذا الانقسام الاجتماعي بين أرستقراطية أموية مثلها معاوية وفقراء الكوفة وقائل اليمن مثلها علي، وانقسام دستوري/ تأويلي في تفسير حديث الغدير المعروف، ليصل لاستنتاجه أن الصراع بالنهاية صراع على السلطة السياسية، اتخذ أشكالاً سياسية وقبلية وطبقية ودستورية.

[104] كتاب الصف الثاني عشر ص15

[105] كتاب الثامن الجزء الأول ص 75

[106] المصدر السابق ص 82

[107]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87#%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%AA%D9%87

[108]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%A8%D9%86_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86#%D9%88%D8%B5%D9%81%D9%87_%D9%88%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%AA%D9%87

[109] يمكن مراجعة حسين مروة. مصدر سابق. كما ويمكن مراجعة: توما، إميل. تاريخ الحركات الاجتماعية في الإسلام. منشورات صلاح الدين. القدس. 1979. وكذلك: دي خويه، ميكال يان. القرامطة- نشأتهم- دولتهم-وعلاقاتهم بالفاطميين. ترجمة وتحقيق حسني زينة. دار ابن خلدون. بيروت. 1978

[110] مقابلة وليد عطا الله.

[111] مقابلة مع ع. مدرس لمادة التاريخ في المدارس الحكومية في محافظة رام الله

[112] كتاب الصف السابع الجزء الأول ص 44

[113] المصدر السابق ص 64

[114] http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=7158

[115] مقابلة عزة العزة

[116] مقابلة "ع"

[117] مقابلة عزة العزة

[118] مقابلة عزة العزة

[119] مقابلة وليد عطا الله