مع صدور نتائج امتحانات الثانوية العامة اليوم، عشرات الآلاف من أبناء فلسطين ينهون مرحلة مهمة من مسيرتهم الحياتية ويبدؤون أخرى، يحثون الخطى في مسيرة كفاح طويل لصناعة مستقبل لهم، في ظروف أقل ما يقال أنها مجبولة بالمخاطر وضيق حيز الفرص.
لهذه الأرواح المثابرة الحق في ظرف أفضل وأكثر طبيعية، ينالون فيه فرص حقيقية في اختيار تعليمهم الجامعي الملائم لشغفهم وتطلعاتهم، ويكتشفون آفاق وطنهم دون قيود الاحتلال وتقسيماته، وبعيدًا عن ضنك الفقر وقيوده الخانقة لكل خطواتهم وخياراتهم.
لكن العالم خصص لهم ذلك المكان المعتاد الذي تتسلط عليه العذابات، لإخضاع كل جيل جديد، وطمس وعيه وكي ما تبقى من هذا الوعي العنيد، فالتشبث بالوجود بحد ذاته هو ما يستهدفه الاحتلال ويعاقب هذا الجيل عليه كما الأجيال التي سبقته، وكأن دائرة الاستنزاف للأعمار والنفوس اليانعة الحية لن تنتهي، لكن خط النهاية ونقطة الكسر لهذه الدائرة معلومة، يعلمها هذا الشعب ويورثها من جد لأب لحفيد، تنتهي المعاناة وينسد مزراب السماء الذي ي قطر نارًا على فلسطين وأهلها حين ينتهي الاحتلال، حين يهزم المشروع الصهيوني وصولًا لإسقاط كل مسببات وجوده.
لا يفتقد شعبنا للإصرار وإرادة الكفاح الشريف في الحياة والعمل وغرس الازدهار، لكن الحصار خانق، والاحتلال قاتل، والهجمات لا تنتهي حتى على أبسط معاني وجوده، تستهدف أمله في هذا الوجود، بالأمل الذي يحيي الإنسان، وتشيد الشعوب به مسيرات حريتها، وهو ما نحتاج لإرجاعه، بمعناه الفردي البسيط، لدى هذا الجيل وغيره من شباب فلسطين، وبمعناه الوطني والسياسي العام، أملنا جميعًا في فلسطين الحرة، المنتصرة وفي قطار ينقل طلابها لجامعة في دمشق أو بغداد والقاهرة، وعودة لرحابة الوطن الكبير من ضيق الحصار والكانتونات.
الأمل في هزيمة العدو الصهيوني لم يكن فقط ضرورة للمواجهة، بل سبب للخيال والحلم والإبداع، بما يحث الخيال حول دور الفرد في صناعة الغد والانتصار لشعبه، وهو ما يضع الكثير على عاتق المكون السياسي الفلسطيني، سواء في واجباته السياسية المتعلقة بطرح نموذج سياسي ملهم ومحفز لنضالات شعبنا، أو في مقاربة الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لشعبنا بشكل يحفظ صموده وكرامته.
ففي صناعة الحرية نحتاج لخيال يتجاوز كل معادلات التطويع، متسلحًا بالحقائق والعلم ومنطلقًا من قاعدة راسخة من الإيمان بهوية هذا الشعب وحقيقة وجوده، وحتمية انتصار مستقبله، على كل ما علق في حاضره وماضيه من ترسبات مظلمة.