لن يتغير العالم كثيرًا بعد أزمة الكورونا، كما يتوقع الكثيرون من المراقبين السياسيين المهتمين بالمتغيرات النوعية؛ السياسية والاقتصادية والأمنية على الصعيد العالمي، فالخلافات السياسية بين الدول على المصالح الاقتصادية وغيرها كالحدود والمياه وداخل الدولة الواحدة على السلطة السياسية،هذه الخلافات ستبقى، وشركات القطاع الخاص كشركات الكهرباء والاتصالات والمواصلات والشركات الاحتكارية متعددة الجنسية؛ ستستمر في عملية الاستغلال والنهب سواء على مستوى الدول أو الأفراد، لذلك لن يختفي الصراع الطبقي، ولن تتوقف المطالب المعيشية من قبل الطبقات الشعبية الكادحة بتحسين أحوالها، ولن تكف دول العالم الثالث النامية عن سعيها للخلاص من علاقات التبعية للنظام الرأسمالي العالمي ووضع حد لتغول شركاته الاستغلالية الجشعة المتوحشة. كذلك لن تنتهي مظاهر التمييز العنصري في أمريكا والكيان الصهيوني وفي الصين ضد الأقلية المسلمة (الاويغور)، وفي بلدان أخرى في العالم، ولن يتوقف نشوء الأحزاب السياسية وانطلاق حركات التحرر الوطنية؛ لأن حالة الفساد والقمع والظلم السياسي والاجتماعي هي مظاهر مرافقة دائمًا لأجهزة الحكم وللأطماع الخارجية الاستعمارية.
هكذا هي حركة الجدل بين الأشياء المادية في العالم على المستوى السياسي والاقتصادي؛ تجري دائمًا بوتيرة ثابتة، حسب قانون التناقض ووحدة الأضداد، حيث ستبقى قائمة تتفاعل ولن تخفيها نشوء الفيروسات المتتابعة؛ سواء أكان ذلك عن طريق النمط الغذائي، كما أشيع عن مسؤولية الصين بخصوص فيروس كورونا، أو عن طريق تصنيعه في المختبر كما تتهم أوساط سياسية كثيرة الولايات المتحدة بالوقوف وراء ذلك.
لقد مر على العالم ظهور عدة أوبئة من أكثرها ضررًا بالحياة الإنسانية وبالنشاط الاقتصادي إلى أقلها، لكنها مرت دون حدوث متغيرات نوعية كبيرة، كما يرى بعض المحللين السياسيين بخصوص ما يمكن حدوثه بعد ظهور فيروس كورونا و تفشيه؛ مرت دون أن تشل الاقتصاد العالمي وتوقف حركة الاتصالات العالمية وتعمل على تغيير في موازين القوى كالطاعون الذي اجتاح بلادنا وهو الذي أطلق عليه طاعون عمواس نسبة إلى قرية عمواس في الضفة الغربية، وطاعون قتيبة بن مسلم الذي فتك بسبعين ألف إنسان في يوم واحد، وكذلك الكوليرا والأنفلونزا بأنواعها الإسبانية والطيور والخنازير وأبولا غرب إفريقيا. كل هذه الأوبئة شهدها العالم وظل كالمعتاد في صورته دون تغيير كبير يذكر في خارطته السياسية، حيث بقي التفاوت الحضاري بين الشمال والجنوب، وظل الصراع على قيادة العالم قائمًا بين الشرق والغرب، بل الذي حصل هو في ارتقاء النشاط العقلي عند الإنسان في محاولة سيطرته الكاملة على الطبيعة، حتى وصل العالم الآن إلى مرحلة العولمة. أما لأن فيروس كورونا الذي نشأ في الصين تحول إلى وباء عالمي، وأما ما يحدث من عدم قدرة الدول الصناعية الكبرى حتى الآن من التوصل إلى صنع لقاح مضاد يحد من تفشيه، وقد بدأ في بعض البلدان أكثر فتكًا؛ بسبب انطلاق -كما أشيع عن مصادر صحية- موجته الثانية، فالنتيجة هي أن المتغير الوحيد الملاحظ الآن الذي أحدثه هذا الوباء الخطير وهو ما يسجل بالفعل لصالح الجنس البشري، هو بتنافس الدول العظمي في العمل على صنع اللقاح المضاد لمحاصرته والحد من انتشاره إنقاذًا للبشرية، وذلك بدلًا من السباق على تطوير أسلحة الدمار الشامل، حيث سيكفيها هذا الكم الهائل من امتلاك أكبر عدد من الرؤوس النووية، وكذلك ما يلاحظ أيضًا إضافة إلى ذلك المتغير، هو انتعاش النزعة الإنسانية والروحية على المستوى العالمي، واتخاذ موقف التضامن والتكافل الاجتماعي بين الدول في مواجهة النزعة المادية، حتى أصبح مطلب رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران مطلبًا عند بعض الدول الغربية، أي أن الإنسان الآن لم تعد تكفيه الإنجازات الصناعية التي أحدثتها الحضارة الغربية البرجوازية في كل المجالات، حتى يشعر بالسعادة التي دائمًا ينشدها، بل لا بد من توفر أيضًا القيم الإنسانية ومواجهة ظاهرة الخواء الروحي التي أصابته بالقنوط ،خاصة في العالم الغربي الرأسمالي للتغلب على الأزمات الخطيرة التي تواجه مستقبل الحياة الإنسانية .