Menu

مواجهة التطبيع العربي مهمة سياسية وكفاحية فلسطينية

محمّد جبر الريفي

خاص بوابة الهدف

لم تحقق سياسة الواقعية السياسية التي كانت وراء اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني بتوقيع اتفاقية اوسلو،  أي إنجاز فيما يتصل بحل القضية الفلسطينية، فقد تراجع مشروع حل الدولتين؛ بسبب التعنت الإسرائيلي والانحياز الأمريكي، حيث طرحت واشنطن بدلًا منه ما سميت بصفقة القرن التصفوية، وما يحدث الآن هو تراجع  للقضية الفلسطينية على المستوى السياسي، وتهافت دول عربية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ خروجًا حتى على ما سميت بمبادرة السلام العربية.

قبل أيام كان الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي قد يتطور إلى تحالف عسكري، ضد ما يسمى بالخطر الإيراني، وبعد أيام ستشهد المنطقة إعلان اتفاقيات اخرى من البحرين وعمان و السودان ، وقد تنتقل حمى التطبيع من المشرق العربي إلى المغرب العربي، وعلى رأس القائمة قد تكون موريتانيا التي اعترفت قبل ذلك بالكيان الصهيوني، وهكذا تتغير المعادلة السياسية التي حكمت الصراع العربي الصهيوني بعد حرب أكتوبر عام 73 وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 78، من الأرض مقابل السلام، إلى السلام مقابل السلام، كما قال نتنياهو بعد توقيع "اتفاقية السلام" مع دولة الإمارات. وما يؤكد نهج دبلوماسية نتنياهو هو أن الإمارات وغيرها من دول الخليج العربية السائرة نحو التطبيع، وكذلك السودان وموريتانيا؛ كل هذه الدول ليست من دول الطوق الذي يطمع الكيان الصهيوني بالتوسع على حساب أراضيها، ولم يحدث في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية أن اشتركت في الجبهات القتالية، إلى جانب دول المواجهة، لذلك فإن اتفاقياتها السياسية التي تعقدها مع الكيان الصهيوني هي متوافقة مع سياسة نتنياهو اليمينية المتطرفة التي تستقي تعاليمها من النصوص التوراتية والتلمودية الخرافية، أي السلام مقابل السلام، وهذه المعادلة الإسرائيلية في الحقيقة، ليست جديدة في الفكر السياسي الصهيوني الذي ما زال يطلق على الضفة الغربية المحتلة تسمية يهودا والسامرة.. إنه لم يعد بالإمكان وقف مسلسل التطبيع العربي القائم بالفعل الآن على المعادلة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة: "السلام مقابل السلام"؛ إلا بالنظر إليه باعتباره خيانة عظمى  للقضية الفلسطينية واعتداء صارخ على حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، لذلك فإن مواجهته بكل الوسائل هي مهمة سياسية وكفاحية فلسطينية مشروعه، لأن مفهوم السيادة الوطنية التي تتذرع بها الدول العربية  المطبعة لا تعطيها الحق بالاعتداء على الحقوق الوطنية وفي مقدمتها الإستيلاء بالقوة على الأرض، كما أن سيادة الدولة الوطنية في اتخاذ قراراتها لا تبيح لها بلإحاق الأضرار بالقضايا القومية التي حظيت  بإجماع قومي كالقضية الفلسطينية، وذلك هو  ما حصل في قمة بيروت عام 2002، بل أيضًا هي سياسة منافية للواقعية السياسية؛ لأنها تصرف فردي لا يقصد من ورائه تسريع للتسوية، حسب مشروع حل الدولتين الذي يحظى "بإجماع" دولي بقدر ما هو تحقيق لمصالح سياسية واقتصادية وأمنية، وذلك بالنظر للكيان الصهيوني، كحليف محتمل في مواجهة المتغيرات التي قد تطرأ في المنطقة فالثابت أنه لم يكن في أيدي دعاة التطبيع العربي، أي عرض يوحي بأن الكيان الصهيوني مستعد لدفع استحقاقات السلام العادل القائم على الأرض مقابل السلام، وبذلك لم تتهيأ ذريعة مقبولة للاندفاع نحو التطبيع بهذا المستوى من التهافت المذل للكرامة القومية العربية. 

لقد كان من الممكن استثمار قوة الرفض العربي للتطبيع حتى تحقيق الانسحاب الكامل من الأراضي العربية التي احتلت في يونيو حزيران 67 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية، وبذلك يكون لهذه الدول العربية التي يتملكها ميل جارف للتطبيع أملًا في تحقيق مكاسب قطرية؛ دورًا سياسيًا مهمًا في مجهودات التسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي هو في السياسة الدولية، يعتبر  مطلب المجتمع الدولي حتى ينعم الشرق الأوسط بحالة من الأمن والسلم والاستقرار الذي يحتاجه العالم كله، حيث يعاني من الصراعات الإقليمية وتدخل الدول الكبرى، لكن الذي حصل هو حدوث هجمة النوازع القطرية العربية الانهزامية الاستسلامية الضيقة حتى أصبح الشعب الفلسطيني شبه وحيدًا في مواجهة المشروع الصهيوني العنصري؛ بسبب استمرار التمسك بمطالبه الوطنية العادلة وسط دعاة التطبيع المجاني الذي أصبح تيارًا عامًا في الواقع السياسي العربي، وأنه وفي مقابل اشتداد ذلك كان لزامًا على الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ مائة عام أي مع بداية الغزوة الصهيونية لتحقيق الانتصار لقضيته الوطنية العادلة، في مواجهة المشروع الصهيوني أن يصل إلى صياغة النهج اللازم لوقف هذا التردى، ومعاودة الصعود بالقضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العربي والإقليمي والدولي.. إنه السؤال الذي يبحث الآن عن إجابة موضوعية صادقة تناسب الظروف الحاضرة، وقد تتأكد بعد فشل مفاوضات أكثر من عشرين عامًا بالرعاية الأمريكية؛ ملامح الإجابة في بارق العمل الكفاحي بأسلوبه المتعدد، وفي مقدمته العمل المسلح، حيث يوجد شعبنا في الضفة وغزة والشتات، يعيد من جديد الاعتبار للقضية الفلسطينية كحركة تحرر وطني، وليست قضية تلبية خدمات إنسانية؛ عمل كفاحي يزلزل حالة   الأمن الإسرائيلي ويوقف سياسة التطبيع العربي المذلة التي تتذرع باتفاقية أوسلو التي يجب إلغائها، باعتبار أن الاعتراف بالكيان الصهيوني كان خطأً سياسيًا تاريخيًا، وكذلك إنهاء الانقسام السياسي بتحقيق الوحدة الوطنية، وما يلزم ذلك  من تجديد على مستوى البنية الطبقية في قيادة  الحركة الوطنية الفلسطينية، وبإعطاء دور أساسي فاعل في العملية الكفاحية لفلسطيني الشتات، فهم التجمع الذي ما زال يختزن طاقة ثورية هائلة؛ بسبب فداحة الظلم السياسي والاجتماعي والتمييز القطري والطائفي الذي ما انفك يمارس عليهم.