Menu

في إطار التطبيع مع الكيان الصهيوني بين مصر ودول الخليج العربي: موقف مختلف

محمّد جبر الريفي

خاص بوابة الهدف

في ظل تسارع إجراءات التطببع العربي مع الكيان الصهيوني، حيث تتطلع الكيانات السياسية الخليجية وأغلبها كيانات قزمية رخوة، ليست رئيسية في النظام السياسي العربي الرسمي، لكن وزنها السياسي اكتسبته بما تملك من ثروة مالية نفطية هائلة؛ تتطلع هذه الكيانات نحو التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني العدواني الغاصب، والذي لم يقدم أي خطوة سياسية في اتجاه استحقاقات السلام العادل منذ توقيع اتفاقية أوسلو ، ويأتي هذا التطلع للتطبيع في الغالب في اطار المزاحمة على قيادة المنطقة في مواجهة كل من التمدد الإيراني الفارسي والنفوذ التركي الطوراني الذي يسعى أوردغان من خلاله إعادة الهيمنة العثمانية، ولم تجد هذه الكيانات القزمية القُطرية القبليّة لحماية وجودها السياسي من رياح التغيير الذي تجتاح المنطقة، سوى التوجه نحو الكيان الصهيوني والارتماء في أحضانه كقوة إقليمية عسكرية لكسب الحماية، وبالانصياع أيضًا للجهد الدبلوماسي الأمريكي الذي يحاول تحقيق إنجاز تاريخي للمشروع الصهيوني على حساب المشروع الوطني الفلسطيني؛ من خلال ما تسمى بصفقة القرن الأمريكية التي أعطت للكيان الصهيوني أكثر ما يحلم به غلاة الساسة اليمينيين الإسرائيليين وقطعان المستوطنين الصهاينة العنصريين. 

إن توصيف دقيق لأبرز أحداث الواقع السياسي العربي الآن، يكشف عن حال معظم دول  الخليج العربي اليوم، حيث ما زالت دولة الكويت الشقيق خارج نطاق السرب التطبيعي؛ حال ينطلق من ما أقرته جامعة الدول العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد مؤخرًا في القاهرة باعتبار أن سياسة التطبيع شأن سيادي داخلي لا جدال فيه على حد قول الأمين العام أبو الغيط، في كلمته بالاجتماع الذي تم فيه إسقاط المشروع الفلسطيني الذي قدمته "دولة فلسطين" تنديدًا بالتطبيع، وهي سياسة جديدة غير مسبوقة في التاريخ السياسي لجامعة الدول العربية، تم صياغتها بضغط من كل من مصر والسعودية، دعمًا للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي تم  بالرعاية الأمريكية.  ثم إن الواقع السياسي العربي يكشف أيضًا عن حقيقة سياسية تاريخية وهي  أن دول الخليج العربية لم تكن من أولوياتها في أي يوم من الأيام معاداة الكيان الصهيوني، وذلك بالنظر إليه كعدو رئيسي، حيث كانت اتجاه بوصلتها تشير دائمًا باتجاه إيران، وهي الفزاعة التي تستخدمها الولايات المتحدة لابتزازها، خاصة في عهد الرئيس الحالي ترامب الذي يطالب بأموال النفط، مقابل توفير الحماية الأمريكية، كذلك فقد ظل حكامها القبليين بعيدين عن إعطاء الأوامر لجيوشهم للتحرك ضد إسرائيل، كما شاركت دول عربية في المشرق والمغرب في الحروب ضدها، في حين تقوم هي الآن بالتدخل العسكري في اليمن وليبيا، في ظل الفوضى السياسية والأمنية التي تجتاح بعض دول المنطقة.

ومهما يكن من أمر، فإن التطبيع  مع الكيان الصهيوني الذي ينظر إليه نتنياهو بأنه يقوم على معادلة سلام مقابل سلام، وليس سلامًا مقابل الأرض، كما توافقت عليه كافة أطراف النظام السياسي العربي في قمة بيروت، قد لا يقتضي بالضرورة التطبيع الشعبي مع الكيان الصهيوني،  فالشعب المصري لم يطبع رغم مرور أعوام كثيرة على توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وقد ظل السلام بين الدولتين باردًا ومقتصرًا في أكثر أحواله على العلاقات السياسية والدبلوماسية، ولكن مع ذلك فإن  صورة الأمر قد تختلف عند دول الخليج التي قد تصل العلاقات بينهما في حالة التطبيع إلى مستوى التحالف العسكري، في إطار مخطط أمني إقليمي بقيادة الولايات الأمريكية، هدفه مواجهة إيران وحركات التحرر الوطني في المنطقة، لذلك فالذين يعولون الآن على رفض   الشعوب للتطبيع، في مقابل موافقة الأنظمة؛ عليهم أيضًا أن يدركوا خصائص ومقومات كل شعب ومدى قدرته على الاستجابة التي تحدثها المستجدات السياسية على المستوى الاقليمي والعالمي. فالشعب المصري الذي مازال عصيًا على التطبيع، قد توفرت له من الخصائص ما لم تتوفر في الشعوب الخليجية، فهو يختلف بأنه مجتمع مدني حضاري عريق، له مؤسساته  النقابية؛ كنقابة المحامين والصحفيين والفنانين التي تقف كل واحدة منها بحزم في مواجهة التطبيع، لذلك لم نسمع في مصر مثل ما سمعناه وشاهدناه في مواقع التواصل الاجتماعي؛ الفسبوك والتويتر من نباح بعض الأصوات الإعلامية والأكاديمية والفنية الخليجية التي تشيد  بالكيان الصهيوني وبتقدمه العلمي والتكنولوجي وبأحقيته الدينية، في أرض كنعان فلسطين التاريخية، في حين شعوب الخليج العربي هي  خليط من العرب والآسيويين الذين يشكلون أعدادًا كبيرة من تعداد السكان كونهم حصلوا على الجنسية، وقد لا يجدوا ما يمنعهم من التطبيع الشعبي مع الكيان الصهيوني؛ لأنهم يفتقدون للمشاعر القومية، ويقيمون في ظل أوضاع سياسية واجتماعية داخلية مبهورة، بكل ما أنجزته الحضارة الغربية البرجوازية الاستهلاكية الذي يشكل المجتمع الصهيوني امتدادًا لها. ثم أن اشتراك مصر في حروب ثلاثة مع الكيان الصهيوني منذ نشأته عام 48، وسقوط آلاف الشهداء من الجنود المصريين على أرض فلسطين وسيناء، حيث ما زالت هذه الوقائع السياسية والعسكرية في الوجدان الشعبي المصري، وهي تعمل دومًا على شحن الوعي السياسي بشعور الكراهية نحو اليهود الصهاينة، لذلك لا غرابة أن تمضي هذه الأعوام  الكثيرة على توقيع اتفاقية كامب ديفيد، بينما الشعب المصري العريق في حضارته بعيدًا عن سياسة التطبيع التي تجتاح دول المنطقة، لكنها ستبقى في النهاية عصية على شعوبها الأصيلة المحافظة والمدافعة عن انتمائها القومي العربي.