بمناسبة مرور 27 عامًا على اتفاق أوسلو، وبمناسبة الانهيار الرسمي العربي متمثلًا بتهافت التطبيع واتفاقات الاستسلام مع الكيان، وبمناسبة صفقة القرن الترامبية التي جاءت بمنتهى الوضوح بهدف الاجهاز تمامًا على القضية الفلسطينية وتصفية كامل الحقوق الوطنية الفلسطينية، لعلنا نستحضر العناوين قليلًا، فقد كان من المفترض والمتفق عليه أن ينتهي أوسلو في آيار/1999 بالتوصل إلى الحل الدائم لكافة القضايا الجوهرية: من الأرض إلى الحدود إلى المستعمرات إلى القدس إلى المياه إلى قضية اللاجئين، والتي كان من المبرمج أن تتوج بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة السيادية، بعد أن يكون الاحتلال، قد رحل بجيشه ومستعمريه وإداراته المدنية والعسكرية عن الأراضي المحتلة عام 1967، وفي مقدمتها المدينة المقدسة عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، غير أن حسابات الحقل لم تأت على قدر حسابات البيدر فلسطينيًا وعربيًا، وليس ذلك فحسب، بل أعادتنا العملية التفاوضية عمليًا إلى المربع الأول، وكأننا ما زلنا في مرحلة ما قبل مدريد وأوسلو، وكأنه لم تكن هناك مفاوضات استغرقت أكثر من عقدين من الزمن. فما الذي حدث إذن؟ وما الذي جرى على امتداد سنوات المفاوضات والسلام الماضية؟!
أوسلو – التفسيرات
تكون التفسير الرسمي لأوسلو من مرحلتين: الانتقالية باستحقاقاتها المختلفة، وخاصة على صعيد تطبيق الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة والقطاع - وتستمر مدة خمس سنوات- تسلم إسرائيل في إطارها معظم الأراضي المحتلة إلى السلطة الفلسطينية التي يجب أن تصل نسبتها إلى نحو 90% من المساحة الإجمالية. والمرحلة الدائمة التي كان يجب أن تبدأ مفاوضاتها حول القضايا الفلسطينية الجوهرية المؤجلة، لتنتهي المرحلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الرابع من أيار 1999. أما التفسير الإسرائيلي فمختلف تماماً، حيث تحدث فقط عن حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة والقطاع في المرحلة الانتقالية، وعن تسوية دائمة للقضايا المؤجلة في المرحلة الثانية، دون أي إشارة إلى استقلال فلسطيني في إطار دولة، وكان العنوان الكبير الذي ميز المرحلة السابقة من عمر عملية المفاوضات هو: المتاهات، حيث خضع الفلسطينيون والعرب للعبة الإسرائيلية المعروفة والمخبورة جيداً: لعبة المماطلة والتسويف والتتويه والتفكيك والانتقال من الجوهري إلى الهامشي ومن الأساسي إلى الإجرائي؛ ففرض رابين في عهده هذه اللعبة على الفلسطينيين، حينما أخذ يتفلت ويتهرب تباعاً من استحقاقات المرحلة الانتقالية، ورفع شعاره المعروف بـ "أن لا مواعيد مقدسة لديه".
فيما دخلت إسرائيل والمنطقة في مفترق طرق بعد اغتيال رابين، لتصبح عملية السلام كلها في مهب الرياح الإسرائيلية، ثم جاء نتنياهو/1996 ليفرض على الفلسطينيين والعرب الدخول مرة أخرى في نفق المتاهات وفقدان البوصلة والتوجهات والمرجعيات وأوراق الحول والضغط لتستمر هذه المسرحية حتى اليوم/ايلول/2019؛ ففرضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الجميع مشهد المماطلة والانتقال من المسائل والقضايا الأساسية والجوهرية إلى المسائل والقضايا الإجرائية الهامشية، ثم الانتقال مرة أخرى إلى تفاصيل المسائل الإجرائية الصغيرة، وبعدها إلى تفاصيل التفاصيل... هكذا كانت المماطلة الإسرائيلية بلا حدود وبلا نهاية.
استراتيجية التفاوض الإسرائيلية
برغم شبه الاجماع السياسي الإسرائيلي على موت أوسلو مبكرًا، كما كان نتنياهو أعلن في ولايته الأولى عام 1996 غير مرة: "أن اتفاق أوسلو قد مات"، وكما قالت صحيفة هآرتس مثلاً عن "أن كل الطرق تؤدي للهروب من أوسلو – إسرائيلياً –"، وأكد شلومو غازيت المفكر الاستراتيجي الإسرائيلي المعروف "أن اتفاق أوسلو مات-، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تبنت استراتيجية صريحة تعتمد الاعمدة التالية:
أولًا: الدولة اليهودية-وهي القاسم المشترك بين معظم اليهود.
ثانيًا: توسيع الدولة اليهودية جغرافيًا واستيطانيًا.
ثالثًا: شطب حق العودة للاجئين إلى الأبد.
رابعًا: تكريس الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية.
خامسًا: القدس الموسعة الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد.
سادسًا: غور الأردن على امتداد نهر الأردن سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية.
سابعًا: يضاف إلى ذلك جملة لا حصر لها من الخرائط والخطط والاشتراطات الإسرائيلية المتعلقة بالأرض والحقوق الفلسطينية.
كما انتهجت تلك الحكومات فلسفة تفكيكية في المفاوضات مع الفلسطينيين، فككت من خلالها النص التفاوضي الفلسطيني؛ إذ "في كل مرحلة أو محطة تفاوضية كان المفاوض الفلسطيني يغني "موال" مطالبه واستحقاقاته واشتراطاته "كاملاً ومرة واحدة" ليأتي دور إسرائيل لتفكك "النص" الفلسطيني إلى "جزيئات" حيثية وتعيده إلى المفاوض الفلسطيني، لإعادة تركيبه وخلقه من جديد، بعد أن تكون قد أخرجته عن سياقه التاريخي والسياسي الشامل، وعندما يقبل المفاوض الفلسطيني بإحدى الجزيئات لاعتقاده أن ذلك ربما يساعده في إعادة تركيبه للنص، تتكرر الحكاية و"يغني" الفلسطيني مطالبه بالنسبة للجزء مرة واحدة، ليكتشف أن جزء النص الذي قبل به هو نص جديد، وهو قابل بدوره للتشظي والتفتت إلى جزيئات أصغر، فيصبح همه إعادة تركيب "الجزيئات" إلى "جزء النص"، من غير أن يدرك أن جزيئات الجزء هي نصوص جديدة تقبل بالطريقة ذاتها بالتجزؤ من جديد، حيث ربما تولد في النهاية نصوصًا غريبة لا تتطابق مع النص الأم- اقتباس مكثف من تحليل نشر في الايام الفلسطينية". وكانت نتائج ذلك أن فرضت إسرائيل المماطلة والالتفاف على قضايا المفاوضات الجوهرية التي مكنتها في الوقت نفسه من الاستحواذ على موقع "الهجوم" التفاوضي في جميع مفاوضاتها مع الطرف الفلسطيني، بل إن صحيفة معاريف العبرية - الاثنين 3/01/ 2011، ذكرت "أن إسرائيل رفضت حتى دراسة وثائق رسمية قدمها لها مسؤولون فلسطينيون وتتضمن المواقف الفلسطينية بشأن جميع القضايا الجوهرية العالقة"، وأضافت الصحيفة "أن المسؤولين الإسرائيليين الذين تسلموا هذه الوثائق امتنعوا عن دراستها أو الرد عليها أو إعداد أي وثيقة تتضمن مواقف الجانب الاسرائيلي من هذه القضايا". أليس في ذلك أيضًا منتهى الاستخفاف بالفريق الفلسطيني المفاوض؟!
نتنياهو أعلن موت أوسلو مبكرًا
وعن موت أوسلو إسرائيليًا، نذكر في هذا الصدد بالضرورة أنه منذ البدايات الأولى لظهوره وحضوره على صعيد الليكود واليمين الإسرائيلي، كان نتنياهو واضحًا وصريحًا وجريئًا إلى أبعد حدود الوقاحة والاستخفاف والعنصرية والعنجهية، في التعامل مع الفلسطينيين وعملية المفاوضات، واستوعب الجميع أن نتنياهو يمثل الخلاصة المكثفة جداً للآباء المؤسسين والمنظرين والزعماء التاريخيين لمعسكر الليكود واليمين الصهيوني، وأنه قادم لطربدة ونسف "عملية السلام" و "أوسلو" والطموحات الوطنية الفلسطينية، والدفاع بالمقابل عن "أرض إسرائيل" و "أحلام الصهيونية".
ولم يخيب نتنياهو ظن أحد كما تبين بعد فوزه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية في انتخابات عام 1996، رغم أن وسائل الإعلام وبعض التحليلات التسويقية، حاولت تصوير نتنياهو على أنه رجل براغماتي/عملي يختلف في موقعه كرئيس للحكومة الإسرائيلية عنه في موقع المعارضة، فانتهج كما كان متوقعًا منذ البداية سياسة هجومية كاسحة ضد أوسلو والفلسطينيين، فتحدث تباعًا عن "فشل مفهوم أوسلو، وعن موت عملية السلام – هآرتس 14/3/1997"، وكذلك عن "أنه سيواصل عملية البناء الاستيطاني وعن أن شيئًا لن يوقف هذا البناء لا في جبل أبو غنيم ولا في أي موقع آخر – الدستور الأردنية 17/3/1997"، وبنى نتنياهو سياسته على افتراض "أن الفلسطينيين سوف يتأقلموا ويتعودوا على خفض مستوى طموحاتهم الوطنية – معاريف 26/3/1997"، في حين وجه غير مرة خطابات نارية ضد الفلسطينيين داعيًا إياهم إلى "التكيف مع الواقع وإلى تقبل فكرة أن إسرائيل لن تنسحب إلى حدود الرابع من حزيران، ولن تقلص نفسها ببناء حائط برلين داخل عاصمتها – الرأي الأردنية 12/6/1997".
ولم يتورع نتنياهو عن أن يعلن ببالغ الوضوح عن "أن الضفة الغربية يجب أن تكون جزءًا من إسرائيل – هآرتس 21/12/1997"، بينما صرح وأكد في أكثر من مناسبة "أن السلام قد انهار وتحطم، وأنه لم يكن هناك عملية سلام، وقد شاهدنا انهيار الصفقة الأساسية لأوسلو – هآرتس 24/5/1998"، وطالب (في 12/02/2002) وهو وزير المالية في وزارة شارون ب: "إبادة السلطة الفلسطينية من الوجود وطرد رئيسها ياسر عرفات من مدن الأراضي الفلسطينية".
أما أرييل شارون، فلقد استمعنا إلى تصريحه الأول بعد أن أصبح رئيسًا للوزارة "إن أوسلو أسوأ اتفاق وقعته إسرائيل في تاريخها"، وهو قائد الوحدة رقم (101) والذي أسسها كل من (بن غوريون ودايان) وهي الوحدة الذي أطلق عليها قادة جيشهم [وحدة القتل – قتل العرب].
ووصف وزير البنية التحتية الإسرائيلي آنذاك عوزي لانداو، اتفاق "أوسلو" وخطة "خارطة الطريق" بالغدد السرطانية، ونقلت وسائل إعلام عبرية عن لانداو – الذي انتمى لحزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه المتطرف افيغدور ليبرمان- قوله إنه "خلال السنوات الماضية عانينا من مرض عضال اسمه "أوسلو"، وهو الغدة السرطانية الناجمة عن الهروب من لبنان والغدة السرطانية المتمثلة في "خارطة الطريق" والغدة السرطانية المتمثلة بخطة فك الارتباط (أي الانسحاب من قطاع غزة)".
الكاتب والمحلل الاسرائيلي عكيفا الدار كتب في/هآرتس تحت عنوان يقول: "نهاية أوسلو" اتفاقات أوسلو تحولت أداة محتقرة لإدامة الاحتلال الاسرائيلي"، حان الوقت أن يعلن الفلسطينيون موعد انتهاء أجَلِه، فإذا لم يُحرز الاتفاق الدائم في غضون سنة، في الأكثر، فإنه يجب على محمود عباس أن يعلن بأن الاتفاق باطل مُلغى".
وخلاصة وصف فلسفة نتنياهو ومكوناتها "أنها استندت إلى منطق القوة والعربدة والاستخفاف وفرض سياسة الأمر الواقع وإجبار الفلسطينيين والعرب على التأقلم معه – تحليل سياسي – الدستور الأردنية 30/8/1997"، وقد نصح نتنياهو باراك بعد فوزه عليه بالانتخابات بانتهاج سياسة القوة قائلًا له: "عليك أن تتبع سياسة متشددة تجاه عرفات والأسد.. اقبض عليهما من خناقهما، وعليك أن تنتهج سياسة متشددة تخفض سقف الطموحات الوطنية الفلسطينية – صحيفة يديعوت أحرونوت".
لقد أنتجت وفرضت لغة القوة لدى نتنياهو كما هو معروف؛ سياسة افتعال الأزمات والمآزق والمماطلة والتأجيل والتعطيل والمواجهات التي توجت في حينه بأزمة النفق وانتفاضة الأقصى التي أعقبها أيضًا واي بلانتيشن ولعبة الخرائط والنسب التي أتقنها نتنياهو بامتياز، كما أنتجت جملة من الخرائط والمشاريع المتعلقة بقضايا التسوية النهائية وجوهرها تصفية تلك القضايا.
حصاد أوسلو لصالح الأجندة الإسرائيلية
فما بين أوسلو/ 1993 وقمة واشنطن/2010، وصفقة القرن/2020 مثلًا، سبعة وعشرين عامًا من حكاية المفاوضات والسلام- مع أن المفاوضات متوقفة منذ سنوات- من "أوسلو 1" - 13/9/1993، مروراً باتفاقية الحكم الذاتي ل غزة وأريحا - 4/5/1994، ثم اتفاق "أوسلو 2" لتوسيع نطاق الحكم الذاتي - 28/9/1995، فاتفاقية "واي بلانتيشين" لترتيب انسحاب إسرائيل من 13 في المئة من أراضي الضفة- 23/11/1998، وصولاً إلى محادثات كامب ديفيد-2000، ثم طابا -2001، ثم قمة أنابوليس -2007، يضاف إلى كل ذلك رؤية الرئيس بوش، ثم "خريطة الطريق" -2003، ثم رؤية الرئيس أوباما للسلام، وصولًا إلى الرئيس ترامب وصفقة القرن، كانت دولة الاحتلال تماطل وتعرقل وتشتري الوقت وتبني حقائق الأمر الواقع على الأرض التي لا يمكن من وجهة نظرهم أن تجتثها أي تسوية سياسية، قد يتم التوصل لها، فكانت تلك الدولة هي المسفيدة الوحيدة؛ من كل حكاية المفاوضات، بينما خسر الفلسطينيون الكثير الكثير.
فسبعة وعشرين عامًا على أوسلو، وعملية المفاوضات ليس فقط لم تتقدم إلى الأمام خطوات حقيقية باتجاه تلك التسوية التي زعموا أنها ستكون تاريخية، وأنها ستتوج بإقامة الدولة الفلسطينية عام/1999، بل اخفقت في الوصول إلى أي نتيجة حقيقية تتعلق بالحقوق الفلسطينية.
سبعة وعشرون عامًا من أوسلو والمفاوضات لم تسفر عمليًا سوى عن المزيد والمزيد من خيبات الأمل الفلسطينية والعربية لدى أولئك الذين راهنوا – أو حتى الذين لم يراهنوا - عليها منذ البدايات.
سبعة وعشرون عامًا من أوسلو والقمم والاتفاقيات لم تنجح كلها في زحزحة مستعمر يهودي واحد عن أرض الضفة والقدس.
سبعة وعشرون عامًا من أوسلو والمفاوضات المستمرة وصولًا إلى قمة واشنطن برعاية الرئيس أوباما، ثم وصولًا الى صفقة القرن الترامبية، والكل يضحك على الكل، لتتحول المفاوضات لدى المفاوضين الفلسطينيين إلى "نمط حياة وبقاء- صائب عريقات مثالًا"، ولدى الإسرائيليين إلى فائض وقت وحقائق على الأرض؛ إذ لم تتوقف دولة الاحتلال عن شراء الوقت واستثماره في بناء حقائق الأمر الواقع على الأرض الفلسطينية، خاصة في الضفة والقدس.
سبعة وعشرون عامًا والاحتلال والاستيطان يزدهران تحت غطاء المفاوضات.
سبعة وعشرون عامًا وكافة القضايا الفلسطينية الجوهرية المعلقة والمؤجلة مغيبة مهمشة، ليس فقط لم تتحقق خلالها أية انجازات سياسية استقلالية فلسطينية أبدًا، بينما يلاحظ أن دولة الاحتلال هي التي حصدت وما تزال الأرض والاستيطان والأمن.
سبعة وعشرون عامًا على أوسلو واللاءات والشروط والأجندات السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية هي التي تسيدت المشهد التفاوضي، واللاءات الإسرائيلية لا حصر لها، وأبرزها اللاءات ضد الانسحاب إلى حدود 67، وضد تفكيك المستعمرات اليهودية، وضد عودة اللاجئين، وضد الانسحاب من القدس، وضد رفع السيطرة الإسرائيلية عن مصادر المياه، وضد الانسحاب عن نهر الأردن، وضد الدولة الفلسطينية السيادية... الخ.
شروط القرصان
وما بين أوسلو وقمة واشنطن أيلول، وصفقة القرن/2020 لم تتغير الشروط الإسرائيلية للمفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، وهي شروط القرصان المحتل؛ فمن شامير إلى رابين، إلى بيريز، إلى نتنياهو، فباراك، فشارون، ثم إلى نتنياهو مرة ثانية وثالثة، تتجدد الأجندات والشروط السياسية الإسرائيلية باتجاه المزيد من التشدد، فقد كان نتنياهو أطل في قمة واشنطن بعد سبعة عشر عامًا من أوسلو؛ بثلاثية يعتبرها إلزامية وأساسية للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، فشدد على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي، وعلى أن يضع الاتفاق المنشود حدًا نهائيًا للنزاع في الشرق الأوسط، وعلى ضرورة التوصل إلى ترتيبات أمنية تكون مرضية لإسرائيل. ثم وصولًا إلى صفقة القرن، حيث بات نتنياهو يطالب بسحق كافة المطالب الوطنية الفلسطينية وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني بكامله، وفي الجوهر فإن الدولة اليهودية تعني عمليًا شطب حق العودة لملايين اللاجئين إلى الأبد، ما يعني أن يتنازل الفلسطينيين عن كل مطالبهم وحقوقهم التاريخية في فلسطين، ووضع حد للنزاع في الشرق الأوسط؛ يعني السلام والتعايش والتطبيع مع كافة الدول العربية لتتكرس "إسرائيل" دولة طبيعية في المنطقة، ولتتكامل شروط نتنياهو بالترتيبات الأمنية التي يعتزم فرضها على الفلسطينيين، والتي سيبقى الجيش الإسرائيلي في اطارها مرابطًا على امتداد نهر الأردن، وستبقى التكتلات الاستيطانية المنتشرة سرطانيًا تحت السيادة الإسرائيلية في جسم الضفة الغربية.
وفي خلاصة التقييم لمسيرة ومسار وتداعيات أوسلو وعملية التسوية، نرى: أن الأحوال الفلسطينية ما بين أوسلو وقمة واشنطن/2010، وصولًا إلى صفقة القرن تردت، وأن المشروع الوطني الفلسطيني تراجع وتفكك، وأن الوحدة الوطنية الفلسطينية تشظت، وأن المسافة بين الاحتلال والاستقلال الفلسطيني باتت أبعد، وغدت على بعد سنوات ضوئية، كما وصفها أحد كبار المحللين الإسرائيليين، وحيث أن نافذة الفرص التاريخية للتسوية السياسية الدائمة بين العرب و"إسرائيل" قد أغلقت في ظل تمادي واستشراس وازدهار مشروع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، والفرص الحقيقية للتسوية الدائمة حول القضايا الجوهرية الكبيرة، مثل: القدس واللاجئين والاستيطان والسقف السيادي للدولة الفلسطينية والمياه، ليس لها أي أفق حقيقي وجدي وعادل، فإنه يصبح استحقاقًا ملحًا وعاجلًا على الفلسطينيين والعرب أن يعودوا إلى الخيارات والبدائل الأخرى وهي كثيرة، وفي مقدمتها الخيار الاستراتيجي في التصدي والمواجهة والمقاومة الشاملة.