Menu

الحركة الطلابية الفلسطينية: في تجربة جبهة العمل والقطب الطلابي

رلى أبو دحو

نشر في العدد 20 من مجلة الهدف الرقمية

(هذا المقال تحية خاصة لرفاق ورفيقات القطب الطلابي في سجون الاحتلال، الذين أعادوا بوصلة النضال الحقيقي للحركة الطلابية. لكم الحرية والنصر، وساحات فلسطين).

ليس غريبًا أن تعلن سلطات الاحتلال القطب الطلابي حسب تعبيرها "إطار غير شرعي وامتداد لمنظمة إرهابية"، والمقصود هنا القطب الطلابي في جامعة بيرزيت وعلاقته في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. إن قرار الاستهداف للقطب الطلابي أعاد إلى الواجهة الدور التاريخي الذي لعبته الحركة الطلابية في مواجهة الاحتلال، وكانت الحاضنة والركيزة لانخراط الآلاف من الشباب الفلسطيني في النضال الوطني، وشكلت المعين الأساس الذي عزز صفوف التنظيمات بالكادر الفاعل والقوي، وكانت رأس حربة في مواجهة الاحتلال، خاصة عند الحديث عن الحركة الطلابية في فلسطين المحتلة.

وبجردية تاريخية سريعة وصولًا للحظة، يمكن تسجيل محطات أساسية في مسيرة الحركة الطلابية في فلسطين المحتلة:

المفصل الأول: أن الحركة الطلابية لعبت دورًا قياديًا في النضال الوطني الفلسطيني بدءًا من نهاية السبعينيات من القرن الماضي، انطلاقًا من الجامعات، وشكلت أداة تنظيمية تعبوية في الشارع للتنظيمات، خاصة بعد تشكل الأطر مثل: جبهة العمل الطلابي التقدمي وحركة الشبيبة، وكتلة الوحدة، وكلها كانت منظمات جماهيرية هي بمثابة أذرع طلابية للفصائل الفلسطينية (الجبهة الشعبية، حركة فتح والجبهة الديمقراطية على التوالي)، وترافق ذلك مع تحول كبير حصل على بنيتها التنظيمية والهيكلية ومكانتها في الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث غدت الحركة الطلابية الإطار الجماهيري الأوسع انتشارًا، والمرتبطة مباشرة بمنظمة التحرير الفلسطينية. وما عزز من دور تلك الحركة آنذاك التوسع الحاصل في عدد الجامعات، وبالتالي أعداد الطلبة الملتحقين بالتعليم العالي، كما التسهيلات المالية التي قدمتها منظمة التحرير لالتحاق الطلبة في الجامعات بدفعها لنسب عالية من أقساط التعليم الجامعي، هذا المتغير عنى تغير في (بنية) الطلبة الاجتماعية، من حيث الأصول الاجتماعية التي ينحدرون منها، فقد زادت بشكل ملحوظ أعداد الطلبة الوافدين من الأرياف والمخيمات؛ الأمر الذي أضفى طابعًا شعبيًا متزايدًا على بنية الحركة الطلابية، فيما كان الالتحاق بالجامعات حتى أواسط السبعينيات مقتصرًا على أبناء العائلات الثرية.

أما المفصل الثاني: فهو الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في العام 1987، حيث لعبت الحركة الطلابية دور نضالي بارز في مقاومة الاحتلال، وزاد نشاط الطلبة في الجامعات، بمواجهة قوات الاحتلال القمعية، وأغلقت الجامعات بقرار من الحاكم العسكري الإسرائيلي معتقدًا، بأن ذلك كفيل بتحجيم دورها النضالي.. وبعودة الطلبة إلى الأرياف الفلسطينية تم رفد الأرياف بكادرات الحركة الطلابية، والتي تمرست في العمل الوطني والتنظيمي والحزبي داخل الجامعات، ولعبت دورًا تنظيميًا وحزبيًا وتعبويًا في الأرياف، ولدى جميع التنظيمات وفي ميادين الانتفاضة الشعبية. فمثلًا على صعيد الجبهة الشعبية كان القرار حل المنظمات الحزبية الطلابية في ظل إغلاق الجامعات وتحويل أعضائها إلى منظمات الريف أو تكليفهم ببناء منظمات حزبية وجماهيرية، حيث لا يوجد، وبطريقة ما فقد كان هذا التطور يشمل، بشكل أو بآخر، كل نشطاء الفصائل الجامعيين، وهذا أحدث نقلة في العمل النضالي والتنظيمي في الأرياف التي تحوي طاقة هائلة مخزنة للنضال الوطني، خاصة إنها معقل الطبقة العاملة الفلسطينية، لكنها كانت تفتقد لبنية حزبية متراكمة ومتماسكة، تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام الاحتلال وتعيد بناء ذاتها، لذلك لعب النشطاء الحزبيون في الحركة الطلابية دورًا أساسيًا على هذا الصعيد.

 وما يتوجب الإشارة له هو ما يتعلق بالبرنامج النقابي للحركة الطلابية، فقد كان لدى الحركة الطلابية قدرة هائلة للتوفيق بين برنامجها النقابي وبرنامجها الوطني. ففي ظل الاستعمار الكولونيالي الأولوية للمسألة الوطنية، وليس الطبقية والاجتماعية، ولكن في لحظات معينة يجب أن تحظى المسألة الاجتماعية بأهمية معينه، على قاعدة الترابط الجدلي بين المسألتين الوطنية والاجتماعية، دون إضاعة بوصلة الهدف الأهم: التحرر من الكولونيالية، وهذا ما فعلته الحركة الطلابية، فقد استطاعت أن توازن بين العمل النقابي والعمل الوطني.

وإذا كان من الصحيح أن المنظمات الطلابية، مثل: جبهة العمل كانت روافد تنظيمية للحزب السياسي وبرنامجه الوطني؛ إلا أنه كان واضحًا أيضًا أنها تمتلك برامج نقابية وجهت نضالاتها، خاصة في الثمانينيات ما قبل الانتفاضة الشعبية في العام 1987.

أما المفصل الثالث: فهو أن الحركة الطلابية لعبت دورًا أساسيًا في بناء كادر وطني وقيادي على مستوى الوطن. إن مراجعة سريعة للصفوف القيادية والكادرية الأولى في الثمانينيات والتسعينيات ومطلع الألفية للفصائل الوطنية، تؤكد حقيقة أن أغلبيتها يتحدر من أصول طلابية تمترست في العمل الطلابي؛ الوطني والنقابي، في مختلف الجامعات، وتحديدًا في جامعة بيرزيت، حيث كانت ملامح نضج الحركة الطلابية في تلك الجامعة أكثر بروزًا من غيرها، وبعض أولئك القيادات والكادرات لا زالت تحتل حتى اليوم موقعها في الصفوف الأولى للعمل الحزبي والفصائلي الوطني.

ما بعد أوسلو

أما الملمح الأهم، فهو تفكك الأطر الديمقراطية التي صاحبت منظمة التحرير في نضالها ما قبل أوسلو، ودخول مجمل الحركة الوطنية في حالة من الترهل والتشرذم؛ أدى إلى ضعف الالتفاف الجماهيري وروابط العلاقة مع الحزب السياسي كما كانت في السابق، وهذا عكس نفسه على الحركة الطلابية ومبادرتها وحجم الملتفين حولها؛ ناهيك عن شيوع قيم الفردانية والاستهلاكية الليبرالية وفق منطق (اللهم نفسي) كملمح رئيس من الملامح الثقافية المحمولة على أكتاف مرحلة أوسلو وقيمها وثقافتها، ما أضعف روح العمل الجماعي، ومكانة التنظيم النقابي والحزبي، وقيم التضحية والإيثارية.

كما أن التعليم بعد أوسلو، توجه نحو الخصخصة، والتعليم الموازي؛ بناء على متطلبات البنك الدولي والدول المانحة، ما عكس نفسه طبقيًا على قدرة الفقراء للالتحاق بالتعليم العالي، وهذا وضع أعباء إضافية على الطلبة، خاصة لاضطرارهم الجمع بين العمل والتعليم، ما قلص من مساهمة الطلبة في مهمات النضال الوطني على حساب توفير الأقساط التعليمية، وهذا عكس نفسه أيضًا على ظروف العاملين الأكاديميين والإداريين في الجامعات الفلسطينية، والتي أيضًا تضررت ظروف العمل سلبًا، حيث لم تعد الرواتب وظروف العمل مناسبة، وهذا قاد لاحقًا لنضالات نقابية لتحسين ظروف المعيشة للعاملين في الجامعات.

في تجربة القطب الطلابي: جامعة بيرزيت

في العام 1979 تأسست جبهة العمل الطلابي، كإطار طلابي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وانخرط مع بقية الحركة الطلابية للتنظيمات المختلفة في عملية النضال ضد الاحتلال كناظم أساس للحركة الطلابية عام وجبهة العمل خاصة، ما بعد أوسلو، وبمبادرة من جبهة العمل وضمن محاولاتها الساعية لتوحيد المعارضة، وتحديدًا اليسار في إطار واحد؛ انطلق القطب الطلابي في جامعة بيرزيت، ولكن كما تجارب عديدة تعثرت لتوحيد اليسار وجدت جبهة العمل نفسها ومع مجموعة من الطلبة المستقلين والذين يقتربون من اليسار وحدهم في القطب، بعد خروج كتلة الوحدة والاتحاد المحسوبتان على الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب، وارتأى في حينه أعضاء جبهة العمل الإبقاء على الاسم، أملًا في استعادة الوحدة مرة أخرى. وفيما يتعلق بنضالات القطب مع الحركة الطلابية، فقد فرضت مرحلة ما بعد أوسلو واقع نضالي جديد لها، حيث تصدرت النضالات المطلبية النقابية نشاط الحركة الطلابية والقطب، وتحديدًا ضد سياسات رفع الأقساط، وظروف التعليم في الجامعة. إن رفع رسوم التعليم كان يعني بالنسبة للقطب وللحركة الطلابية ليس النضال ضد إدارة الجامعة بشكل مباشر فقط، وإنما طرح التساؤلات المشروعة حول أثر سياسات السلطة والتمويل في عمليات الخصخصة وعدم دفع مخصصات الجامعات، وعلى الدور الوطني للحركة الطلابية. فيما تراجعت بشكل ملموس نضالات الحركة الطلابية على المستوى الوطني العام وتراجع الدور الريادي الذي لعبته تلك الحركة ما قبل أوسلو. 

لقد وجدت الحركة الطلابية نفسها أمام واقع سيء ما بعد أوسلو، وخاصة الهم الوطني المستمر، حيث تحولت الى رأس الحربة في مواجهة الاحتلال بشكل أساسي، كونها الحاضن للشباب، وكحيز نشط، وبالمقابل رأت فيها الأحزاب والقوى التي تآكلت بفعل أوسلو أداة ومصدر لشرعية الفعل وقياس الوزن السياسي على الساحة الفلسطينية، فيما تنصلت من مسؤولياتها الأخرى كحاضنه تثقيفية وتوعوية ومصدر دعم وإسناد، وبذلك تركت الحركة الطلابية تحت سندانين؛ الاحتلال وم قطر ة الواقع الاقتصادي السيئ الذي عكس نفسه سلبًا على قدرة الفئات الشعبية والفقراء في الاندراج بالتعليم الجامعي، وكانت قد رفعت منظمة التحرير يدها عن تقديم المنح والرعاية المالية للجامعات وطلبتها.

أما القطب الطلابي وفي مواجهة هكذا واقع، والتزامًا بخط سياسي واضح في الجمع بين النضال الوطني والاجتماعي؛ أطلق شعاره ليتناسب والمرحلة: جامعة شعبية، تعليم ديمقراطي، ثقافة وطنية. ومن هنا ضخ القطب الطلابي في أعضاءه روح النضال الطبقي، ورفع الوعي الوطني والأهم الاشتباك مع العدو، فكانت شعاراته المتتالية من مشروع تصفوي قادم واصطفاف عربي مقاوم، إلى قوى وطنية تتوحد وتشتبك، هذه الشعارات التي رافقها فعل اشتباك واضح ثقافي وطبقي، ونضالي، هو الذي دفع الاحتلال لملاحقة أعضاء القطب واعتقالهم وممارسة أقسى أنواع التحقيق بحقهم.

إن تجربة جبهة العمل/القطب الطلابي، هي تجربة تستحق مزيد من الدراسة، وتشكل قاعدة تعبوية لأجيال الحركة الطلابية القادمة، فهذا الجيل اليوم؛ يتمرس في معمعان التجربة، ليس في الحرم الجامعي والشارع وحسب، بل في أقبية التحقيق وزنازين الاعتقال السياسي.