(تنفرد بوابة الهدف، بنشر كتاب المفكر غازي الصوراني، المعنون: موجز الفلسفة والفلاسفة عبر العصور، الصادر عن دار الكلمة للنشر والتوزيع، في يونيو/ حزيران 2020، على حلقات متتابعة.. قراءة مثمرة ومفيدة نتمناها لكم).
الباب الرابع
الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى
الفصل التاسع
عصر التنوير والحداثة في القرن الثامن عشر
أولاً: عصر التنوير – العقل والتقدم
أبرز فلاسفة عصر التنوير والحداثة
شارل فورييه (1772 – 1837) :
ولد شارل فورييه عام 1772 من أسرة من التجار، وأُلحق بالجندية من 1794 إلى 1796؛ ثم عمل مندوباً تجارياً متجولاً في ليون حتى عام 1815، بدون أن يفارقه النفور من مهنة تقوم على "فن شراء ما قيمته ستة فرنكات بثلاثة فرنكات، وبيع ما قيمته ثلاثة فرنكات بستة فرنكات"؛ وكان يحلم، وهو وراء طاولة المتجر، بإنسانية مجددة([1])، والتزم طوال حياته بهذا الحلم، بحيث أصبح من أهم مفكري الاشتراكية الطوباوية.
يقول فورييه: "إننا نعتقد أن الإنسانية، المدفوعة بنفس من الله، مدعوة إلى تحقيق تَشَارُك أوثق أوثق بين الأفراد والأُسر والطبقات والأمم والعروق التي تؤلف عناصرها..؛ وأن هذا التشارك العظيم للأسرة الإنسانية سيتوصل إلى وحدة مثلى، أي إلى وضعية اجتماعية سينبع فيها النظام بصورة طبيعية وحرة من التوافق التلقائي بين العناصر البشرية كافة".
والفوريوي راسخ الاقتناع بأن حالة المزاحمة والصراع بين الطبقات لا تعود إلا إلى ظروف عارضة، وبأن الانتقال الصوري الذي تم عام 1789 كان يمكن أن يكون سلمياً، وبأن المستقبل تشارك بين الرأسمال والموهبة والعمل، وهنا تتجلى طوباوية فورييه المثالية"([2]).
جيمس مِل (1773 - 1836):
فيلسوف ومؤرخ واقتصادي اسكتلندي، التحق بجامعة أدنبرة، ودرس الفلسفة واللاهوت، وتحول إلى الإلحاد لأسباب أخلاقية أكثر منها فكرية، ثم عمِل صحفياً ومترجماً ثم مديراً لشركة الهند الشرقية بعد أن وجه نقداً لاذعاً لحكومتها في كتابه "تاريخ الهند" الذي دونه في ثلاثة مجلدات عام 1718.
كان "جيمس" تلميذاً لبنتام في الأخلاق، وأحد البارزين في جماعة الراديكاليين الفلاسفة، وهي جماعة كان لها أثرها السياسي والاجتماعي، كالأثر الذي كان للجمعية الفابيةFabian Society في الجيل التالي.
تأثر "جيمس مل" أيضاً "بالاقتصادي ديفيد ريكاردو (1772 - 1823) وتبنى مذهبه، فنشر كتابه "عناصر الاقتصاد السياسي" (1821) إلا أنه اشتهر بكتابه "تحليل ظواهر الذهن للعقل الإنساني "الذي طور فيه مذهب تداعي المعاني أو الأفكار، في نظرية المعرفة"([3]).
أما في مجال السياسة، فقد رفض "مِل" كل الأفكار الخاصة بالحقوق الطبيعية، ودافع عن الأنظمة النيابية انطلاقاً من حاجة الناس إلى حكومات تحفظ لهم حقوقهم وتحافظ على مصالحهم إزاء الآخرين. كما كان له موقف متميز إزاء الطبقة الوسطى، إذ دعا إلى منحها حق التصويت لأن أفراد هذه الطبقة بنظره، هم القادة الحقيقيون للمجتمع عبر مراحل التاريخ كلها.
فقد دافع بالحجة عن حكم قوي يكون تحت رقابة مجلس تمثيلي منتخب قائم على حقوق تصويت عامة. وكان فكره قليل الانسجام مع فكرة حقوق الأقلية التي عدها طبقة النبلاء ورجال الدين ذوي الامتيازات الفائقة.
لقد كان جيمس مل J.Mill تلميذ بنتام الرئيسي، وقد قاد الحركة لكي يضع أفكار بنتام موضع التطبييق، ولا أقل من ابتكار برنامج تعليمي لتربية ابنه، جون ستيوارت مل، لأن يكون التجسيد الحي للمُثُل النفعية.
كان مل مقتنعاً بأن الإصلاحات البرلمانية الشديدة يمكن أن تتحقق بدون عنف. وآمن بقوة الحجج العقلية في أن تُعَبِّر عن الاستياء العام، وتجنده، دافعة الحكومة، بالتالي، على التغيير، وإن مهمة الحكومة الوحيدة هي "أن تزيد اللذات إلى أقصى درجة، وتقلل الآلام إلى أقصى درجة، التي يستمدها الناس من بعضهم البعض"، ولأنه ليست هناك حكومة تأخذ على عاقتها توزيعاً عادلاً "للمواد الزهيدة للسعادة"، فإن السلطة السياسية –كما يقول جيمس مل- "تستخدم لكي تدافع عن الأغنياء ضد العمال"، فالمصدر الرئيسي للثروة هو العمل وإذا لم يستطع العمال أن يحتفظوا بنسبة كبيرة مما ينتجونه، فإنه سيكون لديهم دافع قليل لأن يعملوا، ولا بد أن يقهروا، أو يستعبدوا، ولا يمكن أن تكون نتيجة ذلك سوى الاستعباد المنظم للكثرة عن طريق القلة من المشاركة في اعظم قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس، لذلك لابد أن تخطط الحكومة من جديد ضد هذه النتيجة، لابد أن تكون لديها السلطة الضرورية لأن تقاوم المصالح الخاصة، إن السلطة وسيلة لغاية، والغاية هي كل شيء، دون استثناء، يسميه الموجود البشرى اللذة، وإزالة الألم"([4]).
لذلك، أيد الأكثرية كما عبر عنها الحكم التمثيلي، ودافع عن التعليم العام، وكل واحد يجب أن يذهب إلى المدرسة، فالتعليم يحرر عقلياً وأخلاقياً، ويجب أن تحكم الأكثرية المتنورة بالعلم، وهذا النوع من التفكير ينسجم مع فلسفة عصر التنوير في السبعينيات (1700)"([5]).
([1]) اميل برهييه – مرجع سبق ذكره- تاريخ الفلسفة – الجزء السادس – ص 315
([2]) المرجع نفسه - ص 322 .
([3])غنارسكيربك و نلز غيلجي– مرجع سبق ذكر- تاريخ الفكر الغربي - ص 559
([4]) تيموت بىفلر- مرجع سبق ذكره – مقال بعنوان: جيرمىبنتام وجيمس مل- تاريخ الفلسفة السياسية– ص 363
([5])غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 559