Menu

قراءة في علوم العنصرية في "اسرائيل": جذور الفكر التكفيري الإرهابي والمجزرة الصهيونية المفتوحة

نواف الزرو

إذا كانت المحارق والمجازر الدموية الجماعية والفردية وجرائم تدمير المجتمع المدني والبنى التحتية الفلسطينية، قد وصلت إلى مستوى إجرامي سافر ينتهك كافة المواثيق والقوانين الأممية والبشرية على نحو لا يحصل إلا في دولة مثل دولة "اسرائيل"، فإن العنصرية الصهيونية المؤدلجة حتى النخاع والصميم أخذت هي الأخرى تتصاعد لتبلغ أوجًا جديدًا لم يحصل قبل ذلك بمثل هذا الوضوح وبمثل هذه الوقاحة...!

وفي هذا السياق العنصري الصهيوني؛ أطلق المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، على إسرائيل وصف "دولة فصل عنصري (أبارتهايد)"، وذلك لأول مرة، رافضًا "النظرة السّائدة إلى إسرائيل كدولة ديمقراطيّة تدير في الوقت نفسه نظام احتلال مؤقت"، وذلك في "ورقة موقف"، صدرت عنه الثلاثاء -وكالات-: 12/01/2021، وعلّلت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية في "ورقة الموقف" قرارها (أن إسرائيل دولة فصل عنصري) بأن "النظام الإسرائيلي يسعى إلى تحقيق وإدامة تفوق يهودي في المساحة الممتدة من النهر (الأردن) إلى البحر (الأبيض المتوسط)"، في إشارة إلى أرض فلسطين التاريخية. وقالت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية إنه "في كل المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل - داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة - يقوم نظام واحد يعمل وفق مبدأ ناظم واحد: تحقيق وإدامة تفوق جماعة من البشر (اليهود) على جماعة أخرى الفلسطينيين".

          وعلقت الكاتبة إيلانا همرمان في هآرتس2021-1-15 على هذه الورقة قائلة: "إنها دولة "أبرتهايد": يجب محاربة إسرائيل اقتصاديًا وثقافيًا"، مضيفة: "مفهوم «احتلال»، الذي يسري على الضفة الغربية، لم يعد يلائم الواقع. ما يحدث في «المناطق» لا يمكن فهمه اليوم بصورة منفصلة عما يحدث في كل المناطق التي توجد تحت سيطرة إسرائيل"، موضحة: "توثق هذه الوثيقة بالوقائع والتحليلات المجالات الأربعة التي يهندسها هذا المبدأ، جغرافيًا وسياسيًا، حياة كل الـ 14 مليون شخص الذين يعيشون على جانبي الخط الأخضر، نصفهم يهود ونصفهم فلسطينيون:

 

1- سيطرة على الأرض: «تهويد تدريجي للمنطقة على حساب السكان الفلسطينيين، عن طريق الطرد والاستغلال والمصادرة وهدم البيوت وتفضيل الاستيطان اليهودي استنادًا إلى سلسلة طويلة من القوانين والإجراءات".

2- المواطنة: «كل اليهود في العالم، أحفادهم وأزواجهم، يحق لهم التجنس في إسرائيل، في حين أن الفلسطينيين لا يمكنهم الهجرة إلى الأراضي التي تقع تحت سيطرة إسرائيل، حتى لو كانوا هم وآباؤهم وأجدادهم ولدوا أو عاشوا فيها".

 3- حرية الحركة: «المواطنون الإسرائيليون يحظون بحركة تنقل حرة في كل المنطقة التي تقع تحت سيطرة إسرائيل (باستثناء قطاع غزة) ويمكنهم الخروج من الدولة والعودة إليها كما يريدون. الرعايا الفلسطينيون في المقابل (في المناطق) يحتاجون إلى تصاريح خاصة من إسرائيل من أجل الانتقال من وحدة إلى أخرى (أحيانًا ايضًا داخل الوحدة نفسها)، وسفرهم إلى الخارج مشروط بموافقة إسرائيل".

 4- مشاركة سياسية: «ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق التي احتلت في العام 1967 لا يستطيعون المشاركة في النظام السياسي الذي يسيطر على حياتهم والذي يحدد مستقبلهم، ليس عن طريق الانتخابات، وليس بوساطة الحق في حرية التعبير وتشكيل منظمات".

ولعل من أخطر مظاهر العنصرية ذلك الفكر الأيديولوجي العنصري الإرهابي مطلق العنان في الكيان، ومثالًا على ذلك، تلك المحاضرة التي ألقاها البروفيسور المتطرف دان شيفتن المحاضر في جامعة تل أبيب تحت عنوان "علوم العنصرية"، وهي تصريحات عنصرية مؤدلجة في دورة خاصة أمام "طلاب" هم عبارة عن كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية والسياسية، ومن جملة التصريحات التي نقلت عنه قوله "إن العرب هم الفشل الأكبر في تاريخ الجنس البشري"، و "لا يوجد شيء مختل أكثر من الفلسطينيين" و"العالم العربي الفشل الأعمق، ومن لا يقول ذلك يكون قد خضع للياقة السياسية البائسة/ صحيفة "معاريف"، كما نقلت عنه قوله: "عندما تطلق إسرائيل قمرًا اصطناعيًا متطورًا إلى الفضاء، فإن العرب يخرجون بنوع جديد من الحمص"، وجاء قوله هذا في إطار حديثه عن نظرية الأمن في إسرائيل في برنامج للدبلوماسية والأمن لكبار المديرين.

وتابع أنه: "في العالم العربي يطلقون النار في الأعراس لإثبات أنه يوجد سلاح واحد على الأقل سوي وقادر على إطلاق النار". وبذلك يكون البروفيسور شيفتن قد فتح مجددًا ملف العنصرية الصهيونية البشعة، حيث كان سبقه في ذلك الكثيرون من رواد العنصرية.

 

وفي هذا الجوهر قال الرئيس الأسبق للكنيست أفراهام بورغ: "أن الصهيونية اليوم تعني شيئًا واحدًا فقط: العنصرية-القدس العربي”: 2020-3-23".

 وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي يتسحاك أهرونوفيتش (من حزب يسرائيل بيتينو) كان أدلى بدوره بتصريحات عنصرية مستخدمًا فيها أبشع مصطلح عنصري ممكن أن يستخدمه الصهاينة ضد عرب 48، إذ استخدم مصطلح "عربوشيم" في وصفه للعرب، واستخدمها للتدليل على القذارة، وينطوي هذا المصطلح على توجه تحقيري ومضمون عنصري فاشي، ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أقوال أهرنوفيتش بأنها "زلة لسان"؛ حصل ذلك خلال جولة تفقدية للوزير في المحطة المركزية القديمة في تل أبيب، والتي تعتبر وكرًا للمخدرات والدعارة، حيث عرض قادة الشرطة عليه أحد العملاء السريين من أفراد الشرطة في المنطقة، وقال العميل السري الذي كان يلبس ثيابًا غير نظيفة للوزير معتذرًا: "أبدو قذرًا بعض الشيء"، فرد عليه الوزير: أي قذارة هذه.. تبدو كـ "عربوش" حقيقي/الصحف العبرية".

 وحسب القاموس العنصري الصهيوني، فإن الوزير قصد بالكلمة تشبيه العرب بالجرذان، فكلمة "عربوشيم" ومفردها "عربوش" وهي على وزن "عخبروش" وتعني الجرذ، وتضاف إلى عشرات الاصطلاحات المشابهة التي أطلقتها العنصرية الصهيونية على العرب.

النائبة العربية في الكنيست حنين زعبي ردت على هذه التصريحات العنصرية بالقول: إن "القذارة الوحيدة الموجودة هي قذارة العنصرية التي تجلت في ردة الفعل التلقائية والصادقة لوزير الأمن الداخلي".

ويذكر أن هذا المصطلح الذي بات دارجًا، استخدمه أحد أفراد الشرطة الإسرائيلية قبل نحو ثلاثة أعوام، وقد عمم هذا الشرطي الذي يعمل في مركز القيادة والاستعلام في الشرطة رسالة نصية، التُقطت على الأجهزة التي يستخدمها أفراد الشرطة، جاء فيها: "وصل نحو 15 ألف عربوشيم إلى مهرجان الأقصى في خطر"، وكان يتحدث عن مهرجان الأقصى الذي أقامته الحركة الإسلامية الشمالية في الداخل، في مدينة أم الفحم عام 2006 والذي حضره أكثر من 150 ألف عربي...!

 

ويأتي هذا السلوك العنصري من قبل وزير الأمن الداخلي في ظل ما أطلق عليه اسم "موسم القوانين العنصرية"، وعن القوانين العنصرية الصهيونية فحدث... فهي متعددة متنوعة لا حصر لها، وهي متواصلة منذ إقامة تلك الدولة التي تستثمر كل ظرف وكل حدث من شأنه أن يسمح لها بشن هجوم عنصري على العرب...! ومن أبرز وأخطر مشاريع القوانين العنصرية هو مشروع قانون "المواطنة والولاء" الذي أطلقه وزير الخارجية الأسبق أفيغدور ليبرمان، وهذا المشروع قدمه رئيس لجنة القانون والدستور البرلمانية "دافيد روتيم"، من حزب "يسرائيل بيتينو"، وحسب اقتراح روتم" كل من يطلب الحصول على مواطنة إسرائيلية، أو إصدار بطاقة هوية في وزارة الداخلية سيكون ملزمًا بالتوقيع على تصريح ولاء حسب النص التالي: "أنا ألتزم بأن أكون مخلصًا لدولة إسرائيل كدولة يهودية صهيونية ديمقراطية، ولرموزها وقيمها"،  فضلًا عن ذلك سيطلب منهم التعهد بأداء الخدمة العسكرية أو المدنية.

وكذلك مشروع القانون الذي صادقت عليه اللجنة الوزارية الذي يمنع عرب 48 المحتلة من إحياء ذكرى النكبة ويفرض عقوبة صارمة على من ينظم أو يشارك في نشاطات لإحيائها ورغم تراجع الحكومة عن إقراره إلا أن الطلقة فيه قد انطلقت.

تحملنا هذه الحملات والأجواء العنصرية الإرهابية إلى استحضار أدبياتهم في عهدهم القديم والحديث التي تشرع لهم ممارسة شتى أشكال العنصرية والإرهاب الدموي تحت تسمية "العنف المقدس ضد الأغيار"؛ فكثيرة هي نصوص "العهد القديم" التي تتحدث عن العنصرية والحروب والقتل والتدمير والإبادة كأساس لأخلاقياتهم في التعامل مع "الأغيار" وهنا (الجبابرة) عرب فلسطين، وهي نصوص تحمل مضمون الوصايا والتوجيهات لما يجب أن يكون عليه سلوك الغزاة اليهود، حيث تحض على الحقد والكراهية والقتل والإبادة. وترتقي نزعة العنصرية التي من شأنها أن تفرخ فكر التكفير والعنف والقتل لديهم إلى مستوى فلسفي مع جابوتنسكي وتلاميذه من أمثال بيغن وشارون وباراك وموفاز ويعلون وغيرهم وصولًا إلى نتنياهو، حيث جاء في أدبيات هؤلاء مثلًا: "إن قوة التقدم في التاريخ ليست للسلام، بل للسيف" و"أنا أحارب إذن أنا موجود"، و"أولًا وقبل كل شيء يجب أن نقوم بالهجوم عليهم - أي على العرب"، و "لا يمكن الوثوق بالعربي بأي حال من الأحوال، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة للتعامل معه هي قتله".

 

 وكذلك على مستوى الفتاوى التوراتية، لم تكن فتوى حاخامهم الكبير عوباديا يوسف حينما قال مرة: "إن العرب يتكاثرون كالنمل، وبالتالي فليذهبوا إلى الجحيم" و"تمنى للمستوطنين النصر على الفلسطينيين الأغيار المجرمين" غريبة ومفاجئة، ولم يكن مطالبة البرلماني الليكودي ميخائيل كلاينرمثلا بـ "قصف المدن والقرى الفلسطينية وقتل عشرة آلاف فلسطيني دفعة واحدة، وقتل ألف فلسطيني مقابل كل يهودي يقتل/من رسالته الى مؤتمر الكونغرس الصهيوني ال 34" إلا من صميم أدبياتهم وتراثهم الإرهابي. يضاف إلى ذلك ما كشفت عنه دراسة صادرة عن مركز مكافحة العنصرية في "إسرائيل" الذي أكد: "أن العنصرية ضد عرب 48 قد استشرت داخل إسرائيل وطالت كافة أنحاء حياتهم وشهدت ارتفاعًا خطيرًا". وكشف المركز النقاب عن: "تفوهات حاخامات يهود بشكل عنصري وتحريضي ضد العرب منهم حاخام مدينة القدس الذي وصف العرب بأنهم "حمير" و"عشب ضار" و"دنسون"، وأفرد التقرير فصلًا عن التمييز وتضييق الخناق في التخطيط والبناء والميزانيات والخدمات في مجال السلطات المحلية والتعليم والرياضة والصحة وتدنيس المقدسات وملاعب كرة القدم وغيرها، إلى أن وصلت فتاويهم الدموية إلى مستوى تشريع "قتل الأطفال والأجنة الفلسطينيين حتى وهم في بطون امهاتهم". 

ما يبين لنا أننا أمام مجتمع ملوث بالعنصرية والنزعة الدموية الإجرامية، وهي الحقيقة الدامغة التي أكدها لنا "د.يحيعام شورك" الكاتب والمؤرخ والمحاضر الإسرائيلي في " بيت بيرل" في دراسة حملت عنوان: "جذور البلطجة والقوة في المجتمع الإسرائيلي"، حيث قال: "أن نزعة القوة في المجتمع الإسرائيلي ليست وليدة الأمس فهي ترجع إلى زوايا الماضي المعتمة قبل تجسيد الفكرة الصهيونية ...".. ويؤكد: "لقد تجندت كتب التعليم من جهة وبرامج العمل من جهة أخرى لصالح تحسين وتنمية ال "نحن" وتحطيم ال "هم" أو شرعنة ال "نحن" وشيطنة ال "هم " (الفلسطينيون والعرب) ..". ويختتم المؤرخ الإسرائيلي شورك بحثه مؤكدًا أيضًا: "إذا كانت الحال كذلك.. لماذا لا نفهم بذور البلطجة الكامنة داخلنا وبين ظهرانينا...؟!

ويضيف: ".. وإذا أضفنا إلى كل ذلك تدخل الصهيونية الدينية في السياسة وهي التي تقدس العمل الصهيوني، فإن الأمر يعني تلقائيًا إعطاء المبررات لكل عمليات سلب الأرض ومكان العمل وتسويغ كل عدوانية واستعلاء تجاه البيئة المحيطة/ إن كانت فلسطينية أو عربية/... ألا يكفي ذلك ...؟! عن موقع المشهد الاسرائيلي -2005/9/25".

 

   إذن.. تلك هي جذور البلطجة والإرهاب والمذبحة الصهيونية المفتوحة... فاقرأوا....؟!!

ولذلك نوثق- جبهة العنصرية والتمييز العنصري الذي تمارسه مؤسسات الدولة الإسرائيلية، ليس فقط ضد عرب 48، بل أيضًا ضد كل الشعب العربي الفلسطيني على امتداد مساحة فلسطين من أهم وأخطر الجبهات والملفات غير المستثمرة عربيًا إعلاميًا وسياسيًا كما يجب، ذلك أن العالم قد ينتبه إلى هذه الجبهة أكثر من غيرها نظرًا لسطوة مفاهيم وقيم الحريات العامة وحقوق الإنسان، فإلى جانب الاحتلال الاسرائيلي بكافة أعبائه وأثقاله وتداعياته على كافة مجالات الحياة الفلسطينية  وما لذلك من مكانة في القرارات الأممية، إلا أن قصة "الابرتهايد-التمييز" تنطوي على أهمية مختلفة كما تابعنا ما جرى في جنوب إفريقيا، وفي أماكن أخرى في العالم مثلًا، و"إسرائيل" تحتل بامتياز قمة هرم الدول التي تقارف التمييز العنصري.

ولذلك.. نحث كافة المؤسسات العربية المعنية بمناهضة سياسات التمييز العنصري الابرتهايدي على أن تتحمل بدورها مسؤولياتها القانونية/الحقوقية/الإنسانية/الإعلامية وأن تتحرك من أجل تدويل قضية العنصرية الابرتهايدية الإسرائيلية ضد ملايين العرب في فلسطين، وأن تعمل على تعميمها على أوسع مساحات أممية ممكنة، وهذه مسؤولية تاريخية منوطة بالمؤسسات القانونية الحقوقية/ الإنسانية العربية على امتداداتها الجغرافية عليها أن تقوم بها بلا تأخير أو تقاعس، لأن التاريخ لن يغفر لها في نهاية الأمر...!