بعد النكبة الأولى عام 48 سأل بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي وزير الخارجية الأمريكي الشهير جون فور دالاس؛ صاحب نظرية ملء الفراغ في الشرق الأوسط، عن مصير الفلسطينيين بعد قيام دولة الكيان الصهيوني؛ فأجاب بأن الفلسطينيين ضاعوا بين أقدام الفيلة في مؤتمر يالطا، فالذين غادروا سيموتون بالخارج، ومن سيولدون بالخارج لن يتعلقوا بفلسطين؛ لأنهم لا يعرفونها وسيتعلقون بالأوطان التي ولدوا فيها. وبعد هزيمة يونيو حزيران 67 انتعشت أكثر الآمال الصهيونية، وعندما وجه السؤال نفسه عن مستقبل الفلسطينيين إلى جولدا مائير؛ المرأة الصهيونية الشيطانية البولندية الأصل، وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك أجابت بالقول متسائلة: أين هم الفلسطينيون؟ أجابت إنني لم أسمع بهم. أما الحركة الصهيونية، فقد أقامت مشروعها السياسي على أساس العمل على تغييب الشعب الفلسطيني؛ انطلاقًا من شعار (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض).
مرحلة ضياع مر بها الشعب الفلسطيني بعد النكبة، حيث انتهت الحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت تقودها قوى الإقطاع الديني والبرجوازية الوطنية، إلى مكتب خيري في العاصمة اللبنانية بيروت، وتم فرض الوصاية العربية على القضية الفلسطينية؛ بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية، بناء على قرار مؤتمر أريحا وبإشراف الإدارة المصرية على قطاع غزة؛ فقد الكيان الفلسطيني هويته السياسية، وأصبح اللاجئين الفلسطينيين في دول الجوار وفي الشتات تحت المراقبة الأمنية.
بعد مرحلة ضياع سياسي وتفكك اجتماعي ومحاولة طمس للهوية الوطنية ودمجها بالهويات الوطنية ال قطر ية الطارئة التي نشأت عبر عملية التجزئة السياسية الممنهجة للمنطقة العربية؛ تأسست منظمة التحرير الفلسطينية بقرار من النظام العربي الرسمي، لتشكل في رمزيتها الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني، وبانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، في الأول من يناير عام 65؛ تحولت القضية الفلسطينية من قضية إنسانية، عنوانها الأبرز مشكلة اللاجئين إلى قضية وطنية تحررية. لكن مسألة العلاقة دائمًا بين النضال الفلسطيني والواقع العربي، كانت تشكل عامل تكبيل لإرادة الشعب الفلسطيني؛ فمن وراء التذرع بمنطق السيادة القطرية، جرى إحباط الحراك الشعبي والنضال الوطني، وذلك بانتزاع حق المقاومة في الانطلاق من الساحات العربية المواجهة مع الكيان الصهيوني ) أحداث أيلول في الأردن والخروج من لبنان)، ولكن هذه السياسة العربية الرسمية لم تستطع تغييب الشعب الفلسطيني أو تثنيه عن الاستمرار في النضال الوطني؛ فكانت الانتفاضة الكبرى التي أعادت حضوره السياسي الفاعل على الساحة الدولية، وبذلك سقطت أوهام وزير الخارجية الأمريكي الشهير دالاس، كما تأكد بطلان ادعاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية جولدا مائير. والآن رغم ما يعانيه الشعب الفلسطيني من انسداد الأفق السياسي لما يسمى بمشروع حل الدولتين ومن شحن هذه المعاناة أكثر بما سببته حالة الانقسام السياسي بين الضفة والقطاع، والمستمر منذ ما يقارب أربعة عشر عامًا؛ من أزمات اقتصادية واجتماعية متعددة، إلا أن الشعب الفلسطيني أثبت حضوره الفاعل في المحافل الدولية؛ فتم الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وأخيرًا وليس آخر؛ الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وجميعها انتصارات سياسية يمكن البناء عليها في الصراع مستقبلًا، مما يجعل الفكر الصهيوني يواجه مأزقًا خطيرًا في مخططاته، حيث سقوط أحلامه؛ لأن الفلسطيني أينما تواجد داخل فلسطين التاريخية أو خارجها في عالم الشتات، أخذ يعود بقوة إلى الخارطة السياسية العربية والدولية؛ لأنه نقيض رئيسي للإسرائيلي الصهيوني الذي جاء إلى المنطقة العربية؛ غاصبًا ومحتلًا ودخيلًا على نسيجها الاجتماعي الحضاري.