إزالة حواجز باب العمود والعملية البطولية في حاجز زعترة، في هذا اليوم الذي يصادف يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، والذي يحتفل الفلسطينيون والعرب والمسلمون في كافة أنحاء العالم، في كل عام، في يوم القدس العالمي، هذا الاحتفال الذي جاء استجابة لنداء وصرخة زعيم وقائد الثورة الايرانية، سماحة آية الله العظمى السيد الخميني قدس سره، بعد الإطاحة بنظام الشاه وانتصار الثورة الإسلامية في إيران. هذا النداء الذي دعا فيه سماحته كافة شعوب العالم والمسلمين في أنحاء المعمورة، إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم وإلى جانب القدس ومن أجل تحريرها، ومنذ ذلك الوقت أصبح الاحتفال في هذه المناسبة يتم في كل عام، حيث يخرج ملايين المسلمين في تظاهرات حاشدة في مختلف البلدان يعبروا فيها عن دعمهم وتأييدهم للقدس ونصرة لقضية فلسطين.
وفي هذه المناسبة نتوجه بالتحية، كل التحية، لروح سماحة الإمام الخميني صاحب هذا النداء، وللدولة الإسلامية في إيران التي وقفت وما زالت بكل قوة إلى جانب الثورة الفلسطينية ومقاومتها، داعمة إياها بكل ما تملك وبلا حدود.
لا يختلف اثنان أن الاحتفال في هذه المناسبة، هذا العام يأتي في ظل ظروف خاصة، ويكتسب أهميته من مجمل التطورات التي عصفت في المنطقة في السنة الأخيرة، والتي تمثلت بصفقة القرن وقرار الضم وعملية التطبيع، وما رافق ذلك من حملات القمع والتنكيل التي يقوم بها العدو الصهيوني ضد أبناء شعبنا في كل مكان، صباحًا ومساءً، هذه الحملات التي تزداد شراسة وعنفًا يومًا بعد يوم من خلال الاعتقالات اليومية، وعمليات هدم البيوت ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتوسيعها، ومن خلال دعم الجريمة المنظمة في مناطق ال ٤٨، والتي ذهب ضحيتها العشرات من أبناء شعبنا وتحولت إلى ظاهرة يوميه تشمل كافة المدن والقرى الفلسطينية في المحتل من أرضنا، في القدس ونابلس أم الفحم وحيفا، الخليل وجنين، يافا والناصرة.
هذه الحملات التي تستهدف تهجير شعبنا من بلاده وتفريغ الوطن من سكانه، استمرارًا للمؤامرة منذ وعد بلفور، حيث لا نكاد نستيقظ يومًا، إلا ونسمع باعتقال الشباب في كل مكان في الضفة، ونسمع بعمليات القتل المتعمد والمدروس الذي ينفذه عملاء العدو في منطقة ال ٤٨ هذه العمليات التي لا تنقطع وتتوسع يوما بعد يوم.
واستكمالًا لمخططاته قام العدو مؤخرًا بوضع الحواجز في باب العمود لمنع وصول المصلين إلى المسجد الأقصى لتأدية الصلاة وإقامة شعائرهم الدينية واستفزازهم، إلى جانب ما قامت به قوات العدو من محاولات تستهدف حي الشيخ جراح في المدينة، ومصادرة المنازل وإجبار سكانها على مغادرتها والرحيل. وهنا وإثر ذلك قامت هبة القدس المجيدة، التي خرج شبابها يدافعون عنها بصدورهم العارية وبقوة إرادتهم وعزيمتهم التي لا تلين، وخاضوا مواجهات بطولية مع قوات العدو وقطعان المستوطنين فرضت عليه التراجع في محاولة منه لامتصاص حالة الغضب الجماهيري وتهدئة الأمور والعودة ثانية لتطبيق سياساته.
إن المطلوب اليوم هو الحذر ثم الحذر من خداع العدو، والاستمرار في هذه الهبة وتحويلها إلى انتفاضة شعبية عارمة يشارك فيها الجميع الرجال والنساء الشباب والشابات ومن مختلف الأعمار، وتشمل كافة مدن الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق ال ٤٨، بحيث تشتعل الأرض تحت اقدام المحتل وتحول مشروع الاحتلال إلى مشروع خاسر عبر استخدام كافة أشكال المقاومة ومشاركة الجميع الفصائل والمنظمات والقوى الوطنية عامة وصياغة برنامج شامل تقوده قيادة موحدة فعليًا يتم من خلاله تجنيد كافة الطاقات لخدمة الانتفاضة تحت شعار: لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة؛ برنامج تجمع عليه القوى الوطنية يلغي الاعتراف بدولة الكيان، وينهي اتفاقيات أوسلو، ويبتعد عن المراهنة على الولايات المتحدة والرباعية الدولية، ويستند إلى دعم خيار المقاومة وتفعيلها طبقا للقانون الذي يقول ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وهذا ما أكدته تجارب الشعوب وثوراتها الحقوق لا تعطى هدية وإنما تنتزع انتزاعًا.
وفي هذا السياق، تأتي العملية البطولية في حاجز الزعترة، التي عبرت عن بسالة شعبنا ومواجهته وجاءت لتقول للعدو الصهيوني أن خياراتنا مفتوحة ومقاومتنا مستمرة وسنواصل الكفاح ولن نستسلم. إن حصول هذه العملية في هذا المكان وهذا التوقيت يعطي دلالة كبيرة أن من يملك الإرادة يستطيع أن يفعل ولن يقف امامه جنود العدو ولا من ينسقون معه أمنيًا، وهذا يتطلب من الشعب احتضان المقاومين وحمايتهم في وجه هؤلاء.
إن هبة القدس العظيمة التي شارك فيها المئات من الشباب استطاعت أن تنتزع انتصار، وتجبر العدو على إزالة الحواجز من باب العمود كما ذكرت سابقًا وهذا يحتاج إلى دعم ومساندة حتى يستمر.
القدس تحتاج لمن يحررها ويدعم صمودها، والشباب المنتفض بحاجة لمن يدعمهم ويساندهم بالأفعال وليس بالأقوال، وليسوا بحاجة لمن يتغنى ببطولاتهم فقط. إن هبة القدس وعملية حاجز زعترة، استطاعت أن توجه مجموعة من الرسائل في كل الاتجاهات أهمها:
الرسالة الأولى: موجهة إلى دولة الكيان الصهيوني؛ أن شعبنا قاوم وسيبقى يقاوم ولن يستسلم ويواصل المقاومة حتى تحرير أراضيه.
الرسالة الثانية: موجهة للحكام العرب وأنظمة التطبيع تقول لهم: طبعوا كما تشاؤون، تطبيعكم لن يثبط عزيمتنا ولن يدفعنا لليأس والإحباط، بل سيدفعنا للمزيد من التمسك بحقوقنا واستمرار مقاومتنا وأنتم الخاسرون في نهاية المطاف
الرسالة الثالثة: موجهة للولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة وكل دول العالم تقول: نحن متمسكون بحقوقنا سندافع عنها بدمنا ولحمنا ولن نتخلى عنها وأن مساندتكم لدولة الكيان والتغاضي عن سياستها الإجرامية وعدم معاقبتها كما يحصل مع غيرها لن يؤدي إلى سلام في المنطقة وأنه لا سلام ولا استقرار دون إعادة حقوق الشعب الفلسطيني كاملة.
الرسالة الرابعة: موجهة للقيادة الفلسطينية تقول: أن سياساتكم أثبتت فشلها طوال الأعوام السابقة ووضعت القضية في مأزق كبير وأوصلتنا لما نحن فيه من انقسام وتراجع وعليكم إعادة تقييم الأوضاع ورسم برامج جديدة تستجيب لتطلعات الشعب وتعبر عن إرادته وإلا عليكم الرحيل ومغادرة الساحة؛ فشعبنا يستحق قيادة أفضل منكم وصبره عليكم لن يطول.
بعد ذلك لا بد من التأكيد على العناوين التالية التي تشكل مخرجًا من هذا الوضع المأزوم ويدعم الهبة في القدس ويحولها إلى انتفاضة شاملة:
العنوان الأول: أن تقف كافة الفصائل الفلسطينية صفاً واحدًا في الدفاع عن هبة القدس وعن المقاومة، وهذا يستدعي الدعوة لعقد اجتماع عاجل يضم الجميع؛ يصوغ برنامجًا واضحًا للمواجهة، ويتم تشكيل قيادة موحدة حقيقية (ليس على طريقة عزام الأحمد وبيانه رقم واحد اليتيم باسمها)، وأن يستبعد منها فريق أوسلو، كونه لا يمكن ايجاد حل مع استمرار هذا الفريق في القيادة وموقع اتخاذ القرار كما دلت التجربة حتى الآن، ولا يمكن السير في المشروع الوطني إلى الأمام في ظل هكذا قيادة. إن الحلقة المركزية في دعم وتطوير الانتفاضة هي الحلقة الفلسطينية، وهي الرافعة التي تقود السفينة نحو الخلاص وعندما ينهض الوضع الفلسطيني ويتوحد تنهض معه الأمة، وعندما يتراجع تتراجع معه أيضًا، وهذا ما أكدته تجربة الثورة الفلسطينية عبر تاريخها أثناء الانتصارات والانكسارات.
العنوان الثاني: أن تقوم الأحزاب والمنظمات والقوى السياسية والعربية بالنزول إلى الشارع والساحات دعمًا للقدس والانتفاضة وتقديم الدعم السياسي والإعلامي والمادي لها، وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات والشعارات، وإذا كانت الحكومات قادرة على توقيع اتفاقيات التطبيع مع العدو وفك العزلة عنه، فإن الحركة الشعبية؛ قادرة على احكام طوق العزلة حول رقبته ومحاصرته من خلال رفض التطبيع وتطبيق سياسة المقاطعة التي أثبتت جدواها على المستوى العالمي وعلى الفلسطينيين أن يقدموا نموذج بهذا الاتجاه.
العنوان الثالث: دعوة الأمم المتحدة وكافة دول العالم كي تنصف الشعب الفلسطيني، والتوقف عن الكيل بمكيالين، وتدفع باتجاه تطبيق قرارات الشرعية الدولية وفي المقدمة منها حق العودة، وأن تمارس دورها في الضغط على دولة الكيان لتطبيق هذه القرارات وفرض العقوبات عليه كما فرضت على غيره إذا لم تلتزم بذلك.
ليس من السهل تطبيق ذلك، لكنها معارك لا بد من خوضها ووضع العالم أمام مسؤولياته كونه مسؤول عن نكبتنا والتي تقترب ذكرى مرور ٧٣ عليها.
في الختام، وفي يوم القدس العالمي اتوجه بالتحية لأهلنا الصامدين المرابطين المدافعين عن القدس.