Menu

الاحتواء أو كيف تحنط الانتصار ؟

بوابة الهدف الإخبارية

خاص_بوابة الهدف

واحدة من أبرز سمات منظومات القمع والقهر لشعوب هذا العالم، تتجسد في قدرتها على الاحتواء وليس القتل والقمع العنيف فحسب، فلدى هذه المنظومات ما يكفي من الانتهازية والاستعداد لذلك، كما إنها على الدوام استطاعت اصطناع نخب رديفة لها من المجتمعات المعرضة لعدوانها، واستخدمتها في مهمات من هذا النوع.

غالبًا ما لجأت هذه المنظومات ومنها المستعمرة الصهيونية على أرض فلسطين، لتقنية الاحتواء كأداة للقمع بمعناه الجذري، وكمسار استراتيجي للقضاء على عوامل صناعة المقاومة والتمرد، وعند كل مواجهة عجز العدو عن حسمها ميدانيًا لمصلحته، تراجع للوراء خطوة أو خطوات، وبحث عن حلول استراتيجية لتقويض المنظومة التي واجهته، وإطفاء العوامل التي أشعلت النار في وجهه، لعل هذه نقطة ذات أهمية في فهم طبيعة هذه المرحلة من الاشتباك مع العدو، فمنذ سنوات لم تعد المستعمرة الصهيونية المدججة بالسلاح الغربي والمبتكرة لأدوات القتل المتنوعة قادرة على حسم المعارك وجولات القتال التي خاضتها مع أي من قوى المقاومة، وعلى العكس من ذلك باتت كل معركة تسجل تراجع واضح لجيش العدو، فيخرج منها أكثر ضعف وهوان وبعداد خسائر يفوق معركته السابقة.

في مواجهة العدو لانتفاضة العام ١٩٨٧، والتصاعد المستمر للمقاومة في لبنان وصولًا لعام ٢٠٠٠ أو انتفاضة الأقصى الفلسطينية، وكذلك انتصار المقاومة اللبنانية في تموز ٢٠٠٦ تعمد العدو بوضوح كامل التراجع والانسحاب من جغرافيا المعركة التي يتكبد فيها الخسائر، على أمل استرداد المبادرة الاستراتيجية، ولجأ لتشغيل مسارات استراتيجية ترمي لإطفاء عوامل المقاومة، ومصادر تغذية منظومتها، وركائزها وبناها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فلم تكن مشاريع التحريض الطائفي في المنطقة الا جزء صغير من هذه الاستراتيجية المعادية التي توظفت لها نخب وطاقات وأموال عربية، وعلى غرارها حصار قطاع غزة، وبمثلها الحصار المالي والسياسي المتزايد على المقاومة وأهلها في لبنان، أو مشاريع الأسرلة في الداخل الفلسطيني المحتل عام ١٩٤٨، والمشروع الأمريكي الصهيوني المشترك لاعادة صناعة الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة بعد مؤتمر أنابوليس.

ما علاقة هذا كله باللحظة الحالية؟ ألا يفترض أن نحتفل بالانتصار الآن؟ هنا يمكن القول أن عملية تفكيك المنظومة والعوامل التي صنعت هذا الانتصار تبدأ بتجميدها، أي جعل هذه المنظومة والعوامل محض صورة، مشهد، يتم فيه تحنيط أدوات الصمود والقتال واستعراضها في متحف إعلامي معد لمشاركة الجميع، يتم فيه فصل المقاتل عن سياقه السياسي، وتحويل المشتبك لأيقونة وميدالية وصورة، والتباهي بالقوة الظافرة والعضلات التي أوجعت العدو، فيما الحقيقة الصلبة تقول أن الجرح هو الذي انتصر وليس القوة وأن صواريخ المقاومة كان وقودها دم وقناعات سياسية متجذرة بصوابية الكفاح المسلح كطريق للتحرير، وأن فلسطين واحدة من بحرها لنهرها ومن شمالها لجنوبها، وأن من راهن على التعايش مع الاحتلال او على مساحة خاصة يمارس فيها "نضال منضبط للمعايير الصهيونية" كان وما زال يخدم الاحتلال، وأن صعوده على منصة النصر/ المتحف، لا يعني أكثر من مسعى للحفاظ على موضعه ليمارس دوره في الاحتواء.

هذه النخب الخطيرة التي تلعب دور الوكيل للمُستعمِر، أو المخبر المعادي لحقيقة شعبه، لفلسطين الكاملة وشعبها الموحد، لفلسطين البوصلة وعمقها العربي والأممي، لفلسطين المقاتلة وجذور كفاحها المتصلة بكل التجارب التحررية المقاتلة.

أدوات الاحتواء هذه على اختلاف وظائفها وأدوارها، بات من الواجب انهاء دورها، فحق لشعب فلسطين ومقاومتها، وقواها الوطنية، أن تقول كلمتها: انتهى زمن أوسلو وتقسيمات المُستعمِر، هنا شعب قد قرر تحقيق مصيره في الحرية والاستقلال من خلال القتال على كل شبر من ثرى فلسطين، ومن لا يستطيع تحمل هذا البرنامج، وهذه الإرادة، فليتنحى جانبًا.