Menu

صراع ديني أم وطني؟

حاتم استانبولي

خاص بوابة الهدف

بعض الأصدقاء أرسلوا لي رأيهم حول مقالي الأخير بعنوان (الصراع وطني وليس ديني) الذي نشر في الهدف الرقمية وموقع بوابة الهدف!

في البداية أود أن أسجل احترامي وتقديري لرأيهم الذي يعبّر عن أنّ الصراع دينيًا وليس وطنيًا، وهذا حفزني على مناقشة العنوان من جانبه الفلسفي.

وفي هذا الصدد أود أن أسجل إذا كان الصراع دينيًا علينا طرح عدة تساؤلات.

1- أي من الصراعين يحمل السمة الشمولية الصراع الديني أم الصراع الوطني؟

2- الصراع الديني كيف يتجلى اتجاهه (من النص المجرد إلى الواقع الملموس أم من الواقع الملموس إلى النص المجرد).

3- الصراع الديني هل هو صراع بين النصوص الدينية وصحتها وأحقيتها؟ أم هو صراع على أحقية المكان (الوطن) وأحقية الحقوق الإنسانية بكافة جوانبها وأشكالها؟

4- ما هي تجليات الصراع الديني والوطني؟

هذه أسئلة رئيسية الاجابة عليها تعطينا إجابة عن ماهية جوهر الصراع ديني أم وطني.

الصراع الديني:

 الصراع الديني يحمل الطابع الشمولي العابر للمكان والزمان.

 الدين لا تنحصر مفاعيله في إطار الزمان أو المكان وفي الجوهر هو صراع حول النص وصحته وما يترتّب عليه من أحقية تنعكس في السلوك الإنساني.

هذه الأحقية تُمارس من قبل المجموعات والأفراد بناء على عمق ومستوى فهمهم للنص الديني.

هذا الفهم المتفاوت للنص الديني يعكس الاختلاف بين الاتجاهات الدينية في الدين الواحد أو بين الأديان.

القصور في فهم فلسفة الفكرة الدينية (الأخلاقية) تجعل بعض المجموعات أو الأفراد يخوضون صراعهم الدنيوي بناء على مستوى رؤيتهم الفردية أو الجمعية للنص الديني الذي يفسر في كثير من الأحيان بناء على المصالح النفعية للمجموعات والأفراد.

اختلاف وجهات النظر في تفسير النص الديني في إطار الدين الواحد، أو الموقف من النص الديني للأديان الأخرى فتح الأبواب لظهور المذاهب والمدارس في إطار الدين الواحد، وطرح عنوان صحة المقولة الدينية بين حاملي الأديان المختلفة، هذا كان أساس الاختلاف الديني.

هذا الاختلاف، انعكس في السلوك الانساني، الذي استخدم في معظم المراحل التاريخية، من قبل القوة السياسية المسيطرة، للاستعانة برجال الدين، لتشريع أنفسهم، وسلوكهم وعنفهم اتجاه المذاهب والأديان الأخرى، لإخضاعهم من خلال النص الديني وتفسيره بما يتلاءم مع مصالح السلطة السياسية الحاكمة لتشريع سيطرتها، أو من أجل التحريض للوصول إلى الحكم وتشريع أدواته وأساليبه التي اختلفت مستوياتها وأشكالها ولكن المظهر العام الذي حكمها هو محاولات الإلغاء أو الاحتواء أو الإلحاق.

إنّ أبرز تعبيرات هذا الاختلاف وانعكاسه في السلوك اليومي للقادة السياسيين الذين يستفيدون من الاستثمار في الخلاف المذهبي والديني يتجلى في أبرز أشكاله في لبنان والعراق.

أمّا أبرز محاولات الإلغاء تجلت في التنظيمات التكفيرية من التكفير والهجرة والقاعدة وداعش وأخواتها واليهودية الأرثوذكسية الصهيونية التي تشارك في حكم إسرائيل الإحلالية.

أما أبرز تعبيرات الإلحاق الديني هو عدم الاعتراف بـأحقية الممارسة الدينية للعقائد الدينية المختلفة في دولتهم أو عدم الاعتراف بها في بلدان أخرى.

كل هذه المظاهر لا تلغي أن هنالك قطاعًا بشريًا واسعًا يفهم الدين على أنه علاقة فردية بين الإنسان وربه من خلال النص الذي يؤمن به إن كان يهوديًا أو مسيحيًا أو إسلاميًا.

الخلاصة أنّ الصراع الديني والاختلاف حوله يدور في الأساس حول النص وفهمه وممارسته، أمّا اتجاهه فهو من النص للواقع أي محاوله صياغة الواقع بما يتلاءم مع النص الديني، هذه المحاولات التي تُدخِل الانسان في أزمة وإشكالية بين متطلبات التطور العلمي والاجتماعي والاقتصادي والالتزام بالنص الديني وتفسيره الذي ينعكس في مفهوم ممارسة العدالة.

في هذا الصدد يطرح عنوان عن أي عدالة ننشد عدالة إنسانية أو عدالة إلهية؟

الصراع الديني يدور حول معايير تطبيق العدالة الإلهية في حين الصراع الوطني يدور حول تحقيق معايير العدالة الانسانية.

معايير العدالة الانسانية تتجسّد في تحقيق شروط معيشيّة كريمة للإنسان بغض النظر عن معتقداته الدينية أو السياسية أو الفكرية. هي تتعارض مع كل أشكال الاضطهاد إن كان دينيًا أو سياسيًا أو فكريًا وتشجّع احترام الإنسان للإنسان بغض النظر عن اللون أو الجنس أو المعتقد، هذه معايير تم الاتفاق عليها بين الدول والشعوب، وجاءت نتيجة لتضحيات إنسانية كبيرة عبر الزمان والمكان.

الصراع الوطني أحد أشكال الصراع يدور في إطار مكان محدد تعيش فيه مجموعات بشرية يجمعهم المكان عبر الزمان، ولا تتغير أحقية المكان بالتقلبات التي تحصل على تبني العقائد إن كانت دينية او انسانية فهما العامل المتغير في حين المكان هو العامل الثابت.

في هذا الإطار تتموضع القضية الفلسطينية في الجوهر كقضيةٍ وطنيةٍ بحكم علاقتها بالمكان المحدد فلسطين وساكنيها الأصليين الذين خضعوا لأبشع استعمار احلالي صهيوني استخدم النص الديني الخاص بمجموعة بشرية لإسقاطه على الواقع ومارس من خلاله أبشع أشكال القتل والاستيلاء على الممتلكات بالقوة تحت حجة الأحقية الإلهية الموعودة.

هذا العدوان الذي استهدف كل الشعب الفلسطيني بغض النظر عن معتقداته الدينية المتعددة. ملموسية العدوان تجسدت بعملية الغاء وإلحاق واحتواء لحقوق ملموسة من أراضي وأملاك وحقوق إنسانية معنوية تحت مبررات الأحقية الدينية التي وردت في النص المجرد.

الصراع الوطني اتجاهه من الواقع الملموس للنص السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ويهدف لتحقيق العدالة الانسانية بكافة أوجهها السياسية، والاقتصادية والفكرية بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المعتقد.

أمّا حول مفاعيل العدالة الالهية فإنّها حدّدت في كافة الأديان (التوحيدية) على أنّها في الآخرة ومعيارها السلوك الانساني أثناء الحياة الذي حدد ناظمه من خلال المعايير الأخلاقية في كل دين.

أمّا العدالة الانسانية فإنّها تخضع للمعايير والقوانين الانسانية التي هي الناظم بين الدول والشعوب والتي تعطي الشعب الفلسطيني وقضيته طابعًا حقوقيًا وطنيًا وتشرّع نضاله من أجل تحقيقها هذه الحقوق التي تبدأ بتحقيق عدالة المخيم الفلسطيني لما يحمله من طابع تاريخي وانساني وحقوقي وسياسي واجتماعي، في حين الأرثوذكسية الصهيونية الإحلالية تسعى بشكلٍ دائم للاستثمار في البعد الديني للصراع لكي تحصره في اطار صحة النص والاعتراف بإلاهيته وعدالته الدينية وأسبقيته بغض النظر عن المتغيرات العقائدية التي خضع لها ساكني فلسطين عبر الزمان فهم الثابت في حبن المعتقد كان المتغير.

إنّ الانجرار لعنوان الصراع الديني الذي قامت على أساسه إسرائيل الإحلالية الصهيونيّة هو ما تسعى له من أجل الغاء العدالة الانسانية للفلسطينيين الذين يحملون معتقدات متعددة لصالح اليهودية الصهيونية.

الصراع الوطني يخضع إسرائيل الإحلالية لمعايير العدالة الانسانية وقوانينها التي ترفضها ولا تعيرها أي قيمة مدعومة من الحركة الصهيونية وتابعيها من نظم سياسية تخضع لشروط الصهيونية وأدواتها وأساليبها في اخضاعها وتعميق تبعيتها.

ما بين الديني والوطني فانّ المعايير الدينية الأخلاقية يجب أن توظّف من أجل تحقيق المعيار الوطني وبهذا تكون خرجت من معيار اخضاع الفكرة الدينية لمعايير الاستثمار السياسي للفكرة الدينية هذا الاستثمار الذي يفرّغها من مضمونها الأخلاقي ويخضعها لمعايير مصلحة الحاكم أو المتنفّذ ويدفع طائفته أو مذهبه لخوض معاركه المصلحية أو معارك بالوكالة لأهدافٍ أوسع وأعمق من أجل التفتيت واعادة التركيب بما يتلاءم مع ما رُسِم للمنطقة منذ أكثر من مائة عام.