Menu

فلسطين تغادر مربع "السلام المخادع" الى مربع معارك الوجود والمصير...!

نواف الزرو

المشهد الفلسطيني بات واضحًا منتهى الوضوح، ونحن اليوم في ظل فضاءات قضية الأسرى وعملية الحرية والتحرر وفي ظل احتمالات متزايدة لانتفاضة فلسطينية شاملة: فلسطين تغادر مربع السلام المخادع والعبثي لتعود إلى مربع معارك الوجود والمصير؛ فشاء من شاء وأبى من أبى: إننا في صراع وجودي وجذري واستراتيجي مع المشروع الصهيوني، ولم تكن عملية المفاوضات والتسوية سوى محطة عابرة في سياق هذا الصراع، وفي ذلك هناك الكثير الكثير من التطورات والمعطيات والحقائق القائمة على الأرض التي تؤكد المعادلة.

يقول البروفيسور بن تسيون نتنياهو والد نتنياهو على سبيل المثال في حديث للقناة السابعة بأن ابنه (على مدى سنوات حكمه) "يضحك على العرب، وأنه لن يعطي الفلسطينيين دولة، وهو يطرح عليهم شروطًا لا يمكن أن يقبلوها: نتنياهو لا يدعم دولة فلسطينيّة، فهو أخبرني خلال أحاديث عائليّة بأنه يكذب على العرب، حيث وضع أمام هذه الدولة شروطًا تعجيزيّة لن يقبل العرب مطلقا بأي شرط منها".

ونعتقد اليوم في ضوء كل ذلك ونحن أمام ثمانية وعشرين عامًا من أوسلو، مرورًا بمشاريع "الرؤية والحلم" و"الخريطة وحل الدولتين"، وقمة واشنطن 2010 برعاية الرئيس أوباما، وصولًا إلى صفقة القرن الترامبية 2020، أن كل قصة عملية المفاوضات والسلام والمشاريع والمقترحات التسووية الأمريكية-الإسرائيلية.. وكل قصة "الرؤية" و"الحلم" و"الخريطة" و"الصفقة"؛ عبارة عن نصب سياسي وأكذوبة كبيرة وخداع شامل وتضليل سافر للرأي العام العالمي كله، وللرأي العام العربي على نحو حصري، وللرأي العام الفلسطيني على نحو أخص.

فعلى الأرض؛ هناك نتابع كيف يقوم البلدوزر الصهيوني باجتياحات وعمليات القتل والتدمير المستمر لمقومات ومكونات ليس الاستقلال الفلسطيني فحسب، وإنما لمقومات ومكونات الوجود والاستمرار على الأرض، حيث التدمير الشامل لكافة البنى المجتمعية المدنية الفلسطينية الاقتصادية والتعليمية والثقافية والإعلامية والرياضية وغيرها. فما بين الرؤية والحلم والخريطة والصفقة الترامبية من جهة، وبين الوعد والدعم الشامل ومنح الاحتلال؛ ترخيصًا مفتوحًا بالقتل والتدمير والاغتيالات وبناء الجدران ومعسكرات الاعتقال ومواصلة الاستيطان والتهويد من جهة أخرى؛ تجري عملية اغتيال الوطن الفلسطيني والحقوق الفلسطينية المشروعة الراسخة، ومقومات الاستقلال الفلسطيني من جهة أخرى.

وما بين "الوعد والضمانات الأمريكية لإسرائيل" من جهة، وبين "التطمينات الأمريكية التضليلية المخادعة للعرب"، وما بين صفقة القرن من جهة أخرى؛ تجري عملية تحييد الدور والفعل العربي الحقيقي، عبر اتفاقات السلام المسرحية مع الإمارات و البحرين وغيرها من الكيانات اللاحقة، لتواصل "إسرائيل" استفرادها بالفلسطينيين وانتزاعها للقضية الفلسطينية من عمقها وتواصلها العربي...

وفي قصة السلام الإسرائيلي كان الكاتب عبد الفتاح القلقيلي، قد أشار في كتابه "الأرض في ذاكرة الفلسطينيين"، إلى أن: يوسف فايتز (مدير الصندوق القومي اليهودي الأسبق) أورد في مذكراته، أنه منذ آب 1948 تم الاتفاق أن تشن إسرائيل حملة إعلامية لإقناع الرأي العام العالمي: "بأنه لم يعد لدى الفلسطينيين مكان يعودون إليه، وليس أمامهم سوى فرصة واحدة لإنقاذ ممتلكاتهم، وهي بيعها والاستفادة مِن ثمنها، كي يستقروا في مكان آخر/عن تحليل لعلي جرادات في الأيام الفلسطينية". وأضاف: "أن بن غوريون ذكر في مذكراته؛ أن آبا ايبان نصحه في يوم 14-7-1948، بأن لا يلهث وراء السلام، وتكفي اتفاقات الهدنة"؛ معللًا ذلك بالقول: "لأننا إذا ركضنا وراء السلام، فإن العرب سيطالبوننا بالثمن، والثمن هو تحديد الحدود أو عودة اللاجئين أو الاثنين معًا".

ومن بن غوريون إلى الراهن الإسرائيلي في عهد نتنياهو ثم بينيت، حيث كتبت صحيفة هآرتس العبرية: "أن أية حكومة إسرائيلية ليس باستطاعتها التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين مهما كان نوع ولون هذه الحكومة". وأضافت: "أنه في حال تحول الفلسطينيون إلى "فنلنديين"، فإن أي حكومة لن توقع للفلسطينيين على اتفاق سلام". واوضحت الصحيفة: "إن السلام مع الفلسطينيين يعني الانسحاب من الأراضي المحتلة، بما فيها القدس ، إضافة إلى عودة اللاجئين؛ الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به أية حكومة إسرائيلية".

وكان جدعون ليفي المحلل في هآرتس، قد كتب حول هذه الحقيقة تحت عنوان: "إسرائيل لا تريد السلام"؛ يقول: "حانت لحظة الحقيقة، وهذا يجب أن يقال: إسرائيل لا تريد السلام؛ انتهت ترسانة الذرائع؛ مخزن الرفض بات فارغًا، وإذا كان ممكنًا حتى وقت أخير مضى القبول بالكاد بجملة حجج وشروط إسرائيل "لا شريك" و "لم يحن الوقت"، فإن الصورة الناشئة الآن لا تدع أي مجال للشك؛ فقناع إسرائيل المحبة للسلام تمزق تمامًا، ومن الآن فصاعدًا يقال: لا محبة ولا سلام".

ولأن هناك خطة لإضاعة الوقت، فإن أقطاب "إسرائيل"؛ يطالبون الفلسطينيين والعرب على مدار الساعة بالمزيد والمزيد من الشروط والاشتراطات التطبيعية والاستراتيجية؛ فاول طلقة أطلقها نتنياهو كانت أن طالب الفلسطينيين بالاعتراف ب"إسرائيل كدولة الشعب اليهودي" كشرط للحديث عن حل الدولتين"؛ مضيفًا: "إسرائيل تتوقع من الفلسطينيين أن يعترفوا قبل كل شيء بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، قبل أن نبدأ بالحديث عن حل الدولتين"؛ موضحًا: في كل تسوية، يجب أن تحافظ إسرائيل على مصالحها الأمنية، ولكنها عليها أن تضمن أن لا تقود العملية السياسية إلى حماستان-2 أخرى في القدس".

وذهب نتنياهو أبعد وأوضح مخاطبًا الفلسطينيين قائلًا: "لا تحلموا ب القدس ولا بعودة اللاجئين"؛ مضيفًا في خطاب أمام الكنيست: "أن الليكود يسعى لتحقيق السلام، ولكن التاريخ أثبت أن السلام يتحقق انطلاقًا من القوة، وليس من الضعف، ووفقًا لقراءة صحيحه للواقع".

يتبين لنا اليوم بعد كل هذه المحطات والأدبيات والمشاريع التي يزعم إنها "سلامية"، أنه ليس هناك دولة أو دولتين، وليس هناك في الأفق أي نية أو خطة لانسحاب إسرائيلي، ولا حتى من "أفق سياسي" حقيقي لقيام دولة فلسطينية في المستقبل المنظور، بعد أن تدهورت الأوضاع الفلسطينية على هذا النحو الذي لم يأتِ في الحسابات الفلسطينية أبدًا .

وليتبين لنا أن المهمات الملحة والعاجلة جدًا على الأجندات الفلسطينية؛ أصبحت تتعلق بكيفية لململة الأوضاع والأوراق الفلسطينية وبكيفية المصالحة والتعايش الفلسطيني بين الفصائل، وكيف يمكن إحباط مشروع الاحتلال الرامي إلى تكريس العزل والفصل والقطع الكامل الشامل بين غزة والضفة، بعد أن كانت تلك المهمات في وقت سابق؛ تتركز حول بناء مقومات الاستقلال والدولة...!