في صباح يوم الأحد بتاريخ ٢٦ سبتمبر، كانت أم يافا على موعد مع الحرية، على موعد لمغادرة سجنها الذي قضت فيه طوال عامين.. كانت على موعد لتعانق أسرتها ورفاقها ومحبيها، وعلى موعد لتعود إلى أحضان شعبها الذي ناضلت وضحت من أجله وقدمت الكثير في سبيل حريته واستقلاله خالدة.. أنت شمس فلسطين تشرق من جديد، وأنت قمر فلسطين يضيء الظلمات وأنت نسر التحدي يحلق في السماء. أنت العزة والكرامة. أنت رمز الصمود. أنت من تبعثين الأمل وتحاربين اليأس. أنت من تقاومي عندما يستسلم الآخرين خالدة.. أنت لست أم يافا فقط؛ أنت أم فلسطين وأم المقاومين. أم يافا أنت سنديانة فلسطين.. أنت الإرادة والشموخ.. وستبقين شامخة مرفوعة الرأس كشموخ جبال فلسطين سيبقي رأسك مرفوعا يعانق السماء. سماء الحرية وستبقى أقدامك راسخة مغروسة في الأرض، كما هي جذور التين والزيتون.. نعم إنه يوم من أيام فلسطين؛ أيام العز والكرامة وأنت تغادرين ظلمات السجن إلى فضاء الحرية، ما أجمل هذا اليوم يا خالدة وهو اليوم الذي تجسدت فيه المقاومة بكل معانيها، عندما تصدى المقاومين الأبطال من أبناء شعبنا في القدس وجنين لقوات الاحتلال الصهيوني، وكأنهم يقولون لك؛ هكذا نستقبل المقاومين، مؤكدين أن خيار مقاومة الاحتلال هو الطريق إلى تحرير فلسطين، وليس طريق المفاوضات ومناشدات الأمم المتحدة التي مضى عليها سنوات؛ وسنوات ولم تقدم لنا شيئا نقول لك يا خالدة.. إن فلسطين هي الخالدة.. وهم الزائلون. فلسطين هي الباقية وهم الراحلون.. مقاومتنا هي المنتصرة وهم المهزومون.. نعم يا أم يافا عرفناك مقاومة لا تلين عزيمتك ولا تنكسر إرادتك...عرفناك وأنت تقاتلين الاحتلال وعلى كل الجبهات الكفاحية والسياسة والثقافية والاجتماعية... عرفناك وأنت تتصدين لنهج الاستسلام واتفاقيات أوسلو.. عرفناك وأنت المتواجدة في كل الساحات والميادين.. عرفناك وأنت تقدمين العام على الخاص.. تقدمين هموم شعبك وقضيته الوطنية على الهموم الخاصة. ما أروعك يا خالدة وأنت تجيبين على أسئلة الصحفيين وتبتعدين عن ما هو شخصي.. وتؤكدين دومًا أولوية القضية. ما أروعك وأنت تقدمين الدروس للأسيرات الفلسطينيات في سجون العدو وترفعين معنوياتهم وتشدين أزرهم.. نعم أقولها بكل فخر واعتزاز.
لقد مثلت يا خالدة النموذج الإنساني النموذج الثوري، ليس على صعيد المرأة الفلسطينية فحسب، بل على الصعيد الإنساني؛ ندرك يا أم يافا حجم الألم والمعاناة التي عانيت منها عندما استشهدت سهى؛ ابنتك الرائعة، ورفض الاحتلال السماح لك المشاركة في وداعها وإلقاء النظرة الأخيرة عليها في محاولة منهم لكسر إرادتك. لكنك كنت كما أنت دومًا؛ أقوى من الاحتلال.. وودعت فلذة كبدك بوردة وضعت على ضريحها وأثبت للعالم كله كم هو فاشي ونازي وعنصري ولا علاقة له بالإنسانية هذا الاحتلال.
لا أريد أن اطيل عليك.. أيتها الرفيقة المناضلة... مبارك... مبارك الحرية وفي نفس الوقت الذي نبارك لك فيه يجب أن لا ننسى أسيراتنا وأسرانا في سجون العدو، ونؤكد على المسؤولية التي تقع على عاتق الجميع، وخاصة فصائل المقاومة الفلسطينية؛ من أجل العمل على تحريرهم.
ختامًا؛ اسمحي لي أن أقبل يديك وقدميك وأن أطبع قبلة صادقة على جبينك وان أعزيك مرة أخرى برحيل سهى.. على أمل أن نلتقي قريبًا في فلسطين المحررة؛ من نهرها إلى بحرها، هذا الهدف الذي لم يعد حلمًا وأصبح تحقيقه أقرب من أي وقت مضي، خاصة بعد معركة سيف القدس وعملية النفق البطولية.