Menu

عودةٌ إلى الأصل

طلال عوكل

نشر في العدد الأخير من مجلة الهدف الرقمية

تزدحمُ أجندةُ الأحداث، والمناسباتُ التاريخيّةُ الأليمةُ - غالبًا - والجيّدةُ في أحيانٍ قليلةٍ من مجازر أيلول الأسود، عام 1970، إلى مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982، والأحداث الجارية على مساحة الوطن، ليس لنا نحن الفلسطينّيين أن نتوشّحَ بالسواد في كلِّ مناسبةٍ أليمةٍ وما أكثرَها!؛ لأنّها واحدةٌ من سنن الصراع التحرّري ومظاهره، وهي الثمنُ المعلومُ لتحقيق الحريّة والاستقلال، ما يغيظ في عديد المناسبات المؤلمة، هو أنّ بعض هذه المحطّات، تتمّ على أيدي أخوةٍ عرب، ننتمي وإياهم إلى أمةٍ واحدة، وأنّ الثمن في هذه الحالات يصبّ في مصلحةٍ المحتلّ الإسرائيلي.

بعد كلّ هذا الشريط الطافح بالأحداث المؤلمة؛ نقفُ عند الذكرى السابعة والخمسين لتأسيس منظّمة التحرير الفلسطينيّة بقرارٍ من القمّة العربيّة، ربّما كانت الظروفُ – حنيذاك - مختلفةً، وهي التي دفعت القادةَ العربَ إلى اتّخاذ قرار تأسيس المنظّمة؛ بقيادة المناضل أحمد الشقيري، غير أنّ الظروفَ تغيّرت جذريًّا بعد أقلّ من ثلاثِ سنواتٍ على إعلان التأسيس، حيث حلّت هزيمةُ حزيران عام 1967، واندلعت الثورةُ الفلسطينيّةُ المسلّحة.

لا نجد ضرورةً للتذكير في أنّ المنظّمة تشكّل إنجازًا تاريخيًّا للشعب الفلسطيني ونضاله، وستظلُّ على أهميّة مكانتها، حتى لو أقيمت الدولةُ على الأراضي المحتلّة عام 1967، وهي فرضيّةٌ من الصعب تحقيقُها، على أنّ صعوبةَ تحقيق الدولة، وبعد ثمانيةٍ وعشرين عامًا على توقيع أوسلو، الذي يتزامن مع ذكريات مجازر عمان، وصبرا وشاتيلا؛ تفرضُ على الفلسطينيّين إجراءَ مراجعةٍ عميقةٍ واستراتيجيّةٍ، لا يبدو أنّ الظروف الراهنة تتيحها، سيأتي الوقت الذي سيرغم فيه الفلسطينيون على القيام بمثل هذه المهمّة، بما يؤدي إلى إعادة بناء الفكر السياسي، ومعه إعادةُ بناءِ المنظّمة بمعانيها وأبعادها التاريخيّة. لا تبدأ المراجعةُ من أوسلو، وإنّما من حيث، بدأ التغييرُ الاستراتيجي، حيث وافق المجلسُ الوطني على برنامج النقاط العشر والحلّ المرحلي.

مبكرًا أظهرت الحركةُ الوطنيّةُ الفلسطينيّةُ عجزَها الفكريَّ حين اعتقدت أنّ ثمّةَ إمكانيّةً في صراعٍ من هذا النوع، وهذه الخطوة، وهذه الطبيعة، لأنْ يتجزأَ الهدفُ بين مرحليٍّ واستراتيجيّ، اليومَ، يتضحُ على نحوٍ لا يقبلُ التأويلَ؛ أنّ الصراعَ مع المشروع الصهيوني يعودُ إلى أساسه وجوديًّا.