لماذا غابت النكتة السياسية عن الساحة الغزًية ؟ سؤال يبدو غريباً.. ففي الوقت الذي اشتهر فيه أهل غزة بالشجاعة وبأكل الفلفل الحار "بضم الفاءين" وبالتالي العصبية الزائدة .. وكذا النكتة السياسية التي تحتاج إلى شيء من الشجاعة كما ذبح العجول من باب الكرم "ولو على خوازيق".
نقول: غابت النكتة السياسية على ما يبدو لأن الفلفل لم يعد حارا كما الحالة السياسية في القطاع , فحرارة السياسة وسخونتها في غزة كان وقعها أكثر حرقة من "الشطة".
أسباب كثيرة جعلت الغزيين غير مكترثين لا بالنكتة ولا بأبطالها من الساسة، فالساسة العظام يبدؤون صباحهم بتقرير يقدمه مختصون عن آخر النكات التي قيلت فيهم .. كون النكات الشعبية تعبر دائما عما يريد الشعب قوله بطريقة مبطنة .. والنكتة السياسية بالذات تعد ترمومترا يظهر مستوى الرضا والسخط الشعبي وتعبر بجلاء عن هموم البسطاء والمسحوقين ممن يصعب عليهم المصارحة أو التعبير عن آرائهم بطريقة ديمقراطية ..
فالنكتة السياسية هي الصوت الخفي لضمير الشعب فهي تحمل كل رفضه وقهره وسخريته
والمعروف أن النكتة انغمرت في الصراعات الاجتماعية والسياسية منذ القدم، وهل هناك من شك من أن المصريين هم الأشهر بين شعوب الأرض بالتنكيت والتفكه على مر الأزمنة، فتاريخهم يقول ذلك، فلقد احتجوا دوماً على السلطة التي كانت دوماً هدفاً سياسياً بحتاً، يجدون ضالتهم في انتقادها وصب اللعنات عليها.
يأتي هذا الاهتمام كون النكتة السياسية تترجم ما يجري على أرض الواقع وتعكس قياسا هاما لمستوى الرضا الشعبي عن أفعالهم، فقد أصبح الساسة اليوم في واد والشعب في واد آخر والنكتة لا واد لها. في حين أن بعض النكات كانت تخرج من أفواه الساسة المخضرمين "محترفو السياسة" في الدول التي تهتم بمصالح شعوبها --خاصة وقت الأزمات والشدائد- حتى ينفسوا عن كبتهم ويفرغوا من غليانهم ويساعدوهم على تحمل الأوضاع والأوجاع .
أما اليوم فلو قطعت غزة سيرا على الأقدام من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها للبحث عن نكتة جديدة لما وجدت أبدا ؛ولو حتى وجها واحدا باسما. فالوجوه عابسة دوما ، تحمل على ما يبدو قسوة الأيام وحروبها ,والأرجل تجر أجساد تعبة تكاد تصل مشوارها بصعوبة تنم عن (قلة الحيلة) والجيوب فارغة ،يبدو أن (قلة العمل) سبب كاف لتجعلها خاوية , ومن أين ستمتلئ؟! فانعكس خوائها على الوجوه فعبست ..قف !
ولكن هذه الجيوب مليئة بالأحلام الوردية والوجوه المغبًرة التي تتوسطها العيون تحدق البصر فيما هو معروض هنا وهناك مما تشته الأنفس. وتحملق في المارة ؛وفي السيارات الفارهة، والذقون غير المهذبة والتي تنم عن عدم التدًين ,توحي بسؤل"لماذا ؟" وفي رأس حاملها السؤال المعتاد "أحلقها لماذا ولا عمل لي؟"أأهذبها ولا زيارة هامة لي؟...فهذا يحتاج إلى هندام جميل ؛والملبس يحتاج إلى جيوب مليئة بالنقود!! و..و.. لتعود الكرًة ( لا شيء يستحق التشخيص!) .. والغريب العجيب في غزة العزة أن موظفوها يخرجون من البنوك أيضا عابسين. خوفا من ملاحقتهم أو سرقة ابتساماتهم الخجولة..والسبب الأهم أن معظم الراتب سيذهب للمدينين.
ورويدا رويدا .. غابت النكتة عن الشارع الغزّي وخاصة النكتة السياسية منذ سنوات عجاف سبع ونيف ؛ولم تعد ترى وجها واحدا غير شاحب أو عابس ، فالوجوه إما تحمل غبارا غزيًا.. أو حرقة شمس تقترب من الأرض رويدا رويدا .. (فجعلت الوجوه كتراب غزة وطينها) أو تجاعيد الوجه التي تقرأ في ثناياها جغرافيا وتاريخ فلسطين , أما الجبين فجيوبوليتيكا العالم يمكنك أن تراها من خلاله ،أما شعر اللحية والرأس فغزاهما الشيب ، فبدا الشاب شيبا والشيب ينتظرون فرجا قريبا (لا بأس..انه غبار التاريخ وتعب الحياة وهمومها)
والصيف قادم لا محالة " يا ساتر يارب من الحر الشديد. (والطوشات المتوقعة).. أما سيدات غزة ونساءها فلا تعرفهن (فالقالب غالب ) سواد عظيم والقادم أعظم.. ويبدو أن عينا واحدة تكفي !!
يا ترى ما الذي يجري.. وجوه تفضل الموت على الحياة.. وجوه تقرأ عليها فقدان عزيز إما ابنا أو صديقا كان ودودا حنونا ,وإما أبا أو أما ،أخا أو أختا ، رفيقا في السلاح أو جار صدوق. أو بيت أو مال أو عمل ،دمار شامل للبشر قبل الحجر مما أفقد غزة أملها في الفرج.
لم استمع قط في السابق أن شابا يافعا في مقتبل العمر قال أنه مل الحياة وشبع منها، إلا أنني في هذه الأيام اسمعها كثيرا. يقول الشاب و بكل أسف " مش فارقة معاي "
هذا الشاب يفكر في بناء مستقبله خريج كان أم عامل فاليوم لا فرق فلا عمل لكليهما ، ولكنهما في نفس الوقت يريدان أن يبنيا مستقبلا و يتزوجا.. والزواج يحتاج الى مصاريف كثيرة (شقة وعفش بيت ومهر , والأهم "عمل" ) في حين أن أهل العروس لا يتنازلون أبدا عن شيء مما ذكرت ؛ بل يتطلبون أكثر ، والأهم من هذا وذاك أن للعروس في الغالب أخا يبحث عن فتاة أحلامه يعيش نفس ظروف سابقيه ويواجه نفس المتطلبات ، فكيف هذا ؟ وتريدون لشاب كهذا أن يبتسم !.
تمر به : السلام عليكم...
يرد : وعليك السلام ؛ ويضيف :تفضل يا رجل..
ترد :شكرا.. تقولها وأنت متأكد من أن الداعي لا شيء يقدمه لك ولو فكرت لهنيهة بالاستجابة لدعوته.. و فعلت ؛ لفعل هو الآخر المعجزات ليقوم بالواجب حتى لو اضطر للاستدانة...هي العادات والتقاليد إذن ..فلس وقلة حيله و عزايم.. عجبي!
فتبقى صامتا (شكرا) وتسير مستقيما في طريقك وتواصل وقبل أن تبتعد يلحق بك
لو سمحت: ترد: نعم... بإشارة سبابته ووسطاه يقول: هات سيجارة ..عجبي!
الوجوه المكفهرة هذه؛ كالأرض العطشى التي تنتظر رحمة السماء من كل الشقاء والتفكير، سواء بالهروب من البلد كالهجرة مثلاً وعبر البحر إلى الموت ، أو الهروب لقفص الزوجية وكلا الأمرين قهر ، والقهر سلاح والنكتة تعتبر سلاح المقهورين سياسيا واجتماعيا سلاح "الصمً البكم العمى" وان كانت دائما همسا بين الناس على الأقل لإقناع الذات برفض الواقع المعاش وتحديه ...و تعكس وجهة نظر مما يحدث وان كان بأضعف الإيمان وما اضطر إليها شعب إلا وكان مقتنعا بأنه سائر لا محالة إلى الهاوية , فالنكتة السياسية مهمتها وضع المجتمعات في صورة الواقع المعاش من اجل عملية تصحيحية لما يجرى ، وتأتي النكتة السياسية بسبب الأوضاع الصعبة تعبيرا ،تهكما أو احتجاجا أو رسالة لمن يهمه الأمر ، وأحيانا تأتي للتنفيس بسبب الفقر والبطالة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة.
لم أستمع منذ فترة زمنية (أكاد أجزم أنها بعيدة) لنكتة ..حتى وإن كانت قديمة أو معادة.. يبدو أن الحالة السياسية التي يعيشها الغزيون كالذي تلقى ضربة أفقدته صوابه ،لا يرى ..لا يضحك.. لا يريد .. لا يدري.. لا يعرف.. لا شيء ..
فحين يبتعد الساسة عن شعبهم وهمومه واجبنا أن نذكرهم بمسؤولياتهم ,فالعديد من زعماء العالم كانوا يتابعون النكتة السياسية التي يرددها الشارع، فمنهم من كان يعتبرها كاستطلاع رأي لسياسته، وآخرين يعتبرونها توضيحاً لمؤشرات صعود أو هبوط شعبيتهم كـ: "تشارل ديغول" الذي كان أكثر ما يزعجه هو أن النكتة السياسية أو الرسم الكاريكاتيري الذي لم يعد يعره اهتماماً في الآونة الأخيرة، فقال: "لقد تدنت شعبيتي في فرنسا، فأنا لا أرى نفسي في الرسوم الكاريكاتورية ولا أسمع أسمي في النكتة السياسية التي تنتقدني" .
وكذلك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي كانت تجمع له جميع النكات السياسية التي أبتلي بها بعد هزيمة 1967 بسيل من اللذعات الناقدة للسياسة المصرية، حتى اضطر إلى إثارة ظاهرة النكتة في خطبة مشهورة له، فلم يطلب المستحيـل، والمستحيــل أن يكف الشعـب المصري عن التنكيـت، بل ناشد الجمهــور أن يتقي الله في نفسه وأن يرشد النكتة بما لا تؤذي الشعور الوطني . فوضع فرقة مخابراتية مختصة لرصد النكات لتحديد اتجاهات تفكير الجماهير الشعبية... كما أن المخابرات المغربية كانت تعنى هي كذلك بالنكت الرائجة بخصوص الملك والعائلة الملكية والشخصيات الوازنة والأحداث البارزة..
الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان أيضاً يبدي اهتماماً بالنكتة السياسية، التي كانت تزعجــه في أحيان كثيرة، إلا أن معرفــة المزاج الشعبي من القضايــا السياسيــة كانت تخفــف من وقعها..
أعرف أنكم تنتظرون جديدها فهاكم بعض منها:
* اصطاد شخص سمكة… فسارع إلى زوجته طالبا منها أن تقليها… لكن الزوجة اعتذرت لعدم وجود زيت بالبيت.. فقال لها: اسلقيها فاعتذرت ثانية لعدم وجود أنبوبة غاز في البيت.. فطلب منها أن تشويها فصرخت الزوجة :لا نملك حطبا ولا فحما… فحمل الرجل السمكة وألقاها في البحر فهتفت السمكة "تعيش الحكومة".
*بعد أن تربع على الكرسي وأثناء حديثه مع أصدقائه بمكتبه الفاخر بالوزارة قال : عندي موظف لم أر أغبى منه قط في حياتي"، فرد عليه احدهم: "وماذا فعل لتحكم عليه بهذا الشكل"؟ فقال الوزير:" لن أجيبك عن سؤالك وإنما سأعطيك الدليل والحجة.. نادى الوزير على الموظف وأمره بالذهاب إلى بيته (أي بيت المتكلم) للاستفسار، هل هو موجود هناك"ذهب الموظف، وبعد فترة رجع وقال للوزير: "آسف سيدي الوزير غير موجود في البيت"، فالتفت الوزير إلى صديقه وقال "رأيت بأم عينك غباء هذا الرجل، كان من الممكن أن يوفر المشوار ويستعمل التلفون ويسأل زوجتي عني".
* كان أحد المزارعين قد اشترى راديو صغير حجمه أقل من حجم كف اليد وقد وضعه فوق بعض البرسيم وراح يستمع إليه وهو يعمل وإذ بالحمار يبتلع الراديو فيما هو يأكل البرسيم وظل الراديو يعمل فلم ينتبه الفلاح إلى ما حدث , لكن أحد جيرانه عرج عليه للسلام فيما هو ذاهب إلى حقله استغرب الجار أنه يسمع صوتا آخر وفى نفس الوقت يتلفت حوله فلا يجد شخصا آخر غير جاره والحمار ( كان الريس يلقى خطابا عبر الراديو في ذلك الحين ) رأى الفلاح صاحب الأرض أن صديقه قلقا ويتلفت حوله , فسأله هل تبحث عن شيء ؟ أجاب الفلاح الزائر : أسمع صوتا يتحدث من صاحب هذا الصوت ؟ قال الفلاح الأول : ألا تعرفه ؟ انه الريس يلقى خطابا .فحدق الفلاح الآخر طويلا في وجه الحمار وهو يقول : والله ما كنت أعرف.. هذه أول مرة أرى فيها الرئيس شخصيا ؟؟
ويذكر أن رئيس دولة عربية فقيرة زار السعودية فأمر الملك بإنزاله في قصر الضيافة فاقترب من الملك وهمس في أذنه : " ياريت تخليها بدل سكن" ...
* اتهم صحفي رئيس عربي بالغباء فتمت محاكمته بتهمة إفشاء أسرار الدولة.
* في جهنم التقي رئيس أمريكي ورئيس عربي .، اجري الرئيس الأمريكي مكالمة لوطنه ودفع مبلغا كبيرا وحين كلم الرئيس العربي وطنه دفع مبلغا اقل.. لماذا؟ لأن مكالمة الرئيس العربي محلية من جهنم الي جهنم.
* رئيس عربي طلب من سكرتيره أن يكتب له خطاب مدته ساعة فقط .. ولاحظ أثناء قراءته للخطاب أنه استغرق ثلاثة ساعات .. فاستدعي سكرتيره غاضبا : أنا مش قلت لك خطاب لمدة ساعة فقط؟ فقال له السكرتير وهو يرتجف : أنا عملت لك أصل وصورتين من الخطاب.
احذر .. في غزة يقولون " الله يستر " إذا ضحكت!