صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية الكتاب الموسوم: بــ "ما بعد الصهيونية"، للدكتور كاظم علي مهدي، بعدد 160 صفحة، "وقفية عبد المحسن القطان للقضية الفلسطينية" ط1 بيروت، شباط 2016م.
يندرج مضمون هذا الكتاب "الدراسة" في سياق الدراسات الفكرية الجادة، حيث يتناول قضيه من قضايا الفكر السياسي الإسرائيلي المعاصر، قدم موضوعا شاملا في متابعه التطورات المستمرة في القضية الفلسطينية خصوصا في ظل استمرار الجدل والنقاش الفكري حول مفهوم ما بعد الصهيونية وطبيعة أطروحاته الفكرية وحول إسرائيل والصهيونية في الإطارين العربي والدولي، فضلا عن تصورات المفكرين والكتاب العرب والإسرائيليين.
لكن التساؤل: ماذا قدمت هذه الدراسة وبينت في معالجتها لموضوع ما بعد الصهيونية؟ وهل يعد "ما بعد الصهيونية" في حكم التيار الفكري؟ ولماذا تعد إسرائيل أنموذجا لدراسة التيارات الفكرية المختلفة؟ وما هي الأطروحات الفكرية والرؤية العربية والإسرائيلية لما بعد الصهيونية؟
قدم الكتاب رؤية شموليه للموضوع دونما تجاهل لخصوصية التفاصيل والجزئيات الدقيقة الموزعة بين المواضيع والتي يصعب دراستها دونما وضعها في إطارها الشمولي الصحيح، وقد تطلب ذلك ـالكثير من الجهد العلمي ودراسة المصادر الكثيرة والبحث عن أصل الأفكار المطروحة في كتابات صانعي القرار السياسي الإسرائيلي والكتابات الصهيونية، فضلا عن تيار ما بعد الصهيونية وفقا لتنوعاتهم الفكرية والعلمية ومشاريعهم السياسية، كما أن حداثة موضوع هذا الكتاب، وقلة المكتوب عنه، وافتقار المكتبة العربية إلى مواضيع متخصصة كهذه، تجعل القارئ العربي في خضم الفهم المعاصر للفكر السياسي الإسرائيلي وتطوراته واتجاهاته المستقبلية المحتملة.
تمثل إسرائيل أنموذجا لدراسة التيارات الفكرية المختلفة في العالم، ومصدر إثراء فكري لأي باحث في هذا المجال، لأنها تعكس سمة المرونة والتنوع الفكري، والقدرة على التجديد الفكري، في ما يتعلق بتحقيق أهدافه، وهذا هو انعكاس لطبيعة سلسله من الهجرات اليهودية إلى فلسطين، التي حملت هذا التنوع من منطلق وجود البيئات والمشارب الفكرية المتعددة والمتنوعة بل المختلفة أيضا، جاء منها هؤلاء المهاجرون اليهود الجدد، فهناك البيئة الليبرالية الغربية والبيئة الاشتراكية ، إضافة إلى البيئة العربية، ولا يخفى بأن هناك إمكانية الاستفادة من أطروحات دعاة ما بعد الصهيونية من أجل دعم الرؤية العربية في إدارة الصراع، لأنها أفكار تناقض الرؤية والمسلمات الصهيونية بل تسعى في جوانب متعددة إلى تقويضها.
معالجه عناوين الكتاب جاءت عبر تحليل الموضوع ووضعه في جوانبه المتعددة ومحاوله استخلاص ما يمكن استخلاصه من أفكار، من اجل الوصول إلى نتائج موضوعيه بشأنها، دون أن يغيب عنه بيان أوجه المقارنة بين الصهيونية وما بعد الصهيونية، في المفهوم وفي أطروحاتهم الفكرية الداخلية والخارجية.
أولا/ مفهوم الصهيونية وتياراتها:
ارتبط مصطلح الصهيونية وتعريفها باسم "جبل صهيون" الذي يقع غرب القدس ، ويحج إليه اليهود هاتفين"رنموا للرب الساكن في صهيون"، ولكن كلمة صهيون تتسع في معناها ورمزها لتشير إلى مدينة القدس، بل هي أيضا "أم إسرائيل" التي سيولد الشعب اليهودي من رحمها، فنجد الكلمة تشير إلى الشعب والأرض معا، لتشمل كل فلسطين فيشكل الحنين إلى صهيون حلم اليهود في العودة إلى ارض الميعاد ومن هنا، جاء اشتقاق كلمه صهيونيه.
قدم الكتاب الرؤية الفكرية للمشروع الصهيوني متمثلا بتيارات الصهيونية، ابتداء بالصهيونية السياسية التي سعت إلى تحقيق هدف بناء الدولة اليهودية مع اختلاف هذه التيارات في الوسائل اللازمة لإقامة هذه الدولة، وقد أسبغت الصهيونية عليها الجانب القومي ليتم استكمال عناصر الدولة ألمتمثله بوجود شعب ومساحه من الأرض أو الإقليم، تقوم عليهما حكومة ذات سيادة، كما بين هذا الكتاب بأنه لاحق لاستكمال عناصر الدولة من ارض وإقليم وحكومة ذات سيادة وتعزيزها بالحصول على الاعتراف الدولي، إلا أن الآمر معكوس في طبيعة تحقيق المشروع الصهيوني، فجاء وعد بلفور ليغلفه بالمشروعية القانونية لليهود في بناء هذه الدولة قبل استكمال جميع عناصرها الأخرى، هنا، تناغمت الصهيونية في تجسيد أفكارها، وأهدافها في صياغة مشروعها الفكري واستكملت مع مقوماتها العملية والمادية من خلال الحصول على الدعم الدولي المستمر.
وعلى الرغم من أن الصهيونية السياسية كانت دائما في حال من الاختلاف مع التيارات الأخرى داخل الحركة الصهيونية إلا أنها استطاعت التكامل والانسجام معها، من اجل تحقيق الهدف مع اختلاف وسيله تحقيقه بين هذه التيارات، فاختلفت الصهيونية السياسية مع الصهيونية العملية حول توقيت وجب حصول الحركة الصهيونية على الضمانات السياسية، وعما إذا كان الاعتراف الدولي سيتم قبل تشجيع الاستيطان الفعلي في فلسطين، أو بعده، لتظهر حلقه الوصل بين الاثنين متمثله بالصهيونية التوفيقية التي امتزجت فيها جميع التيارات الصهيونية، فعملت على الحصول على الوعود والدعم والاعتراف الدولي كوسيلة من وسائل الصهيونية السياسية، وفي الوقت ذاته العمل على استيطان ارض فلسطين كوسيلة من وسائل الصهيونية العملية، حتى إن الصهيونية الثقافية دعمت الحركة الصهيونية عبر تعزيز الرابط الثقافي الذي يربط اليهود بفلسطين. وبرزت الصهيونية التصحيحية إلى حيز الوجود لتصحيح برنامج بازل الذي أقرته الحركة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م، ليصبح أساس برنامجها الجديد. ومع التنوع الموجود في هذه التيارات، وظهرت خلال مراحل متباينة تيارات صهيونيه أخرى لها تصوراتها المغايرة، إقامة دوله يهودية خارج فلسطين، مثل الصهيونية الإقليمية أو لمحاوله حل مشكله الاندماج وأوضاع اليهود في جوانبها ألاقتصاديه والاجتماعية في الدول الموجودين فيها، مثل الصهيونية العمالية أو الاشتراكية، في حين أن الصهيونية الدينية تعاونت مع الصهيونية من اجل إنقاذ وحده الشعب اليهودي والحفاظ على الديانة اليهودية وتراثها الفكري والروحي النابع منها، كما عبرت الصهيونية المقاتلة عن تيار مرحلي في تحقيق أهداف الصهيونية عبر استخدامها العنف والقوه لتصل إلى أعلى مستوى من مستويات التطرف، كما جسدتها صهيونيه الخلاص من خلال حركه "غوش ايمونيم" المتطرفة. وقد شهد انتقال الخطاب الصهيوني المعاصر إلى الصهيونية الاقتصادية اتساقا مع العولمة الاقتصادية التي اختزلت العالم في إطار القرية الكونية.
ثانيا/ أزمة الحركة الصهيونية:
إن التطورات المعاصرة والأحداث المتسارعة في العالم أفرزت الكثير من المستجدات والنتائج على الواقع الإسرائيلي، فقد ظهرت أهداف جديدة لم تستطع الايدولوجيا الصهيونية مواكبتها وتخطيها حتى أنها عجزت عن معالجه قضايا جوهريه مثل العلاقة بين الدين والدولة وهوية الدولة، والعلاقة مع يهود الخارج، وقضيه السلام، نتيجة القصور في عمليه تحديث بنيتها وتحديدا أهدافها الجديدة.
إن تحقيق هدف الصهيونية في بناء الدولة انتصار لأفكارها وإيديولوجيتها ودورها في قياده دفه المشروع الفكري والسياسي من جهة، وافرز تأزما للحركة الصهيونية تتعلق بإعادة تعريف الصهيونية على تحقيق هدف إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين من جهة أخرى، من هنا، طرحت الأفكار حول جدوى استمرار الصهيونية وفقا لتصوراتها وفلسفتها الخاصة بها مع تحقيق الدولة: فهل تصبح أيديولوجيا الدولة وتستمر معها أم ينتهي دورها وتتبنى الدولة إيديولوجيه جديدة تنسجم مع هذا الوضع الجديد؟
في الحقيقة، إن هذا الجدل الفكري مستمر حتى الوقت الحاضر، ويمكن القول إن الصهيونية عانت أزمات في بنيتها ومفاهيمها وأهدافها الآنية، أو التي يجب تحقيقها في المستقبل، ومدى انسجامها مع أهداف الدولة الإسرائيلية وتطلعاتها، هذه التوليفة احتاجت إلى الخروج من هذه الأزمة المتأصلة عبر البحث بها عن أدوار وأهداف جديدة، وخصوصا مبررات استمرار مشروعها الصهيوني، وتحرير يهود العالم الذي شكل التحدي الحقيقي لمركزيه الدولة في تشكيل هويتها اليهودية.
ثالثا/ مقدمات نشأة ما بعد الصهيونية:
1. الشعور بالروح الفردية:
إن تنامي الشعور بالروح الفردية في جوانب مختلفة من المجتمع الإسرائيلي من خلال تغليب مصلحه الفرد على مصلحه المجموع، والمطالبة بضمان سلامته وأمنه في حومه أوضاع عدم الاستقرار وتنامي العنف مثل اندفاعا في الاتجاه المعاكس لرفض التصورات الصهيونية حول حقيقة هذا المجتمع وطبيعته. فقد تغيرت مسالة تماثل مصلحه الفرد اليهودي في جميع أنحاء العالم مع انتصار هدف الدولة اليهودية ونهاية حمله جلب اليهود السوفيت وتلاشي الذكرى الجمعية للهلوكوست.
وقد ارتبط انتشار ما بعد الصهيونية كتيار مؤثر في إسرائيل وخارجها، بالتحولات الرامية إلى تحول الاقتصاد الإسرائيلي من سيطرة الدولة إلى النظام الليبرالي الحر، كما حدث في دول كثيرة عندما ارتبط هذا التحول بانهيار عصر الايدولوجيا، وصاحب سياسة التحرر الاقتصادي في إسرائيل، تدهور الخطاب الصهيوني التقليدي وهشاشته، بقيمه الجماعة لمصلحه القيم الفردية والاستهلاكية التي بنتها بعض الفئات الجديدة في المجتمع الإسرائيلي، مما مهد لنشأة أفكار ما بعد الصهيونية وانتشارها.
2. التحولات العالمية:
إن التحولات العالمية العميقة التي أسهمت في بروز مفاهيم الحركات المابعديه، وخصوصا ما بعد الحداثة، وتيار ما بعد الصهيونية، قد خلقت الحيز الأكبر لإلغاء مفاعيل الصهيونية في القدرة على التأثير في المجتمع الإسرائيلي، وخصوصا مع بداية المرحلة الجديدة في الصراع العربي الصهيوني بتوقيع اتفاقيات أوسلو. ودور الوثائق التي تم الإفراج عنها من الأرشيف الإسرائيلي الخاصة بالسنوات الأولى من قيام الدولة في العام 1948م والتي فتحت أبوابا وأفاقا أوسع أمام الباحثين والكتاب الإسرائيليين لتقديم رؤية مغايره للأطروحات الصهيونية.
3. النشأة الفعلية لما بعد الصهيونية:
يرجع التحليل العلمي لدراسة الاتجاهات المتعددة لحقيقة نشأة تيار ما بعد الصهيونية وولادته، إلى ارتباط، وجود أفكار معارضة للصهيونية أو ظهور الكتابات الما بعد صهيونيه أو نتيجة لأحداث تاريخيه معينه، مثل: اتفاقات أوسلو، والصراع بين اليمين واليسار، كتيارات مؤثره في المجتمع الإسرائيلي في الوقت الحاضر. إذا كان تيار ما بعد الصهيونية يتميز عن غيره من هذه التيارات، إلا أن هذه التيارات هي مظهر من مظاهر هذه النشأة، وتمثل مظاهر (MICRO اللامتناهية في الصغر) أي، جزئيه مهدت لتشكيل الظاهرة (MACRO اللامتناهية في الكبيرة)، أي، الشاملة بمعنى أن المظاهر الجزئية تفاعلت وتعاونت لتستكمل تأثير هذه المظاهر المجتمعة بعضها مع بعضها الآخر في تحديد نشاه هذا التيار، هذا لم يحدث إلا في التسعينيات من القرن الماضي عبر ضعف الايدولوجيا الصهيونية نفسها، وتأزمها، مما فسح في المجال أمام زيادة النقد الما بعد صهيوني، ثم التأثير في المجتمع الإسرائيلي.
إن توقيع اتفاقيات أوسلو، ساهمت في تعزيز نشأة وولادة تيار مابعد الصهيونية، وزيادة النقد المابعد صهيوني، والتأثير في المجتمع الصهيوني، وظهور عالم مابعد أيديولوجي، ومفاهيم مابعد الحداثة، التي تعني أن الحداثة أدت دورها، وفي الوقت نفسه عاشت تناقضات أدت إلى حدوث ما بعدها دون نسيان تأثير العوامل الاقتصادية وانتشار المفاهيم الديمقراطية والتعددية السياسية وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق.
رابعا/ مفهوم ما بعد الصهيونية:
أشار الكتاب إلى تباين المنظور العربي في إشكالية التعريف، لما بعد الصهيونية، فبعضهم في المنظور العربي احتسب الصهيونية حركه احتجاج داخل الصهيونية، تهدف إلى إصلاح الصهيونية وتجديدها. أما بعضهم الآخر، فيحتسبها حركه احتجاج خارج الصهيونية، تهدف إلى تجاوز الصهيونية بأطروحات عصريه جديدة، أما المنظور الإسرائيلي فقد عبر عن تنوع الأفكار والمواقف من دعاة التيار ومعارضيهم، بحسب اتخاذها موقفا ايجابيا أو سلبيا من الصهيونية.
قدم الكتاب تعريفا شاملا بتيار ما بعد الصهيونية باعتباره: "تيار فكري إسرائيلي ظهر نتيجة الأزمة الفكرية المستمرة في الصهيونية منذ نشاه الدولة اليهودية حتى الوقت الحاضر، يضم مجموعه من المؤرخين الجدد وعلماء الاجتماع الانتقاديون وبعض الكتاب في مجالات الفكر والثقافة والفن ضمن إطار اتجاهات تجديدية وانتقاديه وانقلابيه للصهيونية، وتدور أطروحاتها الفكرية حول جعل إسرائيل دوله إسرائيليه طبيعية لكل مواطنيها"، لكن هل ما بعد الصهيونية تيار فكري ؟
إن معنى وصف ما بعد الصهيونية بالتيار ينصرف إلى التعبير عن تعدد الآراء أو المواقف الفكرية تجاه قضايا محددة يجمعهما في إطار موضوعي، المواقف تجاه قضايا محدده يجمعهما في إطار وحده متماثلة بينهما وتاليا لا يعني أن التيار وحده هرمونية بل خليط من مجموعه أفكار متعددة واتجاهات متنوعة.
1. المفاهيم الفكرية المقاربة لما بعد الصهيونية:
يرتبط مفهوم ما بعد الصهيونية ويقارن بالكثير من المفاهيم الفكرية المقاربة، لذا سعى الكتاب إلى توضيح العلاقة بينها وإزالة التشابك والالتباس بين هذه المفاهيم وتميزها على وجه الدقة العلمية، ومن ضمن هذه المفاهيم مفهوم المؤرخين الجدد، وعلماء الاجتماع الانتقاديون الذين يمثلون تيار ما بعد الصهيونية، ويتم وضعهم داخل سلة فكرية واحده تجمع بينهما في إطار هذا التيار، وكانت أفكارهم المنطلق للتحرر من القيود الصهيونية والانتقال إلى ما بعدها، فشكل الهجوم الثقافي ضد الديانة اليهودية والابتعاد عن المفهوم الديني التوراتي للهويه اليهودية ورفضها من اجل تعزيز القيم الفردية الخاصة التي تشكل القومية الإسرائيلية الإطار لها، ومن المفاهيم المقاربة الأخرى مفهوم ما بعد الحداثة التي أسهمت التحولات العميقة والأثر القوي له في إسرائيل، في بروز تيار ما بعد الصهيونية وتناغمت معها، فكما سعت ما بعد الحداثة إلى إدخال تعديلات واسعة النطاق على الصهيونية.
يسعى تيار ما بعد الصهيونية إلى أن يجد له مكانه تميزه عن غيره من تيارات اليسار واليمين، فهو ينتقد وينتقص من التيارات اليسارية ومنها حركه السلام الآن، التي لا ترى الصورة الشمولية لحقيقة الصهيونية كحركة استعماريه كولونيالية، ويقف موقفا يناقض مفهوم الصهيونية الجديدة التي تركز على النظرة التقليدية القائمة على "ارض إسرائيل" أكثر من "دوله إسرائيل". لهذا، فهي تؤكد الطابع اليهودي للدولة في مقابل الطابع الإسرائيلي، وتأخذ بالهوية الاثنية الدينية في مواجهه الهوية المدنية، وان فاعليه احدهما سوف تكون على حساب الآخر، وذلك لطبيعة العداوة المستمرة واختلاف المنطلقات الفكرية بينهما.
خامسا/ الأطروحات الفكرية لما بعد الصهيونية:
لقد حاولت هذه الدراسة تقسيم الأطروحات الفكرية لما بعد الصهيونية التجديدية والانتقادية والانقلابية إلى أطروحات داخليه وأخرى خارجية:
1. الأطروحات الفكرية الداخلية:
أ. فكرة الدولة الإسرائيلية:
استطاع تيار ما بعد الصهيونية أن يقدم أطروحات فكريه حول الدولة الإسرائيلية، ظهرت ولادة هذه الدولة ونشأتها بخطيئة ومن دون شرعية، حتى انه تم اختراع هذه الدولة من ارض إسرائيل وشعبه، لتتلاءم مع الحلم الصهيوني القائم على تصورات "هرتزل" في محاوله خلق الدولة القومية المتجانسة التي تصبح الملجأ الأمن والمستقر لليهود في الهروب والخروج من دول "الاغيار" أو اضطهاد الشعوب الأخرى عبر صيغ وادعاءات متمثلة ب"اللاسامية" والإبادة "الهولوكوست" التي استخدمت لمنع اندماج اليهود وذوبانهم في بلدانهم الأخرى الموجودين فيها، وهو الهدف الذي لم يتحقق حتى الوقت الحاضر، مثل ما أظهر التيار ما بعد الصهيونية، إذ أن الواقع السياسي والاجتماعي لهذه الدولة كان مجرد واقع استعماري تعرض فيه الفلسطينيون أصحاب الأرض الأصليون إلى القتل والإبادة والتطهير العرقي في مدنهم إضافة إلى طردهم وتهجيرهم وخلق مشكله اللاجئين الفلسطينيين، ولا تزال مستمرة في تبني هذه السياسة.
ويكمن الحل لدى دعاه هذا التيار في رفض إيديولوجيا الدولة الصهيونية وتبني مفهوم الدولة الليبرالية المدنية الديمقراطية الحديثة، إسرائيليه إلغاء قانون العودة. ويجب أن لا تستند هذه الدولة إلى المنظور القومي أو الديني للصهيوني المعتمد على نظره أحاديه يهودية تستبعد الآخرين بالضرورة، بل يجب اعتماد المنظور ما بعد صهيوني المستند إلى القومية الإسرائيلية مع تحديد عنصر هذه الدولة المتمثل بالشعب الإسرائيلي، بحيث يشمل كل المواطنين في إسرائيل وخارجها، بغض النظر عن الدين أو الطائفة، أو العرق(الجنس) أو القومية، أو اللغة،أي من دون أن يستثني أحدا.
اعتبر تيار ما بعد الصهيونية المجتمع الإسرائيلي مجتمعا استعماريا استيطانيا، تسوده الروح والنزعة العسكريتين في المجتمع الإسرائيلي، فإسرائيل تنظم من خلالها وعملها وتحدد حدودها وهويتها ومجتمعها واسهم ذلك إسهاما كبيرا في استمرار الصراع القومي، وأعاده إنتاجه. وعملت الصهيونية على تغذية هذه الروح العسكرية من أجل خلق عامل توحيد بين مختلف فئات المجتمع الإسرائيلي في ظل انعدام الأسس التي تحقق العدالة والمساواة في هذا المجتمع، وخلقها حالة التمييز تجاه أفراده من اليهود الشرقيين "السفارديم" والعرب في إسرائيل، مما خلق هوة سحيقة بين مفاهيم الأغلبية والأقلية، تعززت عبر السيطرة الأقلية "الاشكنازية" على المجتمع، إن عدم تضمين مفهوم المواطنة كمصدر للحقوق والواجبات في الدولة يخلق شعورا حادا بتفكيك المجتمع وانحلاله نتيجة الرؤية والممارسات الصهيونية عليه.
ب. الإيديولوجية الصهيونية:
لقد وجه تيار ما بعد الصهيونية نقدا لبنية الإيديولوجية الصهيونية عبر النظر إلى إسرائيل كمجتمع كولونيالي يعد تحولا في إطار المفاهيم والتحليل المقارن المستخدم لتفسير المجتمع الإسرائيلي حتى انه ينكر على الصهيونية أنها حركه إحياء قومي. ومن خلال نقد سلطه حزب العمل السياسية خلال العقود الثلاثة الأولى من قيام الدولة، طرح أصحاب هذا التيار آراء مناقضه للسياسات العمالية ونخبتها، فهذه السياسات عبرت عن تحكم المجموعة الأوروبية بالإطار العلوي العام للدولة في مقابل الاضطهاد وسياسات التمييز اللتين تنتهجهما الدولة، فضلا عن التمييز الذي مارسته الحركة العمالية وحكوماتها ضد المواطنين العرب في إسرائيل في مجالات مثل الإسكان والتعليم والتشغيل والرفاه، وتم استخدام أساليب التحكم والسيطرة على هؤلاء المواطنين من خلال تحويلهم واقعيا إلى مواطنين من الدرجة الثانية، خسارة النظام السياسي نظاما ديمقراطيا، الممارسات العرقية. لذا، ساد نموذج "الدمج المميز" في المجتمع الإسرائيلي ليعبر عن صراع مستمر وحال عدم الاستقرار. وعليه، فان تيار ما بعد الصهيونية لم يقف عند حد وصف المجتمع الإسرائيلي، وإنما الحاجة إلى تغييره عبر طرحه مسالة إدارة مجتمع متعدد الأعراق والثقافات، وفق مبدأي العدالة والمساواة، يتم فيها استبدال الولاء العرقي المتجذر في طبيعة المجتمع الإسرائيلي، نتيجة خضوعها للمفهوم الصهيوني، بالولاء الوطني.
تصل الدراسة إلى أن دعاة تيار ما بعد الصهيونية يخشون من اضمحلال البعد القومي لليهودية وبقاء إسرائيل دوله يهودية كنتيجة متفرعة من نتائج الرؤية والايدولوجيا الصهيونية والدينية المتطرفة والدعوات الخاصة بالصهيونية الجديدة التي عملت على تفكيك الهوية القومية للدولة ككل، وأعطى القومية بعدا دينيا في تعريف اليهودية لتصبح يهوديتها هوية للدولة، مما أدى إلى استثناء مجموعات أخرى لا تعرف نفسها وفقا لمفهوم الهوية اليهودية كيهود. كما أن الهوية لدى الصهيونية متجهة نحو الماضي، نحو تاريخ اليهود والديانة اليهودية والعرق اليهودي، والأرض اليهودية إضافة إلى تأثير فكره الاضطهاد ومعاداة اليهود "اللاسامية"، يدعو دعاة تيار ما بعد الصهيونية بدلا من ذلك إلى اعتماد الهوية الإسرائيلية العلمانية والمدنية قوامها مشروع مستقبلي هو المواطنة الإسرائيلية، إذ ليس السؤال المطروح عندهم "من هو اليهودي" بل "من هو الإسرائيلي". لذا يجب أن نختار إسرائيل بين أن تكون دولة ديمقراطية أو دولة يهودية لوجود تناقض يجمع بين الاثنين في إطار الوصف الذي تعتمده الصهيونية لهوية الدولة بأنها دولة يهودية ديمقراطية.
ج. الديمقراطية والصهيونية:
تعد الديمقراطية قيمة عالمية عامة وفلسفة قائمة بذاتها ولا يمكن لهذه الفلسفة أن تتبنى إيديولوجية أخرى خاصة بدوله إسرائيل هي الصهيونية، والتي تتبنى قيما خاصة بمجموعه من اليهود داخل الدولة وخارجها. وهذا يعد استثناء ترفضه الديمقراطية كونها لا تقبل الحصر والتحديد مع وجود فئات أخرى غير يهودية في المجتمع الإسرائيلي يتم استثناؤهم وفقا لهذا الوصف، في حين يكون هناك يهود خارج إطار الدولة يتم ضمهم ليكون جزءا لا يتجزأ من شعب هذه الدولة.
إن تأكيد ما بعد الصهيونية الحقوق الفردية، يأتي في سياق مواجهة التصور الصهيوني الذي يدعم وجود حقوق جماعية للأفراد على حساب حقوقه الفردية في المقابل، تستثني الصهيونية غير اليهود حتى أنها تميز بين اليهود أنفسهم سواء من اليهود الغربيين أو الشرقيين.
من هنا، عدت القيم اليهودية عائقا أمام تحول إسرائيل إلى دوله ديمقراطية. وقدم دعاه تيار ما بعد الصهيونية وصفا جديدا لحقيقة الديمقراطية كرسه النموذج الصهيوني القائم في إسرائيل عبر ما اصطلح عليه "الديمقراطية الاثنية" الذي هو نوع من الدولة الديمقراطية يتم فيها ممارسه السلطة حصرا من قبل الأكثرية "الاثنية" للتأكد من أن حقوق الأقلية تخضع لحقوق الأكثرية من خلال سيطرة اليهود "الاشكناز" على باقي فئات المجتمع الأخرى، كاليهود "السفارديم" والعرب في إسرائيل لكنها تظل تعمل ضمن نطاقات السلوك الديمقراطي. وهذه الديمقراطية تفتقر إلى البنية الديمقراطية التي تميز جماعات متعددة، منهم أصحاب الأرض "الفلسطينيون" ومنهم الجماعات المهاجرة "اليهود" من عمق حال عدم المساواة بينهم لان الحقوق الديمقراطية لا تمتد إلى أعضاء الجماعات المستبعدة أو المهمشة، مهما تتعدد الأسباب. وطالما أن الديمقراطية تكون ممثله جميع أفراد المجتمع وليس الأكثرية فقط، يصبح ذلك متناقضا لمبدأ الديمقراطية التي تعد المساواة أساسها وجذورها ويجب أن تكون هذه المساواة قائمه على فكره تحقيق مبدأ المواطنة الذي يتضمن الحق في معاملة البشر بالمساواة عندما يتعلق الأمر بإدخال الخيرات الجماعية المتعلقة بالدولة الديمقراطية الحديثة.
د. أطروحة الهولوكوست:
شكلت أطروحة "الهولوكوست" الوجه الفكري المعاصر لمعاداة السامية في الفكر السياسي الإسرائيلي وقد برزت "الهولوكوست" كقضية مهمة من سلسله الادعاءات الإسرائيلية باتهام الاغيار بمعاداة السامية، فاليهود ـــــ حسب هذا الادعاء ـــــ يعانون التمييز ومضطهدون في كل زمان ومكان فقط لأنهم يهود. وعدت هذه القضية أحد أهم المبادئ والمسلمات الأساسية غير القابلة للجدل والنقاش، ومن أكثر المسائل حساسية داخل المجتمع الإسرائيلي بالنسبة إلى الكثير من اليهود فهي ذو طابع استثنائي ومقدس ومطلق. وحكمت هذه القضية علاقات إسرائيل مع المحيطين الداخلي والخارجي أيضا.
إن الصهيونية قامت بتوظيف المشاعر العدائية من اجل منع اليهود من الاندماج في الدول التي يعيشون فيها، وكسب عطف دول العالم لتسهل الهجرة اليهودية ودفعهم إلى فلسطين، ومن ثم لتسويغ إقامة الدولة اليهودية، وعلى الرغم من مسؤولية الصهيونية من بعث "اللاسامية" في صوره جديدة هي "الهولوكوست"، وخلقها حاله أو عقده الخوف لدى اليهود من الأخر، إلا أنها عملت على تجريم غيرها، إذ حاول هذا الأخر نفيها أو حتى التشكيك بأي شكل من الأشكال حولها.
وحسب التحليل الما بعد صهيونيه، فان اليهود كانوا وسيلة من وسائل تحقيق هدف الصهيونية المتمثل ببناء الدولة، وتم الاستغلال السياسي والتوظيف المستمر "للهلوكوست" من طرف إسرائيل إلى حد وصفها بالصناعة الاستغلالية في خدمه الأغراض السياسية والمصالح الاقتصادية من اجل تكثيف موجات الهجرة إلى إسرائيل والابتزاز السياسي للضغط على الكثير من الدول وفي الحصول على الدعم والمساعدات والتعويضات الدولية منها.
2. الأطروحات الفكرية الخارجية:
أ. الجانب الفلسطيني:
ترتبط الأطروحات الفكرية الخارجية لما بعد الصهيونية بالجانب الفلسطيني، فقد حظيت القضية الفلسطينية وجذور الصراع العربي الإسرائيلي باهتمام كبير من تيار ما بعد الصهيونية، إذ سعى إلى إثبات حقيقة تجاهل وجود الفلسطينيين وإنكار حقوقهم الوطنية من قبل الصهيونية عبر تضمين مفهوم نفي المنفي والذي حمل معه نفيا لتاريخ فلسطين نفسها، ومن ثم رفض استخلاص أية نتيجة سياسيه تترتب على حقيقة وجود الفلسطينيين من قبل القادة الصهاينة، والسرديات الصهيونية الرسمية، حتى أن اتفاقيات التسوية أوجدت الطرف الفلسطيني والحقوق السياسية المترتبة على هذا الوجود.
أكد التيار على النقيض من تصورات الصهيونية، إن أرض فلسطين بلاد مأهولة بالسكان العرب وليست أرضا بلا شعب، وأن الصهيونية تنصلت من مسؤولية المأساة الفلسطينية وتحميل هذه المسؤولية للجانب العربي، وأنكرت الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهو ما كان السبب الرئيسي للصراع بين الطرفين، وهما: الطرف القومي الفلسطيني العربي والطرف الإسرائيلي، على الرغم من أن الصهيونية حاولت جعله صراعا مع القومية العربية ككل. إضافة إلى ما تقدم، قدمت التصورات الما بعد الصهيونية دراسة التناقض الأكبر في وعد بلفور عبر دعمه حق الأقلية اليهودية القاطنة في فلسطين في تقرير المصير، بينما ينكر هذا الحق على الأغلبية الفلسطينية.
إن هذا الوطن القومي الذي وعد به اليهود لم يحدد بوضوح أبدا، ولم تكن له سابقه في القانون الدولي، فقد كان في طليعة الأهداف الملحة للصهيونية تحويل العرب الفلسطينيين الذين كانوا الأغلبية في فلسطين إلى اقليه وعملت على تحقيق ذلك عبر زيادة معدلات الهجرة اليهودية وتوسيعها، ويطرد الفلسطينيين من ديارهم. إن عمليه الطرد هذه خلقت مشكله اللاجئين الفلسطينيين.
إن تيار ما بعد الصهيونية يعمق فكره الترانسفير، أي فكره تهجير الفلسطينيين وذلك بإرجاع جذورها إلى الفكر الصهيوني منذ تأسيسه، وأنها لم تولد في سياق عام 1948 فحسب، وأن إسرائيل تتحمل مسؤولية نشوء هذه المشكلة، بسبب سياسة الصمت التي اتبعها القادة وعدم السماح بعوده اللاجئين في وقت لاحق. وقامت إسرائيل بعمليه التطهير العرقي والطرد الجماعي للفلسطينيين طردا منهجيا نتيجة عده أسباب تتعلق بالخسارة العربية للحرب عام 1948م أو كنتيجة من نتائج الحرب، أو نتيجة التفكير الصهيوني السائد حول تأييد موضوع الترانسفير قبل عام 1948م إضافة إلى مخاوف العرب واليهود، أو أثناء الرد اليهودي على الهجمات الفلسطينية على المستوطنات أو حفزه قادت إسرائيل من السياسيين والعسكريين. وكشف أغلبيه التيار ما بعد الصهيونية أن أساس الطرد كان كامنا في خطه دالت التي صاغت استراتيجيه صهيونيه لإدارة الحرب قبل اندلاع المعارك بعد أسابيع. كان المعنى الحقيقي والعمل للخطة هو تفريغ القرى العربية من سكانها وتدميرها. وفي الأحوال كلها، لم تسمح إسرائيل للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم وقراهم ومدنهم.
ب. الجانب العربي:
إن مناقشة الأطروحات الفكرية الخارجية لما بعد الصهيونية على الجانب العربي، ومن بينها حرب 1948 التي حازت اهتماما واسعا من قبل دعاه تيار ما بعد الصهيونية فالقادة الصهاينة رغبوا في الحرب، وقيام المأساة الفلسطينية لتحقيق هدف تأسيس الدولة وإعلانها، وتوسيع السيطرة اليهودية من جهة، وطرد الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم من جهة أخرى، ويذهب دعاه ما بعد الصهيونية إلى أن إسرائيل أثناء حرب 1948م لم تعان ضعفا عسكريا، وهو ما تذهب إليه السردية الرسمية الصهيونية، بل كانت تتمتع دائما بتفوق عسكري في مواجهه القوه العربية التي عاشت غيابا تاما لخطه متجانسة لدى الجيوش العربية. وعليه، لم يواجه الوجود اليهودي في فلسطين عام 1948م أي خطر حقيقي، وكشف أصحاب تيار ما بعد الصهيونية المجازر الكثيرة التي حدثت أثناء الحرب، وكان عدد المجازر التي نفذها الصهاينة 24 مجزره، منها مذبحه دير ياسين التي ارتكبها اليهود، واشتملت على أعمال ممارسه العنف والقتل ضد السكان الفلسطينيين.
ج . قضية السلام:
شكلت قضيه السلام لأطروحة تيار ما بعد الصهيونية ميدان بحث مستمر في أفكارهم، وتم طرح الكثير من الأفكار التي ذهبت إلى أن حكام إسرائيل لم يقوموا بأي محاولات للسلام مع البلدان العربية، ولم يكونوا مستعدين لتقديم أيه تنازلات عن الأرض من اجل السلام. في مقابل ذلك توافر استعداد في العالم العربي ولدى الزعامة الفلسطينية بعد حرب 1948م للتفاوض على أساس التقسيم والقرار الذي يطالب بعوده اللاجئين الفلسطينيين.
إن الإقرار باستحالة استواء الصهيونية مع الرغبة في تحقيق السلام، يمثل جوهره تيار ما بعد الصهيونية الذي يرى أن إقامة السلام مع العرب يتم عبر التوصل إلى فهم متبادل ومشترك لكل مجرى في حرب 1948م التي صاحبت ولادة الدولة اليهودية، وبذل جهد مشترك لأزاله أوجه التمايز والاختلاف بين التصورين الفلسطيني والصهيوني، وضرورة قيام المصالحة بين الطرفين، التي تعني القبول ببعض افتراضات الطرف الأخر، والاستعداد لتحمل مسؤولية الأخطاء.
سادسا/ الرؤية العربية والإسرائيلية لما بعد الصهيونية:
تحاول الدراسة تقديم الجدل حول تيار ما بعد الصهيونية في إطار الرؤيتين العربية والإسرائيلية المنقسمتين، بين من يدعم أطروحاتهم الفكرية و يركز على أهميتها ومدى تأثيرها في الداخل الإسرائيلي، وخارجه وبين اتجاه آخر يرفض هذه الأطروحات وينتقص من أهميتها.
أ. الرؤية العربية:
ضمن سياق الرؤية العربية هناك، الاتجاه الأول: المتجاهل أهميه ما بعد الصهيونية الذي حاول أن يضعها في سياق الرؤية الصهيونية أو الرؤية العاجزة أو المبتورة التي لا ترى حقيقة ألصوره كأمله بل مجرد مواقف فكريه تجاه قضايا معينه يشوبها عدم اليقين وعدم الوضوح.
الاتجاه الثاني: حاول وضع أطروحات في إطار دعم الرؤية العربية لكنها لم تصل إلى مستوى حقائق الكاملة التي قدمتها هذه الرؤية ولا إلى نهايتها والذي يجب أن يتم عبر اتخاذها مواقف عمليه ومثمره ضد المواقف الصهيونية.
الاتجاه الثالث: المتفاعل الذي يرى وجوب التعاطي مع التيار، كونه فتح باب النقد والتشكيك والتفكيك للمرجعيات والحقائق الصهيونية وسقوطها وتأسيسه منطلقات جديدة يمكن وصفها بالمفتوحة وخصوصا أن البناء الصهيوني يحتاج إلى معاول لتهديمه، والذي من الممكن أن يكون ما بعد الصهيونية أحدها. وعليه، يرى ضرورة قيام خطوة مشابهة في الاتجاه العربي عبر تأسيس أفكار مشابهه تؤلف نوات مدرسة عربية فكريه جديدة تقوم بالنقد والتشكيك في القضايا المشتركة ذات الصلة بالموضوع.
ب. المجتمع الإسرائيلي:
يتضح من خلال استعراض الكتاب وجود تأثير واسع لتيار ما بعد الصهيونية في المجتمع الإسرائيلي الذي يخوض عملية مستمرة من التفاعلات الفكرية والسياسية يقوم بها كثيرون من المفكرين، حاملي الأفكار والرؤى المتناغمة تارة، والمتصادمة أو المتنافرة تارة أخرى. وتسود في هذا المجتمع مجموعه من التيارات اليسارية واليمينية وتيار ما بعد الصهيونية التي تجسد حال التقارب أو التصادم والتنافر، في مقابل ذلك هناك استمرار لتأثير أفكار ما بعد الصهيونية في الداخل الإسرائيلي وخارجه، وفي أكثر من مسار، وعلى الرغم من الترحيب الذي يشوبه الحذر أو التحذير الخافت المناوئ لهذا الموضوع ـــ إن صح التعبير ـــ إلا أن أفكار ما بعد الصهيونية مستمرة وستدعم أفكارها عبر استمرار الكتابات الإسرائيلية وفتح أفاق جديدة، تستلهم نتاجات فكرية ومواضيع أخرى، أو حتى تشجيع إنتاج باحثين جدد وخصوصا في ما يتعلق بالروايات والسرديات الصهيونية السابقة، وفتح باب التحرر من قيودها المفروضة، التي تحاول رفض هذه الأفكار أو مقايضتها أو التخفيف من أهميتها وتأثيرها في إسرائيل.
وأخيرا، فإن مستقبل دعاة تيار ما بعد الصهيونية وقدرتهم على التأثير في المجتمع الإسرائيلي مرتبطان بصورة كبيرة بالتطورات السياسية والأمنية وعمليه السلام في إسرائيل على الساحتين الفلسطينية والعربية ومدى إمكانية الكتابات الجديدة واللاحقة، وقدرتها على تجاوز الأفكار الصهيونية إلى ما بعدها.
.....................................................................................................
المرجع: الدكتور كاظم علي مهدي، كتاب "مابعد الصهيونية"، صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بعدد 160 صفحة، "وقفية عبد المحسن القطان للقضية الفلسطينية" ط1 بيروت، شباط 2016م، وهو عبارة عن دراسة اشتملت على قائمة من المراجع، تضمنت، كتب عربية وأجنبية ودوريات وندوات ومؤتمرات ودراسات ومقالات، جميعها ذات صلة بموضوع الكتاب الذي احتوى على أربعة فصول انعكست في "الإطار المفاهيمي"، و"الأطروحات الفكرية الداخلية والخارجية" و"الرؤية العربية والإسرائيلية لما بعد الصهيونية" مع بعض التفاصيل والعناوين الفرعية الجزئية.