في سياق المناورات الحربية الإسرائيلية المتصلة شهدت الجبهة الداخلية الاسرائيلية المناورة السنوية، والتي أُطلق عليها هذا العام اسم "نقطة تحول 21"، شكّلت فرصة في إعادة تسليط الضوء على توقّعات الحرب المقبلة وسيناريوهاتها، مع التركيز على وضعية الجبهة الداخلية في أي مواجهة مستقبلية. وركّزت المناورة على ثلاث نقاط؛ الأولى: تتعلق تحديداً بعدم اكتمال جهوزية الجبهة الداخلية، التي ستكون عُرضة لهجمات صاروخية "كبيرة جداً"، بمعدل 2000 صاروخ يومياً، والثانية، تتعلّق بالتطوّرات والتحسينات النوعية في القدرات الصاروخية ل"محور المقاومة، مع ترسانة ضخمة، تزيد على 100 ألف صاروخ"، والثالثة، لها علاقة بالعِبَر المستخلصة من حرب "حارس الأسوار"، في كل ما يتعلق بحراك فلسطينيي الـ 1948، وسبل التصدي لحراكهم، واحتوائه في أسرع وقت، وأقل تكلفة- وكالات- الجمعة 05 نوفمبر 2021"، وتضاف هذه المناورة العسكرية إلى سلسلة لا حصر حصر لها من المناورات العسكرية الاسرائيلية الدفاعية.
ففي المشهد العسكري الإسرائيلي نتابع منذ سنوات بشكل عام، وفي الآونة الأخيرة على نحو خاص، ازدحاما وتعاظما فيما يسمى المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية التي تحاكي حروبا قادمة في لبنان أو في الإقليم، بل وفي أعقاب تعاظم التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية حول التهديدات الحقيقية الكامنة لهم في الجبهة اللبنانية والفلسطينية، أخذت القيادة العسكرية الإسرائيلية تزيد وتراكم من المناورات والتدريبات العسكرية الاستعدادية لحروب زلزالية قادمة لم ترد في حساباتهم.
ففي أحدث تطورات المشهد العسكري الحربي التصعيدي الإسرائيلي في هذا السياق، اعترف قائد لواء الإخلاء والإنقاذ في الجبهة الداخلية الصهيونية المنتهية ولايته العقيد "يوسي بينتو"، قائلا: "أجرت إسرائيل مؤخرا مناورة كبيرة لم يجرِ مثلها في تاريخ الجيش الإسرائيلي- الصحافة العبرية"، السبت 27 يونيو 2020 –"، وأوضح "أن المناورة حاكت حدوث دمار مضاعف وشديد وخراب لم نشهد مثله منذ سنين طويلة، يتخلل ذلك عشرات المحاصرين تحت الركام بينهم قتلى وذلك بفعل صواريـخ دقيقـة تحمل رأس حربـي يزن مئات الكيلو غرامات من المـواد النـاسفة موجود مثلها حاليا في قطـاع غـزة وفي لبنان".
ثم انطلق في شباط،2021 في إسرائيل تمرين عسكري مشترك مع قوات أمريكية يحاكي تعرض البلاد لتهديدات صاروخية وجوية. الخميس 04 فبراير 2021"، وقال أفيخاي أدرعي، المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، في بيان له أنه أُطلق على التمرين اسم “جونيفر فالكون، وأنه "يحاكي التمرين سيناريوهات مختلفة تتعرض فيها إسرائيل لتهديدات إطلاق صواريخ وتهديدات جوية أخرى".
وقبلها كشفت صحيفة هآرتس العبرية الأحد 2018-2-4 النقاب عن "أن الجيش الإسرائيلي أجرى أكبر مناورة عسكرية للواء المظليين بمشاركة وحدات خاصة استعدادا لسيناريوهات عسكرية للتعامل مع أحداث صعبة على خلفية التوتر الأمني على الحدود الشمالية". وأوضحت الصحيفة "أن تلك المناورة التي تعد الأكبر والأضخم نفذت في منتصف العام/2018"؛ مشيرةً إلى أنها "أول مناورة قام بها لواء المظليين بهذا الحجم منذ عام 2012".
ومن جهة أخرى، وفي خضّم التصعيد الخطير على الجبهة الشماليّة بين إسرائيل ولبنان، أكّدت المصادر الأمنيّة الإسرائيلية أنه بدأت صباح الأحد الأحد 04 مارس 2018 "تدريبات عسكرية مشتركة، للجيش الإسرائيلي والأمريكي، تحاكي وقوع حرب على إسرائيل"، ووفقا لوسائل الإعلام العبرية تحاكي التدريبات حربا شاملة وتعرض "إسرائيل" لهجمات صاروخية من عدة جبهات وخاصة من الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة والجبهة الشمالية مع حزب الله". ويشار إلى أن هذا التدريب الدوري السنوي، المسمى "جونيبر كوبرا"، يجرى في إسرائيل للمرة التاسعة، ولقد تم تنفيذه لأول مرة في العام 2001، وهو بمثابة التدريب الأضخم المشترك بين الجيش الإسرائيلي والأميركي". كما بدأ الجيش الإسرائيلي صباح الثلاثاء- الثلاثاء 19 مارس 2019 ب"إجراء تدريبات عسكرية واسعة في منطقة رأس الناقورة ونهاريا، شمال "إسرائيل"، حيث أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، "أن المناورة تأتي في إطار جدول التدريبات السنوي لعام 2019، حيث أنها تهدف إلى الحفاظ على كفاءة وأهلية القوات". كما أجرى الجيش الإسرائيلي تدريبات عسكرية بعدة مستوطنات في منطقة الجليل الأعلى، استمرت عدة أيام، بحسب ما ورد في وسائل الإعلام العبرية.
وكانت صحيفة "معاريف" العبرية – الأحد 07 يونيو 2020 – قد نقلت على لسان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أن التدريبات جرت في مستوطنات "جورن" و"شلومي"، وقرية زرعيت، ومنطقة عرب العرامشة بالجليل". وبحسب الصحيفة، أضاف الناطق، إلى "أن هذه التدريبات تهدف لرفع الكفاءة القتالية لدى الجنود، وأنها معد ومخطط لها بشكل مسبق، وهي جزء من خطة التدريبات للعام 2020".
كما أجرت كتائب لواء جفعاتي في الجيش الإسرائيلي تدريبات معقدة استعدادا لحرب مقبلة مع لبنان، والتي انطلقت منذ بضعة أشهر، وذكرت القناة 7 العبرية- الإثنين 22 يونيو 2020 "أن الكتائب المختلفة في اللواء أجرت تدريبات في تضاريس معقدة وصعبة تحاكي حرب مع لبنان على الجبهة الشمالية". وقال القائد في اللواء دانيال أيلا: "نحن في تدريبات تحاكي تحديات سنواجهها في الحرب القادمة في الساحة الشمالية، ونجمع بين قدرات كل كتيبة هنا في المشاة والدروع والهندسة والاستخبارات، من أجل الوصول إلى استعداد كامل للحرب القادمة، وسنفوز في الحرب". بدوره قال قائد لواء جفعاتي العقيد إيتسيك كوهين: "إن لواء جفعاتي في نهاية تدريبات مهمة وقوية للغاية وبكل فخر جاهزون ومستعدون لأي مهمة". وكذلك؛ كشف النقاب قبل ذلك عن أن الجيش أدخل تحسينات على وحدة "نحال" وتدرب على زج قوات المدفعية للقتال البري في الحروب، كما انتهى الجيش من مناورة بحرية تعتبر الأكبر منذ سنوات-الصحف العبرية-2018-02-11 -، في الوقت الذي أجرت الطواقم الطبية التابعة للواء النار المدفعي 282 مناورة عسكرية تحاكي سيناريوهات تقديم العلاج اللازم للجرحى تحت رشقات النيران في ميدان المعركة.
ووفقا لموقع الجيش، فإن الحديث يدور عن مناورة تعتبر الأولى من نوعها في لواء النار المدفعي 282، حيث تدرب الجنود على تقديم الإسعافات الأولية اللازمة للجرحى، علاوة على أن الهدف المركزي من المناورة يتمثل في التدرب على زج قوات المدفعية في إطار القوات المناورة المقاتلة الأخرى من المشاة والدبابات والهندسة، الأمر الذي يتدرب عليه الجيش استعدادا للمعارك المقبلة.
وبحريا، ذكر موقع "واللا العبري-2018-02-11"، بأن سلاح البحرية أجرى خلال الأسبوع الماضي مناورة بحرية تعتبر الأكبر منذ الأعوام الأخيرة، حيث شارك في المناورة كل من أسطول سفن الصواريخ وأسطول الغواصات ووحدة الكوماندوز البحري "شياتت 13". ووفقا للموقع، فإن المناورة تحاكي سيناريوهات قتالية بحرية عديدة من بينها سيناريو مواجهة أسطول بحري معاد، بالإضافة إلى سيناريوهات مواجهة التهديدات البحرية من كل من تنظيمي حماس وحزب الله.
ما سبق يعيدنا إلى فتح ملفات المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية والأجندة والأهداف المبيتة وراءها؛ ففي الإجماع السياسي العسكري-الاستخباري الإعلامي الإسرائيلي، فإن هذه المناورات العسكرية سواء تلك التي أُطلق عليها "نور دغان- نسبة إلى الجنرال مئير دغان-رئيس الموساد الأسبق"، والتي انطلقت تدريباتها –الاثنين-2017-9-11- على الأرض الفلسطينية الشمالية المحتلة، المتاخمة للحدود اللبنانية، واستمرت عشرة أيام- وكانت الأضخم والأكبر على الإطلاق، التي يجريها الجيش الإسرائيلي، ليس منذ عشرين عاما فقط، وإنما منذ نشأة ذلك الكيان، وبالإجماع الاسرائيلي، أو المناورات والتدريبات التي اجريت لاحقا، وتلك المبرمج أقامتها تباعا، فإنها تأتي تتويجا لسلسلة طويلة من المناورات العسكرية المتصلة، على خلفية العبر والدروس التي استخلصها طاقم تشكل من- 29 – تسعة وعشرين جنرالا، لدراسة أسباب وعوامل الهزيمة أمام حزب الله ، خلال عدوان/2006، وهذا ليس كلاما في الإعلام أو للاستهلاك العام.
المناورات وخريطة الحروب المتدحرجة
فالواضح الموثق، أنهم في ضوء كل ذلك، يربطون هناك في الكيان، ما بين هذه المناورات والتدريبات العسكرية المتواصلة المتتابعة بحساباتهم الاستراتيجية المتعلقة بخريطة الحروب والمواجهات المتدحرجة على الجبهة اللبنانية منذ نشأة تلك الدولة، وهذا ليس تنجيما أو ضربا في الرمل، فالملف اللبناني- الإسرائيلي من وجهة نظر المؤسسة العسكرية الأمنية السياسية الإسرائيلية لم ولن يغلق أبدا، فالذي حدث ل"إسرائيل العظمى" ول"الجيش الذي لا يقهر" في أيار/2000، وكذلك في تموز/2006، كاد يتسبب بانهيار شامل لذلك المجتمع الصهيوني.
ففي تلك الحرب العدوانية، لم تأتِ حسابات الحقل على قدر حسابات البيدر في الاستراتيجية الحربية الاسرائيلية، فانقلبت الامور والاستراتيجيات والاهداف، فكان أن واجهت "إسرائيل العظمى" أعظم إذلال عسكري في تاريخها. فها هو ديسكين-رئيس الشاباك سابقا- يعترف: "أجهزة السلطة انهارت بشكل مطلق أثناء الحرب.."، وشبه الإجماع العسكري والسياسي الإسرائيلي كان على: "أن الصفعة التي تلقيناها من حزب الله أضاعت قوة ردعنا"، و "أن هذه الأزمة لم تشهدها إسرائيل منذ 1948 "، و "أن الحرب أعادت إسرائيل جيلا كاملا للوراء.."، واختتمها المؤرخ توم سيغف مستخلصا: "الحرب على لبنان تحتاج إلى لجنة تحقيق تتألف من كبار المؤرخين".
كما جاءت نتائج حرب تموز/2006 وبالاعترافات الإسرائيلية الغزيرة، لتقلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية رأسا على عقب... ولتتهاوى المفاهيم والنظريات الحربية بقوة مذهلة.... وليتحول المشهد الإسرائيلي من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على حزب الله.. إلى حالة اليأس والإحباط والإحساس بالهزيمة الماحقة لأول مرة في تاريخ تلك الدولة، ولكن لتبقى حروب "الحساب المفتوح" بين "إسرائيل" ولبنان المقاومة والدولة قائمة ومفتوحة...!
المناورات واستنهاض الحالة المعنوية الاسرائيلية
وما بين ذلك المشهد المشار إليه، والمشهد الراهن في لبنان والإقليم، أخذت تقلب كل الحسابات والموازين رأسا على عقب، فقد بات واضحا تماما، أن كل هذه التدريبات البرية والجوية والبحرية التي أجرتها وتواصلها دولة الاحتلال، وفي مقدمتها سلسلة تدريبات المؤخرة أو العمق التي أُطلق عليها: "نقطة تحول.." على تماس مباشر بتلك الهزيمة الحارقة من جهة، وعلى تماس مباشر بالحساب المفتوح من جهته ثانية، ولكنها تؤشر من جهة ثالثة إلى حالة الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي اهتزت بعنف زلزالي في مواجهة تموز/2006، بينما هي تشير من جهة رابعة إلى محاولة المؤسسة العسكرية-السياسية الإسرائيلية استنهاض الحالة المعنوية الردعية للجيش والمجتمع لديهم التي أصيبت في الصميم، في حين أنها يمكن اعتبارها من جهة خامسة، مناورات استعدادية لحرب ثالثة ترجح مختلف المصادر الإسرائيلية المختلفة انها قادمة لا محالة، والمسألة بالنسبة لهم مسألة وقت وتوقيت...! ولذلك؛ يمكن التأكيد على أن كل هذه المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية تتواصل وتتكامل بمنتهى الجدية منذ الهزيمة عام/2006، ف"نقطة تحول" بدأت بالرقم-1- ثم تسلسلت لتصل إلى الرقم-5-... فقد بدأت الأحد 19/6/2011، أضخم عملية مناورات وتدريبات عسكرية حربية صهيونية تحت اسم: "نقطة تحول-5 و6 و.... إلى 10، ثم تواصلت بأسماء أخرى، ثم عادت باسم نقطة تحول 21 التي أجريت الجمعة 05 نوفمبر 2021"، وهذا ما أطلقوه عليها، للإشارة والإيحاء بأن ما حصل في حرب ال/2006 لن يتكرر، وتشكل هذه التدريبات بالنسبة لهم نقطة تحول في الاستعدادات للحرب الثالثة.
المناورات والحرب الثالثة المحتملة
إلى ذلك، فهم على مستوى المؤسسة العسكرية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية، وكذلك على مستوى الرأي العام الإسرائيلي، يربطون ربطا جدليا ما بين هذه المناورات والتدريبات "المتحولة.. المتسلسلة، مرورا بمناورات "نبضة من القلب" الضخمة التي أجريت في شباط/2012، وصولا إلى هذه المناورات الأضخم والأهم بكل المعايير العسكرية الإسرائيلية حتى الآن ..."، وما بين الحرب الثالثة المحتملة التي أطلق عليها بعضهم "الحرب الزلزالية"، بينما أطلق عليها البعض الآخر الحرب المرعبة- نظرا لدخول التهديدات التدميرية والإبادية الشاملة فيها-باتت تهيمن على الخطط والقناعات والمناخات والسيكولوجيا الإسرائيلية..!
فالاإرائيلي عموما، من الرئيس، إلى رئيس الوزراء، إلى الوزراء، إلى كبار الجنرالات والضباط، إلى الجنود في كل مكان، إلى رجال الدين-الحاخامات، إلى رجال الإعلام والإكاديميا، إلى عصابات المستوطنين في أنحاء الضفة، كلهم بالإجماع أصبحوا ينتظرون اندلاع الحرب، ويخشون نتائجها..! بل يبدو أن المشهد الإسرائيلي بات مثقلا بهواجس "نقاط التحول... و"النبضات..." و"نور دغان" و"جونيبر كوبرا"؛ المقترنة بسيكولوجيا الرعب والقلق، وهواجس الوجود، من احتمالية الهزيمة والاندحار ومن احتمالات الانهيار الشامل..!