بينما يغرق بعض العرب-الرسميون- وينخرطون بالوكالة في الحروب الأمريكية-الصهيونية ضد الأمة العربية ومشروعها الحضاري التحرري، وفي ظل المشهد العربي الخراب، فإن الكيان الصهيوني لا يتوقف عن العمل من أجل نحت الرواية الصهيونية المزعومة في كافة الأماكن العربية الفلسطينية، ولعل أخطر ما يجري في هذا السياق، هي تلك الاقتحامات اليومية التي يقوم بها الإرهابيون المستعمرون اليهود يوميًا لمدينة القدس وللمقدسات فيها –الحرم الشريف، وكذلك تلك الاقتحامات الشرسة للحرم الإبراهيمي الشريف وللبلدة القديمة هناك، والتي يتصدى لها ويحبطها المقدسيون وأبناء الخليل. وهذه الاقتحامات تأتي على شكل موجات متلاحقة مبيتة مع سبق التخطيط طبعًا، وهي ليست مجرد اقتحامات واعتداءات إرهابية على المقدسات، ففي المشهد الفلسطيني حروب صهيونية مفتوحة للإجهاز على الأرض والتاريخ والحضارة والتراث وكل المعالم التراثية التي تحكي حكايات الوجود والحضور العربي في هذه البلاد -فلسطين-. حروب صهيونية مفتوحة لاختراع رواية وهوية وحضارة صهيونية مزيفة على أنقاض روايتنا وهويتنا وحضارتنا العربية الإسلامية. وإن كان نتنياهو شن على مدى سنوات حكمه حربًا تراثية حضارية صريحة.. ضد الأقصى وكنيسة القيامة وكل الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.. إلى الحرم الإبراهيمي في خليل الرحمن.. إلى مسجد بلال –قبة راحيل- في بيت لحم.. إلى قبر يوسف في نابلس.. إلى خطة العمل من أجل تهويد نحو 30 ألف معلم تراثي يهودي مزعوم، مع التركيز دائمًا وأبدًا على المدينة المقدسة باعتبارها ”مدينة الآباء والأجداد” لهم، ثم إلى مطالبة الفلسطينيين والعرب بالاعتراف ب”إسرائيل دولة للشعب اليهودي”، فإن ذلك ليس صدفة أو يقظة صهيونية متأخرة أو مفصولًا عن تاريخهم وتراثهم العدواني على هذا الصعيد.
فلا يمكننا أن نفهم هذا الذي يجري على أرض فلسطين والمدينة المقدسة ومدينة خليل الرحمن من هجمات استيطانية تهويدية هستيرية إلا في سياق الاستراتيجيات والأيديولوجيات الصهيونية التي تسعى في الآونة الأخيرة لأن تعطي غطاءً توراتيًا لكافة الإجراءات الجارية على الأرض. وكل ذلك يجري بغطاء عربي أعرابي مباشر أو غير مباشر، فمجرد الفرجة العربية الصامتة إنما هي مشاركة في الجريمة الصهيونية.
فلم يحصل أن شاهدنا في تاريخ الصراع مع المشروع الصهيوني مثل هذا الاستنفار الإسرائيلي وراء مطالبة الفلسطينيين والعرب بالاعتراف ب”يهودية إسرائيل”، ولم يحصل أن كانت أحوال العرب متفككة ضعيفة عاجزة في مواجهة مثل هذا الهجوم الاستراتيجي الإسرائيلي على فلسطين كما هي في هذه الأيام، لنجد أنفسنا فلسطينيين وعربًا في مواجهة هجوم صهيوني واسع النطاق لا يرحم، يهدف إلى اختطاف فلسطين قضيةً وتاريخًا وروايةً إلى الأبد، ما يستدعي أن ينتفض العرب على الواقع الصعب، ليعيدوا حساباتهم وترتيب أولوياتهم في مواجهة ذلك الهجوم الإسرائيلي الصريح، فالغائب المغيب الأكبر في هذا المشهد هو الدور والفعل والإرادة العربية…!
تحتاج فلسطين والأمة إلى استنهاض عاجل للمشروع العربي الحضاري النهضوي الوحدوي التحرري الذي كان حمله ووطنه في الوعي القومي العربي الراحل الخالد جمال عبد الناصر… فهل نرى يا ترى فجرًا عربيًا جديدًا...؟!
في مسألة اليقظة العربية كتب الكاتب العربي الكبير محمد الماغوط في عام 1978 نقلًا عن مقالة للدكتورة أنيسة فخرو- يقول: كيف أوقظ الأمة العربية من سباتها؟ كيف أُقنع الأمة أن أحلام إسرائيل أطول من حدودها؟ فهي لو أُعطيت اليوم جنوب لبنان طوعًا لطالبت بشماله لحماية أمنها في الجنوب، ولو أُعطيت كل لبنان لطالبت ب تركيا لحماية أمنها في لبنان، ولو أُعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية أمنها في تركيا، ولو أُعطيت كل أوروبا الشرقية لطالبت بأوروبا الغربية لحماية أمنها، ولو أُعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية أمنها في القطب الشمالي!".
يختم الماغوط كلماته قائلًا: “كيف أثير نخوة الأمة وغضبها ومخاوفها؟ هل أضع على وجهي قناعًا يظهر سنتي (بيغن) الأماميتين المشؤمتين، وأضع عصابة سوداء على عيني مثل (موشي دايان) وأرعب الأطفال في الليل؟ هل أعرض في الساحات صورًا شعاعية لما يعتمر في صدور شارون وبيريز من حقد وضغينة على هذه الأمة وما يبيتون لها ولشعوبها من قهر وذل وجوع ودمار؟".
فهل يستيقظ العرب العروبيون يا ترى في مواجهة المشروع الصهيوني السرطاني الذي يستهدف الأمة من أقصاها إلى أقصاها...؟!
ما زلنا نتمسك بالأمل بأن فجرًا عربيا نهضويًا تحرريًا آتٍ...!