Menu

التاريخ المنسي- قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، موقف الاتحاد السوفياتي -2

هاني عبيد

بوابة الهدف الإخبارية

أعد دراسة بعنوان "التاريخ المنسي.. قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل"، حيث سأستعرض مواقف الدول التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية وهي: الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وسأنشر تباعاً فصول من هذه الدراسة، ويسعدني أن يشاركني القراء بملاحظاتهم وتعليقاتهم حول هذا الموضوع الهام.  

موقف الاتحاد السوفياتي -2 

اليهود في روسيا بعد ثورة أكتوبر    

كانت كتابات لينين تُبين وجهة نظره والتي تعكس النظرة الماركسية لليهود بأنهم ليسوا شعباً والفكرة التي تقول أنهم شعباً هي فكرة غير علمية وهي رجعية في بعدها السياسي، ولا يمكن القضاء على العداء للفئات الأجنبية بين السكان إلا عندما تندمج هذه الفئات في كتلة السكان وتنزع عنها صفة الفئات الأجنبية.     

ومن هنا وجد اليهود في الأفكار الليبرالية والثورية التي تدعو اليهود إلى الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها طريقة لمقاومة العداء للسامية الذي كان منتشراً وقوياً في روسيا وأوروبة الشرقية مما عرض اليهود إلى موجات من العنصرية والقتل. إن انتشار هذه الأفكار بين اليهود ساهمت في انضمامهم إلى الحركات السرية التي تناضل ضد النظام القيصري، وفي هذا الصدد كتب لينين "حركة اليهود التحررية أوسع بكثير في روسيا بفضل استيقاظ الوعي البطولي في صفوف البروليتارية اليهودية" ]1[.     

كان اليهود في روسيا في بداية القرن العشرين يشكلون 5% من عدد السكان (7 مليون يهودي من 136 مليون عدد سكان روسيا)، وكان اليهود يشكلون ما نسبته 50% من أعضاء اللجان الثورية في روسيا حيث وجد اليهود في المنظمات الثورية الملجأ الوحيد لخلاصهم من الاضطهاد والمذابح فانتسبوا إليها وساهموا في نشاطاتها. لقد راهن اليهود وغيرهم من الأقليات على الحركات الثورية التي كانت نشطة في الإمبراطورية الروسية، حيث رأوا فيها الطريق للخلاص من التمييز والقهر القومي التي كانت سائدة في روسيا.   

أثّر قيام ثورة أكتوبر على وضع اليهود في روسيا، وعندما تشكلت الحكومة المؤقتة كان من أول قراراتها في 4 آذار 1917 هو إلغاء المحاصصة بالنسبة لقبول اليهود في مؤسسات التعليم العالي. وتبع ذلك في 9 آذار من نفس العام قرار اتخذته الحكومة المؤقتة بتفويض وزير العدل لتقديم قانون يلغي كل أنواع التمييز العنصري والديني، وفي 20 آذار فإن الأمير جيورجي لوفوف Georgy L’vov (1861-1925)م المُعيّن حديثاً رئيساً للحكومة أصدر قانوناً بإلغاء كل القيود المبنية على الدين والقومية.

عندما قامت الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917 كان كثير من اليهود في عداد الحزب الشيوعي وتبوأ بعضهم مناصب قيادية في الحزب والدولة، نذكر منهم: ياكوف سفردلوف Yakov Sverdlov السكرتير التنفيذي للحزب (ياكوف سفردلوف (1885-1919)م – ولِد في مدينة نيجني نوفغورد لأسرة يهودية، انضم إلى الحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي في عام 1902م ودعم البلاشفة بقيادة لينين. تعرض للسجن والنفي ولعب دوراً رئيسياً في التخطيط لثورة أكتوبر وعين بعد الثورة رئيساً لأمانه الحزب. ويعتبر أول رئيس للاتحاد السوفياتي رغم أن الاتحاد السوفياتي أعلن بعد وفاته بثلاث سنوات. كان له دور رئيسي في إنهاء الجمعية التأسيسية الروسية والتوقيع على معاهذة بريست. يُعتقد بأن له دور في إعدام عائلة رومانوف. كان من أنصار الإرهاب الأحمر ضد البرجوازية وأنصارها. توفي عن عمر 33 سنة ودُفن في جدار الكرملين).

وجريجوري زينوفييف Grigori Zinoviev رئيس الشيوعية الدولية (جريجوري زينوفييف (1883-1936)م – بلشفي روسي وأحد الأعضاء السبعة في المكتب السياسي الأول عام 1917م والذي تشكل لإدارة ثورة أكتوبر. هو رئيس الشيوعية الدولية ومهندس عدة محاولات فاشلة لتحويل األمانية إلى دولة شيوعية. نافس ستالين لكن الأخير استبعده عام 1926م. وفي عام 1936م كان أحد المُدعى عليهم في محاكمات 1936م الشهيرة وهي محاكمة السبعة عشر والتي أدت إلى إعدامه)، وكارل راديك Karl Radek مسؤول النشر ( كارل راديك (1885-1939)م صحفي بولندي، درس في جامعة ياجيلوفا وشارك في ثورة 1905م في بولندا واعتقل، لكنه هرب إلى ألمانية وانضم إلى الحزب الديموقراطي الاشتراكي. بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى انتقل إلى سويسرا وكان حلقة الوصل بين لينين ويسار بريمن. كان أحد ركاب القطار الشهير الذي أعاد لينين إلى بتروغراد في عام 1917م لكن لم يُسمح له بالدخول فغادر إلى ستوكهولم. بعد ثورة أكتوبر وصل إلى بتروغراد وأصبح نائب المفوض للشؤون الخارجية، شارك في مفاوضات معاهدة بريست. أصبح أميناً للكومنترن وتولى القضايا الألمانية. عُين في عام 1925م رئيساً لجامعة صن يات سين في موسكو ولكنه أقيل في عام 1927م. فصل من الحزب واتهم بالخيانة وأعدم عام 1937م)، ومكسيم لتفينوف Maxim Litvinov قوميسار الشؤون الخارجية (مكسيم لتفينوف (1876-1951)م ولد باسم مائير هينوخ والاش فينكلشتاين وهو يهودي ثوري وبلشفي سوفياتي بارز، ولِد لعائلة بولندية مختصة في الأعمال المصرفية. انضم إلى حزب العمال الاشتراكي الروسي عام 1898م. التقى لينين عام 1903م وشكل ذلك نقطة بارزة في حياته. أصبح في عام 1905م رئيس تحرير أول صحيفة قانونية للحزب باسم "نوفايا شيزن" الحياة الجديدة في سانت بطرسبورغ. هاجر قبل الثورة إلى عدة دول أوروبية وقام بتهريب السلاح إلى الثوار في روسيا. كان مؤيداً للاتفاقيات الدبلوماسية المؤدية إلى نزع السلاح. عين في منصب مفوض الشعب للشؤون الخارجية (بمثابة وزير خارجية) وهو من أعلى المناصب في الدولة السوفياتية)، وليف كامينيف Lev Kamenev (ليف كامينيف (1883-1936)م زعيم شيوعي روسي وأحد أعضاء الحكومة الثلاثية التي تشكلت عام 1924م بعد وفاة لينين وضمت ستالين وزينوفييف. قاد المجموعة البلشفية في مجلس الدوما وترأس تحرير جريدة البرافدا عام 1917م، وعارض ثورة أكتوبر عند قيامها فنفي إلى سيبيريا، ثم تراجع عن معارضته وأيدها. يمت بقرابة إلى تروتسكي حيث انضم إليه في معارضته لستالين في عام 1925م فطرد من الحزب عام 1927م، وفي المؤتمر الخامس أيد ستالين فأعاده إلى الحزب عام 1928م ولكنه فُصل ثانية عام 1932م وأعدم في عام 1936)، وموسيي اوريتسكي Moisei Uritsky ( موسيي سالامونوفيتش اوريتسكي Moisei Solomonovich Uritsky (1873-1918)م ولِد لعائلة يهودية من أوكرانيا، توفي والده وهو صغير واعتنت به أمه، درس القانون في جامعة كييف وانضم إلى حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي. هاجر إلى فرنسا في عام 1914م ولكنه عاد إلى روسيا في عام 1917م وانضم إلى البولشفيك وأصبح عضواً في اللجنة المركزية. تولى بعد ثورة أكتوبر رئاسة البوليس السري في بتروغراد (التي كانت تُسمى تشيكا Cheka) حيث نظم عمليات اضطهاد النبلاء الروس وكبار ضباط الجيش القيصري ورجال الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. عارض اتفاقية بريست واغتيل على يد ليونيد كانيغيسر Leonid Kannegisser أحد الضباط السابقين في الجيش القيصري) وغيرهم.

 

كان اعتناق اليهود للأفكار الثورية بسبب اعتقادهم أنها تُتيح لهم تغيير المجتمعات وبالتالي يمنحهم حقوقاً مدنية ويبعد عنهم شبح التمييز والعنصرية والكراهية. لقد حررت ثورة أكتوبر اليهود واعتبرتهم أقلية قومية لها دينها وتقاليدها ولغتها اليديشية، ونتيجة لذلك شارك اليهود بالاحتفالات التي أصبحت تقليداً في روسيا بعد الثورة (احتفالات عيد ثورة أكتوبر وعيد العمال العالمي في 1 أيار) حيث تُبين الصور الجماعات اليهودية وهي ترفع راياتها أثناء هذه الاحتفالات.

كان البولشفيك يعتقدون أن المساواة القانونية لليهود ستؤدي بالتدريج إلى استيعابهم وانخراطهم في المجتمع الاشتراكي، ولكن الثورة لم تستطع أن تُلغي كل مظاهر العداء لليهود كلياً، وهذا ما أشار إليه المقال الافتتاحي للصحيفة العمالية "رابوتشيا غازيتا" معلقة حول تصاعد عدد المذابح ضد اليهود "يجب أن نؤكد بثقة ووضوح بأن عدة شهور من الثورة غير كافية لإعادة تثقيف الجماهير التي عاشت لقرون في الظلام وفي ظل غياب القانون" ]2[.   

وبما أن الشيوعيين الروس لم يعترفوا باليهود كشعب فبالتالي الزعم بوجود دولة لهم غير منطقي، وبناءً على ذلك أبلغ كارل راديك باسم الكومنترن (الشيوعية الدولية) في عام 1921 الممثلين الفلسطينيين في حزب "بوعالي صهيون" (عمال صهيون) بأن الجمهورية السوفييتية الجديدة ستنقل الجماهير اليهودية في كل بلد للاندماج في العمل المنتج وبالتالي لن يكونوا مجبرين على الهجرة حيث أن برنامج فلسطين هو من بقايا المفاهيم الشوفينية القديمة.

وعندما منح الاتحاد السوفياتي اليهود منطقة حُكم ذاتي في بيروبيجان عام 1934م صرح كالينين رئيس جمهوريات الاتحاد السوفياتي قائلاُ: للبروليتاريين اليهود وطنهم، وهو الاتحاد السوفياتي، ودولة قومية خاصة بهم.  

المراجع:

1. براءة احمد زيدان: السياسة السوفياتية تجاه القضية الفلسطينية. رسالة دكتوراة في التاريخ الحديث والمعاصر، كلية الآداب والعلوم الانسانية/ قسم التاريخ، جامعة دمشق، 2014م.

2. Aaron Levine

Russian Jews and the 1917 revolution. Vol. IV, Issue II.