كعادته، في خطابه قبل بضعة أيام في ذكرى الشهداء العظام، راغب حرب، عباس الموسوي وعماد مغنية، أطل علينا سماحة السيد حسن نصرالله إطلالة الواثق من نفسه ومقاومته، والمؤمن بانتصار محور المقاومة، على كافة الجبهات الممتدة من إيران حتى لبنان ومن اليمن حتى فلسطين، بل وفي كافة الميادين.
ويمكننا القول أن خطاب السيد كان من أهم خطاباته في الفترة الأخيرة، وكان خطابًا استراتيجيًا بكل ما تعنيه الكلمة، خطابًا يطمئن الشعب والمقاومين ويبشرهم بحتمية الانتصار على العدو، لما وصلت له المقاومة من امكانيات تسليحية وبشرية، وتصنيع الأسلحة وتطويرها، وإعداد المقاتلين وتدريبهم والتقدم الكبير والإنجازات العظيمة التي حققتها المقاومة على هذا الصعيد، مقابل تبشيره بتفكك دولة الكيان من داخلها، بحكم التناقضات التي تتسع داخل المجتمع الصهيوني وتهدده وجوديًا.
لقد أصاب السيد كبد الحقيقة عندما قال العدو يتراجع والمقاومة تتقدم، حيث قدم خطابًا استثنائيًا في مرحلة استثنائية، ووضع النقاط فوق وتحت الحروف عندما تحدث عن قدرات المقاومة في وضوح لا لبس فيه ولا غموض.
ويمكن القول أن ما قدمه السيد يمكن أن يطلق عليه خطاب حال المقاومة، وهو الذي كان قد قال، "في كل عام نقف لنقدم للشعب وللمقاومة والشهداء تقريرًا عن حال المقاومة"، وهذا ما حمله الخطاب.
ولا بد لنا قبل الدخول في النقاط الأساسية التي حملها الخطاب، الكلام عن التواضع الكبير والنموذج الصادق الذي قدمه في خطابه، وهذا جزء من صفاته، عندما تحدث عن مسيرة المقاومة وانطلاق حزب الله، وعندما أشار بوضوح إلى دور الفصائل الفلسطينية والأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية المقاتلة في جبهة المقاومة اللبنانية، التي قاتلت العدو قبل قيام حزب الله، مؤكداً على دورها في إرساء وتطوير ثقافة المقاومة ولم يدعِ احتكار دور المقاومة لحزب الله فقط. إن هذا الأمر يدلل على عظمة هذا القائد والنموذج الذي يقدمه.
لقد أعلن نصرالله بلسانه وبوضوح لا لبس ولا غموض فيه، أن المقاومة باتت أقوى من الماضي وحققت من الانجازات الكبيرة التي باتت تهدد العدو ولم تعد تخيفه وتسبب له الإزعاج فقط.
إن أهمية هذا الخطاب كونه يأتي في زمن الانتصارات التي تتحقق لصالح الشعوب، والمتغيرات على الصعيد الاقليمي والدولي، إلى جانب الصعود المتواصل لمحور المقاومة مقابل الانحدار والمنحنى النزولي لدولة الكيان والقوى الداعمة لها. ولعل إرسال الطائرة المُسيّرة "حسان" التي أطلقها الحزب بعد الخطاب، وتحليقها ما يقارب ثلاثة أرباع الساعة شمال فلسطين، دون اكتشافها من العدو، جاءت لتشكل تأكيدًا لقوله، واكتشافًا لقدرة العدو من جانب آخر، وكذلك يؤكد صحة هذا القول والاستنتاج ما يجري داخل المجتمع الصهيوني من تناقضات، باتت تشكل مدخلًا لانهياره من الداخل، في مقابل الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، واستمرار مقاومته لدولة العدو بكل الأشكال، هذ الصمود الذي يبشر بصعود المقاومة.
كما أن ما جرى ويجري في اليمن مؤخرًا، يؤشر إلى حقيقة المأزق الذي تعيشه دول العدوان مقابل انجازات الشعب اليمني، وتوجيهه الضربات إلى الأعداء في عقر دارهم كما حصل في ضرب السعودية والإمارات بالصواريخ والمسيرات. إلى جانب كل ذلك لا ننسى الصمود الإيراني الكبير واجبارها الولايات المتحدة على العودة للمفاوضات حول الاتفاق النووي، وعدم قدرة العدو الصهيوني على التحرك لضرب إيران وتراجع تهديداته، مما يشير إلى عدم قدرته فعل ذلك ولو كان قادرًا لما انتظر.
ولا بد من التوقف أمام التطورات على المستوى العالمي، وأهمها عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية، بما يبشر بانتهاء حقبة وحيد القرن وسيطرة أمريكا على العالم، وفي الوقت الذي تتراجع فيه أمريكا وتنسحب من أفغانستان، نرى روسيا تتقدم وتضع شروطها وترسم خرائطها وتؤكد خطوطها الحمراء، والصين تتقدم بكل قوة لتحتل الموقع الأمريكي وتصبح الاقتصاد الأول في العالم، إلى جانب التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا الذي بات يؤسس لعالم جديد.
نعم لقد جاء خطاب السيد حسن مترافقًا مع كل هذه التطورات الهامة، وعلينا أن لا نكتفي بقراءة المشهد العربي فقط، بل لا بد من قراءة المشهدين الإقليمي والدولي حتى لا نخطئ، فنحن جزء من العالم ولسنا معزولين عنه، نتأثر ونؤثر به. وهنا يجب الاشارة إلى ما ورد في الخطاب بأن الكيان مأزوم وجيشه مهزوم ولا يستطيع حماية نفسه، فكيف له أن يحمي الآخرين في إشارة إلى دول التطبيع؟
في ضوء ما تقدم، ننتقل إلى الرسائل الهامة التي جاءت في الخطاب وتمحورت حول قدرات المقاومة وتطورها:
- الرسالة الأولى: أن المقاومة باتت تملك الآلاف من الصواريخ الدقيقة من خلال قيامها بتطوير الصواريخ التي بحوزتها، ومن خلال خبراتها وما تملكه من طاقات علمية وفنية، ولم تعد بحاجة لإحضار الصواريخ من إيران، كون هذه المرحلة أصبحت خلف ظهر المقاومة، وبالتالي مهما حاول العدو من القيام بعمليات القصف والغارات على سوريا بحجة وقف تزويد المقاومة بصفقات الأسلحة قد ولّت منذ زمن. إن ما جاء في خطاب السيد يعتبر كسرًا للخط الأحمر الذي تحدث عنه قادة العدو، عندما قالوا ليس مسموحًا لحزب الله أن يمتلك أكثر من 1000 صاروخ دقيق، وقال لهم لقد طورنا آلاف الصواريخ الدقيقة بقدراتنا الذاتية.
- الرسالة الثانية: أن المقاومة باتت تملك من الطائرات المسيرة ما يفوق حاجتها، وهي مستعدة للتصدير عندما قال مبتسمًا: من يريد شراء والحصول على هذه الطائرات عليه ان يتقدم بالطلب. وقد جاء إطلاق الطائرة "حسان" في جولة استطلاعية ناجحة في سماء فلسطين وعودتها إلى لبنان سالمة وفشل العدو في إسقاطها، ليدلل – غير ما ذكر آنفًا - أولًا على المستوى العلمي الكبير الذي وصلته المقاومة في التصنيع. ويؤكد ثانيًا على فشل القبة الحديدية ووسائل الدفاع الجوي في عملية التصدي لها.
- الرسالة الثالثة: تفعيل وسائل الدفاع الجوي بما يشير إلى امتلاك المقاومة امكانيات وقدرات لم تعلن عنها وستفاجئ بها العدو.
- الرسالة الرابعة: تعزيز القدرات القتالية والتدريب المستمر الذي لم يتوقف ولا لحظة واحدة، والمقاومة دائمًا كانت تستفيد من الوقت في عملية الإعداد.
نعم لقد وصلت رسائل المقاومة إلى دولة وقادة الكيان الصهيوني وزادت من إرباكهم، وجعلتهم يفكرون ألف مرة قبل مواصلة عدوانهم ويبحثون عن مصيرهم الأسود.
أما في الوضع الداخلي لا بد من التوقف أمام الشعار الذي طرحه السيد للانتخابات (باقون... نحمي... ونبني)، وهذا يحمل العناوين الرئيسة، أن المقاومة وجدت لتبقى، وتبقى لكي تحمي لبنان وشعب لبنان وتدافع عن مصالحة وتحمي لبنان من العدوان من أجل عملية البناء في كافة المجالات، وهذه هي وظيفة المقاومة وليس من هوايتها تجميع السلاح.
وأخيراً، يهمني القول، إن حزباً ومقاومة يقودهما نصر الله، لا بد أن ينتصرا