استحال شعار الدفاع عن أوكرانيا الذي أطلقته دول الناتو إلى شعار تدفيع روسيا ثمن هجومها على أوكرانيا؛ فدول الناتو لا تنوي إرسال قواتها للدفاع عن أوكرانيا، ولم تنوِ ذلك أبدًا في الحقيقة، ولكن بالأساس تحويلها لمتراس وحفرة موت للروس، غير مبالية بمصير الأوكران أو غيرهم.
انسجامًا مع هذا التوجه؛ بدأت عمليات حشد المرتزقة والقتلة والفاشيين المتطوعين من أقطار الأرض وإرسالهم لأوكرانيا، هؤلاء الذين ارتَكَب كثير منهم جرائم حرب لا تحصى في اليمن والعراق وسوريا وأمريكا الجنوبية وغيرها، هم رُسل التحرير لأوكرانيا، وسبقتهم بعشرات الآلاف من الأسلحة النوعية الصالحة للاستخدام الفردي، مضادات للدروع ومضادات للطائرات من كل نوع تم ضخها لأوكرانيا وتوزيعها على نطاق واسع. وسواء استمرت الحملة الروسية على أوكرانيا أو انحسرت، نحن نتحدث عن سلاح في كل يد، يحمله مواطنون أوكران وجنود ومرتزقة قادمين من الخارج، أسلحة مدمرة كفيلة بإشعال حرب مستمرة لسنوات، وإبقاء البلاد كساحة قتال وقتل متبادل حتى لو انسحب الروس منها وأعلنوا إنهاء حملتهم الآن.
لا يخفي المسؤولون الغربيون في تصريحاتهم رغبتهم في إطالة أمد القتال في أوكرانيا لسنوات طويلة، وهذا الهدف المعلن يتم العمل له في كل لحظة، وبينما تبدو هذه البيئة المشتعلة بالقتال والمسلحة حد التخمة، مرشحة للامتداد لغيرها من بلدان أوروبا شرقها وغربها، تتصاعد حملة الإجراءات ذات الطبيعة الفاشية في أوروبا، ويتم خلق بيئة يهيمن عليها التحريض وعوامل التفجير فيما تقصى الأصوات المناهضة للحرب أو المختلفة؛ ظروف تذكر بالتأكيد بعوامل اندلاع الحروب الأهلية أو تفجير الحرب العالمية الثانية.
إن هدف الناتو، وتحديدًا السياسة الأمريكية المهيمنة عليه من هذه الأزمة لا تبدو كاملة الوضوح، ولكن طبيعة هذا الإجراءات تخلق سياق ذو نتائج مدمرة بكل الوجوه، والمؤكد "دفاع" الولايات المتحدة عن أوروبا، سيكون أكثر كلفة بكثير على الأوروبيين من تركها لما اعتبرته الولايات المتحدة "تهديد روسي". هذا الدفاع الإجباري الذي فرض على أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان يعني بالأساس جعل أوروبا منصة للصواريخ الأمريكية النووية وقاعدة لحصار الاتحاد السوفياتي، ومنذاك الحين تبدو كل محاولة أوروبية لنسج سياسات مستقلة نسبيًا أو متصالحة مع جوارها الشرقي موضع لتدخل أمريكي تصعيدي، بالتأكيد ليست الحكومات الأوروبية ضحية بريئة لهذه السياسات، بل إن كثيرًا منها سعي باستمرار للإبقاء على الهيمنة الأمريكية في القارة وخلق الستار الحديدي ضد أي تأثير آخر؛ حفاظًا على امتيازات النخبة الأوروبية واستجابة لخيط ممتد من الرؤى الفاشية الاستعمارية التي ما زالت تهيمن على عمليات صناعة السياسة في هذا الحيز.
إن خلق الرعب من السوفييت والآن من الروس أو من غيرهم، ليس أكثر من وصفة لتصنيع ما هو أكثر رعبٍا، ما قد يمزق العالم بأسره وليس أوروبا فحسب، ولكن يبدو أن صناعة التدمير الممنهج هي أداة دائمة لا يمكن للمعسكر الرأسمالي التخلي عنها او تخيل العمل بدونها، فيما علينا جميعا كبشر أن ندفع الثمن.