Menu

أوكرانيا: وماذا بعد؟

عصام سكيرجي

أحيانا، بل وفي أغلب الأحيان تشبه السياسة لعبة كرة القدم، وكل طرف يسعى لرمي الكرة في ملعب الآخر، والحروب أو العمل العسكري لا يقوم إلا لخدمة الهدف السياسي، وهنا يأتي السؤال ما هي الأهداف السياسية للحدث الأوكراني؟ ماذا تريد الإدارة الأمريكية؟ وماذا تريد روسيا؟

قلنا في مقال سابق، بأننا على أبواب ولادة عالم جديد متعدد الأقطاب، وبكل تأكيد تسعى الإدارة الأمريكية وهي المستفيدة من غياب القطبية، إلى منع هذه الولادة أو على الأقل تأجيلها، وإن لم تستطع ذلك، فستعمل على جعل مخاض الولادة عسيرا، وهذا يفسر الهدف من تحرك الإدارة الأمريكية والناتو نحو ضم أوكرانيا للناتو، بهدف محاصرة الدب الروسي الصاعد، والذي يهدد بكسر قاعدة أحادية القطبية، وهذا يفسر أيضا التحرك الروسي الاستباقي لمنع حدوث ذلك. 

الآن وبعد التحرك الروسي وسقوط الهدف الأول للناتو والإدارة الأمريكية، من الطبيعي والمتوقع أن الإدارة الأمريكية لن تسلم بهذه النتيجة وستنتقل إلى الهدف الثاني، أي تأجيل ولادة العالم الجديد أو جعل المخاض عسيرا، وذلك عبر إطالة أمد الأزمة في أوكرانيا، وفي مخيلة الإدارة الأمريكية التجربة السوفييتية في أفغانستان ومحاولة نقل هذه التجربة إلى أوكرانيا، وهنا يغيب عن بال هذه الإدارة أن أوكرانيا ليست هي أفغانستان، وأن روسيا اليوم ليست هي الاتحاد السوفييتي في آخر أيامه، وأن أمريكا اليوم ليست هي أمريكا الثمانينات، وأن عجلة التاريخ لن تعود إلى الخلف وستواصل الدوران إلى الأمام.

 في لعبة البوكر، يحاول كل لاعب إخفاء الأوراق التي يملكها، وبالطبع الفائز هو صاحب الورق الأقوى، فمن هو صاحب الورق الأقوى اليوم في لعبة السياسة، قلنا أن الإدارة الامريكية وبعد سقوط الهدف الأول، ستقفز إلى الهدف الثاني والمتمثل في التأجيل وجعل المخاض عسيرا، ونشاهد اليوم كيف يتم نقل المجاميع الإرهابية إلى أوكرانيا، والإدارة الأمريكية تعتقد أنها بهذا تمتلك الورقة الاقوى، وهذا وهم أو عمى سياسي أو هو غباء في تقدير قوة الخصم، فمن الغباء الاعتقاد أن روسيا ستقف مكتوفة الأيدي وهي التي تملك الجوكر والأس ولن تتوانى عن استخدامهم عند الحاجة، وهنا لا يذهب أحدكم بعيدا، فأنا لا أقصد السلاح الذري وأسلحة الدمار الشامل، بل أقصد المقدرة على التصعيد وتوسعة رقعة المواجهة أمام الأمريكي، وهناك الشرق السوري والعراق و اليمن وجنوب صربيا (الكوسوفو) وووووو، وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح.. العالم الجديد قادم ولن تستطيع أي قوة منع حدوث ذلك.