بالأمس نظم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط عبر تطبيق زووم إحاطة لِباحثين وإعلاميين من جميع أنحاء العالم، استضاف فيه وزير دفاع الاحتلال الصهيوني الذي تحدث عن الأوضاع في الشرق الأوسط. اللافت في حديث غانتس إشارته عن قطع العلاقة مع إيران، كشرط لعودة سورية إلى الجامعة العربية، ولم يقابل هذا التصريح بأي ردة فعل من قبل الجامعة العربية وأمينها العام.
إعلان موقف الجامعة من خلال وزير دفاع الاحتلال الصهيوني، يعطي مؤشرَا أن اجتماع بئر السبع سلم بالكامل، ولاية أمر الجامعة العربية إلى الكابينيت الإسرائيلي، وأن القوى المؤثرة بمالها في الجامعة، تدفع باتجاه إظهار من هو الأمين العام الفعلي للجامعة العربية. في المقابل أشار رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة، بتصريح: أن الخيانة أصبحت وجهة نظر وخذلان الصديق نباهة والاستقواء بالعدو على الشقيق سياسة حكيمة.
بين تصريح وزير الدفاع ورئيس الأركان الجزائري، تتضح صورة الموقف، أن الجزائر هي التي تقود المواجهة مع إسرائيل التي ما تزال تعتبرها العدو الرئيسي، وأي علاقة معها أو الاستقواء بها هي خيانة، هذا الموقف يعبر عن عروبة الجماهير العربية، ويوضح أن لقاء بئر السبع يعبر عن عروبة النظم التابعة.
إذا كان الشرط الذي أعلنه غانتس هو موقف الجامعة العربية، ولم يخرج عنها موقفًا مضادًا، فهذا يعني أن لقاء ٢٥ آذار ٢٠٢٢ السُداسي في النقب، قد توج إسرائيل ناطقًا رسميًا باسم الجامعة العربية، ويعبر في الوقت ذاته، عن مدى التغول الصهيوني في النظم التابعة وأنها سلّمت أمرها السياسي بالكامل إلى العدو الإسرائيلي الذي يحدد شروطها السياسية والعسكرية ويوضح مدى فقدانها لسيادتها.
إن موقف رئيس أركان الجيش الجزائري، يعبر عن موقف الشعوب العربية من المحيط للخليج، هذا الموقف الذي على جميع القوى دعمه والالتفاف حوله، في ظل ما يخطط له، من أجل تقويض الجبهة الداخلية الجزائرية وصولًا إلى تقويض الموقف الرسمي الجزائري وتطويعه. تطويع موقف الجزائر هو مدخل لتطويع كل الشمال الإفريقي، من أجل سيادة الهيمنة الإسرائيلية عليها.
المعركة التي تخوضها الجزائر من أجل عودة سورية إلى الجامعة العربية هي معركة بالجوهر تعكس الصراع بين موقف الإرادة الجماهيرية العربية وإرادة النظم التابعة التي أعلنت عن تبعيتها للإرادة الصهيونية في النقب الفلسطيني المحتل.
غانتس قالها بالفم الملآن: لا لعودة سورية إلى الجامعة العربية، طالما هي في إطار محور المقاومة، وفي ذات الإحاطة، أشار إلى أنه ينظر بإيجابية إلى رفض السلطة للعمليات الأخيرة، ولكنه طلب منها أن تتخذ إجراءات أكثر صرامة، بحق بعض مسؤولي السلطة في جنين الذين يشجعون الإرهاب حسب قوله.
وفي سياق تغطية الضعف الإسرائيلي الناجم عن عدم إمكانية مواجهة الإرادة الفردية الفلسطينية، أشار إلى أن جيشه يمكنه الرد المتزامن مع التهديدات على أكثر من جبهة، في حين أن أي مدقق في العمليات الفلسطينية الأخيرة، يدرك أن مكمن ضعف الاحتلال الإسرائيلي، يتمثل في ارتفاع عزيمة الجيل الفلسطيني الذي ولد وعاش الانتفاضة الشعبية في عام 1987 واتفاقية أوسلو.
إذا ما أخذنا عدد العمليات الفلسطينية الفردية على مدار السنوات السابقة، فإننا نرى ارتفاعًا وتمايزًا في نوعيتها وتحولها من إرادة فردية إلى مؤشر لإِرادة جماعية فلسطينية، ستضع الاحتلال وأعوانه في مأزق ويطرح ويكشف بذات الوقت، الموقف الغربي اللاأخلاقي بشأن القضية الفلسطينية التي يتحمل المسؤولية التاريخية عن كل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني لم يرتكب جرائم الهولوكوست التي أراد الغرب تعويضهم عنها، عبر إعطائهم الأرض الفلسطينية، خاصة بريطانيا وألمانيا اللتان تَتَزعمان الحملة على روسيا الآن وتتناسى ما ارتكبته بحق الشعب الفلسطيني على مدى ٧٤ عامًا.
ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لكل منهم دورًا في قيام دولة إسرائيل، كَشكل احلالي استعماري على حساب الحقوق الفلسطينية، فإذا كان موقفهم من الحرب الأوكرانية صحوة ضمير، فعليهم تصحيح جريمتهم المعلنة والموصوفة بحق الشعب الفلسطيني وإنهاء العدوان الصهيوني الإِحلالي الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وتقديم ذات الدعم السياسي والعسكري والمالي للشعب الفلسطيني لتحرير أرضه. إن عدوانهم على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، كان عدواناً منظمًا ممنهجًا لوضع الإنسان الفلسطيني على هوامش المجتمعات الإنسانية وإجبار الحكومات التابعة على ممارسة الإلغاء والإلحاق.
إن الحديث عن السيادة وعن العروبة الجديدة التي كشف أمرها تصريح وزير الاحتلال الإسرائيلي هي عروبة صهيونية بامتياز، فليسمح لنا ميقاتي والسنيورة القول: بأن غانتس كشف فحوى عروبتهم ومن يقرر بشأنها، أما العروبة الشعبية العربية، فقد عبر عنها رئيس أركان الجيش الجزائري.
إذن، هما عُروبتان عروبة الأنظمة التابعة وعروبة الجماهير العربية التي يقاتل أبنائها في مختلف الساحات، في تل أبيب، وفي مجال مقاطعة النشاطات الرياضية التي تُفرَض عليهم لِلقاء الرياضيين الإسرائيليين المُحتلِين.
