في السابع عشر من نيسان في كل عام نحتفي بيوم التضامن مع الأسير الفلسطيني، وفي هذه المناسبة أتوجه بداية بتحية الاعتزاز والتقدير لأسرانا وأسيراتنا القابعين والقابعات في سجون العدو الصهيوني، الذين يتصدون بصبرهم وعزيمتهم لهذا العدو، وينتصرون عليه بإرادتهم ووحدتهم، وهذا ما حصل في عملية نفق الحرية بتاريخ ٦/٩/٢٠٢١، عندما حرر ٦ أسرى أنفسهم من سجون العدو في عملية بطولية ونوعية، صحيح إنها انتهت بإعادة اعتقالهم وزجهم في السجون مرة ثانية، وهذا ليس مفاجئا، لكنها قدمت العديد من الدروس والدلالات، أهمها أن الأسرى مصممون على نيل الحرية، ولديهم من الإرادة والعزيمة ما يمكنهم من ذلك، وأن كافة اجراءات العدو لن تحول بينهم وبين حريتهم، حيث سقطت تحت ما قدموه من انجاز وإعجاز.
اليوم هو يوم الوقوف مع الأسرى وتجنيد كافة الطاقات من أجل إطلاق سراحهم، وفي سبيل الحصول على حقوقهم، كما نصت عليه المواثيق الدولية، خاصة اتفاقية جنيف. إن موضوع الأسرى من أهم الموضوعات التي يجب التوقف أمامها باستمرار، وفي كل يوم، وليس في المناسبات فقط، وإذا كانت المقاومة عنوانا لتحرير فلسطين، فإن الأسرى هم الرمز الحي الذي يعبر عن المقاومة.
وفي هذه المناسبة، اليوم وفي كل يوم، نقول لهم لكم منا كل التحية والتقدير وأنتم تدافعون عن الأرض وكرامة الأمة، ونؤكد لهم أننا رغم كافة الجهود المبذولة ما زلنا مقصرين بحقهم، ونستطيع العمل أكثر من أجل تحريرهم، خاصة الفصائل الفلسطينية وبشكل أخص قيادة السلطة والمنظمة، التي لم تبدِ اهتماما جديا بهذه المسألة، عبر السنوات الماضية، بل أهملتها ولم تقم بواجبها نحو الأسرى وهذا بات معروفا للجميع.
وللأسف الشديد، أن هذا الملف يدار من قبل القيادة الرسمية بطريقة عشوائية خاطئة، ولا يوجد خطة جادة لمتابعته، وأن ما يتم القيام به أحيانا من بعض التحركات لا يعدو كونه ردة فعل على استشهاد أسير أو إضراب أسير آخر عن الطعام ومرض آخر. لقد فشلت القيادة فشلا ذريعا في معالجة هذا الملف كما هو حالها في معالجة الملفات الأخرى، وفي مقدمتها ملف الوحدة الوطنية، مما أثار حالة من اليأس والإحباط. ومع ذلك استطاعت الحركة الأسيرة أن تحقق مجموعة من الإنجازات، أهمها استعادة وحدتها في مواجهة العدو الذي عمل على تقسيمها، وهذا ما تجلى من خلال الموقف الموحد الذي اتخذه الجميع بإعلان الإضراب الشامل في كافة السجون من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة، حيث استطاعوا انتزاع حقوقهم وأجبروا الاحتلال على التراجع عن الكثير من القرارات والإجراءات التي اتخذت بحقهم، خاصة بعد عملية نفق الحرية، وانتصروا في معركتهم قبل أن تبدأ وهذا أهم الدروس من وحدتهم (عندما نتحد.. ننتصر).
فالأسرى اليوم يخوضون معركة مواجهة الأحكام الإدارية والتوقيف الإداري ومنذ أكثر من 100يوم، يرفضون فيها المثول أمام المحاكم الإدارية موحدين بعزيمة لا تلين، وكلهم ثقة أنهم سيحققون فيها الانتصار، كما انتصروا في غيرها من المعارك.
وبخصوص أعداد المعتقلين في سجون الاحتلال، فإن الإحصائيات تفيد بالتالي:
١_ بلغ عدد المعتقلين في سجون الاحتلال حتى نهاية العام الماضي حوالي 4850، بينهم أكثر من 40 امرأة و 225 طفلاً.
٢_ بلغ عدد المحكومين إداريا حوالي ال 500.
٣_ بلغ عدد الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد 547 أبرزهم عبد الله البرغوثي المحكوم ب 67 مؤبدا.
٤_ بلغ عدد المرضى في السجون الصهيونية 600 مريض منهم من هو مصاب بأمراض مزمنة، مثل: السرطان والسكر وغيرها وحالتهم في خطر دائم كما هو الحال مع الأسير ناصر أبو حميد.
٥_ وصل عدد شهداء الحركة الأسيرة في السجون أكثر من 230 شهيدا، إضافة إلى المئات الذين استشهدوا بعد خروجهم من السجن، بسبب الأمراض التي ورثوها أثناء فترة سجنهم وبفعل التعذيب لهم.
٦_ يوجد داخل السجون أكثر من 70 سجينا تجاوزت فترة اعتقالهم 20 عاما وهناك من قضى أكثر من 30 عاما، منهم: كريم يونس وماهر يونس، فقد مضى على اعتقالهم أكثر من 40 عاما.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام متحركة وليست ثابتة، حيث قامت سلطات الاحتلال في الفترة الأخيرة بعمليات اعتقال يومية وصلت الى المئات. إن ما تقوم به قوات الاحتلال من عمليات اعتقال وقتل وقمع وتعذيب تشكل تحديا سافرا للمواثيق والقوانين الدولية المتعددة أهمها: اتفاقية جنيف بشأن الاسرى الموقعة عام 1949، واتفاقية حماية حقوق المعتقلين عام 1988، واتفاقية حماية حقوق الطفل الموقعة عام 1990، فهذه الاتفاقيات وغيرها لم تلتزم "إسرائيل" في أي يوم بتطبيقها وضربت بها عرض الحائط، باعتبارها فوق الشرعية.
وإذا كانت "إسرائيل" تجيد سياسة التهرب من الالتزام بالمعاهدات والقوانين الدولية، على منظمة التحرير والسلطة أن ترسم استراتيجية واضحة للدفاع عن الأسرى وحقوقهم والعمل على إطلاق سراحهم، وأن تخوض المعارك في المحافل الدولية دون تردد، خاصة بعد انضمام فلسطين إلى الكثير من المعاهدات الدولية التي تعطيها حق القيام بذلك. إن معركة الدفاع عن الأسرى هي المعركة المقدسة التي يجب خوضها وليست معركة التنسيق الأمني مع العدو، تحقيق ذلك يستدعي العمل على تشكيل لجنة قانونية فلسطينية عربية ودولية، تقوم بدراسة هذا الملف بشكل تفصيلي وتستخرج الوسائل الكفيلة بإلزام دولة الاحتلال بتطبيق واحترام هذه الاتفاقيات والضغط على كافة هذه المؤسسات وقف ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، خاصة في ظل الحرب القائمة في أوكرانيا والتعاطي معها بطرق ومقاييس مختلفة عن التعاطي مع فلسطين ويجب كشف ذلك دوما.
وفي هذا الصدد لا بد من التأكيد على العناوين التالية:
١_ العمل على تطبيق اتفاقيات جنيف ووضع جرائم العدو في إطار المحاسبة ضمن محكمة الجنايات الدولية، وإبلاغ المحكمة الفوري والتفصيلي عن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الاحتلال ضد الأسرى والمطالبة بالمحاسبة عليها.
٢_ الدعوة لتشكيل محكمة خاصة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر في جرائم العدو وممارساته ضد الأسرى والعمل على تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، تقوم بدورها في متابعة ذلك وتوثيقه ورفعه للأمين العام من اجل رفعها للأمم المتحدة.
٣_ العمل على تعبئة الرأي العام المحلي والدولي ضد ممارسات العدو بحق الأسرى من نوع التعذيب، الإهمال الطبي، العزل الانفرادي، هدم البيوت، واعتقال أسر المناضلين.. الخ.
٤_ مطالبة الحكومة السويسرية باعتبارها راعية اتفاقيات جنيف الدولية الخاصة بشأن الأسرى، بتفعيل اتفاقية عام 1949 وبروتكول عام 1977 والدعوة لعقد اجتماعات دولية، من أجل بحث هذه الاتفاقيات ووضعها موضع التنفيذ.
٥_ العمل مع الاتحادات البرلمانية العربية والدولية، من أجل تكثيف الضغط على دولة الاحتلال لإلغاء القوانين العنصرية التي تمارس بحق المعتقلين الفلسطينيين.
٦_ تفعيل الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية والشعبية، من خلال السفارات والمنظمات الشعبية والفصائل، وإعادة الاعتبار لقضية الأسرى والتركيز عليها، باعتبارها قضية إجماع وطني.. قضية دفاع عن الوطن والإنسان وليست قضية إرهاب كما يروج العدو.
والآن وبعد أن أصبحت فلسطين طرفا في الكثير من الاتفاقيات الدولية، يتوجب على الجهات المختصة، أن تقوم بإعداد التقارير الشاملة وتقديمها لكافة الجهات الدولية المختصة وتحميلها المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن عدم القيام بدورها في هذا الشأن، وعلى القيادة أن تضع قضية الأسرى على رأس أولوياتها في كافة التحركات.
إن مجابهة الاحتلال على الجبهة القانونية لا يقل أهمية عن مجابهته على الجبهات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بل بتفوق عليها أحيانا، وعلينا كفلسطينيين أن نخوض معارك المواجهة مع هذ العدو بكل اقتدار من أجل أن ننتصر فيها.
وفي هذه المناسبة التي نتحدث فيها عن الأسرى لا يجوز أن ننسى الأسير البطل جورج عبدالله القابع في السجون الفرنسية منذ أكثر من 38 عاما ولم تفرج عنه السلطات الفرنسية، رغم انتهاء محكوميته بفعل الضغوطات الصهيونية. نتوجه له بالتحية وندين الموقف الفرنسي ونطالب بالإفراج الفوري عنه، ونؤكد على أهمية أن يرتفع الصوت عاليا لإطلاق سراح جميع أسرى الحرية والمقاومة.
لقد حان الوقت الانتقال من حيز القول إلى حيز العمل والفعل، فأسرانا الذين نفتخر بنضالاتهم وشجاعتهم وصمودهم لا يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم.. إنهم يدافعون عن الأرض والوطن والهوية وعن شرف وكرامة الأمة، وعلينا أن نكون بجانبهم ندعمهم في كافة معاركهم بكل ما نملك، ونحن على ثقة أن يوم تحريرهم أصبح أقرب من أي وقت مضى وهو قادم لا محال والاحتلال إلى زوال.