على العكس تماماً من كل ما يروج من أكاذيب إسرائيلية سواء على صعيد تفوق القوة النوعي كما يتغنى به الإسرائيليون أو على صعيد الترويج للرواية الإسرائيلية المغلوطة عن ملكية اليهود لدولة فلسطين ونفى أي حقوق للشعب الفلسطيني وعلى العكس من كل أجواء السلام الذى يراه الإسرائيليون على أنه استسلام عربي ، على العكس من كل ذلك يعيش كيان الاحتلال حالة غير مسبوقة من الانقسام الداخلي الحاد وتفاقم الأزمة الأمنية وتداعى المقومات الأساسية لنظرية الأمن الإسرائيلية لأسباب كثيرة في مقدمتها تعاظم كرة الغضب الفلسطينية وتنامى العمليات الفدائية سواء داخل الكيان نفسه أو على أراضي الضفة الغربية المحتلة، وهى الحالة التي تعتبر الوجه الآخر لسياسات حكومة الاحتلال وجماعات المستوطنين والمتطرفين اليهود ضد الشعب الفلسطيني وضد القدس المحتلة وفى القلب منها المسجد الأقصى. تراجع رئيس حكومة الاحتلال نفتالى بينيت أمس الأول الأحد في اجتماع حكومته عن تفاهمات سبق التوصل إليها مع الأردن حول حرمة الحرم القدسي ومنع اقتحامات المستوطنين الاستفزازية لساحات الأقصى تعتبر مؤشر ضعف أكثر مما هي مؤشر قوة ودليل على هشاشة الاستقرار الحكومي الذى أضحى معرضاً للخطر بسبب موجة الاستقالات المتتالية من حزب "يمينا" الذى يتزعمه نفتالى بينيت وبسبب انكشاف ضعف القبضة الأمنية وعجز سلطات الاحتلال عن توفير الأمن والحماية لمواطني الكيان في ظل الموجة الجديدة من عمليات المقاومة والتي كانت آخرها عملية «إلعاد» التي وقعت بالقرب من مدينة تل أبيب. كما تعتبر تهديدات نفتالى بينيت بشن اعتداء عسكري ضد قطاع غزة استجابة للضغوط السياسية والإعلامية بضرورة الانتقام من المحرضين لما يسمونه «العمليات الإرهابية» المتصاعدة ضد الإسرائيليين وفى مقدمتهم يحيى السنوار رئيس حركة «حماس» في قطاع غزة، وصالح العارورى رئيس «حماس» في الضفة الغربية المحتلة هي الأخرى مؤشرات ضعف تكشف عجز بينيت عن مواجهة تصعيد اليمين المتطرف لحكومته. يؤكد هذا الضعف ذلك الرفض القوى من أركان الحكومة لاقتراح بينيت بشن هجوم عسكري على قطاع غزة وخاصة رفض كل من يائير لابيد نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية وبينى جانتس وزير الحرب حسب تأكيدات الصحفي يعقوب باردوجو المعلق الصحفي لإذاعة جيش الاحتلال الذي كشف عن توتر شديد في الحكومة الإسرائيلية وقال إن المسئولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين يعارضون بشدة هذه الخطوة التي اعتبروها «خطوة طائشة لأغراض انتخابية». لم يأت هذا التوتر من فراغ لكنه تعبير مباشر عن العجز في توفير الحماية اللازمة للإسرائيليين من ناحية وعن العجز في الاستجابة لمطالب المتطرفين من المستوطنين وعتاة اليمين اليهودي سواء ما يخص المسجد الأقصى أو ما يخص الحرب على قطاع غزة. هذا العجز أكدته تحذيرات «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» السبت الفائت (7/5/2022) من أن احتمال استهداف إسرائيل قادة المقاومة سيكون «إيذاناً بزلزال للمنطقة»، وقال الناطق العسكري باسم تلك الكتائب إن معركة «سيف القدس» (التي وقعت في شهر رمضان من العام الماضي رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى)، ستكون حدثاً عادياً بما سيشاهده العدو، وسيكون من يأخذ هذا القرار (تصفية يحيى السنوار أو أحد قادة المقاومة) قد كتب فصلاً كارثياً سيدفع ثمنها غالياً بالدم وبالدمار. رفض أركان الحكومة لمقترح شن هجوم على قطاع غزة لم يأت منفصلاً عن هذه التهديدات الفلسطينية التي أضحى في مقدورها «ردع الإرادة الإسرائيلية»، لكن هذا العجز الأمني ليس المعضلة الإسرائيلية الوحيدة التي تواجه كيان الاحتلال. فقد حصر الكاتب «عاموس أرئيل» عدة تهديدات، من وجهة نظره، تواجه كيان الاحتلال، ففي مقال له بصحيفة «هآرتس» تحت عنوان «أربع تهديدات مصيرية تواجهها إسرائيل» كتب أرئيل أن أول هذه التهديدات هو «الديموجرافيا الإسرائيلية- الفلسطينية»، معتبراً أن عام 2020 كشف عن تفوق في عدد الفلسطينيين على الإسرائيليين على كامل أرض فلسطين تحت الانتداب (أي كل فلسطين من النهر إلى البحر). وتوقع زيادة الفجوة على المديين المتوسط والبعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال: سيتزايد الإدراك العالمي لهذه الحقيقة، وتوقع أن تواجه إسرائيل في ظل هذا الخلل صعوبة كبيرة في مواصلة سياسة الاحتلال وسوف تضطر للتسليم بخيار «الدولة الواحدة» وليس فقط «خيار الدولتين» خصوصاً وأن الجيل الجديد من شباب الفلسطينيين فقد نهائياً كل الثقة فى جدية حل «الدولتين» وأضحى خياره الوحيد هو «الدولة الفلسطينية الواحدة على أرض كل فلسطين». أما التهديد الثاني فهو تراجع سيطرة الدولة الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين في المدن المختلطة بين الفلسطينيين واليهود داخل كيان الاحتلال، التهديد الثالث هو عجز الجيش الإسرائيلي عن التصدي للهجمات سواء ما هو داخلي منها أو ما هو خارجي. يبدو أن مجمل هذه التهديدات هي المسئولة عن تفشى ظاهرة «الكراهية والانقسامات» التي تجتاح المجتمع الإسرائيلي على نحو ما رصده «افرايم غانور» الباحث السياسي في مقال نشره بصحيفة «معاريف» الإسرائيلية قال فيه إن «الإسرائيليين يحيون تأسيس دولتهم في عامها الرابع والسبعين والأرض تهتز من تحتهم غاضبة وقلقة». هذا الأمر نفسه أدركه إيهود باراك رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق الذي أبدى تخوفه من تعرض كيان الاحتلال إلى ما يسميه «لعنة العقد الثامن» وأن تزول إسرائيل قبل حلول ذكرى تأسيسها الثمانين. في مقال نشره في صحيفة «يديعوت احرونوت» ذكر باراك أنه «خلال التاريخ اليهودي فإنه لم تعمر لليهود دولة لأكثر من ثمانين عاماً، إلا في فترتين الأولى: فترة الملك داوود، والثانية هي فترة (الحشمو نائيم) وفى الفترتين فإن بداية تفكك كلتهما كانت في العقد الثامن». واختتم باراك مقاله بالقول إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وقال «نخشى أن تنزل عليها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقاتها». هل سيدعم التاريخ توقعات إيهود باراك ويسقط «الحلم الصهيوني»؟ هذا هو الكابوس الذى يعيشه الإسرائيليون هذه الأيام رغم كل محاولاتهم لإخفائه .
