Menu

هي فلسطين تستحق كل هذا العشق وكل هذا التعب...!

نصّار إبراهيم

يوم الارض 22

 هي الأرض تخرج أثقالها وتحدث مالها.. لا تنتظر إذنا من أحد... إليها مشيت كمن يصلي.. مضيت أصغي لهمسها العميق... كجندب تعربشت المنحدرات... تأملت التفاصيل كفراشة تنسج ألوانها من وحي الأرض... أو من وعي نملة تمضي لشأنها بصبر جميل... اصغيت جيدا لأحاديث الحجارة والأعشاب... هناك عصفور يقف على حجر مقيم هنا منذ الأزل ليحرس فكرة عشبة... أشياء صغيرة.. لا تنتظر أن يمر عليها أحد... تمارس حياتها بكل بساطة... بكامل جمالها وبكامل فلسطينيتها وبكامل ذاكرتها... من بعيد بعيد غنت بومة مع الريح مقام الصبا... قطع ثعلب خط الأفق... نظر إلي من مسافة آمنة ومضى مع التلال حيث يقوده حدس الوجود.
سرت.. وقفت.. جلست.. نهضت.. صمت.. قال قلبي: كم هذه الأرض رائعة مدهشة وجميلة... 
ابتسمت وحدي لفكرة عابرة...قلت: يتوهم العابرون أنهم قادرون على شطب ذاكرة هذه الأرض... هم لا يعرفون أن ذاكرة حجر صوان أو زهرة أو شوكة أو فراشة أو نملة أو تلال ومنحدرات تعانق مغيب الشمس هنا لا يمكن أن تغادر أرضها.. لا يمكن أن تتحدث لغة غير لغتها... فقد تعلمت أبجدية الحياة والتاريخ من ناس كانوا هنا منذ زمن التكوين الأول...
 جلست على ذروة الوعي والتلال.. فايقظ نبض الأرض في أعماقي حكايات أليفة... غمرني إحساس بالحنين في حضرة هذا الجمال البهي العفوي... شرقا في الأفق البعيد كانت تلوح كالضوء منحدرات الأردن... كم كانت قريبة.. ولكنها بدت بعيدة جدا.. سألت: هل الفراشات هناك يا ترى تشبه الفراشات هنا، والأعشاب والأشواك والنملة تشبه النملة هنا...!؟.
هنا ناصية الوعي المقدس للأرض... إنها فلسطين التي تستحق كل هذا العشق وكل هذا التعب. 
• الصور: براري دار صلاح والشواروة شرق بيت لحم/بيت ساحور – 29 آذار  2017