Menu

نحو نهوض فصائلي وطني في مواجهة الانقسام والتصفية

محمّد جبر الريفي

فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي مضى على تشكيلها ما يقارب نصف قرن، كانت في معظمها تقدم نفسها للشعب الفلسطيني ولجماهير الأمة العربية ولحركات التحرر الوطني بصفة عامة بصفتها محاولة لإطلاق مشروع ثوري جديد، وصياغة لبرنامج سياسي أكثر تقدما حتى يضمن لها التفافا جماهيريا واعترافا من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية، لهذا ازداد عددها بسبب عدة عوامل ذاتية وموضوعية، وعكست نفسها بصورة سلبية على النهج الكفاحي للشعب الفلسطيني كتعبير سياسي وتنظيمي مشوه، حيث تعتبر هذه الحالة السياسية التنظيمية الفلسطينية التي نجمت عن الانقسامات والانشقاقات في حد ذاتها ظاهرة غير طبيعية، لم تكن مألوفة كثيرا في حركات التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث التي اقتصرت العملية الكفاحية فيها على حركتين أو ثلاث، كل منها كان يشكل في حد ذاته قطبا سياسيا وفكريا بعيدا عن الشرذمة الكمية.

فصائل منظمة التحرير الفلسطينية هذه حتى تكون قادرة على استكمال مهمات الثورة الوطنية الديموقراطية بما فيها مهمة الوحدة الوطنية التي أصابها شرخ الانقسام، مدعوة الآن أكثر من أي وقت مضى لتجديد نفسها وتجديد قياداتها وكوادرها وتجديد أطرها وطرق أساليب عملها، وذلك كضرورة سياسية ووطنية في ظل الوضع السياسي الداخلي الراهن، حيث يرزح الشعب تحت ثقل الاحتلال الصهيوني والانقسام السياسي البغيض وفي مرحلة سياسية هامة تواجه بها القضية الفلسطينية مشروعا خطيرا للتصفية من قبل التحالف الأمريكي الصهيوني، بدأ بتطبيقه في قضيتي القدس واللاجئين، حيث في القضية الأولى تم مصادرة الحق الوطني والديني بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، وفي القضية الثانية تقرر وقف التمويل الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، كخطوة على طريق إلغاء لحق العودة التي أقرته الشرعية الدولية. ذلك أن ثمة إدراك في الشارع الفلسطيني الآن لحقيقة الضعف الذي تعانيه فصائل منظمة التحرير الوطنية، وأن المواقف السياسية التي يعلن عنها في المناسبات الوطنية و عبر الخطب في الاحتفالات والمهرجانات وفي والبيانات اللفظية، ليست كل هذه كافية على قيام الفصائل بمهمتها النضالية في مواجهة الانقسام السياسي البغيض المستعصي على الحل، على الرغم من توقيع العديد من الاتفاقيات وإنهائه إلى الأبد، كمصلحة وطنية عليا فوق المصالح التنظيمية و الفئوية، وكذلك أيضا وبنفس الدرجة ليست كافية لمواجهة ما يخططه الحلف الأمريكي الامبريالي الصهيوني من تسويات إقليمية ودولية للالتفاف على الحقوق الوطنية المشروعة، مسايرة لنهج الواقعية السياسية الذي يترجم الآن في المنطقة العربية عبر اجراءات التطبيع المجاني والدعوة إلى الاعتراف العربي بالكيان الصهيوني العنصري، وقبل استعداده لتقديم أي تنازلات من طرفه في إطار عملية ما تسمى بالسلام.

 في موضوع الانقسام السياسي فقد ساهم الضعف الذي تعانيه الفصائل الوطنية الفلسطينية في إطالة عمر هذا الانقسام البغيض، الذي مضى عليه الآن أكثر من إحدى عشر عاما دون أن يجد طريقه إلى الحل، وهذه المدة ما كانت لتطول لو كان لفصائل منظمة التحرير القدرة على تحريك الشارع الفلسطيني والتأثير فيه لإحداث الضغط المطلوب الفاعل على طرفي الانقسام السياسي، وذلك لجعل المصلحة الوطنية العليا فوق المصلحة التنظيمية والفئوية. فخلال إحدى عشر عاما وهو عمر الانقسام السياسي، لم يكن لفصائل منظمة التحرير أي دور فعلي على مستوى الشارع الفلسطيني واقتصرت فاعليتها فقط على المشاركة في المباحثات التي تجرى بين الفترة والأخرى في القاهرة لتحقيق المصالحة الوطنية، أي أن طيلة هذه المدة وحتى الآن وهي باقية قوة هامشية على خارطة النضال السياسي من أجل إنهاء الانقسام السياسي وتحقيق الوحدة الوطنية.

أما موضوع الموقف الأمريكي وعنوانه البارز الآن قرارات ترامب التصفوية في إطار ما تسمى بصفقة القرن، فإن الواقع أن شعبنا والفصائل جميعها في داخل الوطن أو في الشتات يعيش الآن صدمة هذا الموقف الإمبريالي العدواني العنصري، الذي خرج عن إطار الانحياز المألوف الذي درجت على ممارسته السياسة الأمريكية بخصوص القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني بشكل عام، ليصبح عدوانا صارخا على الحقوق الوطنية، وقد يكون ذلك الموقف الأمريكي فرصة ثمينة مواتية للفصائل الوطنية كي تعزز وجودها في إطار منظمة التحرير وفي الساحة السياسية الفلسطينية وتبرز كقوة فاعلة في مواجهة الانخراط في أي تسوية تصفوية قادمة. ومع الصدمة السياسية من جراء تعدد الأخطار التي تواجه القضية الوطنية ومن جراء الضعف السياسي التي تعاني منه الفصائل الوطنية يتولد عند الشعب الفلسطيني أيضا اليأس وخيبة الأمل من استمرار دوامة المباحثات عن المصالحة وازدياد الحديث عن مسألة التهدئة مع الكيان الصهيوني وفي ظل ذلك يحقق العدو هدفين كبيرين له في موضوع القدس وفي موضوع الأونروا، وإذا ما استمرت الحالة الفلسطينية على ما هي عليه من الانقسام والتشرذم الفصائلي ودون صياغة استراتيجية وطنية كفاحية فيها تجديد لسمات الصراع وقوانينه، فإن الترجمة العملية لذلك ستكون لا محالة على حساب مستقبل المشروع الوطني برمته، الذي مضى عليه بصورته الحالية سبعين عاما أي منذ النكبة عام 1948، ولم يحقق حتى الآن أي هدف استراتيجي من أهدافه المعلنة .