Menu

في ظل حاجتهم للوظيفة..

مخالصات وهمية تجرّد عمالًا بغزة من كل حقوقهم.. رضوخًا لابتزاز مُشغّليهم

أنسام القطّاع

صورة تعبيرية

غزة _ خاص بوابة الهدف

يلجأ بعض المشغّلين إلى تحرير مخالصاتٍ مع موظفين يعملون لديهم لتحقيق مكاسب شخصيّة، على حساب حقوق العمال وقوت يومهم، وهو ما يراه العاملون "إجحافًا وظلمًا، لا مفرّ منه" في ظلّ ابتزازهم من قبل أرباب العمل ومساومتهم على قطع أرزاقهم إذا رفضوا توقيع تلك المخالصات.

وفق قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لعام 2000، من حق العامل الذي مضى على عمله أكثر من عام، الحصول على راتب شهر عن كل سنة، في حال استقال أو تمّ فصله تعسفيًا. إلّا أنّ بعض أرباب العمل يتحايلون على هذا القانون، بحجّة تردّي الوضع الاقتصادي، فيتنكّرون لحقوق عمالهم.

ويُجبر المشغّلون العاملين على توقيع أوراق يدّعون أنها قانونية، تُبرّئ ذمّة أصحاب العمل، بادّعاء حصول العامل على جميع مستحقاته المالية، التي في الحقيقة لم يتقاضى منها شيئًا، وبهذا يضيع حق العامل بها.

اضطرّ العامل زياد، الذي كان يعمل خياطًا في إحدى مصانع الخياطة بمدينة غزة، إلى الرضوخ لرغبة صاحب المصنع والتنازل عن حقوقه كافة، خوفًا من أن يفقد عمله.

صاحب العمل أخذ زياد على مقرّ وزارة العمل ب غزة (مكتب العمل)، في مركبته الخاصة، وحرّر هناك المخالصة المالية التي تفيد بتسلّمه مبلغًا قدره نحو 12 ألف شيكل، تسلّمها العامل بالفعل. لكنّ بمجرد خروجهما من الوزارة أخذ رب العمل المبلغ كله من زياد، وحينها لم يعترض الأخير ليبقى على رأس عمله.

بعد شهرٍ من توقيع المخالصة الوهمية، خسر العامل زياد عمله وحقوقه في آنٍ، بعد أن طرده مديره وأنهى عمله، ليزجّ به في دوّامة الفقر والبطالة وتردّي الوضع المعيشي، ومضى على هذا الحال أكثر من 7 سنوات.

بعد فشل كل المحاولات الودّية لاستعادة حقوقه لم يجد أمامه سوى المحاكم، فرفع قضية بالعام  2012 ضد صاحب العمل، ورغم مرور عدة سنواتٍ لم يصدر الحكم، لصعوبة إثبات أنّه لم يحصل على حقوقه.

هذه الحالة، وغيرها حصلت عليها "بوابة الهدف" من مركز الديمقراطية وحقوق العاملين في قطاع غزة. المعاناة ذاتها يعيشها العامل إيهاب، الذي عمل طوال 4 سنوات في مخرطة حدادة، وخوفًا على عمله وقوت أطفاله، تنازل عن حقه أكثر من مرّة، بدءًا بقبوله بالحل الودي بأن يتقاضى 2٤٠٠ شيكل عن سنوات عمله، وانتهاءً بتنازله عن مستحقاته كافة.

العامل إيهاب، وكسابقه، وقَّع على مخالصة مالية في "مكتب العمل" تُؤكّد حصوله على مستحقاته كاملةً، وقبضَ المبلغ بيده، لكنّ فور الخروج من المكتب استعاد صاحب العمل المبلغ كلّه. وبهذا فهو وفق القانون برّأ ذمّة صاحب العمل من دون الحصول على أيّ شيء من مستحقاته، وبعد مضيّ أسبوع طُرِد إيهاب من عمله.

العمال، الذين لا حول لهم ولا قوة، ظنّوا أنّه لا مفرّ من الاستجابة لشروط أصحاب العمل، في سبيل البقاء على رأس عملهم، في ظلّ التدهور الاقتصادي والأزمات المعيشية الحادّة التي قصمت ظهر المواطنين، ومعدلات البطالة والفقر المتفاقمة.

المستشار القانوني في مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، المحامي علي الجرجاوي، قال لبوابة الهدف "يتهرب كثيرون من أصحاب العمل من دفع حقوق عمالهم بحجة تردي الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، وعدم قدرتهم على دفع المستحقات المالية للعمال، فيقومون بإجبار العامل تحت الضغط والإكراه على أن يوقع على مخالصة مالية تفيد بأنه استلم كل مستحقاته بدلًا من إعطائه حقوقه القانونية".

وأوضح الجرجاوي أنّ "قانون العمل رقم (7) لعام 2000 نصّ على مجموعة من الحقوق، خاصة فيما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة للعمال، وحسب المادة 45 منه، فإنّ: للعامل الذي أمضى سنة من العمل الحق في مكافأة نهاية خدمة مقدارها أجر شهر عن كل سنة قضاها في العمل على أساس آخر أجر تقاضاه دون احتساب ساعات العمل الإضافية، وتحتسب لهذا الغرض كسور السنة".

"يضع صاحب العمل ورقة المخالصة أمام العامل، وتكون مستوفيةً الشروط كافة، من مكافأة نهاية الخدمة، والإجازات وغيرها من الحقوق، ويضطر إلى توقيعها بسبب حاجته للعمل، الذي سيفقده في حال لم يوقع"، وفق الجرجاوي.

وأوضح أنّ هذه المُخالصات تُحرر من قبل محامين، وبها يضمن صاحب العمل حقه، وهذا يجعل الطعن فيها صعب الإثبات، لعدم القدرة على إثبات أنّه لم ينَل مستحقاته بالفعل.

"بوابة الهدف" توجهت إلى مدير العلاقات العامة بوزارة العمل بغزة، رفيق أبو الجبين، الذي أقر بأنّ بعض أصحاب العمل يُجبرون عمال على توقيع مخالصات مالية تحت الضغط والابتزاز.

وأوضح "أنّ المشغلين يلجؤون إلى مكاتب محاماة من أجل تدوين مخالصات عمالية، إما حسب القانون، بإعطاء العامل مستحقاته كاملةً أو جزءًا منها. وأحيانًا يوقع العامل على المخالصة تحت الضغط دون استلام المال حتى لا يترك عمله".

وقال "إنّ وزارة العمل لا تعترف بالمخالصات طالما لم يعترف بها العامل"، في حين ناقض هذا بالقول إنّ "المخالصة إن حُررت في مكتب العمل، واستوفت الشروط، وتم قبض المبلغ المالي نقدًا أو من خلال (شيكات)، يتم اعتمادها" ولا ذنب للوزارة إن أنكر العامل المخالصة بعد طرده من العمل، وبرر هذا بأنّ "الوزارة ليست حارسة للعامل وأمواله من بعد خروجه من المكتب"، في إشارة إلى اضطرار العمال إلى إرجاع المبالغ المُستلَمة من صاحب العمل إليه بعد توقيع المخالصة.