Menu

السودان والمستقبل المدني

د. سامي محمد الأخرس

حمل الشعب السودان ي في ثورته بوادر لم تحملها بعض الحراكات العربية الشعبية التي اندلعت أواخر عام 2010، رغم اختلاف الساحة السودانية عن معظم الساحات العربية التي شهدت حراكات سواء من حيث التركيبة الآثنية، أو التركيبة الطائفية، وإن تشابهت لحد ما مع اليمن في بعض الجوانب، ومن هذه البوادر حالة الوعي والحرص التي انطلق منها الشعب السوداني وقواه الحية على وحدة السودان من ناحية، وسلمية ثورتهم من ناحية أخرى، وعدم الإنزلاق للتصادم المسلح مهما كانت التضحيات أو مهما تصاعدت وتيرة الأمور وقمع النظام وقواته الشرطية أو الأمنية، رغم أن التركيبة السودانية تشهد من عقود حراكات مسلحة في بعض المناطق، وتمرد في مناطق أخرى، وتباين شديد في التركيبة الطائفية الأثنية في الوحدة الجغرافية السودانية، وتدخل العديد من القوى الإقليمية والدولية في الساحة السودانية، وربما يعود السبب الأساسي في أوجه الاختلاف مما حدث في السودان لعوامل أساسية تتجلى في التالي:

أولًا: أن اليسار السوداني هو من قاد حراك الشعب السوداني، ونظم ثورته وتحدياتها، وقادها عبر النقابات المهنية والعمالية، وحفاظ اليسار السوداني بقواه المهنية على روح الثورة وأهدافها الأساسية بالعمل من خلال الجماهير وبالأساليب التي تحافظ على عاملي الوحدة والسلمية، وهو عكس ما حدث بالبلدان العربية التي قفزت بعض قوى الإسلام السياسي على الساحة ولجأت للعنف المسلح وتأطير الجماهير وتحريضها دينيًا، وتحويل الصراع من شعبي ومطلبي ديمقراطي إلى عقائدي في أحد أوجهه، وطائفي في الوجه الآخر.

ثانيًا: تحييد القوى الإقليمية العربية على وجه التحديد وعدم السماح لها بممارسة ما مارسته في بعض الساحات كاليمن، و ليبيا ، وسوريا، وترك مساحة واسعة لهذه الدول في التحرك في العمق السوداني، ووقوف القوى السودانية الديمقراطية في وجه أي محاولات اختراق لهذه الجبهة الصلبة.

ثالثًا: عدم الإنجرار من القوى الديمقراطية السودانية خلف الاستفزازات العسكرية، والقمع الأمني، والثبات على المبادئ العامة التي أطلقتها القوى الديمقراطية وتجمع المهنيين السودانين، حتى بعد فض اعتصام وزارة الدفاع وسقوط العشرات لم يتم التحرك بردة فعل.

رابعًا: إصرار القوى الديمقراطية على تحقيق كل أهداف الثورة، ورفض وجود أو استلام أي شخصية أو قوة متنفذة سابقًا في النظام كما حدث بعيد إعلان تنحية البشير وتعيين المجلس العسكري بتكوينه الأول وبشخوصه المتنفذين في النظام السابق، حتى تم تنحيتهم والاستجابة لمتطلبات القوى الديمقراطية.

خامسًا: التعامل بروية وتروي من قبل القوى الديمقراطية مع مخرجات الحالة الثورية الشعبية والواسطات الإقليمية، والتمسك بالثوابت العامة للقوى الديمقراطية وللشعب السوداني، وعدم التعجل للقفز على منصات السلطة والتنصيب، مما يؤكد أن القوى الديمقراطية استطاعت أن تكبح جماح شهوة السلطة في مكوناتها، والوصول إلى الأهداف الشعبية للثورة.

سادسًا: التأريخ والتجارب السابقة للانقلابات والتحركات السودانية التاريخية كان يشكل درسًا نافذًا أمام القوى الديمقراطية السودانية التي استحضرت معظم هذه التجارب والمتغيرات واستفادت منها.

سابعًا: الفترة الزمنية الطويلة نسبيًا التي استمرت بها الثورة السودانية لعدة أشهر عكس الحراكات العربية التي لم تستكمل عدة أيام.

وعليه فإن ما وصلت له الثورة السودانية وإعلان الدستوري الذي جرى أول أمس هو أحد أهم منجزات الثورة في طريق إعادة بناء السودان المدني الديمقراطي، وفق الأهداف والتطلعات التي يأمل ويصبوا لها الشعب السوداني، وخطوة في الطريق الصحيح لبناء سلطة مدنية تعيد للشعب السوداني سلطاته التي افتقدها لعقود طويلة وفق الحكم العسكري، الذي كان يقوم على أركان عسكرية تأتي بالانقلابات وتحركات الجيش السوداني وضباطه.

ولكن رغم ذلك فالمعركة قد بدأت ولم تنته بعد وخاصة فيما يتعلق بالنضال المهني الديمقراطي للقوى الديمقراطية التي يجب أن تكون أكثر قوة وحيوية في الشارع السوداني، الذي يمتلك من الوعي لتحديد مصيره المستقبلي بعيدًا عن قوى الإحتواء العقائدية المستنسخة من التجارب السابقة.