Menu

حول مفهوم الشرعية

حاتم استانبولي

الشرعية مفهوم تغيرت دلالاته عبر التاريخ الإنساني ارتباطا بتطور المجتمعات الإنسانية, حيث كانت هنالك ضرورة لتنظيم امورها المعيشية والاقتصادية والاجتماعية . وهو مفهوم يقوم على اساس ممارسة السلطة التشريعية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية, نيابة عن المجموع, حيث ان البقية الباقية من المجتمع هو منشغل في تامين مقومات استمراره.

وأول من مارس الشرعية في التاريخ الإنساني هي المرأة حيث كانت تمتلك الشرعية في انتاج القوة المنتجة للمجتمع, الذي كان يقوم انتاج الخيرات المادية فيه بناء على امتلاك القوة الجسدية , وهي كانت العامل الثابت في العلاقة بينها وبين الرجل , وهي التي كانت تقوم بانتاج وسائل ومتطلبات المعيشة الإنسانية.

ومع تطور وسائل وعلاقات الإنتاج انعكس ذلك على الجماعة وتحولت الى قبيلة, وتغيرت شروط ومتطلبات إدارة شؤونها واصبح العامل الحاسم في شرعية ادارتها هو الحفاظ على استمرار القبيلة اي تامين شروط حمايتها من كافة المخاطر المحيطة ان كانت داخلية او خارجية .

وتطورت صيغة الشرعية واصبحت تمارس قيادتها للمجتمع عبر مجموعة من القوانين والتشريعات. ودائما كان العامل الحاسم والمقرر في استمرار شرعية الإدارة هو العامل الداخلي, وعندما تطورت وسائل الإنتاج وعلاقاتها لما نحن فيه أي صيغة الدولة التي هي الجامع والحامي للمجموعات البشرية التي انطوت تحت ادارتها بحكم العقد الاجتماعي التاريخي, واصبحت جزء من مجتمع عالمي منقسم لعدة دول, استمر العامل المقرر في بقاء الدولة هو العامل الداخلي, وهنا اقصد محصلة توازن القوى الداخلية للقوى الاجتماعية المتفقة طوعا على صبغة وشكل الدولة القائم.

وشرط الطوعية عامل هام ومقرر في بقاء التوازن الداخلي للمجتمع والدولة.

ومع تطور وتداخل الاقتصاد العالمي وتمركزه, اصبحت صيغة العلاقات القائمة بين المجتمعات والدول عامل معيق لتحقيق مصالحها الاقتصادية, واصبح موضوع تغيير صيغة العلاقات الدولية القائمة مطلب مهم لمراكز راس المال العالمي.

وهنا ظهر شكلين للتغير الأول: يقوم على اساس التفاهمات في حل التعارضات بين مراكز رأس المال, والآخر يقوم على تغيير صيغة الدولة وشكل العلاقات القائمة بين قواه الداخلية.

وهنا بالعودة للماضي القريب نرى أن صيغة التفاهمات, بين مراكز رأس المال عبرت عن نفسها بمجموعة من الاتفاقات الدولية ذات الطابع الاقتصادي, كاتفاقية التجارة الحرة والبنك الدولي والعديد من المنظمات الأخرى.اما في الجانب الآخر فقد كانت سيناريوهات أخرى معدة للتغير.

أما عن الدول (المنطقة), وهي الدول التي تكون مركزا للمواد الخام, وكذلك مركزا للاستهلاك. فإن التغيير فيها كان قائما على ضرورة تفكيك واعادة تركيب صيغة الدولة القائمة. وهنا لعب العامل التاريخي والسياسي دورا في هذا الخيار بحكم وجود خصوصية للمنطقة, تتمثل في استمرار وجود وحماية (اسرائيل).

واتبع طريقتين في معالجة أمورها الأولى في (الدول الكمبرادورية), اعادة انتاج لصيغة الدولة الكمبرادورية القائمة وتجميلها شكلا, والثانية في الدول (المتمردة), تدمير صيغة الدولة التي تتعارض في سياساتها ودورها التاريخي في تشكيل المجتمعات القائمة مع سياسة مركز راس المال.

وبذلك فقد طرأ تغير على مفهوم الشرعية، وأصبح المقرر فيه ليس العامل الداخلي وانما العامل الخارجي , وبذلك فان الحديث عن اية شرعية وطنية لا يستقيم مع استمرار وجود وهيمنة القوى الكمبرادورية الناشئة والمتحكمة في مراكز القرار السياسي والاقتصادي.

والقوانين التشريعية ان كانت سياسية او قانونية تملك شرعيتها بمدى توافقها مع سياسة دول مركز راس المال , وتتحول الشرعية الداخلية لشرعية خارجة عن القانون الدولي اذا خرجت عن قرار راس المال. وتاخذ العصابات والقتلة شرعية وحماية دولية طالما هم ينفذون مصالح وقرارات راس المال.

فمفهوم الشرعية اصبح لا علاقة له بالموافقة الطوعية للقوى الاجتماعية في صيغة الدولة او السلطة  القائمة, وبذلك يكون قد خرج عن مفهومه الجمعي الطوعي.